الألعاب الإلكترونية وتكوين الطفل

أصبحت التكنولوجيا الحديثة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولم تعد تقتصر على الكبار فقط، بل تسللت إلى عالم الأطفال والمراهقين، وأثرت بشكل كبير في سلوكهم وتفكيرهم وحتى قيمهم ومعتقداتهم التي تتشكل من الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والتي غيّرت كثيرًا من أنماط الحياة التقليدية، وفرضت ثقافة جديدة قائمة على السرعة والانفتاح وسهولة الوصول إلى المعلومة والترفيه في أي وقت ومن أي مكان.
الألعاب الإلكترونية وسلوك الطفل
هذه التغييرات، وإن كانت تحمل في ظاهرها جانبًا من التقدم والتطور، إلا أنها في باطنها تحمل الكثير من التحديات والمخاطر، خاصة على النشء الصغير الذي لم تكتمل بعد قدراته العقلية والنفسية للتمييز بين النافع والضار.
لقد أصبح الطفل في هذا العصر يتعامل مع الإنترنت والألعاب الإلكترونية وكأنها جزء من كيانه، وقضى معها وقتًا أطول مما يقضيه مع أسرته أو في مدرسته وهذا الارتباط الوثيق لم يأتِ بلا ثمن، بل أدى إلى نتائج خطيرة تمس عقيدة الطفل وأخلاقه وصحته النفسية والجسدية.
كما قد رُصد في بعض الألعاب ترويج لمفاهيم تخالف الدين الإسلامي، بل وتدعو إلى طقوس دينية باطلة، كما تحتوي على رموز شركية مثل الصلبان والتماثيل، مما قد يؤثر على صفاء العقيدة لدى الأطفال والمراهقين دون وعي منهم بذلك. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الألعاب كثيرًا ما تعلّم العنف والتمرد، وتمجد أعمال التخريب وسرقة السيارات والاعتداء على الناس ومقاومة رجال الأمن، وتجعل من تلك الأفعال المغلوطة بطولات يُكافأ عليها اللاعب، مما يرسّخ في ذهن الطفل أن هذه الأفعال محمودة، ويزرع بداخله حب العدوان والمخالفة.
الأثار السلبية التي تنتج عن الألعاب الإلكترونية
من أبرز الآثار السلبية تضييع أوقات الصلاة والانشغال باللعب على حساب العبادات، حتى إن بعض الأطفال لا يشعر بمرور الوقت وهو مستغرق في اللعب، فتفوته الصلوات أو يهمل فروضه الدراسية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ضعف التحصيل الدراسي والانطواء الاجتماعي والاضطراب النفسي كما أن بعض الألعاب تتضمن مشاهد خادشة للحياء، وألفاظًا نابية بمختلف اللغات، وقد يتأثر بها الطفل فيكررها دون أن يفهم معناها، أو يألف مشاهد النساء المتبرجات والصور الفاضحة، مما يؤدي إلى تطبيع تلك المشاهد في ذهنه وغياب الاستنكار الأخلاقي المستقبلي تجاهها.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل ظهرت ألعاب خطيرة تتلاعب بنفسية الطفل، وتطلب منه تنفيذ مهام مرعبة وعدوانية قد تنتهي به إلى الاكتئاب أو الانتحار، وقد سجلت بالفعل حالات انتحار حقيقية نتيجة تأثر بعض الأطفال والمراهقين بهذه الألعاب المدمرة.
كما أن هناك ألعابًا تروج للعنصرية أو الشذوذ الجنسي أو الفكر المتطرف، وهي أمور قد لا يفهمها الطفل أو يميزها، لكنه يعتادها من خلال التكرار والمحاكاة.
حماية الطفل وبناء إدراكه
في ظل هذا الواقع، تصبح مسؤولية الأسرة مضاعفة في حماية أبنائها من هذه المؤثرات، إذ لا يكفي المنع وحده، بل يجب أن يُصاحب ذلك تربية حوارية واعية، يُدرّب فيها الطفل على التعبير عن نفسه، وتُفهم فيها احتياجاته وميوله، ويتم توجيهها نحو السلوك الإيجابي والبنّاء. ومن المفيد أن يُوضع للطفل نظام صارم في استخدام هذه الألعاب، بحيث لا تتجاوز ساعة إلى ساعتين يوميًا بعد أداء الواجبات الدراسية والمنزلية، وتحت رقابة مباشرة من الوالدين. كذلك ينبغي أن يكون الأبوان على دراية بنوع الألعاب التي يستخدمها أبناؤهم، وأن يستخدما وسائل الرقابة الرقمية المناسبة لمتابعة نشاطاتهم الإلكترونية.
إن مشاركة الوالدين للطفل في بعض الألعاب المباحة أو الأنشطة الفنية والرياضية والقراءة، يسهم في ملء وقت الطفل بما هو مفيد، ويعزز العلاقة الأسرية، ويبعده عن العزلة والانطواء. ومن الضروري أيضًا تحصين الطفل دينيًا وفكريًا، من خلال تعليمه القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة العطرة، وتدريبه على حفظ الأمثال والحكم التي تغرس فيه حب الدين والوطن والانتماء.
ولا بد من الانتباه إلى أهمية الاستقرار الأسري في حماية الأبناء من الهروب إلى الإنترنت. فالبيت الذي تسوده الخلافات يجعل الطفل يبحث عن بيئة بديلة يجد فيها الأمان والاهتمام، وغالبًا ما يجد ذلك في العالم الرقمي، الذي وإن قدّم له الترفيه، إلا أنه قد يسلبه عقيدته وسلامه النفسي. ومن هنا يجب أن يكون الوالدان قدوة لأبنائهما، فلا يُعقل أن يُطالَب الطفل بتقليل استخدام الألعاب الإلكترونية بينما يرى والديه مشغولين طوال الوقت بهواتفهم. ومما يجب التنبه له، أن بعض الأهل يتركون أبناءهم مع هذه الأجهزة فقط من أجل التخلص من إزعاجهم، وهذا تصرف خاطئ، يكشف عن ضعف في تحمل المسؤولية، وسوء تقدير للعواقب.
وأمام هذه التحديات المتزايدة، لا بد من تدخل الجهات المختصة لمراقبة الألعاب الجديدة التي تُطرح في الأسواق، والتحقق من محتواها، وحظر ما يحتوي على مخالفات شرعية أو أخلاقية. كما يجب أن تلعب المساجد والمؤسسات الدينية والإعلامية دورًا توعويًا أكبر في نشر الوعي حول خطورة بعض هذه الألعاب، وتقديم البدائل المناسبة التي تحافظ على هوية الطفل الثقافية والدينية.
وفي الختام، فإن حماية الأطفال من خطر الألعاب الإلكترونية لا تتحقق بالمنع فقط، بل بالفهم والتوجيه والمشاركة. هي مسؤولية كبيرة تبدأ من البيت وتمتد إلى المدرسة والمجتمع، وتتطلب وعياً حقيقياً بأن أطفالنا هم أغلى ما نملك، وأعزّ أمانة نحملها.