السيرة النبوية .. ومناهج التغيير والبناء الحضاري من خلالها

إن أي بناء حضاري إنساني يفتقر إلى منهج تغييري يقوده نحو غاياته ومقاصده بخطوات منظَّمة وسليمة، كان المنهج النبوي في البناء الاجتماعي منهجًا فطريًّا متوافقًا مع سنن الله في الخلق، ومنسجمًا مع قوانين الدعوات الإنسانية، وفي بقية المقال سنعرفكم أكثر عن فوائد قراءة ودراسة السيرة النبوية وكيف تساهم في التغيير والبناء الحضاري:

أولاً: لماذا يدرس المسلمون السيرة النبوية؟

يدرس المسلمون السيرة النبوية لعدة أسباب وهي:

1. فهم الإسلام من خلال مصادرة الصحيحة، معلوم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما مصدرا معرفة الإسلام والسيرة النبوية هي الجانب التطبيقي للقرآن والسنة، قالت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :(كان خلقه القرآن) قال تعالى: ((وأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ ولَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ)
2. التعرف على شخصية النبي القدوة لتحقيق المحبة والاقتداء، فالسيرة تتناول شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بتفصيل لإعانتنا على فهم القرآن الكريم
3. فهم القرآن مقصود شرعي كلفت به الأمة، وقد أشتمل القرآن على كثير من حوادث السيرة النبوية
4. ترسخ في قلوب المؤمنين الاعتقاد بصحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على أن السيرة النبوية بما تتجلى فيها من دلائل النبوة وآدابها وبما يرد من خلالها من معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم وكرامات لأصحابه
5. معرفة منهج بناء الأمة والسير بالإسلام في العالمين، وهذا هو الهدف الأكبر من رسالته صلى الله عليه وسلم

ثانيا: دراسة السيرة بين مناهج مختلفة

1. منهج التاريخ الحولي والمنهج الحولي، هو تسجيل أحداث كل سنة بالترتيب الزمني سردا وهو منهج كثير من العلماء والأقدمين الذين صنفوا في السيرة وقد دخل فيه. الغث والسمين لأنه لا يوجد منهج نقدي
2. منهج المحدثين، وهم الروات الذين نقلوا الأحاديث النبوية بمتونها وأسانيدها خلال القرون الإسلامية الأولى حيث كانت الرواية والحفظ تحتل المقام الأول وقد صاغ المحدثون قواعد لمعرفة صحة أحداث السيرة إلا أنها جاءت مجزئة حيث تروى الحوادث مجزأة
3. منهج الدراسات التخصصية، وهي دراسات موضوعية مستنبطة من حوادث السيرة وتمثل ذلك في
   1. المنهج الحركي للسيرة النبوية
   2. التربية القيادية
   3. التربية الجهادية
   4. النظرية الدعوية
   5. أمهات المؤمنين
   6. جوانب الحيطة والحذر من السيرة
4. منهج المستشرقين، من أخطر وأسوأ المناهج التي تناولت السيرة النبوية منهج المستشرقين، فهم الذين حاولوا نسف فكرة النبوة والوحي وهدم أركان الدين بالتشكيك المحموم في تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سمات منهاج المستشرقين في كتابة السيرة النبوية هي:
   1. التحريف والتلفيق والطعن
   2. التقول والانحراف في التفسير والتحليل
   3. البعد عن العلمية والموضوعية واعتماد غير المعتمد من المصادر
   4. استعمال مصطلحات كنسية
   5. اختلاف المنطلق بين هؤلاء وبين كتاب السيرة من المسلمين
   6. الفهم الخاطئ الناتج عن عدم فهم اللغة العربية
   7. الجهل بمناهج التفسير والاستنباط والبحث في الفكر الإسلامي لجهلهم الأصول
   8. رفض المقررات التاريخية والتجني عليها
   9. الاعتداء العلمي على المقدسات الإسلامية
   10. اعتماد المسلمات المادية والموضوعية في تفسير النصوص وفهمها، والمثال على ذلك هو: تصوير محمد صلى الله عليه وسلم بأنه عبقري وذكي وليس نبيا مرسلا، ومن علامات عبقرتيه تصنيفه القرآن وأبرز فيه أحسن الصياغة
5. منهج تلمذت المستشرقين من العلمانيين والقوميين والماركسيين، وإضرابهم في المجتمعات الإسلامية ورغم أنهم يختلفون في كثير من الأشياء إلا أنهم يتفقون في التالي
   • هدم حقائق الوحي والنبوة والغيب من خلال تأويلات فاسدة وتحكميات ذاتية وأهملوا في نظرتهم للسيرة النبوية الجانب الإلهي كما غلبت على دراستهم ما أسموه بالمنهج العلمي المادي وهذا لا يصلح وحده لاستيعاب وتفسير قضية من السيرة في ابعادها الغيبية والروحية والتشريعية، ومن الأمثلة على تأويلهم الأحداث التاريخية التي وردت في القرآن أو في السيرة بتأويلات يخضعونها لأهوائهم وهي:
     1. طيران أبابيل/ بداء الجدري
     2. الإسراء /سياحة الروح وعالم الرؤيا
     3. الملائكة الدعم المعنوي الذي أكرمهم الله به
     4. الدعوة / ثورة يسار على يمين وحركة الفقراء ضد الأغنياء
     5. الغزوات/ احتلال

الأمة بحاجة إلى مؤسسات ومراكز تقدم مشروعات حضارية ونهضوية من خلال السيرة

ثالثاً: المناهج المنشودة في دراسة السيرة النبوية:

• فهم طبيعة الإسلام الشامل الذي مثلته السيرة النبوية تطبيقا: عدد آيات القرآن الكريم (6237) أية وعدد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عشرات الآلاف من الأحاديث ومعها من المواقف العلمية في حياته مالا يحصى عدداً فهو منهج حياة للفرد والأسرة والجماعة والأمة بل للبشرية جميعاً
• صحة المنطق والمنظور عند دراسة السيرة لابد من صحة المعتقد
• الاستعانة بالقرآن في فهم السيرة فإن القرآن مصدر أساسي للسيرة
• تعظيم النبي (ص) وتفخيم شأنه وصحة الاعتقاد فيه
• تفعيل التخصصات المختلفة في فهم السيرة وتحليلها
• التركيز على جانب الدراية والفهم والتحليل واستخلاص العبر
• التركيز على البعد الحضاري الشامل والبعد عن التجزئة

 رابعاً: هدف السيرة النبوية

أول هدف للسيرة النبوية هو الوصول إلى الحالة الحضارية الشاملة مؤسسة على العقيدة السليمة والإنسان الصحيح وفق قوانين إلهية صارمة قال عماد الدين خليل: (لقد بشر عصر الرسالة بمشروع حضاري ويمكن من تنفيذ العديد من حلقاته ووضع شبكة من الشروط التأسيسية التي مكنت الأمة الناشئة من بناء حضارتها المتميزة بعد عقود متعددة من الزمن)

خامسا: السيرة النبوية إنجاز حضاري

عندما جاء إعلان البراءة من المشركين في سورة براءة من الله. في السنة التاسعة للهجرة كان قد تم انجاز ما يلي:

• التوحيد في مواجهة الشرك والتعدد
• الوحدة في مواجهة التجزؤ
• الدولة في مواجهة القبيلة
• التشريع في مواجهة العرف
• المؤسسة في مواجهة التقليد
• الأمة في مواجهة العشيرة
• الإصلاح والإعمار في مواجهة التخريب والدمار
• المنهج في مواجهة الفوضى والخرافة والظن والهوى
• المعرفة في مواجهة الجهل والأمية
• الإنسان المسلم الجديد الملتزم بمنظومة القيم الخلقية والسلوكية المتجذرة في العقيدة في مواجهة الإنسان الجاهلي المتمرس على الفوضى والتسيب وتجاوز الضوابط وكراهية النظام

سادسا: جملة من القيم المنهجية وآليات العمل

القرآن والسنة النبوية أرست جملة من القيم المنهجية وآلية العمل وهي على النحو التالي:

• المعرفة هي حجر الزاوية
• النزوع إلى الأمام
• التحذير من هدر الطاقة
• مبدأ الاستخلاف
• مبدأ التسخير
• التحفيز على العمل والإبداع
• مجابهة التخريب والإفساد
• التوازن بين الأضداد والثنائيات وتوحدها
• التناغم والوفاق الطبيعية والعالم والكون معا
•  تحرير الإنسان والجماعات والشعوب على المستويات كافة

لقد جاء الإسلام لكي يتحرك وفق دواثر ثلاث:

1. تبدأ بالإنسان
2. وتمر بالدولة
3. وتنتهي إلى الحضارة التي سيقدر لها أن تنساح لكي تغطي مساحات واسعة من العالم القديم والحديث