2025-06-09 1:23 م
إدارة الموقع
2025-06-09 1:23 م
نبضات المحبين

مواقف من الذاكرة مع أستاذي/ محمد علي اسماعيل

بقلم/ د. عبد الملك عبد الرزاق هائل اليوسفي

هناك مواقف تربوية جميلة ما زلت أتذكرها خلال مرافقتي وتعلمي على يد أستاذي المربي الفاضل الأستاذ/ محمد علي إسماعيل حفظه الله ورعاه، وبارك في صحته وعمره، وجزاه الله عني وعن كل من تتلمذ على يديه خيرا، وأن يكثر من أمثاله.

وسأتطرق هنا لبعض المواقف البارزة فقط، رغم أن حياة أستاذنا القدير مواقف مشرقة، أتمنى من كل تلاميذه ومن أنعم الله عليه بصحبته أن يسجل ما يعرفه عن هذا النموذج المتميز، فقد كان متميزا في تعليمه، متميزا في تربيته، متميزا في قيادته، متميزا في إدارته، متميزا مع أسرته ومع أقاربه وجيرانه وأبناء منطقته بل وكل المناطق التي عمل فيها، وترك أثرا طيبا فيها.

مواقف من الذاكرة مع أستاذي/ محمد علي اسماعيل

فأقول وبالله التوفيق .. من المواقف التي أتذكرها عن أستاذي/ محمد علي إسماعيل ما يلي :

الموقف الأول:

التربية على الانضباط داخل الصف الدراسي واحترام مجالس العلم والمعلمين:

أتذكر أنه ذات مرة في مدرسة الإشعاع التي كانت قريبة من منزلنا، أحدث بعض الطلاب فوضى داخل المدرسة في نهاية الحصة الأخيرة، وكأنهم كانوا يريدون من الأستاذ أن يخرجهم سريعا، أو يتوقف عن شرح الحصة ولم يحترموا أستاذهم، فشكاهم المدرس لمدير المدرسة الأستاذ /محمد علي إسماعيل، فأمر بتأخيرهم في الفصل حتى يفتح لهم عندما ينصرف من المدرسة، فقد كان يتأخر أحيانا لترتيب أعمال اليوم التالي أو يعالج مشكلة ما، أو يقابل زائرا معينا، وقرر إغلاق باب الفصل على الطلاب، وكان الفصل في الدور الثاني، ونوافذه مفتوحة، إلا أن هؤلاء الطلاب اهتدوا إلى حيلة للهروب، فقد قاموا بربط “غترهم” ببعضها، وتسلقوا بها من إحدى النوافذ، وهربوا من الفصل.

اليوم التالي انتشر خبر تمكن الطلاب من الهروب من الفصل، فما كان من الأستاذ/ محمد علي إلا أن أمرهم بإلتوجه لفصل في الدور الأرضي، نوافذه محمية بشبك حديد، ثم طلبني نهاية الدوام وأعطاني مفتاح الفصل، وقال لي : لا تفتح لهم إلا وقت العصر، وهذا ما حصل بالفعل، وكان ذلك الموقف التأديبي تربية لهم بقية حياتهم وعادوا قدوة لبقية الطلاب، خاصة أنهم كانوا أكبر الطلاب سنا داخل المدرسة، وهذا كما عرفت فيما بعد كان سبب تشديد الأستاذ عليهم في العقوبة، حتى لا يكونوا قدوة سيئة للأصغر سنا منهم.

الموقف الثاني:

خدمة طلابه وأصحابه بنفسه:

الموقف هذا يتعلق بي أنا شخصيا ، حيث أنه ـ جزاه الله عني خيرا ـ يوم عرسي أقمنا عزومة غداء حضرها الكثير من الضيوف، والذي أشرف على إعداد طعام الضيوف هو أستاذي محمد علي إسماعيل، وكون فريقا من الأساتذة تكفلوا بطباخة الطعام كاملا، حتى أن والدي ـ رحمة الله عليه ـ كان منشغلا وقتها باستقبال الضيوف وأنا مع أستاذي محمد علي وبقية الأساتذة في الغرفة التي خصصت للطبخ، وقد كانوا الوحيدين الذين لديهم قدور ضغط خاصة في القرية في تلك الأيام، يستخدمونها لمثل هذا المواقف فكنت سعيدا أيما سعادة من هذا الموقف النبيل.

الموقف الثالث:

لكل مقام مقال، ولكل موقف تعامل خاص يتناسب معه:

من المواقف المهمة التي تعلمناها من أستاذنا المربي الحكيم/ محمد علي إسماعيل هو أنه كان يتعامل مع طلابه حسب طبيعة الموقف نفسه، فمثلا أتذكر هذا الموقف يوم انتقل الأستاذ إلى مدرسة السلام، فقد كان يرافق الطلاب مشيا على الأقدام إلى المدرسة لمسافة طويلة يوميا ويكون الكلام معهم أثناء السير كزملاء ويخفف عنهم الشعور بطول الطريق كون مديهم رفيقهم فيها، وكان كعادته يصل المدرسة قبل بداية الطابور الصباحي ولكن إذا حصل أن بعض الطلاب تأخروا عن الطابور، يطبق عليهم عقوبة التأخير دون انحياز أو مجاملة فالكل عنده سواء، ولهذا كانت مدرسة السلام مشهود لها بالإنضباط أكثر من غيرها من المدارس.

وفي إحدى المرات تأخر أحد الطلاب الذين كانو رفاق الأستاذ محمد في السير إلى المدرسة وكان الطالب اعتقد أن علاقته به ستجعل الأستاذ يتغاضى عنه لكن الطالب نال عقوبة التأخير كغيره، وعند عند العودة من المدرسة لاحظ الأستاذ بأن هذا الطالب كان حزينا بسبب العقوبة، إلا أن الأستاذ المربي رافق الطالب في طريق العودة، جابرا لخاطره وموضحا له أن المحبة والأخوة بيننا لا تعني المجاملة على حساب النظام والانضباط، وظل طوال طريق العودة يلاطفه في الكلام ونحن نمشي معهما، حتى افترقا ونفسية الطالب طيبة وكنا سعداء بهذا الموقف من أستاذنا حفظه الله ورعاه وهذا الطالب فيما بعد أصبح ضابطا كبيرا متميزا في سلوكه ومنضبطا في عمله.

الموقف الرابع:

كان ينصف طلابه والآخرين من نفسه (اقتص مني):

من المواقف المؤثرة جدا التي لن أنساها ما حييت وقلما يفعلها معلم مع طلابه، فأتذكر أنه ذات يوم أعلن عن عقد اجتماع يتخلله نقاش مفتوح مع بعض طلابه، وطلب منهم في هذا الاجتماع المصارحة، وأ ن يخرج كل واحد ما بنفسه، وكان موقفا تربويا فريدا تأسى فيه بالنبي عليه الصلاة والسلا م

حيث أن بعض الطلاب ذكروا له بأنهم حزينون لأنه عاقبهم ضمن مجموعة من الطلاب رغم أنهم لم يكونوا مشاركين في تلك الفوضى، فإذا بأستاذنا المنصف حتى من نفسه يفاجئنا بقوله: من أراد أن يقتص مني فليقتص، وكان موقفا مؤثرا بكى فيه الجميع، وحصل التسامح ثم اعتذر من كل فرد باسمه وأشاد بصراحتهم، ودعا لهم فردا فردا، فخرجنا من الاجتماع والنفوس طيبة وليس أحد أحب إلى قلوبنا من أستاذنا .

الموقف الخامس:

كان مديرا متميزا .. متعدد المهارات والإبداعات والنشاط:

أثناء إدارته لمدرسة السلام .. كانت المدرسة شعلة من النشاط والإبداع، وتقريبا كانت المدرسة النموذجية التي تقام فيها مختلف أنواع الأنشطة التعليمية، والثقافية، والفنية، والرياضية، والاجتماعية، والإبداعية، والإعلامية، فقد كانت أول مدرسة تصدر مجلة (الرائد) وأول مدرسة يوجد فيها فريق مسرحي، وفريق إنشاد له إصدارات.

ولا ننسى الندوة الأسبوعية التي كانت تقام كل خميس من العصر وحتى العشاء ، والتي كان يحضرها المواطنون من القرى المجاورة للاستفادة من برامجها وكانت الندوة فرصة لاكتشاف مواهب الطلاب وتشجيعهم وكان ما يقدمه الطلاب والمدرسون والضيوف وجبة ثقافية علمية تربوية بالإضافة إلى كونها ملتقى اجتماعيا.

كذلك استضافته للكثير من الشخصيات المؤثرة، وتنظيم لقاءات سنوية مع مسؤولي قضاء الحجرية حينها، يحضرها أبناء المناطق والعزل المجاورة لمناقشة الكثير من الأمور التي تهم تلك المناطق كذلك فترة الإجازة الصيفية كان يتميز فيها من خلال تنظيمه لعديد من الرحلات والمخيمات والمراكز الصيفية، التي كان لها الدور الإيجابي في تعزيز التواصل الشبابي والمجتمعي بين أبناء المنطقة، وغيرها من مناطق محافظة تعز، كما أنها كانت فرصة للعديد من الطلاب لاكتساب العديد من المعارف، والمهارات الإبداعية، التي لا يمكن أن يحصلوا عليها من المنهج المدرسي النظري أيام الدراسة.

الموقف السادس:

كان شعاره: “الوقت هو الحياة، فساعد غيرك على الانتفاع بوقته”:

من المواقف التي أتذكرها وتعلمتها منه أهمية الانضباط بالوقت؛ ذات مرة اتفق معي أن أوصله بالسيارة إلى إحدى قرى بني يوسف تسمى “قرية الدوم ” حيث أن أهل تلك القرية طلبوا منه الحضور لأمر طارئ، كونه كان بجانب عمله في التعليم، يمارس الإصلاح بين الناس وساهم بحل كثير من مشاكل المنطقة دون أي مقابل، وكان من عادته لا يتردد إطلاقا عن تلبية طلب كل من استعان به ، ولأن القرية كانت بعيدة فقد حدد لي موعدا نلتقي فيه عند بيته لأوصله بالسيارة، لكن للأسف يومها تأخرت عن الموعد ربع ساعة تقريبا وعندما وصلت إلى المكان المحدد وجدته قد غادر مشيا على الأقدام، فتعلمت منه درسا عمليا في أهمية احترام الوقت، ولم أنس ذلك الدرس طول حياتي.

أخيرا وليس آخرا.. هناك مواقف كثيرة وإنجازات عظيمة، وفي مجالات متعددة؛ لا يتسع المقام لسردها، بذلها هذا القائد الرائد القدوة، خاصة في الخدمات المجتمعية، ومساعدة الآخرين في عدة مجالات، ويكفي أن يشهد له نموذج” جمعية بناء الخيرية” التي أسسها، وكيف نهض بها وفي خلال فترة وجيزة، وكيف ظلت وما زالت تقدم خدماتها المتنوعة على مستوى اليمن حتى أصبحت محل ثقة لدى الكثير من الجهات والمنظمات الدولية نسأل الله أن يرحمه ويجزيه الجنة وأن يجزيه عنا خيرا.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى