2025-06-16 9:04 م
إدارة الموقع
2025-06-16 9:04 م
تربية وتزكية

كيف نستجلب المطر؟ .. الاستسقاء في ضوء القرآن والسنة

مستلخصة من خطبة لفضيلة الشيخ/ محمد راتب النابلسي

الماء هو سر الحياة، وأعظم نعمة أنعم الله بها على عباده، فهو أساس كل كائن حي، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (سورة الأنبياء: 30). ومع ذلك، فإن انقطاع المطر وجفاف الأنهار قد يصيب البشر بالقلق والخوف، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى الله بالدعاء والاستغفار وصلاة الاستسقاء

في هذا المقال، سنستعرض درسًا مستخلصًا من إحدى خطب فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي حول الاستسقاء، وهو طلب السقيا من الله عند انحباس المطر، مع بيان الحِكَم الإلهية وراء تقنين الأمطار، ودور الإنسان في استجلاب رحمة الله.

1. تقنين الله للأمطار: تأديب وتربية لا عجز وضعف

إنن الله تعالى قد ثبَّت في الكون نواميس وقوانين ثابتة لتنظيم الحياة، مثل حركة الأفلاك وخصائص المواد، لكنه جعل بعض الأمور متغيرة، مثل الصحة، الرزق، والأمطار. فلماذا يُقنِّن الله نزول المطر؟

الجواب أن تقنين الله للأمطار ليس دليلاً على العجز، بل هو تأديب وتربية لعباده، كما قال تعالى:
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (سورة الشورى: 27).

فالله يعلم أن البشر إذا توفر لهم كل شيء بسهولة، قد يطغون وينسون خالقهم، لذا فإن انحباس المطر قد يكون تنبيهًا لهم ليعودوا إلى الله.

2. المصائب تكون بسبب الذنوب، والفرج يكون بالتوبة

إن ما يصيب الناس من شدائد وجفاف إنما هو بسبب ذنوبهم، كما قال تعالى:
{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (سورة الشورى: 30).

ولكن الله تعالى لا يعذب عباده إذا تابوا وآمنوا، كما في قوله:
{مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} (سورة النساء: 147).

لذلك، فإن الاستغفار والتوبة هما مفتاح استجلاب الرحمة، كما حدث مع قوم نوح حين قال لهم:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} (سورة نوح: 10-11).

3. صلاة الاستسقاء .. سنَّة نبوية عند انحباس المطر

عندما ينقطع المطر، شرع النبي ﷺ صلاة الاستسقاء، وهي صلاة تُقام في المصلى (خارج المسجد) يدعو فيها المسلمون الله أن يسقيهم الغيث. ومن هدي النبي ﷺ في الاستسقاء:

  • الخروج بتواضع وخشوع، كما فعل النبي ﷺ عندما خرج متبذِّلاً (لابسًا ثيابًا بسيطة) متضرعًا إلى الله.
  • رفع اليدين في الدعاء حتى يُرى بياض إبطيه.
  • تحويل الرداء (أي جعل الجهة اليمنى مكان اليسار والعكس) كرمز للتغيير.
  • الدعاء بإخلاص، مثل قوله ﷺ:
    “اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا…”

وقد استجاب الله لدعائه ﷺ في أكثر من موقف، منها ما رواه أنس بن مالك:
“فوالله ما في السماء من سحاب، فما لبثنا أن رأينا سحابة فمطرنا حتى سالت الأودية.”

4. الإسراف في الماء مخالف لهدي الإسلام

مع أن الماء نعمة عظيمة، إلا أن الإسلام حذر من الإسراف فيه، حتى لو كان الإنسان على نهر جارٍ. فقد رأى النبي ﷺ سعدًا يتوضأ فأسرَف في الماء، فقال له:
“ما هذا الإسراف؟” فقال سعد: أفي الوضوء إسراف؟ فقال ﷺ: “نعم، ولو كنت على نهر جارٍ.” (رواه ابن ماجه).

وفي عصرنا، أصبح ترشيد استهلاك الماء واجبًا شرعيًّا، خاصة مع أزمة المياه العالمية. فالمسلم مطالب بأن يحافظ على هذه النعمة ولا يلوثها أو يهدرها.

5. الماء في القرآن: آية تدل على عظمة الخالق

ذكر الله الماء في القرآن في أكثر من موضع، مبينًا أنه سبب الحياة، قال تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} (سورة الفرقان: 48-49).

بل جعل إنزال المطر دليلًا على البعث، فقال:
{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} (سورة الأنفال: 11).

خاتمة: الدعاء والاستغفار مفتاح الرزق والرحمة

إن انحباس المطر ليس عقابًا دائمًا، بل هو اختبار من الله ليعود العباد إليه. والعلاج يكون بـ:

  1. التوبة والاستغفار.
  2. إقامة صلاة الاستسقاء كما علمنا النبي ﷺ.
  3. الاعتدال في استهلاك الماء وعدم الإسراف.
  4. التفكر في آيات الله في نزول المطر وإحياء الأرض.

اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، ولا تجعلنا من القانطين، واغفر لنا وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى