نوافذ الفكر والدعوةالفكر والدعوة
ترسيخ الفرض الكفائي
ترسيخ أهمية الفروض الكفائية و بيان سعة أثرها وميادينها.

الفرض الكفاية في الفقه الإسلامي أحد الأحكام الشرعية. وتعريفه في: علم أصول الفقه هو: «كل أمر مهم يقصد في الشرع تحصيله على جهة الإلزام، من غير تعيين فاعله» وفي علم فروع الفقه هو: المفروض شرعا من غير تعيين فاعله، فيثاب فاعله، وإذا تركه الجميع أثموا، وإذا فعله البعض كفى. ويسمى فرض كفاية لأن فعل البعض يكفي لحصول المقصود.
أولا: تعريف الفرض الواجب
تعريف الفرض الواجب اللغوي: يأتي بمعنى لزم وبمعنى استحق.
التعريف الاصطلاحي: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه او ما طلبه الشارع على سبيل الحتم والإلزام.
ثانياً: أقسام الفرض الواجب
ينقسم الفرض الواجب إلى قسمين:
- القسم الأول: واجب عيني.. وهو ما يطالب بتأديته المكلفون كلهم وإذا فعله بعضهم لم يسقط الطلب على الآخرين كالصلاة والصوم.
- القسم الثاني: الواجب الكفائي.. هو ما يطالب بأدائه مجموعة المكلفين إذا قام به البعض سقط الوجوب على الآخرين وإذا لم يفعله احد أثموا جميعاً، وإن وزع العمل الكفائي بين المكلفين فأصبح واجب عينيا على كل واحد أداء ما كلف به.
- ” الأمثلة” العمل الدعوي واجب كفائي، فإذا وزع على كل واحد عملا محددا منه يصبح أداءه واجبا عينيا، لأن القيام بالدعوة إلى الله ورد فيها تكليف جماعي، قال تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}[آل عمران:104] وورد تكليف فردي، قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}[النحل:125] , وكذلك بقية أنواع الجهاد .
ثالثاً: ميادين الفروض الكفائية ( الواجبات الكفائية )
- الميدان الأول: ميدان الجهاد بأنواعه الآتية:
- الجهاد الدعوي.
- الجهاد التعليمي.
- الجهاد السياسي.
- الجهاد الاجتماعي.
- الجهاد العسكري.
- الجهاد المالي.
- الجهاد الإعلامي.
- الجهاد الإداري.
- الميدان الثاني: التصدي لحفظ المصالح العامة بصورة شاملة والتي تشمل:
- المشاركة بالحفاظ على البنيه التحتية والأموال والممتلكات العامة.
- المشاركة في التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا من الصناعة والزراعة وكل ما يحتاجه المجتمع لحفظ كيانه وقيمه ومصالحه والتحرك وفق الإستراتيجية القومية الشاملة والتي تحقق الأمن القومي والإقليمي للأمة، فقد اعتبر إهلاك الحرث والنسل فساد في الأرض قال تعالى {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد}[البقرة:205] و قال تعالى {…. هو أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيب}[هود:61] و قال تعالى { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون}[آل عمران:161]
رابعاً: على من يلزم أداء الواجبات الكفائية
فإذا قام به بعض الناس فيلزم بقية الأمة ممثلة بقياداتها ويشمل ذلك
- حمل القائمين بالواجبات الكفاية وإعانتهم على القيام بها على الوجه الأمثل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في اهله بخير فقد غزا) متفق عليه
- متابعة الواجبات الكفائية والتأكيد من إقامتها بالقدر المطلوب، كان عمر رضى الله عنه يتابع الولاة الذين يديرون شؤون الدولة .
خامساً: مقاصد الشرع من والواجبات الكفائية
- المقصد الأول: هو حفظ مصالح الناس العامة والأمور الضرورية المجتمعية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية , الأمثلة: الضرورات (1- النفس 2- الدين 3- العقل 4- العرض والنسل 5- المال 6- الحرية وحقوق الأنسان )
- المقصد الثاني: ترسيخ نفوذ الدولة المدنية وذلك من خلال المشاركة في اختيار القوي الأمينة في السلطات الثلاث الرئيسية ( السلطة التشريعية والسلطة القضائية السلطة التنفيذية وفروعها ) فقد بسطت الدولة الإسلامية نفوذها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان الخلفاء الراشدون يعملون على بسط نفوذ الدولة، ومن الأمثلة على ذلك: القيام بمحاربه المرتدين ومانعي الزكاة في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه و قال قولته المشهورة “والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) المرجع اتمام الوفاء في سيره الخلفاء
سادساً: آثار ترسيخ أهمية الواجبات الكفائية ويشمل الساحات الآتية:
- ساحة الفقه السياسي: فإن القيام بالواجبات الكفائية في هذه الساحة يمنع الاستبداد وإبراز الحقوق السياسية لكل مواطن ابتداءا من رأس الدولة حتى المواطن العادي، ليوجد التوازن بين حقوق الحكام وحقوق المحكومين.
- ساحة العلوم الكونية: لأن هذه العلوم ترسخ لدينا فقه التسخير لما أودعه الله لنا في هذا الكون، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الجاثية 13
- ساحة الفقه الإداري: لنكون قادرين على توظيف طاقات أبناء هذه الأمة في المجالات المختلفة وتوجيهها لبناء مجتمعاتنا في جميع المجالات.
- ساحة الخطاب الدعوي: فإن الخطاب الدعوي الحالي يركز على الواجبات الفردية حتى رسخت التصور عند قيادات وأفراد المجتمعات أن الواجبات الفردية هي كل شيء وغاب عنهم الواجبات الكفائية حتى أنك تجد من أفراد الحركات الإسلامية من يهتم بنوافل الصلاة والصيام، ويهمل الواجبات المجتمعية، الأمثلة:
- إهمال اداء الوظيفة.
- إهمال الحقوق العامة.
- عدم الالتزام بالقوانين الفاعلة، و المطلوب من الخطاب الدعوي التركيز على الواجبات الكفائية في جميع المجالات إضافة إلى الواجبات الفردية.
- ساحات مؤسسات التعليم: انتشرت ثقافة سلبية لدى أطراف العملية التعليمية ولدى أفراد المجتمع أن التعليم للوظيفة فقط، وغفلوا على أن التعليم لبناء الدنيا والآخرة، فكانت الآثار السلبية أن مخرجات التعليم لا تلبي حاجات المجتمع، فإذا نشرنا الثقافة العلمية الصحيحة بأن (العلم لبناء الدنيا والآخرة) فستكون مخرجات التعليم تلبي حاجات المجتمع، فقد ذكر العلم في القرآن الكريم في (592) موضعا .
- ساحات الأمن النفسي والأمن الغذائي: فإن من الواجبات الكفائية المشاركة الفاعلة في توفير الأمن النفسي ليترسخ الاستقرار في المجتمع وكذلك توفير الأمن الغذائي من خلال المشاركة في إحياء المصادر الذاتية للتمويل الغذائي للأمة، قال تعالى {لإِيلاَفِ قُرَيْش إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف}}[قريش:1-4]