الصحة النفسية للمسلم: سكينة الروح بين ظلمة القلق ونور الإيمان”

أولًا: فهم القلق والاكتئاب في ضوء الواقع
القلق والاكتئاب هما من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في العصر الحديث:
- القلق: هو شعور بالخوف أو التوتر من أحداث مستقبلية مجهولة، أو من مسؤوليات يومية مرهقة.
- الاكتئاب: هو حالة من الحزن العميق، وفقدان الرغبة في الحياة، والشعور بالفراغ واللاجدوى.
وقد تتعدد أسبابهما بين عوامل وراثية، وظروف حياتية، وتجارب مؤلمة، لكنّ الجانب الروحي غالبًا ما يكون هو المهمل، مع أنه شديد الأثر.
كيف يتعامل الإسلام مع النفس حين تضطرب؟
يولي الإسلام النفس البشرية أهمية بالغة، ويصفها بأنها محل الابتلاء والتزكية، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس: 7–9].
والإسلام لا ينكر المشاعر، بل يعترف بها، ويوجهها، ويمنح الإنسان أدوات التعامل معها، دون أن يحمّله فوق طاقته. فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم، واشتدّ عليه الحزن في عام وفاة خديجة وعمه حتى سُمي بـ”عام الحزن”.
الإيمان بالله كدعامة لـ الصحة النفسية للمسلم
من أعظم ما يثبت الإنسان في مواجهة تقلبات الحياة هو الإيمان بالله:
- اليقين بأن الله رحيم، قريب، سميع مجيب: قال تعالى: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان” [البقرة:186].
- التوكل على الله يخفف الخوف من المستقبل: “ومن يتوكل على الله فهو حسبه” [الطلاق:3].
- الإيمان بالقدر يشرح الصدر لقبول الابتلاء: “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب” [الحديد:22].
- الرضا بالقضاء يمنع الحزن من أن يتحوّل إلى يأس: قال النبي: “واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك…” [الترمذي].
نماذج من السيرة النبوية تثبت القلوب
- النبي أيوب عليه السلام: أصيب بالمرض والفقر وفقد الأولاد، فقال: “رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين” [الأنبياء:83]، فكان الشفاء جزاء صبره.
- النبي محمد صلى الله عليه وسلم: عانى من فقدان الوالدين، ومن العداوات، ومن الحصار، لكنه كان يثبت بالصلاة والدعاء ويقول: “أرحنا بها يا بلال”.
وسائل عملية يقدمها الإسلام لتقوية الصحة النفسية للمسلم
- الذكر المستمر: يحيي القلب ويطمئن النفس. “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
- الصلاة والخشوع: طاقة يومية تُغذّي الروح. وكان النبي إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة.
- قراءة القرآن: فيه الشفاء، والهداية، والنور. “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين”.
- الدعاء والتضرع: بابه مفتوح لا يُغلق. “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل…” [البخاري].
- التأمل في نعم الله: يشكر القلب ويغيّر المزاج. “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”.
- الصحبة الصالحة: الوحدة تغذي الاكتئاب، والصحبة الإيمانية تذكّر بالله.
- حسن الظن بالله: لا يفقد المؤمن الأمل. “أنا عند ظن عبدي بي” [البخاري].
لا تيأس، فالله أقرب إليك من حبل الوريد
إذا ضاقت بك الدنيا، وضاقت نفسك، تذكّر أن لك ربًّا لا ينسى، ولا يخذل، ولا يُعجزه شيء. اطرق بابه، وابكِ بين يديه، وتشبّث بحبله، ولا تجعل القلق يُطفئ نور قلبك، ولا تجعل الاكتئاب يحجبك عن فضل ربك.
فما بين الهمّ والفرج إلا دعوة صادقة، وإيمان صادق، ورب كريم يقول: “إن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا.”