2025-06-09 1:36 م
إدارة الموقع
2025-06-09 1:36 م
نبضات المحبين

أستاذي القدير.. شخصية من طراز فريد

كتب/ العقيد. محمد حمود اليوسفي

الأستاذ الفاضل: محمد علي إسماعيل  شخصية من ذوي الهمم العالية تتجسد فيه معاني الأستاذية والقيادة والتربية والعلم والفقه والمعرفة الشاملة بواقع المجتمع وتحمل مسؤولية العمل على حل مشاكله وهمومه وتلبية احتياجاته بصبر وإخلاص وزهد وتجرد من مطامع الدنيا.. وهي صفات قلما تجتمع في شخص واحد كما اجتمعت في فقيدنا الراحل رحمه الله، حاولت أن أكتب بعضاً من المواقف من بين عشرات ومئات المواقف التي عايشتها مع استاذنا القدير إليكم أبرز ما تذكرت من تلك المواقف

مواقف تربوية وتعليمية من حياة الاستاذ

📝 يقال أن الموقف الأول هو الذي يعطيك انطباعا جيدا أو سيءا عن أي شخص تلقاه في حياتك، ويقال أيضا (أن الانطباع الأول هو الانطباع الأخير) بمعنى أن ذلك الانطباع يظل عالقا في الذاكرة إلى النهاية.

وما أنا بصدد الحديث عنه الآن هو انطباعي الأول الذي ترسخ في ذهني وانا بعمر 8 سنوات حين رأيت الاستاذ محمد علي لأول مرة (بعد عودته من مكة)، كنت برفقة أخي سلطان حين مد يده إلينا مصافحاً بابتسامته المعهودة وبشاشته وتواضعه؛ فرحب بنا ترحيباً يأسر القلوب.. أحببته وتعلقت به من ذلك الموقف تعلق التلميذ بمعلمه القدير، ثم توالت بيننا اللقاءات والزيارات (كوننا جيران وبنفس القرية)، وكانت كلمة (جزاك الله خير) أول مرة أسمعها في حياتي من الأستاذ كتعبير عن شكره لي لعمل قمت به.

وعندما كنت أذهب مع والدي رحمة الله عليه لصلاة الجمعة، كنت أجلس في مؤخرة المسجد القديم، أشاهد الأستاذ محمد علي وهو يعتلي المنبر، ويخطب خطبة الجمعة ويحدث المصلين عن الجنة والنار، وعذاب القبر، وكنت كلما رأيته، وسمعته تبادرت إلى ذهني كلمة (جزاك الله خيراً) التي أسمعها منه دائماً فيزداد تعلقي بكل قول، أو فعل يصدر عنه.

ومثلما كان هذا الانطباع الأول كان هناك أيضاً التحول الأول في حياتي من الدراسة التمهيدية في معلامة القرية (على يد الفقيه) إلى الدراسة المنتظمة في المدرسة على يد الأستاذ محمد علي بعد أن اختاروه بالإجماع لإدارة المدرسة.

وكان لاختياره مديراً لمدرسة الإشعاع الابتدائية في مبناها القديم بتبة شعبة الشيخ قصة يجب الإشارة إليها، كانت مدرسة الإشعاع الابتدائية من أوائل المدارس في عزلة بني يوسف وسامع، وكان الأستاذ عبد العزيز اليوسفي رحمه الله (رئيس تحرير صحيفة الجمهورية في السبعينات) أحد أبرز الداعمين للمدرسة كونه أحد رجال القرية المشهورين فخرج من تعز تلك الأيام لزيارة المدرسة وتجمع أهالي القرية مرحبين به.

وأمام ذلك الحضور اقترح عليهم أن يتولى الأستاذ محمد علي إدارة المدرسة، فكان التصويت بالإجماع (رغم أن الأستاذ محمد علي حاول الاعتذار متعللا بدراسته الجامعية) إلا أن الأستاذ عبد العزيز أقنعه بمواصلة الدراسة عن طريق الانتساب لكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، ثم ساعده باستخراج إعفاء من التجنيد الإجباري (في تلك الفترة) لكي يتفرغ لإدارة المدرسة.

 📝أحاطني الأستاذ محمد علي برعايته في مراحل الدراسة الثلاث

  1. ⭕الابتدائية في مدرسة الإشعاع بني يوسف
  2. ⭕الإعدادية في مدرسة الانطلاق بني عباس
  3. ⭕الثانوية في معهد تعز العلمي

المرحلة الابتدائية في مدرسة الإشعاع بني يوسف

📝كان انتقالنا من معلامة القرية الى مدرسة نظامية نقلة نوعية ولحظة فارقة، لأن المدرسة كانت تشمل منهج تربوي متنوع إضافة إلى أنشطة ثقافية ورياضية كان يشرف عليها الأستاذ محمد علي ومعه كوكبة من المدرسين (الأستاذ عبد الله منصور والأستاذ عبده سلام والأستاذ عبد الله أحمد علي، والأستاذ محمد عبد الله علوان، والفقيه شرف علي، والحاج سيف محمد) بعضهم انتقلوا إلى رحمة الله والبعض لا يزال على قيد الحياة.

📝في تلك المرحلة الدراسية التي استمرت 6 سنوات تبلورت لدي فكرة متكاملة عن شخصية الأستاذ محمد علي، حيث كان في المدرسة مديراً له هيبة القائد عظيم القدر، وفي الطريق صديق حميم، وفي البيت أب حنون، وفي المسجد عالم جليل، وفي الندوات الثقافية داعية عميق الفكر، وفي الأفراح أول المبادرين، وفي الأتراح خير المواسين، يخالط الناس ويحلل الشخصيات بفراسة المؤمن، ويحل مشاكلهم العامة والخاصة بنظرة ثاقبة للأمور

(في المدرسة كان يربينا بحزم وفي البيت برفق.. أتذكر ذلك عندما كنا نجلس بجواره في البيت نذاكر الدروس أنا وأخيه الأصغر مطهر علي، حيث كنا نستفسر منه ما صعب علينا فيوضح لنا بكل اهتمام وصبر)

 المرحلة الإعدادية في مدرسة الانطلاق بني عباس

📝لأن مدرسة الإشعاع في السبعينات كانت ابتدائية فقط، فقد كان لزاما علينا الانتقال لدراسة المرحلة الإعدادية في مدرسة الانطلاق بني عباس التي تبعد عن قريتنا حوالي ساعتين مشياً على الأقدام صعوداً ونزولاً على جبل فضاحة الفاصل بين العزلتين (نذهب للدراسة صباحا ونعود بعد العصر)، كان معي زملاء المدرسة منهم من توفى ومنهم من لا يزال على قيد الحياة (مثل خالد محمد علي وقائد أحمد مهيوب)

والموقف المؤثر في هذه المرحلة (وغير قابل للنسيان) هو زيارة الأستاذ محمد علي لنا في الفصل في تلك المدرسة حيث وصل إلى المدرسة بشكل مفاجئ واستقبله المدير عبد الباقي عبد الله ناجي رحمه الله وآخرون، ودخلوا علينا الفصل للزيارة والاطمئنان وتوصية المدير والمدرسين بالاهتمام بنا، أعطتنا تلك الزيارة دفعة قوية إلى الأمام ورفعت روحنا المعنوية وزاد العزم لدينا لمواصلة الدراسة رغم المشقة.

المرحلة الثانوية في المعهد العلمي بتعز

في المرحلة الثانوية انتقلت للدراسة في مدينة تعز في المعهد العلمي، (وكان قد سبقني للدراسة فيه اخي سلطان حمود، وسلطان شائف حفظهم الله، وعبد الغني علي إسماعيل رحمه الله (الاخ الأصغر للأستاذ)، انتظمت في الدراسة بالمعهد حتى تخرجت من المرحلة الثانوية، وخلال هذه المرحلة كلفني الأستاذ محمد علي بمتابعة آخر الإصدارات من الأشرطة والمجلات والصحف المحلية والمجلات التي تصل عبر صندوق البريد، كما كان يكلفني أيضا بالخروج مع الضيوف الذين كانوا يزورون القرية في مناسبات مختلفة مثل الشيخ ناصر الشيباني والشيخ سالم المعمري رحمهم الله تعالى؛ لأنه كان يدعو العلماء في مناسبات مختلفة لزيارة القرية والقاء الخطب والدروس والمحاضرات فيها لتوعية الناس ونشر العلم والثقافة في قرى المنطقة كلها.

مواقف اجتماعية من حياة الأستاذ

📝من السمات التي وجدتها في شخصية الأستاذ محمد علي المتابعة المستمرة لتلاميذه وطلابه في كل من:

  1. في المدرسة يتابع تحصيلك العلمي وتطوير مواهبك في الكتابة أو الإلقاء أو الرياضة أو الأناشيد أو المسرح.
  2. وفي البيت يتابع همومك واحتياجاتك الأسرية.
  3. في المسجد يتابع حضورك للصلاة وحفظك للقرآن.
  4. في الندوات الثقافية يشجعك على المشاركة.
  5. في المقيل والمناسبات الاجتماعية يدعوك للحضور.
  6. في السفر والرحلات يقاسمك مشقة السفر ويؤاثرك على نفسه.

📝كنا قديما نسافر على متن سيارات النقل العادية المسماة (شاص) وكان يركب معنا في صندوق السيارة كواحد منا ثم يستغل فترة السفر في طرح الأسئلة الثقافية والترفيهية التي تنسينا مشقة السفر.

📝 خلال مدة الدراسة في القرية كان حريصا على الحاق الجميع بحلقات تحفيظ القرآن الكريم في المسجد، ثم كان رحمه الله يستكشف موهبة كل واحد من تلاميذه فيلحقه بالفريق المناسب لتطوير موهبته أكثر، فتكونت في القرية عدة فرق ثقافية واجتماعية:

  • ⭕ فريق الأناشيد
  • ⭕ فريق الرياضة
  • ⭕ فريق الكشافة
  • ⭕ فريق الصحافة والإعلام
  • ⭕ فريق المسرح (الذي كان يضم الأستاذ عبد الغني على والأستاذ سلطان حمود والاخ عبد الواسع وآخرون)

وكانت هذه الفرق تشارك في الندوات والرحلات والمخيمات والمناسبات الاجتماعية المختلفة.

📝 بعد عودته من عمله في المدرسة كل يوم يكون له مهمة اجتماعية، إما زيارة أحد الأقارب أو زيارة مريض، أو المشاركة في مناسبات اجتماعية (خطوبة أو زواج أو وليمة أو عزاء)، أو جلسة في بيته لحل قضايا خلاف ومشاكل اجتماعية وإصلاح بين متخاصمين ب قضايا أسرية أو قضايا عامة؛ لأنه رحمه الله كان معتمدا من محكمة قضاء الحجرية لكتابة عقود الزواج أو الصلح بين الناس.

📝 أثناء النزاع القبلي المسلح بين قبيلتي بني يوسف وسامع حول آبار المياه (الذي أدى إلى سقوط ضحايا من الطرفين) كان أول عمل قام به هو تأمين خروج المدرسين المصريين من المدرسة حتى لا يتعرضوا لأي إصابة (لأن المدرسة كانت في خط إطلاق النار بين القبيلتين) فتم انسحاب المصريين من المدرسة باتجاه قرية شرار الواقعة خلف الجبل بعيدا عن مكان تبادل إطلاق النار ثم سفرهم إلى مدينة تعز، بعد ذلك أجتمع مع وجهاء المنطقة لمناقشة ما يقتضيه الموقف، ثم توجه إلى مدينة تعز للقاء الأستاذ عبد العزيز اليوسفي (رئيس تحرير صحيفة الجمهورية في السبعينات) بصفته أحد وجهاء المنطقة ثم حشد علماء من تعز للتوصل إلى حل لهذا النزاع والذي انتهى بعد ذلك بتدخل الجهات الأمنية وتكليف شيخ قبيلة شرجب (الشيخ أحمد سيف الشرجبي) لحل النزاع بصلح قبلي.

