
الاختلاف ليس عيبا، ولا منقصة، وليس سبباً للعنصرية كما يرى الكثيرون؛ ولكنه محفز للتقارب، والتآلف؛ وكما هو سنة الحياة؛ فستجري سنته على بني الإنسان، ـ نعم ـ سنختلف أدياناً، وأجناساً، وأفكاراً، والمهم هنا معرفة معنى الاختلاف، وأنواعه، وكيف يكون، وإدراك الوسائل الراقية التي تلملم، ولا تفرق، وتترك البصمات الطيبة، لا السيئة، لنجعل من الاختلاف جسراً للتواصل، ولنكن أصدقاء.
سنطرح في درسنا هذا نظرة شاملة، شافية لموضوع الاختلاف فإلى المادة:
أولاً- معنى الاختلاف:
- المعنى اللغوي: تعد كلمة اختلاف مصدراً من الفعل اختلف، وهو: فعل يدل على التفاعل، والمشاركة، ولا يكون إلا بين اثنين فأكثر.
- المعنى الاصطلاحي للاختلاف: أن يسلك كل واحد طريقاً غير طريق الآخر حالة وقوع الاختلاف، والاختلاف أعم من الضد؛ لأن كل ضدين مختلفين، وليس كل مختلفين ضدين، أو هو: تقابل بين رأيين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه
ثانياً- الاختلاف في الاستعمال القرآني:
بما أن الاختلاف سنة الله في أرضه، وخلقه، فقد ورد ذكره في القرآن الكريم، والمتأمل في السياق القرآني يجد ورود كلمة الاختلاف في القرآن الكريم (52) مرة، وإليك أمثلة من الآيات التي ذكر فيها الاختلاف، قال تعالى: ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) [البقرة:213]، وقال تعالى: ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ) [النحل:39]، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [المؤمنون:80]
ثالثاً- ألفاظ ذات صلة بالاختلاف:
ثمة ألفاظ تعد من عائلة الاختلاف قد تكون مرادفات لها أو أضداداً، تختلف معها شكلاً، لكنها تؤدي المعنى نفسه، أو نقيضه فمنها:
- التفرق وهو: خلاف التجمع.
- الصلة بين التفرق، والاختلاف: إن لفظتي التفرق، والاختلاف مترادفتان صلتاهما المعنى ولا تختلفان إلا في ترتيب القوة، والضعف.
- فالتفرق: أشد أنواع الاختلاف، ومن آثاره الكره.
- والاختلاف: يقصد به الاختلاف مع بقاء المودة، والمحبة.
- المنازعة. تعريفها: من تنازع القوم. اختصموا، وبينهم خصومة في حق.
- الصلة بين المنازعة والاختلاف: إن التنازع، والاختلاف رديفا بعض مع زيادة أحدهما بالمعنى
- المنازعة: هي اختلاف مع معاداة، ومخاصمة، فهي أشمل من الاختلاف، فقد يحصل اختلاف، ولا يحدث منازعة، وقد تحصل المنازعة، والمخاصمة لنفي ما عند الآخر، ومحوه سواءً كان حقاً، أو باطلاً، والمواصلة في الغالب للفشل، والانتكاس
- الاختلاف: لا يحمل معنى المنازعة، فقد يحصل الاختلاف ولا تحصل المنازعة.
- الاجتماع: في اللغة: التئام الشيء، وضم بعضه إلى بعض، وهو خلاف التفريق، وفي الاصطلاح هو: اجتماع الناس، وعدم تفرقهم؛ واجتماع القلوب بائتلافها، وعدم تفرقها.
- الصلة بين الاجتماع، والاختلاف: الاجتماع ضده الافتراق، وليس الاختلاف لأن هناك صلة يتلاقيا عندها الاجتماع، والاختلاف، فالاختلاف السائغ بين الناس يمكن أن يحصل معه الاجتماع، ولا يكون سببا في تفرقهم، وأما إذا كان مؤدياً إلى تفرقهم، وتمزق وحدتهم، وعدم اجتماعهم، فإنه يُعدّ خصومة، وافتراقاً.
- الاعتصام: من العصم وهو: الإمساك، والاعتصام، والاستمساك. قال تعالى :(واعتصموا بحبل الله جميعاً…) آل عمران 103
- الصلة بين الاعتصام، والاختلاف: الاختلاف: كما بيناه سلفاً، والاعتصام: الاستمساك بالشيء افتعالا منه، والمقصود، الاستمساك بحبل الله، وهو – بهذا الاعتبار- وسيلة للاجتماع، وطريق إليه؛ فالاستمساك بحبل الله سبب للاجتماع، وعصمة من الخلاف، والتفرق.
رابعاً- الاختلاف سنة الله تعالى في خلقه:
جرت سنن الله في الكون، وما زالت، وستظل، فمن سننه الجارية في الخلق سنة الاختلاف التي ذكرها في محكم تنزيله
- قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام:141]
- وقال تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [النور:45]
- وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [الروم:22]
- وقال الله سبحانه وتعالى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد:4]
- الاختلاف العلمي، والفكري. قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود:118]
خامساً – أنواع الاختلاف، ويتمثل في الآتي:
الاختلاف متنوع، ومتشعب في تصنيف الكثير، وفي التصنيف القرآني نجد أن الاختلاف له ثلاثة أنواع، وهي:
- الاختلاف الذي قضى الله به بين الناس.
- قضى الله بين عباده – مؤمنين، وكافرين – الاختلاف، وأوضح ذلك في قوله تعالى :(ولو شاء الله ما اقتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا …) البقرة213- ٢٥٣ – والمطلوب من العبد الابتهال إلى الله بالاعتصام عند الاختلاف. قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب، والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه مختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) رواه مسلم.
- اختلاف التنوع: إن اختلاف التنوع اختلاف رحمة، وهدى؛ فأصحابه يقر بعضهم بعضاً عليه، ويؤليه، ويناصره؛ وهو داخل في باب التعاون، والتناظر الذي لا يستغني عنه الناس في أمور دنياهم، وأخراهم، وأعمالهم، والرأي، والفكر في الأسباب الموصلة إلى الصواب.
- الاختلاف في المذموم: هو الذي يكون المختلفون كلهم مذمومين، وهم: المختلفون في أصول الدين، وقد نهانا الله أن نتشبه بهم قال تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105] ، وقال تعالى: ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) [البقرة:176] ، (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الروم:31] ، وقال تعالى: ( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) [الروم:32] ،{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَة}[البينة:4].
الأمثلة للفرق الداخلة في هذا الاختلاف: (الخوارج والرافضة و…..)
الأمثلة على المسائل التي يكون الاختلاف فيها مذموماً:
- أصول العقيدة، والإيمان.
- أصول الأخلاق.
- أصول المعاملات.
- أصول العبادات.
النصوص القرآنية المحذرة من هذا الاختلاف:
قال تعالى: (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) [هود:119]
سادساً- أسبابه:
المقصود بالاختلاف هنا: هو اختلاف الأفكار، والعقائد، ونحوها؛ لا اختلاف الألسن، والألوان، ومن أعظم الاختلاف:
- فساد النية: وينطوي تحتها أمور منها:
- البغي: قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِين وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون} [الجاثية:16-17] وقال تعالي: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيب} [الشورى:14]
- الحسد: والحسد نوعان هما:
- محمود، ومذموم، فالمحمود: تمني مثل ما لك لغيرك، وهذا النوع يسمى غبطة ؛ والمذموم: تمنى زوال نعمة من تحسده، وهذا هو الحسد الحقيقي . قال الرسول صلى الله عليه وسلم على النوع الأول :(لا حسد إلا في اثنيتن، رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته بالحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ، ويعلمها) أخرجه البخاري.، وقال الله في النوع الثاني: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [البقرة:109] ، وقال الله سبحانه وتعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137] ، وقال تعالى: ( وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام:53] ، وقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [المائدة:27-30]
- اتباع الهوى: قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) [البقرة:87]، وقال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50]
- ترك الوحي: قال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)) [المائدة:14]، وقال تعالى: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُون} [الحشر:14]
- اختلاف الأفهام. قال تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) [الأنبياء:78-79]، وضابط هذا الاختلاف هو التزام وجهة النظر التي لا تؤدي إلى التعصب؛ لئلا يكون الاختلاف سبباً للتفرق في الدين.
سابعاً- آثاره:
من المعلوم أن للخلاف آثار، وهذا أمر مسلّم به؛ وحري بنا أن ندرك الآثار المترتبة عليه، وإذا ما جئنا إلى تقسيمها وجدنا أنها تنقسم إلى قسمين اثنين:
آثار الاختلاف السلبية:
- الفشل، وذهاب الريح. قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)) [الأنفال:46]، وقال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)) [المائدة:14]
- الشقاق، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد} [البقرة:176]
- إلغاء كل ما لدى الخصم من حق، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)) [البقرة:113]
- التفرق، والتحزب، قال تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِين ﮐ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} [الروم:31-32]
- العذاب الأليم في الآخرة، قال تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) [آل عمران:105-106]
آثار الاختلاف الإيجابية:
- يساعد على معرفة نقاط الضعف، والقوة، والتعامل معها بإيجابية، وعقلانية.
- تهذيب المجتمع. فالمجتمع الذي لا تنمو فيه الاختلافات مجتمع سقيم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اختلاف أمتي رحمة)
- تساعد الناس للوصول إلى الحل الأمثل، والصائب للأزمات، والمشكلات
ثامناً – وسائل دفع الاختلاف:
لكي ينجح الانسان في دفع الاختلاف لابد من وسائل توصله لذاك
فالقاعدة الأساسية هي: تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين. قال تعالى في سورة الأنفال:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [الأنفال:1] ، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) [آل عمران:103]، ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]
ومن تلك الوسائل:
- الاعتصام بحبل الله تعالى. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103]، (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)) [النحل:64]، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب} [الشورى:10]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)) [النساء:59]
- الإصلاح. قال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114]
- الجدال بالتي هي أحسن. قال تعالى: ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت:46]، {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [المجادلة:1]، (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)) [هود:32]، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) [آل عمران:187]. وأما الجدال المذموم المنهي عنه هو الجدال في الباطل، والمقصود به دحض الحق. قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)) [غافر:5]
- المباهلة. وهي: الملاعنة، وهي: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون لعنة الله على الظالم منا. قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) [آل عمران:61] ، { ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجمعة:6-8]
- مقاتلة البغاة. قال تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:9-10]