مواقف تربوية من حياة الوالد محمد علي إسماعيل مع أبناءه

تتخلل الحياة مواقف لا تحصى ولكن بعضها يبقى في الذاكره إلى الأبد وذلك للأثر الذي تصنعه … وفي هذه السطور نشارككم بعض المواقف التربوية للوالد محمد علي إسماعيل مع أبناءه.
يقول أحد أبنائه عن مواقف مع الأستاذ:-
أخبرتنا الوالدة عن موقف حدث في السبعينات من القرن الماضي، حيث مات أحد رجال القرية قبل أن يتمكن من أداء فريضة الحج فجمعت أسرة المتوفى مبلغ مالي وطلبت من الوالد الحج نيابة عنه، فتوجه الوالد لتلك المهمة وأكمل مصاريف السفر إلى الديار المقدسة من جيبه الخاص، وعند عودته من مكة المكرمة اشترى بعض الهدايا والملابس لأسرته وأسرة المتوفي، ثم قام بإحضار ولد المتوفى إلى البيت ليختار هو بنفسه الثياب التي تعجبه ويترك الأخرى لابنه.. فعل ذلك من باب الرفق باليتيم وحسن معاملته .
ويذكر أحد أبنائه:-
كان الوالد محمد علي دائم التوصية له بعدم استخدام ألفاظ اللعن والسباب والشتائم حتى وإن حصلت مشاجرات بين الأطفال في مرحلة الطفولة أثناء اللعب أو بعد الانصراف من المدرسة، فكان يقول : دافع عن نفسك لكن لا تعتدي على أحد ولا تقم بسبه.
وفي أحد مواقف الأستاذ في المدرسة:-
توجهت للمدرسة ذات يوم برفقة الوالد وكان هو مدير المدرسة وعند وصولي كان طابور الصباح على وشك الإنتهاء والمدرس المشرف على الطابور قد أغلق الباب الخارجي للمدرسة ومن خلف الباب يقف الطلاب المتأخرين وأنا بينهم فجاء الوالد بصفته مديرا للمدرسة وأمر المدرس المشرف على الطابور بإنزال العقوبة على المتأخرين وانا منهم سواء بسواء دون تمييز حتى لو كان العقاب على ابن مدير المدرسة نفسه.
يروي أحد أبنائه قصة حصلت في الطفولة قائلاً:-
عندما كنت في المرحلة الإبتدائية كان الوالد مديراً للمدرسة التي ندرس فيها … وقرأت في كتاب القراءه أن يوم 21 مارس من كل عام هو يوم عيد الأم العالمي ولما وصل ذلك التاريخ قررت عدم الذهاب للمدرسة على اعتبار أن ذلك اليوم عيد وسيكون عطلة مدرسية وعند تجهز الوالد للذهاب للمدرسة اختفيت عن نظره .. فخرج الوالد من البيت واتجه نحو المدرسة ولم يتفقدني ظن منه أنني قد سبقته مع زملاء الدراسة وبعد خروجه ظهرت في البيت وتفاجأت الوالدة ببقائي في المنزل وعدم اللحاق بالوالد في المدرسة فقلت لها فرحا ومرحا أن هذا هو يوم عيد الأم العالمي وسيكون عطلة في جميع المدارس
فقالت لي بفطرتها الذكية:- لو كان عطلة لكان ابوك أول من يعلم بذلك لأنه مدير المدرسة !! .. ولن يذهب للمدرسة !!وكل الطلاب لن يذهبوا، فأصريت في البداية على موقفي وقلت لها بكل ثقة أنهم سوف يرجعون جميعا عندما يجدون المدرسة مقفلة ويعلمون أنه عيد الأم !!
وبعد ساعة من الانتظار بدأ يساورني القلق مما فعلته؟!
وزاد اقتناعي بما قالته الوالدة .. وصرت في حيرة من أمري
هل أذهب المدرسة وأكون وصلت متأخرا بدون عذر؟!
أو أجلس في البيت وأكمل عيد الأم لوحدي؟!
ماذا سأقول للوالد الذي سيواجهني عند بوابة المدرسة؟!
لا يوجد أي عذر !! ولا يوجد مجال للإعتذار ولا مجال للكذب ؟!
فقررت البقاء في البيت .. وأمامي كتاب القراءة عند صفحة عيد الأم 21 مارس وجلست أفكر في نوع العقوبة التي سيختارها الوالد جزاء غيابي ذلك اليوم وقضيت ذلك اليوم بين قلق وترقب وخوف !!
عند عودة الوالد من المدرسة ترجيت أمي أن تشفع لي عند أبي عن الغياب لاني كنت أحتفل بعيدها !!
فوصل الوالد للبيت ولم يبدي أي إهتمام بموضوع غيابي وكأن شيئا لم يكن !!
فقلت أكيد هذا من بركات طاعة الأم !!
ثم أكملت بقية ذلك اليوم بالشكل المعتاد وقابلت زملاء المدرسة الذين استنكروا غيابي وتعجبوا من عدم عقاب الوالد لي !!
في اليوم التالي 22 مارس
توجهت للمدرسة مبكراً .. وبادرني أحد المدرسين المصريين بالسؤال عن سبب غيابي أمس فقلت له: كنت أظن أن يوم عيد الأم هو يوم عطلة مدرسية فلم أحضر .. فابتسم قائلاً: يبدوا أنك تحب أمك كثيرا !!
انتهى اليوم الدراسي كالمعتاد، غادرت الفصل مع الزملاء لكن!
عند بوابة المدرسة جاء صوت الوالد حازماً يناديني بالرجوع إلى إدارة المدرسة وهناك خاطبني بلهجة مدير المدرسة: ماهو المبرر لغيابك يوم أمس عن المدرسة ؟!
فلم أجد جوابا !! وأطرقت برأسي معترفا بالخطأ!!
فقرر العقوبة بصفته مديرا للمدرسة (وليس بصفته أبا)
وكانت العقوبة عدم مغادرة المدرسة والبقاء فيها إلى اليوم التالي (عقوبة تتناسب مع الذنب) غياب عن المدرسة عقوبته غياب عن المنزل ..
فأجبته بالسمع والطاعة لهذه العقوبة..
ودعني الوالد وانصرف إلى البيت .. وبقيت في المدرسة مع المدرسين المصريين الذين قاموا باستضافتي ذلك اليوم والغداء معهم ثم أكملت بقية اليوم في ساحة المدرسة لمشاهدة مباراة كرة القدم بين طلاب المدرسة ثم في المساء كان المبيت في الغرفة الملحقة بالمسجد.
خرجت من تلك القصة باكتشاف شخصية جديدة في الوالد وهي شخصية المدير المربي للطلاب الذي لا يميز في التربية والعقاب بين طالب وآخر ولا بين قريب له أو من عامة الناس.
ويروي أحد أبنائه مواقف وطريقة تعامله مع النتائج النهائية للاختبارات:-
كان هذا الابن طالباً في أول إعدادي وكان متميزاً ويحصل على درجات ممتازة في الإختبارات تؤهله للحصول على المراكز الأولى بين أوائل الفصل إلا أنه تفاجأ بحصوله على الترتيب الرابع رغم تأكيد المدرسين له بحصوله على درجات نهائية في المواد وفي العام التالي (الثاني الإعدادي) تكرر الأمر نفسه فسأل أحد المدرسين في كنترول الاختبارات فأخبره بأن الوالد قام بمراجعة كشف الأوائل وقام بتأخيره إلى الترتيب الرابع خشية أن يكون حصل على مجاملة من المدرسين المصريين كونه ابن مدير المدرسة.
ثم في العام الثالث (الصف الثالث الإعدادي) نهاية المرحلة الإعدادية كانت الاختبارات والتصحيح والنتائج مركزية من مكتب التربية بالمحافظة فحصل ذلك الابن على الترتيب الثاني في المدرسة فأكدت تلك النتيجة الثقة بالوالد أنه يعامل أبنائه تماما كمعاملة بقية الطلاب دون تمييز وأن عمله الإداري في إدارة المدرسة بعيد كل البعد عن العواطف الشخصية.