2025-06-16 10:51 م
إدارة الموقع
2025-06-16 10:51 م
كتاباتقالوا عن الرحيل

الأستاذ

كتبها الأستاذ/ غمدان اليوسفي

وفي رثاء الأستاذ الراحل/ محمد علي إسماعيل كتب الأستاذ/ غمدان اليوسفي في رثائه هذه الكلمات:

الأستاذ

لم يكن كالعابرين الذين يرثهم النسيان، ولم يكن ذاك المتكلف في ترك أثره، وكان كبيرا بما يكفي ليجعلك تقدره لاسمه، أولا وأخيرا.

الأستاذ.. هكذا ألفنا اسمه منذ بداية تعلمنا نطق الكلام، كنا صغارا حينها، وكان قد أصبح مديرا لمدرسة السلام في منطقة شرار بني يوسف، كانت هيبته أضعاف حجم جسده البسيط.. بعد سنوات وفي بداية الألفية كنت أقرأ مجلة (نوافذ) العريقة حين كانت تزين المكتبات، ولفت انتباهي مقالٌ في صفحتها الأخيرة، كان عنوانه (الأستاذ)، بتوقيع الكاتب الرائع جمال أنعم، وكان المقال عن أستاذنا الراحل محمد علي إسماعيل.

يغادرنا اليوم بعد حياة يتمناها جميع من عرفه.. كان ابنه عمر قد طمأنني حين اتصلت به عقب إدخاله المشفى منذ أيام، وقال إن وضعه قد يتجاوز تأثيرات (الجلطة) التي هاجمته خلال الساعات القادمة.. لكن الأمل خاب حين سمعت خبر الرحيل.

غادرنا مخلفا هذا الحضور في قلوب محبيه وخصومه، ولا أظن أن له خصوم في الحياة، عدا تلك الاختلافات السياسية التي كان يتعامل معها كخلاف محدود الرأي، ولايمكن أن يتعامل معها في حياته اليومية كخصومة، فستجد المؤتمري والإشتراكي وغيرهم يحتكم إليه فيما شجر بينهم، بينما هو عضو في مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح في تعز.

أَحب العمل بصمت، وخاض دروب الحياة بابتسامة كانت سمته التي ألفها من يعرفه، وبأكبر قدر من الإنصاف بين المتخاصمين عنده، فكان صاحب قدرة على الإقناع تشعرك بالرضا والإنصاف.

من يعيش في جو ريفي مشحون بالسياسة في ريفنا يدرك حجم التحديات، بأن تجعل نفسك مقبولا هنا أو هناك، فنحن ربما أكثر تعمقا في التعصب الحزبي من المدن، وانتقلت تلك العصبية حتى للشؤون الشخصية، وكان والدي يقول له حين يعود زائرا إلى القرية ’’سيتغير كل هذا الكلام الذي يُطرح أمامك بعد مغادرتك فضاحة يا أستاذ,,، لأن عودته كانت بالنسبة لنا شعور بأن هناك شخصا نستطيع أن نرمي عليه أعباء مشاكل المنطقة وسيحلها بما نتمنى.

حين كنت في الصف الثاني الإعدادي تعرضتُ لاعتداء قاس من أحد المدرسين، وحينها أخذني والدي إلى المركز التعليمي في النشمة وكان الأستاذ نائبا لمدير المركز، وقرر النزول إلى المدرسة للنظر في القضية، وحين سمع مني ومن الشهود، قرر أن المدرس هو المخطئ، وطلب من والدي أن يختار العقوبة، فقال له والدي يهمني أنك أدركت أن هناك خطأ، وتغير الأمر في المدرسة حينها، وأصبحت هيبة الأستاذ حاضرة ولو من بعيد.

مرت سنوات، وعزمني في منزله بمدينة تعز عقب إحراق الساحة في عام 2011م، ووجدته ذاك الأستاذ الذي لم أره منذ أكثر من عقد من الزمن..

وحين غادرت اليمن صوب القاهرة جاء في رحلة علاجية، وتشرفت به في بيتي، وأتذكر ضحكته حين كان يتكلم مع أسامة الصالحي، كان أسامة جاري هناك، وقلت له سنتغدى مع الأستاذ محمد علي، وأرجوك “لُمّ لسانك” هذا الأستاذ محمد علي مينفعش تتكلم قدامه زي أي حد”.. قال أسامة خلاص أوعدك.. وللأسف أسامة خلف كل وعوده وانطلق بلسانه كعادته، وبينما أنا كنت محرجا، كان الأستاذ كعادته يضحك بكل بساطة.

ظل كبيرا، لا يلقي باللوم، وحين ينصح لا يوجه، بل يلمح أو يرمي بعض السخرية التي لا تجرح.

سنفتقد وسطيته، وسندرك قريبا أنه كان حائط صد في منطقتنا ضد كثير مما لا ندرك.

رحم الله أستاذنا، وأسكنه فسيح جناته.

خالص العزاء لأبنائه نبيل، طارق، عمر، صلاح، ولجميع الأسرة.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى