2025-07-12 9:15 ص
إدارة الموقع
2025-07-12 9:15 ص
السنة والسيرة النبويبة

وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ

يستوقفني قوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}، فما سر هذه الأيام؟ ولماذا خُصّت أيام الله بهذا التذكير؟ وما الذي يُميزها عن سائر الأيام؟ 

ما هي أيام الله 

يقول الله تعالى في سورة إبراهيم:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.

في مفتتح السورة، يذكر الله منّته على نبيه محمد ﷺ بإنزال الكتاب ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، كما أُرسل موسى بآيات الله لهداية قومه. فكما كان القرآن نورًا يهدي الحائرين وسط عتمة الشك والشهوات، كانت آيات الله وأيامه مشاعل طريق لمن أثقلته المحن، وأُنهكته مظالم الحياة، تبث فيه الثبات واليقين، وتمنحه أمل النجاة.

فما هي أيام الله ؟

هي الأيام التي تجلى فيها عدل الله وقدرته، أيام نُصِر فيها المؤمنون وهُزم الظالمون، كاليوم الذي نجا فيه موسى ومن معه، وغُرق فرعون وجنوده. إنها أيام الحُكم الإلهي البَيِّن، الذي لا لبس فيه ولا تأويل، فصلٌ ظاهر بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال، بين النور والظلمة. إنها اللحظات التي تجلت فيها العظمة الربانية على مرأى الخلق، فيعلم كل من شهدها أو قرأ عنها أن الجزاء كان عدلًا، وأن القدرة لله وحده.

كل يوم من أيام الله، هو صورة مصغّرة ليوم الفصل، يوم القيامة. فالدنيا دار اختبار، يُبتلى فيها الإنسان، ويُختبر فيها إيمانه وصبره. وقد تقتضي حكمة الله تأخير الحساب إلى يوم الدين، لكن حين يُعجِّل الله الحكم في الدنيا، وتُقام الحجة أمام الناس، فإن تلك اللحظة تُصبح من “أيام الله”، عبرةً للمتأملين، وتذكرةً للصابرين الشاكرين.

يُدرك هذه الآيات من صبر على طاعة الله، وصبر عن معصيته، وصبر على أذى الخلق في طريق الإيمان. ويشكر الله من أيقن بنعمه، وعرف قدر هدايته، واستشعر عظيم فضله، فشكر بقلبه ولسانه وعمله.

ومن هذا المنطلق، نفهم لِمَ خُتمت قصص الأنبياء في سورة هود بالتحذير من الغفلة عن يوم الحساب، إذ يقول تعالى:

{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ}،وأي أن كل قصة من هذه القصص ما هي إلا تذكير بيوم الله الأعظم، يوم يجتمع فيه الخلق للحساب، فلا يظلم ربك أحدًا.

يوم عاشوراء من الأيام العظيمة

هو يوم للتذكُّر والشكر، يوم نُصرة أهل الإيمان وتمكينهم رغم استضعافهم، يوم تجلّت فيه معية الله لعباده الصالحين، حين قال موسى عليه السلام بكل يقين: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، فإذا بالبحر يشق طريقه، وإذا بالمستضعفين يعبرون، وإذا بالمتجبرين يُغرقون، عبرةً تتردد أصداؤها على مر الزمان.

لحظة واحدة كانت كفيلة بأن تُبدل حالًا طال أمده، وتُحيي في قلب المقهور رجاءً طال اختناقه. لحظة من صدق التوكل على الله تمحو سنينًا من الظلم، وتفتح أبواب الفرج لمن آمن وصبر.

فلا تيأس، إن رأيت الظلم يستطيل، ولا تجزع إن طال البلاء، فرب لحظة من لطف الله تقلب الموازين، ورب يقين في القلب يُفلق أمواج المحن كما فلق البحر بعصا موسى.

هذا هو يوم عاشوراء… يوم من أيام الله

  • يوم المعية: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
  • يوم النجاة: {فَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ}.

فاذكروه، وذكّروا به، وعلّقوا عليه آمالكم، فإنه من أعظم الدروس الربانية في زمن كثرت فيه الفتن والشدائد.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى