
بين يدي قحطان.. الشيخ عبد الرحمن بن قحطان؛ تحضر كل الألقاب أمام اسمه، وتتقاصر عنه؛ فحينما ربط مصيره بالعلم، والدعوة شد ذلك بأقوى عرى الروابط، وأشدها، وأمتن حبال الاعتصام، وآكدها؛ حيث رابطة العقيدة، وعرى الإيمان، وحبل الله المتين ، اسمه له لمعان، وبريق، وصوت أجشّ تنهد له القلوب، ولا سيما الصلابة، والرقة في آن واحد ؛ ولن تبالغ إن قلت عنه فريد عصره، ووحيد دهره ، ولو قلت عنه أحد أولي العزم من الدعاة، والعلماء، فأنت صادق، مصدق، فالشجاعة التي كان يمتلكها، ويتمثلها واقع مشهود لمن تشرف ببضع دقائق معه في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر تؤيد ذلك، وتدعمه.
فالحضور الكبير لمعنى شخصه عقب وفاته بشهادات النعي، وبرقيات التعازي من كل الأنحاء، وجميع الأرجاء يقودك رغما عنك؛ لتشهد حضوره الأكبر في مختلف مجريات حياته.
إن السيرة العطرة التي ابتدأت باكورة مجدها في ذكرى غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من رمضان ( يوم مولده) ولم تنته بعد في التاسع عشر منه قبيل ذكرى فتح مكة بساعات ( تاريخ وفاته) لهي سيرة عظيمة، ورحلة حياة جليلة، جديرة أن نتفيأ ظلالها العلمي، وننهل من واحاتها عذب الإخلاص، ونمير المعارف..
تلكم البساطة في قسمات وجهه تنبيك عن جوهر مكتنز بالعظمة، والسمو، فأنت أمام إمام كبير، وعلامة قدير، حتى وأنت تمعن فيه النظر ر-غما عنك- لهيبته التي امتدت إلى الورق تخال نفسك أمام تفرد سامق، وقصب سبق شاهق؛ فهو والمعالي صنوان؛ تجمّعت ملامح كل أئمة المذاهب، والمدارس، والدعوة، والتربية، والفكر في شخصية واحدة لتتشكل في رسمه، وتبدو على وسمه.
عن الشيخ عبد الرحمن لن تكفي المجلدات لوصفه، وذكر مناقبه، فكيف بتقديمٍ يسير يتناول سيرته؛ هيَ في حسابه كقطرةٍ من بحر، وذرة من قفر.
على أن محور تكوين شخصيته الجامعة الفذة، وقطب دائرة مراحل حياته الشاملة الممتدة، يرجع لمرتكز عظيم، وموئل عميم، من استند عليه ارتفع، وارتقى، واعتز وبان- ولا يجيده إلا القلة-؛ ألا وهو الربانية.
فمتى تعلَّقَت أفكارك، وحواسك، وحركاتك، وسكناتك بالله؛ يلهمك الله السداد، والجاذبية، ويمنحك القبول، والعالمية، ويزرع دربك بامتحانات الأنبياء، ثم يختمها لك بخاتمة الأولياء؛ وكفى بها فخرا، وعزا، وشرفا.
اسمه، ونسبه، ولقبه:
هو الشيخ العلامة/ عبد الرحمن بن قحطان بن قائد بن إسماعيل الصرمي علم من أعلام اليمن البارزين، وأحد فقهاء تعز المعاصرين، وعلمائها المشهورين، وخطبائها المؤثرين.
ولادته، ونشأته:
ولد الشيخ/ عبد الرحمن قحطان ليلة السابع عشر من رمضان سنة (1352هـ) الموافق 4 من يناير سنة (1934م)، وكانت ولادته في قرية- الأصروم – عزلة -الأفيوش – مديرية مذيخرة – محافظة إب..
نشأ الشيخ/ عبد الرحمن قحطان في بيئة علمية متدينة كان لها الأثر في تكوين شخصيته في مرحلة الطفولة؛ حيث اكتسب منها حب الآخرين، والعطف عليهم، ومشاركتهم في أفراحهم، وأتراحهم.
أما نشأته الخاصة فقد نشأ، وتربى في كنف والده الفقيه العلامة/ قحطان بن قائد، ووالدته /رشيقة بنت ناصر بن عبدالله ، ولما بلغ السابعة من عمره التحق بكُتاب القرية(المعلامة) – وبعد أن أكمل إتقان قراءة القرآن الكريم في الكتاب بدأ بحفظ المتون على يد والده، وأخيه/ محمد قحطان فحفظ عددًا من المتون في الفقه الشافعي، وشرح بعضها ، ولما بلغ ست عشرة سنة من عمره توفي والده العلامة/ قحطان بن قائد، فتولى تربيته أخوه الأكبر/ محمد قحطان، والذي كان يكبره بخمس، وعشرين سنة، والذي قام بإرساله إلى جبلة لدراسة العلم، وهناك بدأت مسيرة الدراسة عند المشايخ.
أسرته، وزوجته، وأولاده، وإخوته:
نشأ الشيخ/ عبد الرحمن قحطان في أسرة كانت لها مكانتها العلمية، والاجتماعية.
والده: هو العلامة/ قحطان بن قائد بن إسماعيل بن نصر بن هاشم بن علي بن أحمد الصرمي ، كان عالما فاضلا، وواعظا مؤثرا ، رحل إلى مدينة “جبلة” فدرس فيها الفقه، والفرائض، وعلوم اللغة، والحديث، والأصول، والتوحيد، والمنطق، وأجازه كثير من شيوخه، ثم عاد إلى بلده عالمًا مشهورًا، وأديبًا ماهرًا، وواعظاً مؤثرًا ، مكث مشتغلا بالتدريس، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعمل كمصلحً اجتماعيً
والدته: رشيقة بنت ناصر بن عبدالله بن نصر بن هاشم بن علي بن أحمد، كان لها الفضل – بعد وفاة والده – في تشجيعه، ودعمه للاستمرار في طلب العلم، حيث دعمته ماديًا، ومعنويًا، يقول الشيخ عن والدته: “الوالدة – رحمها الله- باعت البقرة، وأعطتني ثلاثين ريالًا فرنسيًا ، وظللت أصرفها سنتين في جبلة، وكان هذا من الدوافع التي دفعتني إلى الاستمرار في طلب العلم”).
إخوته: كان للشيخ/ عبد الرحمن قحطان أخوان هما : محمد قحطان (توفي 2003م)، وعبد الله قحطان توفي في 12 يناير 2023م، أما محمد قحطان، فكان يكبره بخمس، وعشرين سنة، وأما عبدالله، فكان يكبره بست سنوات، وقد كانا عالمين فاضلين أرسلهما والدهما للدراسة في جبلة، فأخذا حظهما بعدد من فنون العلم، كالفقه، والفرائض، واللغة، وغيرها؛ لكنهما انشغلا في الإصلاح بين الناس، وقسمة الأراضي، -بعد وفاة والدهما- فلم يحالفهما الحظ في الانشغال بالعلم، وتدريسه.
زوجته: آسيا بنت يحيى بن أحمد بن أحمد النجار، تزوجها سنة (1378هـ – 1959م)، توفيت يوم الخميس 18 مايو 2023م، أي بعد سنة، وشهر، وبضعة أيام من وفاة زوجها.
أولاده: للشيخ ثمانية من الأولاد، ثلاثة ذكور، وخمس إناث، وهم :أ – عائشة – جميلة – عبد الرحيم – بدرية – سمية – معاذ – أمة الرحمن – محمد
أبرز مناقب الشيخ عبد الرحمن بن قحطان:
لقد أكرم الله الشيخ/ عبد الرحمن قحطان بكرم الخصال، ونبل الخلال، من المناقب الرفيعة، والأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، وأهم ما امتاز به من مناقب:
- الصدع بكلمة الحق : كان لا يخاف في الله لومة لائم، ولذلك تعرض للأذى، وسجن مرتان في مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي.
- الجدية، والحزم: استخدم الشيخ مع طلابه الجدية، والحزم الممزوجين بالرحمة، وحتى في تربيته لأولاده.
- الدقة، والانضباط في المواعيد، وحرصه على الوقت، وإقامة الدروس في مواعيدها المحددة.
- عزة النفس : كان الشيخ/ عبدالرحمن قحطان عزيز النفس لا يطلب يد العون من أحد، مع أن الكثير من المسؤولين، والتجـار كـانوا يترددون إلى مجلسه، وحلقاته محبة، وتحصيلا للعلم، والمعرفة، لكنه لم يحاول استغلال مكانته، وحبهم له لحاجته الشخصية، وإنما استثمرها في خدمة الضعفاء، والفقراء، والمحتاجين.
- الحس الفكاهي : بالرغم من جدية الشيخ/ عبد الرحمن قحطان، وحزمه إلا أنه كان يتمتع بالحس الفكاهي، والظرافة، وقد عكس صورة إيجابية لدى الناس بأن العلماء ليسوا أولئك الذين ارتسمت صورهم في الأذهان بالتجهم ، فقد كان يمزج حديثه بالنكتة المسلية، والقصة الهادفة دون أن يفقد وقار العالم، وهيبته.
أبرز أخلاقه:
- التواضع: كان الشيخ/ عبد الرحمن قحطان ذا تواضع جم، يستقبل في بيته الصغير، والكبير، والغني، والفقير، يرد على استفتاءاتهم، ويحل مشاكلهم، ويعين المحتاجين، ويقضي حوائجهم.
- البذل، والعطاء: للشيخ/ عبد الرحمن قحطان محطات، ومواقف عديدة مع هاتين الصفتين الرفيعتين، فقد كان يبذل بذل الكرماء، ويعطي عطاء الأسخياء، وكان الشيخ/ عبد الرحمن قحطان زاهدًا، ورعًا، فقد كان بعض التجار يأتون إليه بزكاة أموالهم ليوزعها على مستحقيها ، فكان لا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، حتى ينتهي من توزيعها.
- العدل، والأمانة: هذان الخلقان جعلا من الشيخ/ عبدالرحمن محل ثقة الناس، فأقبلوا عليه لكتابة محرراتهم الشرعية، وتقسيم التركات، وحل النزاعات التي تحدث بينهم.
مراحل حياته العلمية:
المرحلة الأولى: كانت مرحلة الطلب الأولى في قرية الأصروم؛ فبعد أن أكمل إتقان قراءة القرآن الكريم في “المعلامة” بدأ بحفظ متون فقه المذهب الشافعي، فشرح متن الغاية، والتقريب المسمى “متن أبي شجاع” على يد والده الفقيه العلامة/ قحطان بن قائد، ودرس أيضًا على يد أخويه/ محمد قحطان، وعبد الله قحطان بعض المتون، وقراءة القرآن الكريم.
المرحلة الثانية: بدأت هذه المرحلة بعد وفاة والده، وقد بلغ ست عشرة سنة من عمره؛ حيث أرسله أخوه/ محمد قحطان إلى مدينة جبلة لطلب العلم، وهناك – أي في جبلة – بدأ الدراسة عند مشايخ العلم.
أبرز من درس على أيديهم، وأخذ الإجازة عنهم:
——————
- الشيخ العلامة مفتي الجمهورية/ أحمد بن محمد بن محمد زبارة – الشيخ العلامة القاضي/ محمد بن يحيى المطهر- رئيس محكمة استئناف تعز الأسبق- الشيخ/ عبد المجيد المصنف – الشيخ العلامة/ سعيد بن مصلح الشرعبي- الشيخ/ محمد بن عبد المجيد المصنف، – الشيخ العلامة /محمد الحسيني الحدائي – الشيخ العلامة/ محمد بن حزام المقرمي – الشيخ العلامة/ محمد بن سالم البيحاني، – الشيخ العلامة/ إبراهيم بن عقيل – الشيخ/ أحمد بن عبد الجواد الدومي المصري. – الشيخ العلامة صاحب المصنف المشهور بـ فقه السنة” الشيخ/ سيد سابق (المصري) – الشيخ العلامة/ محمد بن علي الرحبي – الشيخ العلامة/ أحمد الشامي، – الشيخ الحافظ/ سعيد البصير – الشيخ/ عبده بن صالح – الشيخ العلامة/ سعيد بن غالب المخلافي – الشيخ العلامة/ خالد بن محسن المخلافي- الشيخ العلامة/ يحيى بن مرشد شمسان- الشيخ العلامة/ عبد الرحمن بن يحيى الواقص العنسيين-
كانت تلك بعض أسماء المشايخ الذين أخذ عنهم إجازات دراسية، إجازة عامة أهلية داخل اليمن، وخارجها، وفقاً لإجازاتهم المسندة.
الصعوبات في حياة الشيخ عبد الرحمن بن قحطان:
تحدث الشيخ عن الصعوبات التي واجهها فقال: الصعوبات التي واجهتها، وأنا في جبلة أني كنت أنام على الحصير، بين القمل، والبق، والبراغيث لا أجد دثارًا، والبرد شديدًا، وعندي كيس أدخل فيه، وأربط فمه، وكنت أتمنى الرغيف، وأشرب الماء مملوءا بالطحالب، والحشرات، وكنت لا أجد كتابا كمرجع، وأتمنى كراسة أسجل فيها الفوائد، وكنا نبيت الليل، ونسهر لمطالعة الدروس على ضوء قزازة يطلع منها الصدى، فيظلل المكان، وكنا لا نجد علاجا، والثوب الواحد كنت ألبسه، وأرقعه، وأغسله إلى أن ينتهي، وكنت أمشي -بلا نعال -حافي القدمين، وما عرفت اللين إلا بعد سنوات.
دراسته العلمية:
- حصل على شهادة الثانوية العامة القسم الأدبي من مدرسة المصلى – تعز- عام.1390هـ/1970م)
- حصل على دبلوم معلمين بعد الثانوية من معهد ثانوية تعز –عام ( 1395هـ / 1975م).
- حصل على معادلة جامعية في اللغة العربية، والدين من مكتب التربية، والتعليم – صنعاء.
- حصل على ليسانس شريعة، وقانون من جامعة صنعاء عام 1397هـ / 1977.
التدريس في المدارس الرسمية:
بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م انتقل الشيخ/ عبد الرحمن قحطان إلى مدينة تعز، ومنها بدأ مرحلة جديدة من مراحل حياته العلمية؛ حيث أنه في هذه المرحلة حصل على وظيفة رسمية في التربية، والتعليم، فجمع بين التدريس في المدارس النظامية الرسمية، وبين تدريس العلوم الشرعية في بيته، وفي المساجد، والمراكز، والمعاهد الشرعية.
عندما تم افتتاح كلية التربية في تعز عام 1986م – كانت تابعة لجامعة صنعاء – كان هناك عجز في الكادر الأكاديمي، مما اضطر القائمون على إدارة الكلية الاستعانة ببعض مشايخ العلم؛ لتغطية العجز القائم، وكان الشيخ/ عبد الرحمن قحطان ممن استعانت بهم الكلية.
الانتقال من التدريس إلى التوجيه:
بعد مرحلة حافلة بالعطاء في مجال التدريس النظامي- متنقلا من مدرسة إلى أخرى داخل مدينة تعز- انتقل الشيخ/ عبد الرحمن قحطان إلى إدارة التوجيه التربوي” في مكتب التربية، والتعليم بالمحافظة، ومن هنا بدأ مرحلة أخرى استمرت قرابة ثلاث، وعشرين سنة من (1390هـ / 1970م) الى (1413هـ / 1993م)، عمل موجها للمرحلة الابتدائية، ثم موجها لمادة اللغة العربية للمرحلة الثانوية، زار خلالها المدارس داخل مدينة تعز، وأريافها، وبعدها انتخب لعضوية مجلس النواب عام 1993م وبقي فيه لمدة أربع سنوات، ثم خرج من المجلس بعد الأربع السنوات، وقد تقاعد .
مؤلفات الشيخ عبد الرحمن بن قحطان:
الشيخ /عبد الرحمن قحطان من علماء تعز القلائل الذين ألفوا في الفقه، وفي الدعوة، لكن الكثير من مؤلفاته لم تر النور بعد ، ومعظم مؤلفاته التي بلغت أربع، وعشرون مؤلفا، إضافة إلى بعض الرسائل، والمطويات لا تزال مخطوطة، ولم يطبع منها سوى خمسة مؤلفات؛ أربعة منها في الفقه، والخامس في الدعوة، والتزكية، والمؤلفات المطبوعة هي:
- أضواء، وإضاءات لكشف أحكام الكفارات.
- الإيضاح لأهم مسائل النكاح.
- أحكام في وقاية التاجر من الوقوع في المخاطر.
- تسهيل فقه العبادات على مذهب الإمام الشافعي.
- مؤهلات الجنة من الكتاب، والسنة.
أما الكتب، والأبحاث المخطوطة- التي لم تطبع – فهي:
– اليتيم في الإسلام. – حرمة المقابر.- ضياء المسير المقتبس من صحيح الجامع الصغير. للألباني.- أسئلة، واجابات في الفقه في أكثر من 200 ورقة).- أحكام الصبي في الإسلام – السيف المسلول على من لعنهم الرسول.- قراءة القرآن، وحكم المرتد.- نداء الثبور إلى كل مسلم غيور.- تأصيل لمذاهب أئمة السنة. – نبذة عن الشيخ /محمد بن يحيى مطهر – أسئلة، وأجوبة في الطلاق، والفسخ، والخلع، والرجعة.- أسئلة عمدة السالك (قسم العبادات).- سؤال، وجواب حول الزكاة في الركاز، والمعادن، والتجارة – سؤال، وجواب في كتاب (مغني المحتاج).- مسائل متفرقة من فيض القدير- المختار من مختار الأحاديث النبوية للسيد/ أحمد الهاشمي ،ومختار الهاشمي- بحث في أصول قراءة القرآن للميت.- أحكام المرأة في أحوال متفرقة.
مواقف من حياة الشيخ عبد الرحمن بن قحطان
الموقف الأول – أين جماعة أمين: كان الشيخ/ عبدالرحمن قحطان حريصًا على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذات
يوم وصل إليه خبر أن منطقة “العرضي فيها معصرة للخمر ، فخطب الجمعة في مسجد الغفران، وتحدث عن حرمة الخمر، وآثارها المدمرة ، ثم حث الناس للخروج في مسيرة تتجه إلى منطقة العرضي لإغلاق المعصرة، وبعد صلاة الجمعة قاد الشيخ المسيرة، وسار خلفه جمع كبير من المصلين، لكن هذا الجمع بدأ يتناقص شيئًا، فشيئًا – خاصة عندما، وصل إليهم خبر خروج الأجهزة الأمنية للحيلولة دون وصول المسيرة إلى هدفها – ولما اقتربوا من مكان المعصرة التفت الشيخ/ عبدالرحمن إلى الخلف، وإذا به يتفاجأ أنه لم يبق إلا القليل ممن خرج معه في المسيرة، فقال كلمته المشهورة التي تداولها الناس في تعز: أين جماعة آمين؟.
الموقف الثاني – لن أتنازل عن نصيبي: بعد محاولة لتحويل مبنى هيئة دار القرآن إلى معهد للعلوم الإدارية، والتجارية أثيرت مشكلة أخرى كانت بدايتها من مدرسة الثورة الثانوية، ومدرسة ناصر الابتدائية عندما حدث خلاف على صيغة “تحية العلم” التي تردد نهاية الطابور المدرسي – بين طلاب يمثلون التيار الإسلامي، وآخرين يمثلون التيار اليساري القومي، وكان يدعم كل طرف مدرسون ينتمون إليه، وتواعد الطرفان على الحضور إلى مدرسة ناصر- نهاية الأسبوع بعد صلاة عصر يوم الخميس-، للاتفاق على حل للمشكلة؛ فحشد الطرف الذي يمثل التيار الإسلامي أنصاره، وحضروا في الموعد المحدد، لكن التيار اليساري لم يحضر عندما وصلت إليه معلومات عن حشد الطرف الآخر، ففشل هذا اللقاء. وبعد فشل لقاء الخميس رتب اليساريون لمسيرة يوم السبت أخرجوا فيها الطلاب من مدرسة الثورة الثانوية، وغيرها من المدارس، وكانت الشعارات التي تردد في المسيرة، “لا إسلام بعد اليوم، لا قرآن بعد اليوم”.
وعندما وصلت المسيرة إلى أمام مدرسة ناصر ، خرج إليهم مدير المدرسة فتلقفوه بالضرب المبرح، وكان الشيخ/ عبدالرحمن قحطان حينها داخل المدرسة ، فخرج، واتجه إلى الشارع، صوب المسيرة، فلما وصل تلقفه الطلاب وألقوا عليه القبض، وحاولوا ضربه كما فعلوا بمدير المدرسة، لكن نجاه الله من بين أيديهم بتدخل بعض أهل الخير ، وخبأوه في أحد المحال التجارية حتى وصل أفراد من الأمن على طقم عسكري، فسلموه إليهم، وكان هذا هو الاعتقال الأول للشيخ/عبدالرحمن قحطان؛ حيث تم اعتقاله، وإيداعه سجن “الأمن الوطني”، ثم اتجهت المسيرة إلى المركز الإسلامي، فتم اقتحامه، والعبث بمحتوياته، وتم اعتقال عدد من العلماء والدعاة، والزج بهم في سجن “الأمن الوطني” لمدة أسبوع – من السبت إلى الخميس-، وتم الإفراج عنهم بتوجيهات من الرئيس المقدم/ إبراهيم الحمدي.
وأثناء فترة الاعتقال جاء أحد الأشخاص إلى الشيخ/ عبدالرحمن، وقال له: ” يا شيخ: هل أنت وكيل آدم على ذريته شغلت نفسك من الأمن الوطني إلى الأمن العام، وأنت عالم “.
فرد عليه الشيخ قائلا: “والله يأخي إن هذا الإسلام حقي، وحقك، فأنت إذا قررت التنازل عن نصيبك، أنا لن أتنازل عن نصيبي”.
وفاة الشيخ عبد الرحمن بن قحطان
توفي الشيخ/ عبدالرحمن قحطان- رحمه الله – عصر يوم الأربعاء 19 رمضان 1443هـ الموافق 20 أبريل ،2022م، وكانت الصلاة عليه في “جامع السعيد” الخميس -اليوم الثاني لوفاته-، وشيعه الآلاف إلى مقبرة الشهداء ، وقد انهمرت على أسرته التعازي، والبرقيات، وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالنعي، والمرثيات شعرا، ونثرا من العديد من معاريفه، من عامة الناس، ومن طلابه ،والشخصيات، والمؤسسات الاعتبارية الرسمية، وغير الرسمية، وحضر آلاف المُعَزِّين يؤدون واجب العزاء الذي أقيم في إحدى قاعات المناسبات جوار منزله لمدة ثلاث ليال، وألقيت العديد من الكلمات التي تحدث أصحابها عن حياته، ومناقبه، وأخلاقه، ومواقفه.
بعد حياة حافلة بالعطاء، وعمر زاخر بأعمال الخير في شتى المجالات، فاضت روح الشيخ/ عبدالرحمن قحطان إلى بارئها، تاركا خلفه إرثًا ثقيلا ينوء بالعصبة أولي القوة، فلن تجد مدينة تعز من يقوى على القيام بمهامه، أو من يسد الثغرات التي كان يسدها، فبالرغم من أن له جيلا كاملا من الطلاب الذين تتلمذوا علي يديه، إلا أن شخصيته تبقى فريدة في الجمع بين أكثر من مجال، رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع الذين أنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.