2025-07-12 10:31 ص
إدارة الموقع
2025-07-12 10:31 ص
تربية وتزكية

العمل والرزق في ميزان الشريعة

 

في عالمٍ سريع الخطى، حيث تزدحم الأفكار بالأحلام  والطموحات وفرص العمل، يظلّ الرزق الحلال هدفًا نبيلًا لا يتحقق إلا بـالعملٍ الصادق والجهدٍ المتواصل.

العمل في الإسلام ليس مجرد وسيلة للعيش وكسب المال، بل هو عبادة وشرف، وطريق لتحقيق الكرامة الإنسانية، ووسيلة لبناء المجتمعات واستقرارها. وقد قرن الإسلام بين العمل والتوكل، وبين السعي والرزق، فجعل من الجهد البشري سببًا مشروعًا لنيل فضل الله ورزقه، دون أن يغفل عن حقيقة أن الرزق بيد الله وحده، يقسمه بحكمته، ويعطيه من يشاء.

 

مكانة العمل في الإسلام

رفع الإسلام من شأن العمل، وعدّه من أعظم القُربات إذا أُريد به وجه الله، وكان في طريق الحلال. قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولٗا فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِۦ﴾ [الملك: 15].

وفي الحديث الشريف قال النبي ﷺ: “ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” [البخاري] فالعمل الشريف يرفع قدر الإنسان، ويصونه من ذل السؤال، ويحقق له الاكتفاء والكرامة.

مع أمر الله بالسعي، بيّن أن الرزق ليس مرتبطًا بذكاء الإنسان فقط، ولا بجهده وحده، بل هو بيد الله تعالى: ﴿وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22]،

وقال رسول الله ﷺ: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا” [الترمذي]، فالطير تسعى، لكنها لا تحمل الزاد، ولا تخزن الطعام، بل تخرج كل صباح وتعود كل مساء وقد كفاها الله. وهذا هو التوكل الحق: السعي مع اعتماد القلب على الله.

قيمة العمل الشريف في الإسلام وأثره على الفرد

  •  العمل عبادة

لم يفرّق الإسلام بين العبادة والكدّ، فكما تُرفع الصلاة والصوم مكانة العبد، كذلك يُرفع العمل الحلال.

  •  تحريم الكسل والتواكل

قال رسول الله ﷺ في “سنن الترمذي”: «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدهِ» ويؤكد الحديث أن طلب الرزق الحلال أفضل من الاتكال والكسل.

  •  الاعتماد على النفس

رغم أهمية التكافل الاجتماعي، إلا أن الاتكال الكامل على الغير دون سعيٍ وجهدٍ أمرٌ مذموم شرعًا.

نماذج من السيرة النبوية في الزراعة والتجارة

تجربة النبي ﷺ في التجارة حيث عمل النبي ﷺ قبل البعثة تاجرًا، وتميّز بالصدق والأمانة، حتى لُقِّب بـ “الصادق الأمين”.

دروس مستفادة:

  1. الصدق التجاري يبني الثقة مع الشركاء والعملاء.
  2. تحمّل المخاطر بحكمة يعكس التخطيط الجيد والوعي بالسوق.

صحابة قدوة في الاجتهاد والابتكار

  1. عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: استثمر في الزراعة وتصدّق بمعظم ماله.
  2. عمار بن ياسر رضي الله عنه: برع في صناعة الأواني بجودة عالية وكسب الثقة قبل المال.

الابتكار والاهتمام بجودة العمل يجعلان من السعي عبادةً تقرّبنا إلى الله.

أدوات الابتكار والاجتهاد في العصر الحديث ضمن إطار الشريعة

  •  التعلم والتطوير المستمر: الدورات الإلكترونية في المهارات (برمجة، تصميم، ترجمة…)، وورش ريادة الأعمال وبناء المشاريع الصغيرة.
  •  العمل الحر: كسب الرزق الحلال عن طريق المنصات المحلية والعالمية تتيح عرض المهارات لكسب رزق كريم ومن مميزاته المرونة في الوقت والمكان مع أهمية الانضباط الشرعي.
  •  المشاريع التعاونية والاجتماعية: مثل الجمعيات التعليمية والحِرَفية
  • التوكل على الله: والسعي الجاد وفق النصوص الشرعية قال تعالى:﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ [الشرح: 7] أي: افرغ قلبك وجهدك، ثم توكّل على الله.
  • التوازن النفسي: لا يجب أن يثبّطنا الفشل أو التعثر، فالله مع الصابرين.
  • الدعاء في السعي: «اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك».
نصيحة 

يجب أن يكون كل عمل مبنيًّا على عقدٍ شرعي واضح، مع الالتزام بحقوق العامل وصاحب العمل.

 

أثر الأعمال على الفرد والمجتمع الإسلامي
  1.  نمو اقتصادي مستدام كل مشروع ناجح يولّد فرص عمل جديدة.
  2.  تماسك اجتماعي حيث تقلّ معدلات البطالة، ويشعر الفقير بالكرامة حين يكسب رزقه بنفسه.
  3.  تحسين صورة الإسلام عالميًا، حين يرى الناس المسلمين يعملون بجد ونزاهة، تتغيّر الانطباعات السلبية.
الجد والاجتهاد بالعمل طريق لرضا الله والازدهار المجتمعي

إن العمل في الإسلام ليس هدفًا دنيويًا فقط، بل جسر إلى رضوان الله ووسيلة لنشر الخير والرخاء، لنحوّل سعينا وجهدنا إلى عبادة يومية، ولنبتكر، ونتوكل، ونعمل بنيّة صالحة، فبذلك ترتقي النفوس والمجتمعات.

“من أساء السعي في طلب الرزق ذُلّ، ومن أحسن طلبه أُعطي من واسع فضله.”

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى