
والآن تعالوا جميعا، واتركوا كل ما بأيديكم، وانسوا ما يشغلكم؛ لنقف إجلالا لهذا العَلَم الشامخ بطوله، وهو يرفل بالجد؛ الرجل البذخ رجولة، والمجد يتدثر به، ليس العجب بمن تعلم صغيراً، ونال قسطه من التعب، والكفاح؛ إنما العجب -وهنا تكمن المعجزة- فيمن يتعلم وهو كبير، بل ويصر بكل فخر، واعتزاز ؛ إذ أن النفوس الكبيرة، والهمم العظيمة، لا تبالي بحسابات البشر القاصرة.. نحن إذن إزاء طراز رفيعٍ جدا جدا، وإلى أبعد ما يتصوره عقل، ويفكر به ذي لب، الأستاذ، و الشيخ أحمد عبد الجليل سيف المليكي؛ قصص تتحدر كشلالٍ هادرٍ يقتلع من أعماقك كل عجز، ويسوقك عنوة للأعالي؛ حيث يليق بقمم الريادة أن تكون.
تقرأ جزءا من سيرته، وسرعان ما تعود لقراءة تاريخ مولده؛ لتتأكد؛ هل هو من جيل الصحابة أم من العصر الحديث؟ فكل جزئية منها تأسرك، تأخذك، تدفعك، تتقدم بك، تمنحك فردوس الحياة.
قد نكتب -قليلا كان أو كثيرا- عن شخصيةٍ ما، فنختزل الأحداث في أسطر، ونلخص العمر الثمين ببضع صفحات؛ ولكن أنَّى لنا ذلك، ونحن في مستهل بطلٍ تهابه الأبطال، مَن يستطيع فِعل ما فعله الأستاذ/ المليكي، وبحدود عمرٍ ليس بالطويل؟ مَن له القدرة على أن يكون طالبا، ومعلما؛ جنديا، وقائدا؛ مديرا، ومؤسساً؛ إماما، وداعيةً -في نفس الوقت- طيلة مراحل عمرهِ المبارك، ثم من ذا يستطيع قراءة هذه الزبدة الخالصة من سيرته، ومطالعة هذه النبذة الخاطفة من قصته، ولا يجهش بالبكاء من فرط الدهشة، والإعجاب.
يتملكك الفخر، وأنت بصحبة الشيخ/ أحمد المليكي أن هناك ممن أدركتهم بهذه المكانة الأخاذة في الرقي، وعلى تلك العزيمة الضاربة بجذورها في العمق.
غير أن ما يعيدك لوعيك؛ مخرجاتُه، وتلاميذه الذين يشهدون على تلك المعجزة المليكية العظيمة، وذلك الإعجاز المُليكي الطَّموح.
نشأة الشيخ أحمد عبد الجليل وتعليمه المبكر
الشيخ أحمد عبدالجليل سيف من مواليد عام ١٣٧٠هـ – ١٩٥١م في قرية العروض – عزلة بني عيسى، مديرية جبل حبشي محافظة تعز .
بدأ مشوار حياته التعليمي في المعلامة (مكان يتجمع فيه طلاب العلم – قبل وجود المدارس- لتعليم القرآن الكريم، وبعض العلوم الدينية، واللغة العربية على يد شخص يسمى الفقيه) كانت معلامة (كتاب) قرية العجف، بصيص النور الأول للشيخ على يد الفقيه حسان عباس الحاج ، ثم اعتمدت الحكومة (الحميدية) مدرستين في جبل حبشي، كانت إحداهما معلامة قرية العجف، وتم إرسال معلم آخر للتدريس فيها، وهو أ/غالب بن غالب الجعفري، درس الشيخ على يديه مبادئ التجويد والحساب، وأُسس اللغة العربية، والفقه، والمواريث، وكان شغوفاً بالعلم، طموحاً للوصول إلى مستويات متقدمة فيه، ما حدا بوالده بالدفع به إلى مستويات أعلى، فقام بنقله من هذه المدرسة إلى قرية جورية (التي هي جزء من خمس المحشاء ) برفقة أخية الأصغر عبد العليم، وهناك دَرَسَ على يد الأستاذ الفقيه/ صالح من قرية المحشاء، واستمر في التحصيل، حتى أنهي المقرر الذي عليه .
بعدها غادر قرية جورية إلى مسقط رأسه قرية (العروض) بنفس العزلة، حاملاً بين جوانحه حصيلة علمية لا بأس بها، حيث استقر، وشرع في العمل بالزراعة، والاهتمام بالأرض، حيث كانت الوسيلة الوحيدة التي يعتمد عليها السكان لاستقرارهم وضمان استمرار معيشتهم، وفي هذه الفترة اقترن بامرأتين، فارق أولاهما، ورزق من الأخرى أول أبنائه (عبد الحكيم) وكان هذا عام ١٩٧١م.
وما انفك في هذه الفترة يبحث عن طريق آخر لإكمال تعليمه- لا سيما- وقد سبقه أخوه (علي) بالتخرج من الكلية الحربية في جمهورية مصر العربية، ولم يكن أمامه إلا أن يأخذ بأحد الخيارين، إما الذهاب الى مدينة زبيد للتعلم على يد علمائها، أو الانطلاق إلى المملكة العربية السعودية، ونتيجة لتنقلاته بين القرى واختلاطه بين الشباب، التقى ببعض الطلاب الدارسين في السعودية من أبناء عزلته- بني عيسى-، وعلى رأسهم الشيخ العلامة/ سعيد بن سعيد، والشيخ الحافظ/ عبد الله سنان الجلال، فوجد أنهم يقدمون العلم بأساليب حديثة، وجميلة، وبصورة راقية، ويقدمون المعلومات بصور جذابة لا يملكها، وهنا حدا به شغفه بالتحصيل إلى إكمال تعليمه بهذه الصورة الحسنة، فقرر الانطلاق إلى مدينة تعز، لعله يجد ما يروي غُلتَه، ، ويسد حاجته من العلم، والمعرفة.
مسيرة الشيخ أحمد عبد الجليل التعليمية حافلة بالتحديات
وفي عام ۱۹۷۲م، توجه إلى مدينة تعز لمواصلة تعليمه، والتحق بمدرسة دار القرآن الكريم الأهلية، التي أسسها الشهيد، الداعية/ عبده محمد المخلافي، وهناك تعرف بالأستاذ/ ياسين عبد العزيز القباطي، والذي كان له تأثير في مسيرة حياته العلمية، والعملية؛ ولأن دار القرآن تهتم بالتعليم، ولا تمنح الشهادات، ولكي ينال الشهادة اللازمة للتوظيف، التحق بمدرسة / الزبيري الابتدائية بمدينة تعز، وذلك بتوجيه، وتشجيع من مديرها الأستاذ/ ياسين حميد بهدف تحقيق العلم، والشهادة في آن واحد، لكنه لم يستمر في مدرسة الزبيري سوى عام واحد؛ نتيجة للصراع الحزبي آنذاك ؛ إذ ترك أ/ ياسين مدرسة الزبيري، وخرج معه الشيخ/ أحمد ، ليستمر بالدراسة بمدرسة/ دار القرآن الكريم.
دراسته النظامية، وتعلمه لدى علماء المحافظة:
لم يتوقف برنامجه العلمي إثر الأحداث كما يفعل الكثير ، فقد كان على تواصل مع مشايخه في تعز في كل الأوقات، يأخذ منهم العلوم، ويدرس على أيدهم كثيرا من الفنون، فأفاد في الأصول، والفقه، والحديث، والمصطلح، وغيرها من العلوم الدينية، والشرعية، والعربية من عدد من المشايخ، أبرزهم الشيخ/ ياسين عبد العزيز، والشيخ/ سعيد بن سعيد، والشيخ/ عبد الله سنان الجلال ، والشيخ/ علي ثابت علوي ، والشيخ/ أحمد مقبل نصر، والشيخ/ أحمد ناصر الشميري، والشيخ/ مشرف عبد الكريم المحرابي، والشيخ/ عبد الرحمن قحطان، والشيخ/ محمد حسين عبد الله ، والشيخ/ سيف أسعد، وغيرهم من المشايخ ، إلى جانب مجموعة أخرى من المعلمين المصريين، والسوريين الذين تتلمذ على أيديهم أثناء الدراسة النظامية في معهد تعز العلمي.
وفي هذه الفترة، سمع الشيخ أن وزارة التربية، والتعليم في صنعاء، بالاشتراك مع الأزهر الشريف، شكلوا لجنة لاختبار علماء اليمن الذين يملكون علماً، ولا يملكون شهادات ، وأن هذه اللجنة سوف تمنحهم شهادة الثانوية الأزهرية تكريماً لما يحملون شريطة النجاح بالاختبار المقدم لهم، وحينها قرر التوجه إلى صنعاء، وتقدم للاختبار، ونجح، فحصــــل
على الثانوية الأزهرية، وقد يغير الحال موقف، أو سؤال، وهذا ما حصل مع الشيخ الفاضل أن سؤالاً واحداً غيّر من حاله، فعند مقابلة اللجنة سأله أحد المشايخ الأزهريين سؤالاً أفقده توازنه؛ إذ قال له: أعرب قوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: ٣٥]، فلم يستطع الإجابة ، حينها علق الشيخ/ أحمد بالقول: “شعرت عندها بالحزن، والأسى، وانتابني شعور بالتحدي، فلا بد أن أدرس اللغة العربية، وأتمكن من علومها، فانطلقت إلى باب اليمن، وسافرت إلى تعز، واتجهت فوراً إلى معهد تعز العلمي، وسجلت فيه.”.
كان هذا في العام ۱۹۷۳م، وبدأ الدراسة من الصفوف الأولى- رغم كبر سنه، وصغر زملائه- في المعهد لكنها العزيمة، والإصرار، والطموح الجامح للاستزادة من العلم، والمعلومات، لقد تنقل من صف إلى صف، لكنه لم يترك حلقات المشايخ الأجلاء، الذين تم ذكرهم سابقاً.
جهوده في التوجيه، والحث على طلب التعليم .
خلال الفترة الزمنية- من العام ۷۳ -۸۰م -عمل مدرساً في مدارس مدينة- تعز-، منها: مدرسة الزبيري بمديرية المظفر، و مدرسة ناصر من العام ٧٤ -٧٦ م ، وكذلك حصل على عقد عمل مدرس من مجموعة الحاج/ هائل سعيد أنعم بمبلغ، وقدره خمسون ريالاً جمهورياً شهرياً ، وكان خلال هذه الفترة محاضراً، وخطيباً، وداعية، ومدرساً في الحلقات الموجودة في كثير من مساجد تعز، كجامع القرشي، والسقاء، وباب موسى، وكان يقضي كثيراً من أوقاته بالمكتبة المحمدية في مسجد باب موسى.استطاع الشيخ خلال هذه الفترة أن يتواصل مع كثير من الآباء- القادمين إلى تعز من جبل حبشي، وغيرها- ، ويقنعهم بأهمية التعليم، وأنه مستقبل أبنائهم المفضل، وأن نهضة الأمم، والشعوب لا تكون إلا بالتعليم، فأرسل كثيرا من الناس أبناءهم إليه، وكان يدرسهم في دار القرآن الكريم، ويقوم على تربيته، والإشراف عليهم.
نظامه التعليمي الذي اتبعه:
كان يبدأ يومه الدراسي من بعد صلاة الفجر، فيأخذ كتابه، وينطلق ليصلي صلاة الفجر بمسجد الشيخ الذي يريد الدراسة لديه، وبعد أن يكمل الدراسة عنده، ينطلق إلى معهد تعز العلمي، ليبدأ اليوم الدراسي النظامي- طالباً- حتى الظهيرة، ثم ينطلق – بعدها- ليُدَرِّس في المدرسة التي تعاقد معها، وبعد أن ينهي عمله يرجع للمذاكرة، حتى غروب الشمس، ليبدأ درساً جديداً من بعد صلاة المغرب حتى العشاء، وبعد صلاة العشاء يأخذ درساً آخر في فن آخر.
وهكذا كانت حياته العلمية، وكان يقول بالعلم قولته المشهورة : (العلم تعطيه كلك، ويعطيك بعضه)،
– نعم- كان يدرك أنه لا يمكن أن يكون عالماً إلا إذا دفع مهر ذلك، بذل الجهد الكبير لطلبه ، وتنقل لنيله من مكان إلى مكان، ولازم المشايخ -الذين كان يحبهم ، ويجلهم إجلالاً كبيراً- ليستقي منهم، فلازم الشيخ/ ياسين عبد العزيز القباطي لمدة ٦ سنوات، أخذ عنه علم أصول الفقه، وعلوم أخرى، وأكمل على يد الشيخ/ سعيد بن سعيد علم المواريث، وتعلم الجانب الإداري من الشيخ/ محمد حسين عبد الله، واستفاد من كثير من المدرسين الوافدين إلى اليمن من جنسيات مختلفة مصريون، وسودانيون، وسوريون… إلخ، وكانت فائدتهم منصَبّة في جانب طرق التدريس، والجوانب التربوية الأخرى في العملية التعليمية.
تخرجه من معهد تعز العلمي، وتأسيسه معهد (اليرموك)
في الموسم الدراسي من عام ۷۹- ۸۰م تخرج من معهد تعز العلمي مع مجموعة من الطلبة، منهم: الأستاذ/ محمد حمود عثمان، والأستاذ/ مهيوب قائد المجيدي، والأستاذ/ عبد الله قاسم الجنيد، وكانت هذه الدفعة الأولى التي تخرجت من معهد تعز العلمي.
توظف في المعاهد العلمية مدرساً، فتم إرساله إلى مديرية جبل حبشي مديراً لمدرسة خالد بن الوليد بالمحشاء ، فقام بنقل أسرته من منطقة العروض إلى قرية المحشاء وسكن فيها، وكانت المحشاء تمثل مسقط رأس والده، والعمق القبلي، والسياسي لعزلة بني عيسى، والكثرة العددية للمواطنين، وبدأبه، وهمته، ونشاطه، ومتابعته المستمرة للجهات المختصة، بدأ الكادر التعليمي المصري يتوافد إلى المدرسة، واستمر مديراً لمدرسة خالد بن الوليد، وأراد أن يصنع قفزة نوعية بالمدرسة، وبالمنطقة، فقام بتحويل الإعدادية إلى معهد اليرموك العلمي، ثم بعد ذلك حول الابتدائية إلى المعهد أيضا، فبدأت حركة علمية لم تشهدها المنطقة حتى ذلك اليوم ؛ حيث بدأ التواصل بالمعنيين في مدينة تعز، ووجدهم متحمسين لهذا الموضوع، وحصل على دعم، وتشجيع من قبل إدارة المعاهد العلمية بالمحافظة، وكان على رأسها الأستاذ القدير/ سالم حسن المعمري، الذي أولي المعهد، والأستاذ/ أحمد عبد الجليل الرعاية، والاهتمام الكبيرين، فبادر بإرسال أخيه/ عبد العليم، وابن أخيه/ منصور، والأستاذ/ محمد مهيوب سيف، برسالة عاجلة، موجهة من تعز إلى المسؤولين في رئاسة الهيئة العامة للمعاهد العلمية بالعاصمة صنعاء، – وبالأخص القاضي/ يحيى بن لطف الفسيل- رئيس الهيئة، والأستاذ/ عبد الملك منصور- نائب رئيس الهيئة- باعتماد معهد اليرموك العلمي، كأول معهد علمي في مديرية جبل حبشي، وتم اعتماد المعهد من قبل الهيئة، وكانت هيئة مستقلة عن وزارة التربية، والتعليم، مالياً، وإدارياً، حيث تم إنشاؤها في عهد الرئيس/ إبراهيم محمد الحمدي رحمة الله عليه.
حصوله على معادلة جامعية ” ليسانس- شريعة، وقانون”
بعد أن أتم تأسيس معهد اليرموك العلمي ، وسارت العملية التعليمية على أحسن حال، وبدأ مستوي التحصيل العلمي يرتفع، والبناء يُشيد من قبله، ومجموعة كبيرة من المواطنين- الذين وقفوا ثابتين إلى جانبه- انطلق الشيخ/ أحمد لمواصلة مسيرته التعليمية في جامعة – صنعاء-، كلية الشريعة، والقانون، -أثناء شغله مديراً لمعهد اليرموك-، حيث كان في الجامعة نظام دراسة عن بعد .
استمر بإدارة المعهد، والدراسة في الجامعة، حتى وصل إلى المستوى الثالث، وعند هذا الحد أوقف الدراسة، وحصل على معادلة جامعية ليسانس شريعة، وقانون، بعدها تفرغ للعمل الدعوي، وإدارة المعهد، وكذلك تدريس الطلاب القادمين من خارج المنطقة، حيث قام بإنشاء قسم داخلي – فيه تغذية، وسكن- بجوار المعهد للطلاب القادمين من خارج المنطقة، من صبر، وجبل حبشي، والوازعية، والحجرية، وشرعب، حيث تخرج من المعهد كثير من الطلاب الوافدين من خارج المنطقة.
وبقيادة تعليمية، وتربوية، استطاع الشيخ/ أحمد عبد الجليل أن يقود المعهد، وطاقم التدريس، والطلاب قيادة ناجحة، حتى وصلت سمعته أرجاء اليمن، فكان يحصل على المركز الثاني بعد معهد تعز، أو بعد معهد صنعاء.
لقد أصبح معهد اليرموك العلمي- جبل حبشي- منارة علمية، ليس لجبل حبشي فقط، بل للمحافظة، ولليمن برمتها، فقد وصلت إليه مجاميع من الطلاب للدراسة فيه من خارج تعز، من وصاب، وريمة، والوازعية، وكانت سمعته تملأ الآفاق.
شغف لا يعرف الحدود:
لم تتوقف همة الشيخ/ أحمد عبد الجليل عند هذا الحد للعلم، بل بذل قصارى جهده في نشر العلم، وقام بتأسيس مجموعة من المعاهد العلمية في عزلته، فقد أسس مع الأستاذ/ محمد حسان محمد، معهد (طارق بن زياد – وادي البير)، وأسس مع الأستاذ/ غالب علي أحمد معهد( صلاح الدين العلمي – الجرين)، ومع مجموعة من طلابه الذين درسوا في اليرموك أمثال : الأستاذ/ عبد الجليل عقيل، والأستاذ/ أحمد عقيل، أسس عدداً من المعاهد كـ (معهد الشهيد الزبيري – موليا، والعنين)، والأستاذ/ علي عبد الغني عبد اللطيف، أسس معه (معهد أبي ذر الغفاري – الزواعي).
الانتقال إلى مدينة تعز، والمساهمة في الدعوة، والحلقات العلمية:
في نهاية العام ۱۹۹۲م، غادر منطقة المحشاء، وسلم المعهد لطلابه الذين أصبحوا مدرسين، وكوادرَ يعتمد عليهم في كل الأمور، فعُيّن موجهاً اجتماعياً بالمعاهد العلمية – محافظة تعز-، وسكن في منطقة الأجينات ، حينها عاد إلى التدريس، وفتح حلقات علمية في مسجد العيسائي، وكان يخطب في جامع الغنامي – بئر باشا-، واستمر في محاضراته، ودعوته في معظم حواري، وقرى محافظة تعز، وغيرها.
وفي العام ۱۹۹٦م، جاء إليه الشيخ العلامة/ عبد الرحمن قحطان – رحمة الله عليه-، وأخذه إلى جامع الأنصار- جولة المرور-، وسلمه إياه، وقال له: هذا الجامع باستلامك، فبدأ الشيخ/ أحمد عبدالجليل بتأسيس الحلقات العلمية في العلوم الإسلامية، والعربية، وكان له دَرسُ بعد الفجر ، ودَرس بعد الظهر، ودرس بعد صلاة العصر، ودَرس بعد المغرب، ودَرسُ بعد العشاء، وكان لا يرد طالب علم يقصده ، وكان صدره مفتوحاً لكل الطلاب القادمين إليه بحثاً عن العلم.
المساهمة في التأسيس للتعليم الجامعي:
عند صدور قرار إلغاء المعاهد العلمية، تم دمج المعاهد العلمية مع التربية، والتعليم، فانتقل للعمل موجهاً لمادة التربية الإسلامية لدى التربية، والتعليم، يجوب مدارس محافظة تعز، ثم عمل مستشاراً لمادة التربية الإسلامية في مكتب التربية، والتعليم بالمحافظة ، حتى أحيل إلى التقاعد، وقبل تقاعده، راودته فكرة الاستثمار في التعليم، وتأسيس جامعة تجارية، وكان صاحب الفكرة لزميله الوفي وصديقه العزيز الأستاذ الفاضل، والمفكر الكبير/ خالد النابهي وفعلاً تم ذلك، وكان الشيخ/ أحمد أحد مؤسسي الجامعة الوطنية بمدينة- تعز، وظل يُدَرِّس بها، حتى أصيب بمرض الفشل الكلوي، الذي أقعده على العمل في العام ٢٠١١م، كما عمل مدرساً في مركز المنار التابع لجمعية الحكمة اليمانية بمدينة تعز.
أبرز الأبحاث، والمؤلفات:
له عدد من الأبحاث، والمؤلفات، والكتابات، منها : (صفة الجنة – اقتفاء الأثر في صلاة السفر- رسائل في المواريث، وأصول الفقه).
وفاة الشيخ أحمد عبد الجليل سيف المليكي:
كانت وفاته في ١٨ ربيع الأول ١٤٣٦هـ / ٨ يناير ٢٠١٥م، وتم دفنه في قرية المحشاء -جبل حبشي رحمة الله عليه .
عبر، وتجارب حياة الشيخ أحمد عبد الجليل سيف المليكي:
إن السيرة الذاتية للشيخ أحمد عبدالجليل – رحمة الله عليه – تبرز الصعوبات التي واجهها في سعيه للتعليم، وقوة الأمل، والتحدي اللذان كان يتسلح بهما ، كما تعكس رغبته اللامحدودة في تحقيق النجاح، والتميز -رغم العراقيل التي واجهته -، بالإضافة الى أنها تعزز الإلهام، والتشجيع للشباب على مواصلة الدراسة، وتحقيق أحلامهم رغم العوائق، ومن القيم، والمعاني التي ترسخها هذه السيرة ما يلي:
- التعلم من التجارب الفاشلة، حيث يتعلم القارئ للقصة أهمية استخلاص الدروس، والتعلم من التجارب الفاشلة، وكيفية استثمارها في بناء المستقبل، وتحقيق النجاح في المحاولات القادمة.
- البحث عن الفرص، واستغلالها: حيث تظهر السيرة الذاتية أهمية البحث عن الفرص التعليمية، والاستفادة منها بشكل كامل، وضرورة استغلال كل فرصة، لتحقيق التطور، والتقدم الشخصي.
- التأثير الإيجابي على الآخرين: يمكن للقارئ أن يستلهم من هذه السيرة – أيضا – القدوة، والتأثير الإيجابي على الآخرين من خلال جهود الشيخ/ أحمد في تحقيق النجاح، والتعلم.
- بناء الثقة بالنفس: تظهر السيرة أهمية بناء الثقة بالنفس، والاعتماد على القدرات الشخصية في تحقيق الأهداف، والتغلب على التحديات.
- التوازن بين العمل، والتعلم: كما تعكس أهمية التوازن بين الالتزامات الشخصية، والمهنية، وضرورة تحقيق التوازن بين العمل، والتعلم لتحقيق النجاح الشامل في الحياة.
وخلاصة القول إن السيرة الذاتية للشيخ/ أحمد عبدالجليل تقدم رسائلا فريدة من العبر، والتجارب الحياتية التي يمكن لطالب العلم الاستفادة منها، لتعزيز مساره التعليمي، وتحقيق أهدافه الشخصية، والمهنية.
اقرأ أيضا: الأستاذ عبد الملك الشيباني.. حارس التاريخ، والقيم، ومرشد الأجيال