تفسير سورة آل عمران
سورة آل عمران (الدرس الثامن عشر)

فيما يلي تكمله دروس ايات سورة آل عمران من الآية الكريمة 79 حتى الآية الكريمة 83 والتي بين الله فيها موقف أهل الكتاب من الرسالة التي يحملها الأنبياء وهو الدرس الثامن عشر
التفسير والبيان لآيات الدرس الثامن عشر سورة آل عمران
- (79) (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ) جمع رباني وهو العالم الفقيه أو المدبر أمر الناس نسبة إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما في رقباني للغليظ الرقبة أو إلى ربان كعطشان وانتساب الرباني إلى الرب انتساب عابد بمعبود بمعنى المربي وهو المعلم الخبير للخير ومن يسوس الناس ويعرفهم أمور دينهم ودنياهم.
- (80) (وَلاَ يَأْمُرَكُمْ) بالنصب عطفا على يقول (ولا) مزيدة لتأكيد معنى النفي وهو شائع في الاستعمال أي ما كان لبشر أن يأتيه الله ما ذكر ثم يأمر الناس بعبادة نفسه أو باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا وقرئ بالرفع على الاستئناف أي ولا يأمركم.
- (81) (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ….. وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) الميثاق العقد المؤكد باليمين اصري قبلتم عهدي والإصر العهد وأصله من الإصار وهو الطّنُب والأوتاد التي يشد بها البيت وأطلق على العهد إصر لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد (الطّنُب حبل الخباء).
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(ربب) وردت على (3) أوجه.
- الوجه الأول: وردت بمعنى العالم الصابر قال تعالى (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُون).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الملك والسيد قال تعالى (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى ولد زوجة الرجل إذا ربي في ببيته قال تعالى (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ).
اسباب النزول لآيات الدرس الثامن عشر سورة آل عمران
- سبب نزول الآية (79) (مَا كَانَ لِبَشَرٍ) أخرج ابن اسحاق والبيهقي عن ابن عباس (ض) قال: قال أبو رافع القرضي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله (ص) ودعاهم إلى الإسلام أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ قال معاذ الله فأنزل الله في ذلك (مَا كَانَ لِبَشَرٍ) الى قوله (وَأَنتُم مُّسْلِمُون).
- وأخرج عبدالرزاق في تفسيره عن الحسن قال بلغني أن رجلاً قال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال (لا) ولكن اكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله) فأنزل الله الآية.
وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: تتضمن الآيات تصوير حقيقة الترابط بين موكب الرسالات والرسل على عهد من الله وميثاقه يبين عليه فسوق من يتولى عن اتباع آخر الرسالات وشذوذه عن عهد الله وناموس الكون كله على الإطلاق.
- الوقفة الثانية: يستحيل أن تتضمن رسالة أي رسول أو دعوته ودعوة أي نبي أي حق من حقوق الألوهية لغير الله سواء كان ملكا مقرب أو نبي مرسل.
- الوقفة الثالثة: إن دين الله يخلص بهذا العهد وبهذا التصور من العصبية الذاتية عصبية الرسول لشخصه وعصبيته لقومه وعصبية اتباعه لنحلهم وعصبيتهم لأنفسهم وعصبيتهم لقومهم ويخلص الأمر كله لله في هذا الدين الواحد الذي نتابع ونتولى ذلك الموكب الرسولي الكريم.
- الوقفة الرابعة: وفي ظل هذه الحقيقة يبدو الذين يتخلفون من أهل الكتاب عن الإيمان بالرسول (ص) ومناصرته وتأييده تمسكاً بدياناتهم لا بحقيقتها فحقيقتها تدعوهم إلى الإيمان به ونصرته ولكن يسمها تعصباً لأنفسهم في التعصب لها.
- الوقفة الخامسة: وفي ظل هذه الحقيقة يبدوا أولئك الذين يتخلفون فسقة عن تعليم أنبيائهم فسقة عن عهد الله معهم فسقة عن نظام الكون كله المستسلم لبارئه الخاضع لناموسه.
الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: تحريم السجود لغير الله مستنبطة من رواية عبدالرزاق المذكورة في سبب نزول الآية (79) (مَا كَانَ لِبَشَرٍ…).
- الحكم الثاني: تحريم تأويل النصوص القرآنية والنبوية وتحميلها ما لا تحتمل لإرضاء حاكم أو أشباع هوى، مستنبطة من قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا…).
- الحكم الثالث: وجوب الإيمان بأن الدين الحق هو الانقياد لله والإخلاص له وأن دين الله واحد وأن رسالات الأنبياء كلهم واحدة في أصولها العامة وأن الأنبياء يكمل بعضهم بعضا وينصر بعضهم بعضا ويؤيد دعوته.