📝 المربي الفاضل محمد علي كان لا ينسى في دعائه بعد الصلاة (اللهم زوج شبابنا)

كان هذا الدعاء بمثابة طلب العون من الله لتيسير زواج الشباب في القرية.. وهو ما تحقق بالفعل بعد ذلك لعشرات الشباب بل مئات من الشباب والشابات الذين ساعد في زواجهم إما بالخطوبة أو عقد الزواج أو حضور ولائم الاعراس ليس في قريته فحسب بل في جميع قرى المنطقة والمناطق المجاورة، أحد الأمثلة على ذلك ما يلي:

  • كنا في العشر الأواخر من رمضان معتكفين في مسجد القرية.. وليلة العيد خرجنا من المسجد وتوجهنا لمنزل أحد الأصحاب في القرية المجاورة للسمر كوننا (عزاب) إلا أن الأستاذ محمد علي أصر على الحضور معنا وبدء مناقشة موضوع زواجنا وكيفية الترتيب لذلك واتفقنا على البدء بالأخ عبد الواسع احمد … وفي الأيام التالية تمت المشاورات بين الأهل وتم اختيار عروسة والموافقة ثم تم إشهار الخطوبة ثم تحديد موعد للزواج ثم وليمة العرس الني تمت بسهولة ويسر..
  • ثم جاء الدور علي ثانيا فبدء الترتيب لزواجي باللقاء بالوالد رحمه الله فكان رد الوالد أن الدخل قليل يكاد يكفي لتغطية مصاريف البيت فقط، فاقترح عليه الأستاذ محمد علي بيع قطعة أرض صغيرة (كانت بعيدة عن قريتنا) وقال له أن هذه الأرض ليست أغلى من ابنك، فكانت إجابة الوالد رحمه الله بالموافقة وأن هذه الأرض (تفدي رأسه) وبالفعل باعها الوالد وجهز بها تكاليف الخطوبة ومهر الزواج، واتذكر حضور الأستاذ عبد الواحد عبد الله نعمان مباركا الخطوبة والزواج كون الزوجة ابنة أخيه..
  • واتذكر أيضا موقف الأستاذ محمد علي الرائع يوم العرس وهو يستقبل الضيوف ويوزع المهام على الشباب فيما يخص الوليمة، وكذلك نصيحته لي ليلة العرس بصلاة ركعتين ليكون الزواج مباركا بإذن الله.

 أمثلة أخرى من القصص الاجتماعية: 

📝كان يشارك أهل القرية أفراحهم وأحزانهم في كل الظروف، فقد صادف أن كان أحد الاعراس في موعد صيامه الشهري (الأيام البيض من كل شهر) ومع ذلك بادر بالحضور مبكرا، ووزع المهام على الشباب الحاضرين من تجهيز الطعام والماء والمفروشات ومستلزمات الضيافة وكان على رأس المستقبلين للضيوف … وعندما حان وقت الغداء أخذ بطانية وذهب ليستريح تحت ظلال شجرة وقال لهم تغدوا أنتم فأنا صائم … وكان هذا موقف مؤثر في الجميع

📝 كان بيت الأستاذ محمد علي مفتوحا للجميع في فترة المقيل بعد الظهر أو السمر في المساء، وتكون عادة هذه الفترات مليئة بالفقرات الثقافية والمناقشات المفيدة، ومن لا يشارك يستمع.. والفائدة في النهاية للجميع، ونظرا لبعد البيت عن المسجد وعدم استيعاب ديوان البيت للإعداد الغفيرة من الحضور؛ فقد عقد الأستاذ العزم على توسعة الديوان الذي بجوار المسجد بشكل كبير يتسع للجميع..

📝وفي الاحتفال السنوي برمضان فكر الأستاذ محمد علي بدعوة واستضافة الأستاذ عبد العزيز اليوسفي لحضور حفل ذكرى غزوة بدر في 17 رمضان فلبى الدعوة وخرج من تعز، وبعد صلاة العشاء والتراويح بدأت فقرات الاحتفال بمواد ثقافية متنوعة بين مسرحيات وأناشيد وكلمات ومداخلات أبهرت الأستاذ عبد العزيز اليوسفي فقرر المساعدة في توسعة الديوان بجانب المسجد ليستوعب الأعداد الكبيرة للحاضرين ويكون بمثابة وقف عام للاحتفالات والمناسبات العامة والخاصة (أعراس أو عزاء).

وهذا ما تم بالفعل بعد ذلك حيث تكفل الأستاذ عبد العزيز بشراء الحديد اللازم للبناء وتكفل آخرون ببقية المواد وشارك أهالي القرية بالعمل مجانا، يتقدمهم الأستاذ محمد علي الذي شارك بالعمل بنفسه في نقل الأحجار ونقل مواد البناء بيديه ونحن جميعا من خلفه، نسأل الله أن يجعل ذلك البناء من الصدقة الجارية لجميع من شارك في ذلك العمل لوجه الله.

كان الأستاذ محمد علي وفيا لأصحابه وجيرانه

وهناك أمثلة كثيرة على هذا الوفاء نورد هنا بعض النماذج:

  1. قام بالحج نيابة عن أحد أصحابه من أهل القرية (ممن لم يكن له المقدرة على الذهاب للحج بنفسه) فتكبد عناء ومشقة السفر برا في السبعينات وذهب لتأدية فريضة الحج عن صاحبه وفاء له.
  2. عندما قرر زميله عبده سلام العودة مرة أخرى للعمل في الغربة تكفل هو برعاية أولاده ومتابعتهم في المدرسة والمسجد تماما كمتابعته واهتمامه بأبنائه هو، واستمر في المتابعة في كامل المراحل التعليمية إلى تخرجهم من الجامعة وتزويجهم وتوظيفهم في المجال التربوي وهم (عبد الباسط عبده سلام ورمزي عبده سلام الذي زوجه إحدى بناته).
  3. كان مهتما بجيرانه في أفراحهم وأحزانهم ومرضهم والاهتمام بدراسة أبناءهم والدفع بهم في مراحل التعليم الأساسية والثانوية إلى التخرج من الجامعة (عبد المؤمن ابن أخي شرف حمود كمثال على ذلك)، وكذلك أبناء أخي شائف حمود الذي كان حريصا على متابعتهم في حفظ القرآن والأذكار اليومية ودراستهم (محمد وعمر وخالد) وزوج إحدى بناته للولد الأكبر محمد شائف، وهنا اتذكر مواساته عند وفاة أبي وأمي وابني البكر في سنة واحدة، كانت مواساته لي مثل البلسم الذي ساعدني في الخروج من حالة الحزن لفقدانهم.
  4. بعد وفاة أحد مدرسي تحفيظ القرآن الكريم في القرية تكفل برعاية أولاده الصغار (وكلف أخيه الأصغر عبد الغني) بالمتابعة الشهرية لاحتياجات أسرة المتوفى ورعاية أولاده حتى كبروا.
  5. كان كثير الاهتمام بصديقه الأستاذ عبد الواحد عبد الله نعمان في حياته وأثناء مرضه وبعد وفاته وامتد اهتمامه أيضا إلى أولاد الأستاذ عبد الواحد في دراستهم وشؤونهم الخاصة والعامة وكان يعالج بعض السلوكيات بحسب ما يقتضيه الموقف تفاديا للمشاكل قبل وقوعها.
  6. كان يستضيف بعض أبناء أصحابه في بيته لتعليمهم وتدريسهم لفترات زمنية مختلفة.
  7. كان يذهب للتعزية في وفاة أصحابه ومعارفه ويقدم واجب العزاء والمواساة في قرى ومناطق متفرقة وبعضها بعيدة (مثل منطقة جبل حبشي)، وكان أيضا يلبي دعوات أصدقائه لحضور ولائم اعراسهم حتى لو كانوا في قرى بعيدة فقد ذهب ذات مرة إلى قرية (بني احمد) من قرى منطقة سامع وصعد جبل شديد الوعورة سيرا على الاقدام لساعات طويلة ثم العودة بعد ذلك بنفس الطريق.

 مواقف قيادية من حياة الأستاذ

📝كان الأستاذ محمد علي رحمه الله حريصا على مد جسور التواصل والتعاون والثقة مع الموظفين الحكوميين من أبناء المنطقة لحل بعض المشاكل والقضايا المرتبطة بأهل القرية، وكان على رأس هؤلاء:

  • الأستاذ عبد العزيز اليوسفي رحمه الله (رئيس تحرير صحيفة الجمهورية في السبعينات)
  • القاضي هزاع عبدالله عقلان حفظه الله (رئيس محكمة استئناف تعز سابقا)
  • القاضي عبد الله مهيوب رحمه الله (رئيس نيابة تعز في الثمانينات والتسعينات)
  • العميد أحمد علوان رحمه الله (الأمن الوطني سابقا)
  • العميد عبده سعيد (القوات الجوية سابقا)
  • عبد السلام هزاع (الأمن العام سابقا)
  • عبد السلام نعمان رحمه الله (مدرسة ناصر سابقا)
  • عبده عبد الله اسماعيل رحمه الله (ضرائب تعز سابقا)

وقد أثمر هذا التواصل والتعاون في حل العديد من القضايا لمصلحة أبناء المنطقة

📝في الثمانينات كان يوجد برنامج في التلفزيون اليمني اسمه (صور من بلادي) بتنفيذ المذيع /محسن الجبري.. يقوم البرنامج بزيارة مناطق يمنية ريفية لإبراز المعالم السياحية والزراعية فيها، وتسلط الضوء على ما تحقق من مشاريع في المنطقة في ذلك الوقت، فوقع الاختيار منهم على زيارة مدرسة السلام شرار لما سمعوه عن الأنشطة المدرسية والثقافية فيها

فحشد الأستاذ محمد علي أعيان وأهالي القرية وكان استقبالهم في المدرسة وقمت مع فريق الإنشاد بتأليف أنشودة ترحيب مناسبة ثم استضافهم الأستاذ في منزله.. ثم كان الاحتشاد في ساحة (الرجم) قبل إنشاء مدرسة الإشعاع الجديدة فيها

واستقبله الناس بالأهازيج والزوامل الشعبية … وفي نهاية التصوير توجه محسن الجبري بالشكر الجزيل للأستاذ محمد علي والأعيان وأهالي المنطقة وجميع الحاضرين لحسن الاستقبال وكرم الضيافة وتم نشر مقتطفات من الزيارة في ذلك البرنامج في حينه.

📝 عام 1979 كان بداية النشاط التخريبي في المناطق الوسطى (تعز _ إب _ ريمة _ البيضاء _ ذمار)

لما يسمى ب الجبهة المدعومة من الحزب الاشتراكي في عدن، وشهدت مناطق شرعب وشمير بتعز معارك ضارية بين عناصر الجبهة وأبناء تلك المناطق المدعومين من الجيش فاستنفرت القوى الإسلامية أبنائها لتلك المواجهة التي كانت في ذلك الوقت تستهدف التقاليد والثقافة الإسلامية للمجتمع ومحاولة فرض الأفكار الاشتراكية بالقوة … فتم حشد الطاقات والإمكانات من جميع مناطق تعز إلى خط المواجهة في شرعب وشمير طيلة 5 أعوام إلى أن تم إخماد نار تلك المواجهات وطرد عناصر التخريب وبسط سيطرة الدولة على كافة المناطق.

الشاهد في الموضوع أن الأستاذ محمد علي كانت له زيارات متعددة لتلك المناطق وكنت مشاركا في إحدى تلك الزيارات في شهر رمضان عام 1983 إلى مقبنة شمير مع مجموعة مكونة (الأستاذ محمد علي، والأستاذ محمد احمد غالب، وعبد الغني علي إسماعيل، وعبد الواسع أحمد، وداؤود حزام، إضافة إلى بقية فرقة المسرح والإنشاد)

واستمرت الزيارة 7 ليال و8 أيام رافقنا فيها الأستاذ عبد الله شائف وتعرفنا فيها على الدكتور عبد الولي الشميري _ المسؤول الأول عن القيادة هناك في تلك الفترة_ وكان برنامج الزيارة حافلا بالمحاضرات الثقافية والأناشيد والمسرحيات الهادفة التي تعمق الثقافة الإسلامية وروح الانتماء للوطن.

 مواقف سياسية من حياة الأستاذ

📝 من خلال معايشتي عن قرب للأستاذ محمد علي أثناء الانتخابات المحلية والتشريعية (المجلس المحلي ومجلس النواب) التي جرت في المنطقة (في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي) أستطيع القول إن الأستاذ كان يقوم بإعداد خطة عمل واضحة ومحددة يمشي عليها الفريق المكلف بالتنفيذ والمتابعة

وهذه الخطة يمكن تلخيصها في العشر النقاط التالية:

  1. اختيار شخص المرشح بمواصفات مناسبة للمرحلة.
  2. الدفع بجمهور الناخبين في الدائرة أو المراكز للتسجيل المبكر في سجلات الناخبين.
  3. استضافة المرشح وتعريف جمهور الناخبين به كجزء من الحملة الانتخابية.
  4. التحرك الميداني للتوعية الانتخابية وتنسيق المواقف وإزالة التباينات.
  5. الدفع بالناخبين يوم الاقتراع بصورة قوية تحمل طابع الاستنفار.
  6. حسن اختيار المندوبين المرافقين للصناديق وخلال عملية الفرز.
  7. متابعة العملية الانتخابية بهدوء والبعد عن لغة المناكفات والصراعات ويهدئ الاستفزازات.
  8. اعتماد لغة الأرقام في النظر إلى النتيجة النهائية (وإذا لم يحالف مرشحه التوفيق.. يبدأ الإعداد للانتخابات القادمة بعد دراسة أسباب الفشل وعوامل النجاح)
  9. يجيد لغة التوازنات والمناورات مع منافسيه السياسيين.
  10. لديه فهم عميق للواقع ومعرفة تامة بالخارطة الانتخابية، ولذلك مرشحه إذا نزل بساحة قومٍ فساء صباح المرشحين المنافسين.

 (نحن في أمة آخر الزمان لا يعيش فيها إلا لكاع بن لكاع) ماهي قصة هذه العبارة التي كان يستشهد بها الأستاذ في بعض كلامه؟!

📝 كنت اطرح بعض الملاحظات على الأستاذ محمد علي رحمه الله خلال سير الانتخابات واحتدام المنافسات السياسية بين الأحزاب، ونتناقش حول جملة التناقضات التي تسود الحياة السياسية في اليمن فكان يرد على بهذه العبارة التي هي اقتباس من الحديث الوارد في صحيح الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يَكونَ أسعدَ النَّاسِ بالدُّنيا لُكَعُ ابنُ لُكَعٍ)

والمعنى: في هذا الحديثِ يُبيِّن النبيُّ فيقولُ: “لا تقومُ السَّاعةُ”، أي: يومَ القيامةِ لن يَأتيَ “حتَّى يكونَ أسعَدَ النَّاسِ بالدُّنيا”، أي: يكونَ أكثرَ النَّاسِ سَعادةً ومالًا، وأطيبَهم عَيشًا، وأرفَعَهم مَنصِبًا، وأنفَذَهم حُكمًا، “لُكَعُ ابنُ لُكعَ”، أي: لَئيمٌ ابنُ لئيمٍ والمعنى: مَن، لا يُحمَدُ له خُلُقٌ، فهو وصفٌ يُطلَقُ على الحُمقِ والذَّمِّ، وقيل: الصَّغيرَ في العِلمِ والعقلِ.

مواقف عن التسامح والعفو في شخصية الأستاذ  

كان الأستاذ محمد علي رحمه الله متوكلا على الله في جميع أموره شديد الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، ويتمثل دائما بالآية الكريمة (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، ومن خلال معرفتي به فقد كان يقابل الإساءة بالإحسان والعفو عند المقدرة والتسامح عوضا عن الانتقام مع بعض التصرفات الرعناء للمتربصين وأدوات الشر

📝في بداية الثمانينات كانت المواجهة في مناطق شرعب وشمير على أشدها بين جبهة التخريب المدعومة من الحزب الاشتراكي في عدن من جهة.. والجيش اليمني ومعه رجال القبائل من ذوي التوجهات الإسلامية من جهة أخرى، وكان للجبهة متنفذين في بقية مناطق تعز ينتظرون الفرصة للسيطرة.. وكانت الخطوة الأولى لديهم التخلص من الشخصيات الوطنية المؤثرة التي تحذر الناس من أفكارهم المناوئة للدين والوطن فقرروا اغتياله بوضع قنبلة أسفل سيارته لتنفجر به أثناء تحرك السيارة (وهي ذات الطريقة التي اغتيل بها صادق منصور أحد قيادات الإصلاح)

ولكن الله كتب له السلامة فجاء الشخص المكلف بالتنفيذ وسلم القنبلة للأستاذ قائلا له: أنا كنت مكلفا بوضع هذه القنبلة أسفل سيارتك لتنفجر بك فصعب على هذا الأمر فأنت أستاذ كل الناس ولا يمكن أن أفرط بك …

فقال له الأستاذ: جزاك الله كل خير.. ولن ننسى هذا الموقف الشهم منك.

(هذا الشخص قد انتقل الى رحمة الله نسأل الله أن يجعل ذلك الموقف في ميزان حسناته)

📝 ذات مرة جاء أحد الأشخاص من قرية شرار يطالب ببصيرة من القاضي عبد الله منصور (وكان الأستاذ موجودا معهم وآخرين) وبينما كان القاضي منشغلا بالبحث أخرج ذلك الشخص مسدس وبدء يحاول عملية إطلاق النار فهجم عليه الأستاذ وأمسك بيده التي فيها المسدس وبطحه أرضا وانتزع من يده المسدس وشاء الله أن المسدس تعطل ولم يطلق أي رصاصة .. ثم حضر الشباب وبقية الناس فأمسكوا بذلك الشخص وربطوه إلى جذع شجرة وأرسلوا في طلب عدل قرية شرار (شرف أحمد) لاستلامه، وعفا عنه الأستاذ في الحال، وتجمع الشباب حول منزل الأستاذ تلك الليلة للإطمئنان عليه والاقتراح عليه إبلاغ الجهات المختصة لكنه رفض وأعلن للجميع عفوه عن ذلك الشخص وتجاوز الموقف وشكر الحاضرين، وعند الفجر وجدناه يوقظ الجميع لصلاة الفجر وعاد إلى نشاطه اليومي المعتاد.

 مواقف من الجانب الروحاني في شخصية الأستاذ

📝شاهدت الأستاذ محمد علي ذات مرة في منزل الأستاذ عبد العزيز اليوسفي بتعز فاستقبله بحفاوة بالغة وبعد العشاء والكلام طلب الأستاذ محمد مصحفا ليقرأ ورده القرآني فتعجبت من حرصه على القرآن الكريم حتى في سفره

📝كان برنامجه اليومي ببدء بصلاة الفجر في المسجد وفي الطريق يمر على جيرانه بيتا بيتا ولا يزال صوته عالقا في ذهني وهو يوقظني لصلاة الفجر من تحت شباك غرفتي في القرية فاتبعه طوعا أو كرها لما في ذلك من تربية وتهذيب للنفس.

📝 ذات ليلة من الليالي المقمرة في القرية تسلل أحد الأشخاص في منتصف الليل إلى مزرعة قريبة من مقبرة القرية بغرض السرقة، وعند دخوله المزرعة اختبأ في مكان بين الشجر ليتحين الفرصة للسرقة فشاهد رجل يمشي في المقبرة ويجلس عند أحد القبور المفتوحة ثم ينزل داخل القبر ويحاسب نفسه ويقول (يا نفس ستأتي يوما من الأيام إلى مثل هذا القبر) وظل فترة يقرأ ويدعو ثم خرج.. يقول راوي القصة 👇

(فحاولت التعرف على ملامحه من حيث لا يراني فتأكدت أنه محمد علي إسماعيل، فشعرت بالقشعريرة في جسمي من ذلك الموقف.. وانتظرته حتى انصرف.. وانصرفت بعده راجعا إلى بيتي.. ومن بعدها امتنعت عن السرقة وكان ذلك الموقف سببا في هدايتي ولم أخبر به أحد إلا فيما بعد.

📝عندما كنت في مرحلة الثانوية رأيت في منامي رؤيا شاهدت فيها الأستاذ محمد علي رحمه الله وهو يجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كانا يتبادلان الحديث ويضحكان، وهما متكئان على جدار، وأمامهما ميدان واسع لا يوجد به أحد، وكنت أحسبها رؤيا عادية، ولما أخبرت بها الأستاذ التفت لي بقوة وسمع إلى بانتباه غير معتاد وعندما أكملت له الحديث تهلل وجهه وقال لي بشرك الله بالخير هذه بشارة طيبة لأن رؤيا الرسول حق وأهداني كتاباً جائزة لتلك البشارة، وبعد ذلك كنت كلما رأيت رؤيا أطرحها عليه ويعطيني تعبيرها أولاً بأول رحمة الله عليه.

 ذكريات متفرقة مع أستاذي محمد علي

📝 كنا ذات مرة في طريق العودة من مخيم ثقافي صيفي.. (وكانت وسيلة النقل في تلك الفترة سيارات شاص) نركب جميعا في صندوق السيارة.. ولتمضية الوقت نعمل برنامج فيه فقرات متنوعة قرآن وأحاديث وأسئلة واناشيد وطرائف مضحكه… فجاء دور (النكت) فقال أحد المشرفين على الرحلة (صالح عبد الله أحمد وكان معروف عنه الصرامة والشدة): نريد نكت بدون ضحك.. فقال له الأستاذ: كلامك هذا نكتة بحد ذاته!! فضحك الجميع بما فيهم صالح نفسه.

📝 كنت ذات مرة في نقاش مع أحد المسؤولين الحكوميين من أبناء المنطقة وكان هناك تباين في الآراء السياسية بينه وبين الأستاذ محمد علي في بعض المواقف ومع ذلك تربط بينهما علاقة صداقة واحترام متبادل تجسيدا للحكمة القائلة (اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية) فلما أتينا على ذكر الأستاذ محمد علي قال عن مواقفه أنها ذات نكهة سياسية معينة، ومن هذا الموقف ومواقف سياسية أخرى زاد يقيني بأن الأستاذ رحمه الله كان بالإضافة إلى كونه فقيها في الشرع والقانون كان أيضا فقيهاً في السياسة والواقع يمضي في الطريق الذي ارتضاه لنفسه سواء اتفقت أو اختلفت معه.

📝 (أجمل رحلة عمرة إلى الديار المقدسة مع أخي الكبير شائف بمعية الأستاذ محمد علي) كانت العمرة في شهر رمضان و كنا في تلك الرحلة 8 أشخاص، نحن الثلاثة وخمسة آخرون (بينهم فؤاد عبد الدائم وعبد الحكيم الشيباني) أدينا مناسك العمرة في العشر الأواخر من رمضان وتحرينا ليلة القدر هناك راجين من الله المغفرة والرحمة وقبول الأعمال.. وفي جدة التقينا (عبده سلام وأصدقاء آخرون) وكذلك القاضي هزاع وأصحابه في طريق عودتهم من العمرة، وكانت عودتنا جوا بالطائرة اليمنية (التي تعطل أحد محركاتها ونحن في الجو) وبفضل الله هبطت بسلام في مطار تعز.

📝شهدت موقفا حزينا للأستاذ محمد علي حين أبلغته بوفاة ابن عمه محمد أحمد إسماعيل في حادث سير على طريق الحديدة حيث انقلبت السيارة التي كانت تقلهم وتوفوا في الحال ومعه آخرون في نفس الحادث.. حيث تم نقلهم إلى ثلاجة المستشفى، فتولى الأستاذ استلامه ونقله إلى القرية ودفنه هناك والدعاء له بالرحمة والمغفرة وتولى بعد ذلك ترتيب ما له وما عليه من حقوق للناس وفاء لما بينهما من صلة القرابة (رغم التباين الكبير بينهم في مواقف كثيرة)

📝 شهدت مع الأستاذ محمد علي حل العديد من المشاكل والخلافات الأسرية من أبناء المنطقة كان آخر موقف مشترك بيني وبينه (قبل وفاته بأسبوعين) حل مشكلة الخلاف الأسري بين أمين الشمساني وزوجته عندي في البيت. نسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته.

📝 عندما عرضنا عليه قبول حراسة شخصية (أيام الحرب والانفلات الأمني) رفض ذلك وظل يتابع تحركه كالمعتاد ولسان حاله يقول (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين).

والعجيب أنه كان يتتبع المعلومات التي تفيد بتربص ومكر الخارجين عن القانون بي شخصيا.. وكان يوصيني ببعض التدابير الاحترازية ويهتم لأمري أكثر من اهتمامه لنفسه رحمة الله عليه.

📝كان الأستاذ ذات مرة في ضيافة   عدل قرية شرار، شرف أحمد، اصطحب معه ولده الصغير طارق وهو طفل بعمر 4 سنوات، وكنت معه في تلك الزيارة مع أخيه عبد الغني والأخ سلطان وآخرون، واستمرت الزيارة إلى الليل فغلب النوم (ولده طارق) فنام فوضعه الأستاذ خلفه في طرف المكان … واستمر النقاش وتبادل الأحاديث إلى منتصف الليل.. ثم نهضنا منصرفين وودعنا أصحاب البيت ومشينا مسرعين، وأثناء المشي وفي منتصف الطريق افتقدنا طارق وتذكر الأستاذ أنه نسيه راقدا في منزل عدل القرية حيث كنا سامرين طيلة الليل، فالتفت إلى أخيه عبد الغني (رحمه الله) طالبا منه العودة لأخذ طارق، فقال عبد الغني: لا حول ولاقوة إلا بالله.. (هيا الآن أيش أرجع أقول لأصحاب البيت.. نسينا واحد عندكم..)، واستدار راجعا وحده رغم وعورة الطريق ووحشة الليل.. ثم حمله على ظهره (لأنه كان نائم) حتى وصل به بيتهم في وقت متأخر من الليل..

📝ذات مرة في إحدى ليالي رمضان كان الأستاذ قد دعا مجموعة من الشباب من القرية للفطور والعشاء عنده في بيته في القرية.. وبعد الانتهاء من الأكل ذهب الأستاذ للوضوء ثم توجه في طريقه إلى المسجد لتأدية صلاة العشاء والتراويح.. وكانت الليلة من الليالي المقمرة فمشى على ضوء القمر ونسي الكشاف (كشاف الضوء اليدوي) ووصل المسجد أولا، ثم تبعه أخاه عبد الغني لاحقا وفي المسجد تذكر كشاف الضوء، فسأل عبد الغني: هل رأيت (الكشاف) جنب البيت؟!

  • فقال عبد الغني: نعم
  • فقال له الاستاذ باستغراب: لله درك.. ليش ما أخذته معك!
  • فأجابه عبد الغني بتعجب: لله درك أنت.. كيف مشيت بالغدراء (بالظلام) وما تذكرته! فضحك الأستاذ وضحك جميع الحاضرين في ذلك الموقف

📝 كان الأخ عبد الغني والأخ سلطان مع فريق المسرح يجيدوا التمثيل وعمل المسرحيات الهادفة في المخيمات الصيفية الثقافية التي كان يشرف عليها الأستاذ، ففي إحدى المخيمات في منطقة الكلائبة عملوا مسرحية (اليتيم) للفت انتباه الناس إلى معاناة الأيتام والرأفة بهم، وكان عبد الغني يؤدي دور اليتيم، وعبد الفتاح يؤدي دور العم الظالم الذي يفضل ولده المدلل (عبد الواسع) على ابن أخيه اليتيم، ومن إتقانهم للدور تأثر الأستاذ محمد علي حتى دمعت عيناه، فرآه أحد الحاضرين فخرج من الخيمة وجمع بعض الأحجار ليرمي بها العم الظالم (عبد الفتاح)، فأوقفه الحاضرين عما هم به وقالوا له: هذا مجرد تمثيل وليس حقيقة!!

