تفسير سورة آل عمران
سورة آل عمران (من الدرس الثالث والثلاثين حتى الدرس السادس والثلاثين)

في هذه المقالة سوف نعرض لكم عدد من الدروس التي جاءت في سورة آل عمران وذلك لدرس الثالث والثلاثين حتى الدرس السادس والثلاثين..
الدرس الثالث والثلاثون من الآية (149-151) في سورة آل عمران
حذرت هذه الآيات من طاعة الكافرين..
التفسير والبيان لآيات الدرس الثالث والثلاثون في سورة آل عمران
- (151) (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ) فالألقاء أمر مادي كأن الله يريد أن يجعل المعنى وهو الرعب شائعاً فقال أنا سأجمع الرعب وأضعه في القلب ويكون عمله مادياً فإذا ما استقر الرعب في القلب جاء الخور وإذا اسكن الخور القلب نضح على جميع الجوارح تخاذلاً وأصل الرعب من المليء يقال سيل راعب إذا املأ الأودية ورعبت الحوض ملئته أي سنملأ قلوب المشركين خوفاً وفزعا قال الرسول (ص) (أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً …) متفق عليه، سنلقي أي بنور العظمة الجامعة لكل صفات الكمال التي يتطلبها أي فعل من الأفعال العظيمة لأن كل قلب به كفر يحتاج إلى القاء الرعب فيه فهو يستوعب كل هذه القلوب الكافرة كما قال تعالى (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) السلطان له معنيان: معنى مادي وهو القوة والقهر ومعنى معنوي وهو الحجة والبرهان فمرة يأتيه بمعنى قوة تقهرك على أن تفعل الفعل وأنت مرغم غير راض عن الفعل وأما سلطان الدليل فيقنعك بأن تفعل فعلاً يرضيك، (وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِين) أي المرجع الذي يأوون إليه هو النار والمأوى هو الموضع الذي يرجع إليه فهو المأوى والمثوى الذي يرجع إليه.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(خسر) وردت على (5) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى أضاع وأهلك وفقد ما كان يملكه قال تعالى (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِين) وقال تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين) (لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى عاجزون قال تعالى (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُون).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى المغبون قال تعالى (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الضلال قال تعالى (وَالْعَصْر إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى النقصان قال تعالى (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِين) (وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَان) (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون).
أسباب النزول آيات الدرس الثالث والثلاثون سورة آل عمران
- سبب نزول الآية (149) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ…) قال علي رضي الله عنه: نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى اخوانكم وادخلوا في دينهم وعن الحسن البصري أن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم لأنهم كانوا يستفتونكم ويوقعون لكم الشبه في الدين ويقولون: لو كان نبياً حقاً لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس يوماً له ويوماً عليه.
- سبب نزول الآية (151) (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ) قال السدي لما أرتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم ندموا وقالوا بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق إلا الشرذمة تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك القى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هم فيه وأنزل الله الآية.
وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ…) إن الله يحذر الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة وليس فيها ربح ولا منفعة بل فيها الإنقلاب على الأعقاب إلى الكفر.
- الوقفة الثانية: (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ…) فهذه الجهة التي يطلب المؤمنون عندها الولاية ويطلبون عندها النصرة ومن كان الله مولاه فما حاجته بولاية أحد من خلقه ومن كان الله ناصره فما حاجته بنصرة أحد من العبيد.
- الوقفة الثالثة: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ…) والوعد من الله الجليل القادر القاهر بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا كفيل بنهاية المعركة وضمان لهزيمة أعدائه ونصر أوليائه وهو وعد قائم في كل معركة يلتقى فيها الكفر بالإيمان.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: تحريم طاعة الكافرين والمنافقين لأن طاعتهم فيها ضلال وخسران مبين.
- الحكم الثاني: وجوب موالات الله ورسوله لأنه الناصر للمؤمنين وحده.
- الحكم الثالث: وجوب الإعتقاد بأن الله خاذلً الكافرين بألقاء الرعب في قلوبهم في الدنيا بسبب شركهم بالله ومعذبهم في الآخرة.
الدرس الرابع والثلاثون من الآية (152-155) في سورة آل عمران
ووضحت هذه الآيات أسباب انهزام المسلمين في غزوة أحد..
التفسير والبيان لآيات الدرس الرابع والثلاثون في سورة آل عمران
- (152) (إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ) أن تذهبوا الحس منهم، والحس: هو الحواس الخمس ومعنى أذهبت حسه أفقدته تلك الحواس أو الحس هو الصوت الذي يخرج من الإنسان ما دام فقد الحس يعني انتهى، (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ) فجماعة قالوا نظل كما امرنا الرسول (ص) وجماعة قالوا نذهب إلى الغنائم فالذين ارادوا مواصلة القتال إنما ارادوا الأخرة ولم تلههم الغنائم والذين أرادوا الغنائم هم الذين أرادوا الدنيا. قال عبدالله بن مسعود (ض) (والله ما كنت أعلم أن أحداً من أصحاب رسول الله (ص) يريد الدنيا حتى نزل فينا ما نزل يوم أحد)، (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) وليست إرادة الدنيا من الصحابة الذين أرادوا الغنائم صفة ملازمة لهم وإنما هي حالة عرضت لهم هكذا حال المؤمن أما المنافق فإرادة الدنيا صفة ملازمة له دائمة، (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ) لأنه كان لكم وجهة نظر أيضاً عندما تصورتم أن المعركة انتهت بسقوط راية الكفر ومقتل طلحة ابن أبي طلحة حامل لواء المشركين.
- (153) (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ…) تصعدون: الذهاب في الصعيد الأرض المستوية أي تذهبون إلى الوادي وتمضون فيه هربا من عدوكم في الإصعاد وهو الذهاب ويأتي الصعود بمعنى الطلوع إلى مكان مرتفع، (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ…) أي حزناً متصلاً بحزن، أنتم غممتم الرسول (ص) بأنكم خالفتم أوامره فأوقفكم الله هذا الموقف أو غم الهزيمة وغم اشاعة موت الرسول (ص)، (لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ…) ولو لم تحدث مسألة الهزيمة لشغلتكم مسألة الغنائم ولظل بالكم فيها.
- (154) (أَمَنَةً نُّعَاسًا) الأَمَنه بفتحتين: الأمن والنعاس: الفتور في أوائل النوم: أي ثم اعقبكم بما أصابكم من الخوف والرعب أمنا تنامون معه أيها المؤمنون وأنتم في مصافكم، أما المنافقون فلم يلقِ عليهم النعاس وبقوا في خوفهم فزعين، ونعاساً بدل من أمنه، (يَغْشَى) يلابس كالغشاء، (لَبَرَزَ) لخرج، (إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) مصارعهم التي قدر الله قتلهم فيها بأحد وقتلوا هناك البتّة فإن قضاء الله لا مرد له ولا ينفع الحذر مع القدر، جمع مضجع وهو مكان الاضطجاع، (ِيَبْتَلِيَ) ليختبر وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص والثبات وهو العليم الخبير، (وَلِيُمَحَّصَ) ليخلص ويزيل أو ليكشف ويميز ما في القلوب من أمراض ووساوس الشيطان والتمحيص التمييز وهو اظهار شيء من شيء كإظهار الإيمان من النفاق.
- (155) (اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ) طلب زلتهم وخطيئتهم أو حملهم عليها بوسوسته لهم: أن يخالفوا أمر الرسول (ص) لهم بالثبات في مواقفهم التي عينها لهم فأطاعوا الشيطان فحرموا التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا قال رسول الله (ص) (ثلاث لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار يوم الزحف) رواه الطبراني
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(حسس) وردت على (5) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى القتل قال تعالى (إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى شعر قال تعالى (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ…).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى رأى قال تعالى (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا…) (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ…).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى سمع قال تعالى (لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا…).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى البحث قال تعالى (فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ…).
- مواقف من أحداث المعركة:
- الموقف الأول: ما وقع للرسول (ص) في معركة أحد فلما خالف أصحاب الرسول (ص) وهم الرماة وغيرهم وعصوا أوامره انفرد النبي (ص) في تسعة: سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وهو عاشرهم فلما أرهقوه قال (رحم الله رجلاً ردهم عنا) فلم يزل يقول ذلك حتى قتل السبعة من الأنصاريون فقال رسول الله (ص) لصاحبيه (ما أنصفنا أصحابنا).
- الموقف الثاني: موقف الرماة وموقف المشركين أول المعركة وموقفهم نهاية المعركة: قال البخاري عن البراء (ض) قال لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي (ص) جيشاً من الرماة وأمر عليهم عبدالله ابن جبير وقال لا تبرحوا إن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشددن في الجبل رفعن عن سوقهن وقد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبدالله بن جبير عهد إلي النبي (ص) ألا تبرحوا فأبوا فلما أبوا صرف الله وجوههم فأصيب سبعون قتيلاً فأشرف ابوا سفيان فقال أفي القوم (محمد) فقال الرسول (ص) (لا تجيبوه) فقال أفي القوم ابن أبي قحامة فقال (لا تجيبوه) فقال أفي القوم ابن الخطاب فلم يجب عليه فقال إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يتملك عمر نفسه فقال له كذبت يا عدو الله ابقى الله لك ما يحزنك قال أبو سفيان أعلُ هبل فقال النبي (ص) أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل قال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي (ص) أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا (الله مولانا ولا مولى لكم) قال أبو سفيان يوم بيوم بدر.
- الموقف الثالث: عن أنس بن النظر قال البخاري عن أنس بن مالك أن عمه يعني أنس بن النظر غاب عن بدر قال غبت عن أول قتال قاتل فيه النبي (ص) لئن أشهدني الله مع الرسول (ص) لَيَرَيَن الله ما أفعل فلقي يوم أحد فهزم الناس فقال (اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما جاء به المشركين) فتقدم بسيفه فلقى سعد بن معاذ فقال: أين يا سعد إني لأجد ريح الجنة من دون أحد فمضى فقتل فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة.
- الموقف الرابع: هروب الصحابة من أرض المعركة قال السدي: لما شد المشركين على المسلمين بأحد فهزموهم فدخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم إلى الجبل فوق الصخرة فقاموا عليهم فجعل الرسول (ص) يدعوا الناس (إلي عباد الله إلي عباد الله) فذكر الله صعودهم إلى الجبل ثم ذكر دعاء الرسول (ص) إياهم فقال (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ).
- الوقف الخامس: تحدي أُبي بن خلف بقتل الرسول (ص) ورد الرسول عليه وقال أبو الأسود عن عروة بن الزبير قال: (كان أُبي ابن خلف أخوا بني جمح قد حلف وهو بمكة ليقتلن الرسول (ص) فلما بلغت رسول الله (ص) حلفته قال (بل أنا أقتله إن شاء الله) فلما كان يوم أحد أقبل أُبي في الحديد مقنعاً وهو يقول (لا نجوت إن نجا محمد فحمل على الرسول (ص) يريد قتله فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يقي الرسول (ص) بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر الرسول (ص) ترقوة أُبي بن خلف من فرجة بين سابقة الدرع والبيضة وطعنة فيها بحربته فوقع على الأرض من على فرسه ولم يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور فقالوا له ما أجزعك إنما هو خدش فذكر لهم قول الرسول (ص) (بل أنا اقتله إنشاء الله) ثم قال (والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا اجمعون فمات إلى النار (فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِير) وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله (ص) (اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله (ص) وهو يشير إلى رباعيته واشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله (ص) في سبيل الله).
وقفات مع آيات الدرس الرابع والثلاثون سورة آل عمران
- الوقفة الأولى: إن فضل الله ورحمته بالمؤمنين بعد هذا الغم القى عليهم النعاس أو النوم ليشعرهم بالأمن وليجددوا عزائمهم وترتاح نفوسهم من بعد هذه الهزيمة أما المنافقين فظلوا في قلقهم واضطرابهم لا ينامون ولا يشعرون بالطمأنينة والأمن ويقولون (هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ) استفهام معناه الجحود والإنكار أي مالنا شيء من أمر الخروج وإنما خرجنا كرها بدليل قولهم (لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا).
- الوقفة الثانية: رد الله على المنافقين (إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) أي النصر بيد الله ينصر من يشاء ويخذل من يشاء والأجل والعمر بيد الله وما من ميت إلا ويموت بأجله سواء بالحرب وساحاتها أم في المنازل والمضاجع وغرفها وحدائقها.
- الوقفة الثالثة: انقسم أصحاب غزوة أحد بعد انتهاء المعركة إلى فريقين الفريق الأول ذكروا ما أصابهم فعرفوا أنه كان بتقصير من بعضهم وذكروا وعد الله بنصرهم فاستغفروا لذنوبهم وأمنهم ربهم، الفريق الثاني أذهلهم الخوف حتى انشغلوا عما سواه إذ لم يتقوا الله ولم يؤمنوا برسول الله (ص) فخافوا لم يأمنوا.
- الوقفة الرابعة: أن سبب انهزام المؤمنين يوم أحد فكان بتأثير الشيطان واغوائه ووسوسته وبما اقترفوا من ذنوب سابقة فإنه ذكرهم خطاياهم التي سلفت منهم فكرهوا الثبوت لألا يقتلوا ولكن الله بفضله ورحمته عفا عنهم ولم يعاجلهم العقوبة.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: وجوب تنفيذ أمر الأمير بالكيفية التي حددها في المواقف المحددة.
- الحكم الثاني: تحريم الفرار من صفوف المواجهة وتعتبر من أكبر الكبائر الا إذا كان متحرفاً لقتال أو متحيزا إلى فئة.
- الحكم الثالث: وجوب الثبات في المعركة وفي كل موقف يؤدي فيه المجاهد عملاً جهادياً حتى تتحقق الأهداف.
- الحكم الرابع: وجوب اتخاذ الأسباب كاملة في كل عمل دنيوي أو أخري ثم الإعتقاد بأن تحقق النصر أو الأهداف بإرادة الله وتوفيقه.
الدرس الخامس والثلاثون من الآية (156-158) في سورة آل عمران
حذّرت هذه الآيات المؤمنين من التأثر بأقوال المنافقين
التفسير والبيان لآيات الدرس الخامس والثلاثون سورة آل عمران
- (156) (ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ) سافروا فيها للتجارة أو غيرها فماتوا وأصل الضرب ايقاع شيء على شيء ثم استعمل في السير لما فيه من ضرب الأرض بالأرجل ثم صار حقيقة فيه، (أَوْ كَانُواْ غُزًّى) أي غزاة جمع غازاة كصائم وصُوّم، والغزو: الخروج لمحاربة العدو وأصله قصد الشيء ومنه المغزى أو المقصد.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(ضرب) وردت على (4) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى السير قال تعالى (وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ…) (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ…) (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الضرب باليدين قال تعالى (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ) (وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان) (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ…).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الوصف قال تعالى (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا…) (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً…) (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ…) (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ…).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى البيان قال تعالى (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَال…) (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ…).
وقفات مع آيات الدرس الخامس والثلاثون سورة آل عمران
- الوقفة الأولى: (لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ…) إن الله قدم القتل على الموت في الآية (157) لأنها جاءت في المقاتلين والغالب فيهم أنهم يقتلون فيلقون الله بسبب القتل في سبيل الله وأما تقديم الموت على القتل في الآية (156) فهو يحكي قول المنافقين الذين يتمنون الموت الذي غالب ما يكون مصير كل انسان ولا يتمنون القتل في سبيل الله لأنهم لم يؤمنوا بالشهادة في سبيل الله وفي الآية (158) قدم الله الموت على القتل لأن الآية جاءت لبيان أن مصير جميع العباد ومرجعهم يوم القيامة يكون إلى الله وأن أكثر ما تزهق نفسه وتخرج روحه من بدنه بسبب الموت.
- الوقفة الثانية: (لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ…) وإحساسهم بأن خروج إخوانهم ليضربوا في الأرض في طلب الرزق أو ليغزوا ويقاتلون فيقتلون إحساسهم بأن هذا الخروج هو علة الموت أو القتل يذهب بأنفسهم حسرات إذ لم يمنعوهم من الخروج ولو كانوا يدركون العلة الحقيقية وهي استيفاء الأجل ونداء المضجع وقدر الله وسنته في الموت والحياة ماضية على الجميع ولكن المؤمنين يلقون الله صابرين راضين بما قدر الله لهم .
- الوقفة الثالثة: (وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ…) على أن الأمر لا ينتهي بالموت أو القتل فهذه ليست نهاية المطاف ولا على أن الحياة في الأرض ليست خير ما يمنحه الله للناس من عطاء فهناك قيم أخرى واعتبارات أرقى في ميزان الله وهي المغفرة والرحمة.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: وجوب الإعتقاد بأن الحياة والموت بيد الله وحده وأن الاسباب لذلك تتنوع.
- الحكم الثاني: تحذير الله ونهيه لعباده المؤمنين من أن يقولوا مثل قول المنافقين الذين قالوا لإخوانهم في النفاق أو النسب (لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ…).
- الحكم الثالث: وجوب الجهاد في سبيل الله وعدم التخوف من الموت أو القتل.
الدرس السادس والثلاثون من الآية (159-164) في سورة آل عمران
وضحت هذه الآيات كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعامل أصحابه
التفسير والبيان لآيات الدرس السادس والثلاثون سورة آل عمران
- (159) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) جاءت الرحمة نكرة هنا لتدل على التعظيم لأن النكرة تدل مرة على التعظيم ومرة تدل على التحقير ومرة تدل على التكثير ومرة تدل على التقليل ويكون معنى الآية برحمة من الله طبعت عليها لنت لهم وجاءت هذه الآية بعد خمسة أحداث وقعت اثناء معركة أحد:
- الحدث الأول: الخروج للقتال خارج المدينة بناء على رأي الأغلبية وكان رأي الرسول (ص) عدم الخروج.
- الحدث الثاني: رجوع عبدالله بن أُبي بثلث الجيش من أثناء الطريق.
- الحدث الثالث: مخالفة الرماة أمر الرسول (ص) بنزولهم من الجبل.
- الحدث الرابع: فرار الصحابة اثناء المعركة.
- الحدث الخامس: عدم عودة الذين هربوا عندما دعاهم الرسول (ص)، قال تعالى(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) فظاً كريه الخلق خشن الجانب جافياً في المعاشرة قولاً وفعلاً، الفظ: هو ماء الكرش والإبل عندما تجد ماء فهي تشرب ما يكفيها مدة طويلة ثم بعد ذلك عندما لا تجد ماء فهي تجتر من الماء المخزون في كرشها وتشرب منه، وفي موقعة من الموقع لم يجدوا ماء فنحروا الأبل وأخذوا الماء من كروشها والماء في كرش الإبل غير مستساغ الطعم هذا معنى الفظ ونظراً لأن هذا يورث غضاضة خشونة القول والفظاظة والغلظة في القلب هو ما ينشأ عنه الخشونة في الألفاظ والقسوة في السلوك، الغلظة ضد الرقة وتنشأ عنها الفظاظة، (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) والعفو هو محو الذنب محواً تاماً وهو يختلف عن كظم الغيظ لأن كظم الغيظ يعني أن تكون المسألة موجودة في نفسك أيضاً إلا أنك لا تعاقب عليهم لأنك كظمت جوارحك وصنت لسانك أما المسألة فما زالت في نفسك لكن العفو هو أن تمحوا المسألة كلها نهائياً والعفو يتعلق بحق الرسول (ص) والإستغفار لما يتعلق بحق الله لأن الإستغفار طلب الغفران من الله، (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) والمشورة والمشاورة: هي استخراج الرأي بمراجعة البعض للبعض الآخر مأخوذة من قولهم: شُرتُ الدابة إذا علمت خَبرها بجري أو غيره أو من قولهم شُرتُ العسل وأشرته إذا أخذته من الخلية، (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) أي فإذا عقدت قلبك على الأمر بعد المشورة فاعتمد على الله في امضائه وفوض أمرك إليه فإن بيده مقاليد الأمور كلها فما شاء كان وما شاء لم يكن، والتوكل: الإعتماد على الله والتفويض إليه وهو لا ينافي الأخذ بالأسباب ومنها الشورى كما تشير إليه الآية قال الرسول (ص) (إعقلها وتوكل) رواه الترمذي (صحيح الجامع) والله تعالى خلق الأسباب والمسببات وربط بينهما ربطً عادياً وجعلها من سننه الكونية فترك الأخذ بها جهل وترك التوكل عليه زندقة.
- (161) (أَن يَغُلَّ) يخون في الغنائم من الغلول وهو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها وأصله من الغلل وهو دخول الماء في خِلَل الشجر وسميت هذه الخيانة غُلولاً لأنها تجري في المال على خفاء من وجه لا يَحِلُّ والمراد تنزيه الرسول (ص) عما اتهمه به بعض المنافقين يوم بدر أو المراد نهي أمته (ص) عن الغلول.
- (162) (بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ) رجع متلبساً بغضب شديد من الله.
- (164) (وَيُزَكِّيهِمْ) يطهرهم من الكفر والذنوب أو يدعوهم إلى ما يكونون عليه زاكين طاهرين مما كانوا عليه من دنس الجاهلية والاعتقادات الفاسدة.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(زكا) وردت على (6) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى أصلح وطهر قال تعالى (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى التطهر من الكفر والتحلي بالتوحيد قال تعالى (وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الزكاة المفروضة قال تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (َوالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى يبرئ نفسه من العيوب قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ) (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ) (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى أحل قال تعال (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا).
- الوجه السادس: وردت بمعنى العبادة التي هي آلة التزكية قال تعالى (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً).
أسباب النزول
- سبب نزول الآية (159) قال ابن عباس (ض) (نزلت في أبي بكر وعمر كانا حواري رسول الله (ص) ووزيريه وقال لهما الرسول (لو اجتمعتما في مشورة لما خالفتكما) رواه أحمد.
- سبب نزول الآية (161) (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) أخرج أبو داؤود والترمذي وحسنه عن ابن عباس (ض) قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل الرسول (ص) أخذها فنزلت الآية.
وقفات مع الآيات
إن هذه الآيات (159-164) اشتملت على الحقائق التالية:
- الحقيقة الأولى: حقيقة الرحمة الإلهية المتمثلة في أخلاق النبي (ص) وطيبته الخيرة الرحيمة اللينة المعدة لأن تتجمع عليها القلوب وتتألف حولها النفوس.
- الحقيقة الثانية: حقيقة أصل النظام الذي تقوم عليه الحياة الجماعية الإسلامية مبدأ الشورى ومبدأ الحزم بعد الشورى.
- الحقيقة الثالثة: التوكل على الله إلى جانب الشورى والمضي بعدها.
- الحقيقة الرابعة: حقيقة قدر الله ورد الأمر كله إليه وفاعليته التي لا فاعلية غيرها في تصريف الأحداث والنتائج.
- الحقيقة الخامسة: حقيقة التحذير من الخيانة والغلول والطمع في الغنيمة قبل القسمة.
- الحقيقة السادسة: حقيقة التفرقة الحاسمة بين من اتبع رضوان الله ومن باء بسخط من الله.
- الحقيقة السابعة: حقيقة المنة الإلهية المتمثلة في رسالة النبي (ص) التي تتضاءل إلى جانبها الغنائم والآلام.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: وجوب تحقق الداعية بالشروط الآتية:
- الرحمة واللين قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ…) (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ…).
- مبدأ الشورى من مبادئ هذا الدين يجب الأخذ به ونتائجه ملزمة قال تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ…) ولقد شاور الرسول (ص) أصحابه في المواطن الآتية:
- يوم بدر للدخول في المعركة وفي المنزل الذي ينزلون فيه.
- يوم أحد لمواجهة العدو في المدينة أم في أحد.
- يوم الخندق لمصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة.
- الحكم الثاني: تحريم الغلول وهو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها خفية أو غير ذلك قال تعالى (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ…) قال الرسول (ص) (اعظم الغلول عند الله ذراع في الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في دار فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً فإذا قطعه طوق من سبع أرضين يوم القيامة) رواه أحمد وقال الرسول (ص) (من ولي لنا عملاً وليس له منزلاً فليتخذ منزلاً أو ليست له زوجه فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادم أو ليس له دابة فليتخذ دابة ومن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غال) رواه أحمد وحسنه.