  1. فقال لهم: كيف ليس حقيقة والناس قد انهمرت دموعهم مما شاهدوه؟!
  2. فافهموه أن هذه مسرحية فقط لحث الناس على الرحمة باليتيم والرأفة به كما وصى بذلك الرسول في الحديث الذي أخرجه البخاري عن سهل الساعدي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى)

📝 كان الأستاذ رحمه الله يدرب أبناءه منذ الصغر ببعض التكاليف التي تتناسب مع أعمارهم ويصطحبهم في الزيارات أو المناسبات وكثيرا ما كنا نشاهد أحدهم في حضنه أو بجانبه أو يقود له السيارة في مهامه، فيتعلموا من المجالس ومخالطة الناس مالم يدرس في كتب المدرسة، ومثال على ذلك ولده عمر.. الذي نشأ في كنفه منذ الصغر وتطبع ببعض صفاته ولازمه بقية حياته حتى وفاته.

📝 كان الأستاذ محمد علي رحمة الله عليه يدعو إلى الله على بصيرة وعلم وفقه وحكمة بكل تجرد وإخلاص لله سبحانه وتعالى، كانت حياته كلها لله في كل شؤونه.. ولذلك جعل الله له القبول عند الناس فكان الكثير منهم يتأثر به من موقف أو نقاش أو جلسة عادية أو مقيل أو سمر أو مناسبة اجتماعية أو حتى سلام ومصافحة عابرة

📝 كان الأستاذ محمد علي مثال لكل خلق حميد، كانت لديه سرعة بديهية في تصحيح المفاهيم، وكان في علاقته مع تلاميذه وطلابه وإخوانه وأصحابه، صادقا إذا نصح.. وفيا إذا وعد.. محبا إذا عاتب.. كان يشعر كل واحد بأنه أب له وأقرب الناس إليه

📝 كان إذا أمر بشيء سرعان ما يطبقه أولا على نفسه وأهله، وكان رحمه الله عمله أكثر من كلامه عاش لوطنه ومجتمعه أكثر مما عاش لنفسه وأهله

 محطات هامة في حياتي

سأذكر لكم في هذه الفقرة أبرز المحطات التي شاركني الأستاذ محمد علي إسماعيل فيها وكان خير أستاذ ووالد ورفيق: 

المحطة الأولى

📝عندما انتقلت من القرية الى المدينة لدراسة المرحلة الثانوية في معهد تعز العلمي، كان قد سبقني للدراسة هناك أخي الكبير سلطان ومعه عبد الغني علي إسماعيل (رحمه الله) وسلطان شائف، فدرست معهم وكانوا بمثابة إخوة مؤنسين لي ومشجعين خلال مرحلة الدراسة فلهم كل الشكر والتقدير، أما أخي الأكبر شائف فقد تولى رعايتي بالمصاريف وما نحتاج إليه من لوازم أخرى وكان بيته مفتوحا لنا في أي وقت (وبالذات يوم الجمعة من كل أسبوع) وقد عوضني عن حنان الأب ورعاية الاستاذ محمد علي بسبب أنهم كانوا في القرية وانا في المدينة، واستمر بمتابعته لي حتى تخرجت من الثانوية العامة

والحقيقة أن أخي شائف أخذ من صفات الأستاذ محمد علي عندما كان معه في الغربة وأخذ أيضا من صفات الأستاذ عبد العزيز اليوسفي حتى أصبح لديه مزيج من سلوكيات الشخصين رحمة الله عليهما، أسأل الله أن يجزيهم جميعا خير الجزاء في الدنيا والآخرة

المحطة الثانية

📝عند انتقالي من تعز إلى صنعاء للدراسة في كلية الشرطة التقيت بالدكتور عبد الكريم يوسف القاضي حفظه الله وكان في ذلك الوقت له منصب حكومي رفيع، وكان يعزمنا أسبوعيا في منزله بصنعاء على الغداء والمقيل، ولاحظت أنه يمتلك صفات متشابهة مع الاستاذ محمد علي يكاد يكون نسخة منه.

أما السكن فقد اخترت أن يكون قريبا من أخي سلطان وعبد الغني علي إسماعيل وسلطان شائف الذين كانوا يتابعون دراستهم في جامعة صنعاء في ذلك الوقت.

المحطة الثالثة

📝بعد تخرجي من كلية الشرطة تعينت بإدارة أمن تعز (مديرا للعمليات)، وبعد تعيين الدكتور عبد القادر قحطان مديرا عاما لأمن تعز أضاف لي إدارة التحقيقات مع العمليات (مدة 7سنوات) ومن خلال العمل الدؤوب في هذا الموقع استطعنا بفضل الله القضاء على بؤر الجريمة وحاصرنا أوكار المجرمين بإجراءات أمنية مشددة، وشهدت مدينة تعز في تلك الفترة انحسارا كبيرا في جرائم المسكرات والمخدرات والآداب العامة.

المحطة الرابعة

عام 1997 شهدت البلاد تغييرات سياسية وأمنية فصدر قرار ب نقل مدير الأمن الدكتور عبد القادر قحطان للعمل في صنعاء ونقلي مع مجموعة زملاء آخرين

للعمل في محافظات أخرى (المهرة وحضرموت ومأرب) فنفذنا القرار في حينه.

المحطة الخامسة

بعد 22 سنة من مغادرة تعز عدنا إليها للعمل في إدارة أمن تعز من جديد وباشرنا العمل في ظروف صعبة مع استمرار الحرب والعوائق الكثيرة إلا أننا تمكنا بفضل الله من بسط الأمن في مناطق الشرعية بتنسيق كبير مع الجيش الوطني.

اقرأ أيضا: مواقف الأستاذ مع بناته وأحفاده

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى