2025-10-23 2:54 م
إدارة الموقع
2025-10-23 2:54 م
تفسير سورة آل عمران

سورة آل عمران (من الدرس الثلاثين إلى الدرس الثاني والثلاثين)

سوف نستمر معكم في دروس سورة آل عمران وفي هذه المقالة سيكون درسنا الثلاثون والواحد والثلاثون والإثنين والثلاثون والذي تحدث فيه عن إرشادات للمؤمنين بفعل الخيرات، وعاقبة المكذبين وعاقبة المتقين، كما عاتبت هذه الآيات بعض المؤمنين في غزوة أحد

الدرس الثلاثون من الآية (130-136) سورة آل عمران

هذه الآيات جاءت لأجل إرشاد المؤمنين بفعل الخيرات وترك المنكرات

التفسير والبيان

  1. (130) (لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا) نهى عن تعاطي الربا مع تقربهم كما كانوا عليه من تضعيف الفائدة الربوية فقوله (أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) ليس لتقييد النهي به بل هو بيان لما كانوا عليه في الجاهلية من التعامل الفاسد المؤدي إلى استئصال المال وقد حرم الله أصل الربا ومضاعفته.
  2. (133) (وَسَارِعُواْ) السرعة هي: التقدم فيما ينبغي وهي محمودة وضدها البطء وهو مذموم والعجلة فيما لا ينبغي وهي مذمومة وضدها التروي وهو محمود، (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) عرضها كعرضهما والمراد أنها في غاية السعة والبسط فشبهت بأوسع ما يتصوره الإنسان ولكن حذف حرف التشبيه يدل على عظمة الجنة في سعتها.
  3. (134) (فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) في العسر واليسر والمراد أنهم لا يتركون الإنفاق في الخير في جميع الأحوال، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) الممسكين عليه الكافَّين عن امضائه مع القدرة عليه من الكظم وهو الحبس يقال كظم البعير جرَّته إذا ردها وكف عن الإجترار وكظم القربة ملئها وشد على رأسها مانعاً من خروج ما فيها والغيظ توقد حرارة القلب.
  4. (135) (فَاحِشَةً) فعلة بالغة القبح كالزنا … من الفحش وهو مجاوزة الحد في السوء، (أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ) بارتكاب أي ذنب وعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص.

الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(ربو) وردت على (6) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الزيادة ونحوه قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى المكان المستوي المرتفع قال تعالى (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين) (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى شديدة قال تعالى (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَة).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى أكثر عدداً قال تعالى (أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى جموعاً قال تعالى (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى ينّمي قال تعالى (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ).

أسباب النزول

سبب نزول الآية (130) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا…) أخرج الغرباني عن مجاهد قال: كانوا يتبايعون إلى الأجل فإذا حل الأجل زادوا عليهم وزادوا في الأجل فنزلت الآية.

 وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: إن موقف الإسلام من الربا يتمثل بالحقائق التالية:
    1. الحقيقة الأولى: أن النظام الربوي بلاء على الإنسانية في ايمانها وأخلاقها وتصورها للحياة وفي حياتها الاقتصادية.
    2. الحقيقة الثانية: أن النظام الأخلاقي والنظام العملي مترابطان في الإسلام.
    3. الحقيقة الثالثة: أن التعامل الربوي يفسد ضمير الفرد وخلته وشعوره تجاه أخيه الإنسان.
    4. الحقيقة الرابعة: أن الإسلام نظام متكامل فهو حين يحرم التعامل الربوي يقيم نظمه كلها على اساس الاستغناء عن الحاجة إلى الربا.
    5. الحقيقة الخامسة: أن الإسلام حين يتولى تنظيم الحياة وفق تصوره ومنهجه الخاص لن يحتاج عند الغاء التعامل الربوي إلى الغاء المؤسسات والأجهزة اللازمة لنمو الحياة الاقتصادية العصرية نموها الطبيعي السليم ولكنه فقط يطهرها من لوثة الربا.
    6. الحقيقة السادسة: ضرورة اعتقاد المسلم بأن الله عندما يحرم شيئاً لا يكون ضرورياً لتقدم الحياة الطيبة واستمرار نموها.
    7. الحقيقة السابعة: أن الإعتقاد باستحالة قيام النظام الاقتصادي العالمي على غير الاساس الربوي سوى خرافة وكذب واعتقاد فاسد.
  2. الوقفة الثانية: المقارنة بين الصدقة و الربا :-
    1. الصدقة عطاء وسماحة وطهارة وزكاة وتعاون وتكافل
    2. الربا شح وقذارة ودنس واثرة وأنانية
    3. الصدقة نزول عن المال بلى عوض
    4. الربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة من جهد المدين وعرقه ودمه وقوته
  3. الوقفة الثالثة: إن الله أمر بالمسارعة إلى المغفرة والجنة والمسارعون هم المتقون والمتقون هم الذين يتصفون بالمواصفات التالية:
    1. الذكر والتوبة والإستغفار عند الوقوع في المعصية وعدم الإصرار عليها قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون).
    2. المنفقون في السراء والضراء (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء…).
    3. كظم الغيض والعفو والصفح قال تعالى (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين)، ومراتب الناس أمام الإساءة ثلاثة مراتب: 
      • المرتبة الأولى: كظم الإنفعال: أي أنه يستطيع الانسان أن يخرجه إلى حيز النزوع الإنفعالي ولكنه يكبح جماح هذا الإنفعال.
      • المرتبة الثانية: العفو: فهو أن تخرج الغيظ من قلبك وكأن الأمر لم يحدث ولم يأخذ حقه بالطرق السلمية بل عفى وتسامح.
      • المرتبة الثالثة: الإحسان إلى من اساء إليك وهو أن تنقل انفعالاتك إلى الإحسان وهو أتخاذ مواقف يحسن به على من أساء إليك.
  4. الوقفة الرابعة: إن الله لم يمنع الهياج في النفس لأنه انفعال طبيعي والإنفعالات الطبيعية لو لم يردها الله لمنع اسبابها في التكوين الإنساني وإنما يريدها للأسباب الأتية:
    1. الغريزة الجنسية يريدها الله لبقاء النوع الإنساني ويضع من التشريع ما يهذبها فقط في الإنسان.
    2. الإنفعال والغيظ إن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يصب في قالب من حديد لا عواطف له ولكن الله يريد للمؤمن أن ينفعل للإحداث الإنفعال المناسب النافع غير المدمر… قال تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ…) إلى آخر سورة الفتح.
    3. المؤمن ليس مطبوعاً على الشدة ولا على الرحمة ولكن الموقف هو الذي يصنع عواطف الإنسان فالمنهج الإيماني يوجه هذه العواطف والإنفعالات قال تعالى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ…).

الأحكام المستنبطة من آيات الدرس الثلاثون سورة آل عمران

  1. الحكم الأول: تحريم الربا.
  2. الحكم الثاني: وجوب طاعة الله ورسوله في جميع الظروف والحالات قال تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ…).
  3. الحكم الثالث: وجوب المسارعة إلى الخيرات قال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ…).
  4. الحكم الرابع: وجوب كظم الغيظ في المواقف المطلوبة (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ…).
  5. الحكم الخامس: وجوب الإنفاق في سبيل الله في جميع الأحوال قال تعالى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء…).
  6. الحكم السادس: وجوب التوبة والإستغفار عند الوقوع بالذنب قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون).

الدرس الواحد والثلاثون من الآية (137-143) سورة آل عمران

هذه الآيات بينت ماهو جزاء وعاقبة المكذبين ووضحت جزاء المتقين 

التفسير والبيان

  1. (137) (سُنَنٌ) وقائع في الأمم المكذبة أجراها الله حسب عادته وهي الإهلاك عند التمرد والعصيان.
  2. (139) (وَلاَ تَهِنُوا) تحريض على الجهاد والصبر وتشجيع للمؤمنين وتسلية لهم على ما أصابهم يوم أحد أي لا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم يوم أحد عن القتال في سبيل الله ولا تحزنوا على من قتل منكم ولا على ما فاتكم من الغنيمة، (الوهن) بالسكوت والتحريك الضعف.
  3. (140) (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) بفتح القاف وضمها عض السلاح ونحوه مما يجرح الجسد فيشمل القتل والجراح أو هو الجراح أي أن نالوا منكم يوم أحد فقد لنتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يثبطهم ذلك عن العودة إلى قتالكم فأنتم أولى ألا تضعفوا إذ أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) نصرفها بينهم فنديل لهؤلاء مرة ولهؤلاء أخرى، أو ديل المسلمون من المشركين يوم بدر فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، وأُديل المشركين من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا سبعين وقتلوا خمسة وسبعين من المداولة وهي نقل الشيء من واحد إلى آخر يقال: تداولته الأيادي إذا انتقل من واحد إلى آخر ومنه قولهم: الدّولة (بالضم) للكرة والأيام دول: يوم لهؤلاء ويوم لهؤلاء، (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ) أي نداولها بينكم وبين عدوكم ليظهر أمركم وليعاملكم الله معاملة من يريد أن يعلم المخلصين من غيرهم أي يميز الثابتين على الإيمان من غيرهم، واطلاق العلم على التمييز مجاز من اطلاق اسم السبب على المسبب.
  4. (141) (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ) وليطهرهم ويصفيهم من الذنوب، من المحص أو التمحيص يقال: محصت الذهب بالنار ومحّصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث أو من المحيص بمعنى الإبتلاء والاختبار، (وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين) يهلكهم إن كانت الدّولة عليهم من المحق وهو محو الشيء والذهاب به وأصله نقص الشيء قليلاً حتى يفنى يقال: محق فلان هذا الطعام إذ نقّصه حتى أفناه محقاً.
  5. (142) (أَمْ حَسِبْتُمْ… وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ…) وعندما نسمع ذلك فعلينا أن نعرف أن الله يعلم علماً أزلياً من المجاهدين ومن الصابرين.
  6. (142) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ…) عتاب للمهزومين يوم أحد أي بل ظننتم أن تدخلوا الجنة وتنالوا درجات القرب والرضا ولما تجاهدوا في سبيل الله جهاد الصابرين على مره وشدائده.
  7. (143) (وَلَقَدْ كُنتُمْ…) قبل هذا اليوم تتمنون أن تنالوا مرتبة الشهادة لتلحقوا بمن استشهد من إخوانكم ببدر وتلحون من أجل ذلك على الرسول (ص) في الخروج إلى القتال فلما حمى وطيسه ورأيتم بأعينكم ما تمنيتم حين استشهد بعض إخوانكم لم تلبثوا أن انهزمتم ولم تثبتوا لأعدائكم، (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ) أي ولم تجاهدوا جهاد الصابرين فعلم الله ذلك منكم وهو مثل ما يقال: ما علم الله في فلان خيراً ويراد: ما فيه خبر حتى يعلمه فهو كنايه عن نفى تحقق هذا الجهاد منهم في الماضي مع توقعه في المستقبل.

 الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(عقب) وردت على (5) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى آخر الشيء قال تعالى (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين) (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّار…ِ).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الغنيمة قال تعالى (وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ…) يعنى غنمتم.
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى المثلية قال تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ) (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى العذاب قال تعالى (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى المأوى قال تعالى (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّار).

 أسباب النزول

  1. سبب نزول الآية (139) (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا) قال ابن عباس أنهزم أصحاب رسول الله (ص) يوم أحد فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلوا عليهم الجبل فقال النبي (ص) (اللهم لا يعلون علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر) فأنزل الله الآية، وثاب نفر من المسلمين الرماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين فذلك قوله تعالى (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ) هذه الرواية ضعيفة.
  2. سبب نزول الآية (140) (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ…) قال راشد بن سعد لما انصرف رسول الله (ص) حزيناً يوم أحد جعلت المرأة تجيئ بزوجها وابنها مقتولين وهي تلوم فقال رسول الله (ص) (أهكذا يفعل برسولك؟) فأنزل الله الآية.
  3. سبب نزول آخر الآية (140) (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) أخرج ابن أبي حاتم وعكرمة قال لما أبطأ على النساء الخبر خرجن ليستخبرن فإذا رجلان مقبلان على بعير فقالت امرأة: ما فعل رسول الله (ص) قالا: حي قالت: فلا ابالي يتخذ الله من عبادة الشهداء ونزل القرآن على ما قالت (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء).سبب نزول الآية (143) (وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (ض) (أن رجالاً من الصحابة كانوا يقولون ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر أو ليت لنا يوماً كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلى فيه خيراً أو نلتمس الشهادة والجنة أو الحياة والرزق فاشهدهم الله أحد فلم يلبثوا إلا من شاء منهم فأنزل الله الآية.

 وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ…) والسنن التي يشير إليها السياق هنا ويوجه أبصارهم إليها هي: عاقبة المكذبين على مدار التاريخ وهي التي تحكم الحياة وهي التي قررتها المشيئة الطليقة فما وقع منها في غير زمانكم فسيقع مثله بمشيئة الله في زمانكم وما انطبق منها على مثل حالكم فهو كذلك سيطبق على حالكم.
  2. الوقفة الثانية: (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ) هذا بيان للناس كافة فهو نقلة بشرية بعيدة ما كان للناس ببالغيها لولا هذا البيان الهادي ولكن طائفة خاصة هي التي تجد فيه الهدى وتجد فيه الموعظة وتنتفع به وتطلق على هذه الطائفة (المتقين).
  3. الوقفة الثالثة: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا) لا تهنوا من الوهن والضعف ولا تحزنوا (لما أصابكم ولما فاتكم) وانتم الأعلون في عقيدتكم فأنتم تسجدون لله وحده وهم يسجدون لشيء من خلقه ومنهجكم أعلى ودوركم أعلى ومكانكم في الأرض أعلى فإن كنتم مؤمنين حقاً فأنتم الأعلون وإن كنتم المؤمنين حقاً فلا تهنوا ولا تحزنوا.
  4. الوقفة الرابعة: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ…) وذكر القرح الذي أصابهم وأصاب المكذبين قرح مثله قد يكون إشارة إلى غزوة بدر وقد مس القرح فيها المشركين وسلم المسلمون وقد يكون إشارة إلى غزوة أحد وقد أنتصر المسلمون في أول الأمر حتى هزم المشركون وتابعهم المسلمون يضربون اقفيتهم حتى لقد سقط علم المشركين في ثنايا المعركة فلم يتقدم إليه منهم أحد حتى رفعته لهم امرأة فلاذوا بها وتجمعوا عليها ثم كانت الدّلة للمشركين حينما خرج الرماة على أمر الرسول (ص).
  5. الوقفة الخامسة: (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ…) والتمحيص درجة بعد الفرز والتمييز: التمحيص درجة عملية تتم داخل النفس وفي مكنون الضمير إنها عملية كشف المكنونات الشخصية وتسليط الضوء على هذه المكنونات تمهيد الإخراج الدخل والدغل والأوشاب وتركها نقية واضحة مستقرة على الحق بالا غبش ولا ضباب، (وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين) تحقيقاً لسنته في دفع الباطل بالحق متى استعلن الحق وخلص من الشوائب بالتمحيص.
  6. الوقفة السادسة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ…) إن صيغة السؤال الاستنكارية يقصد بها إلى التنبيه بشدة إلى خطأ هذا التصور. تصور أنه يكفي الإنسان أن يقولها كلمة باللسان اسلمت وأنا على استعداد للموت فيبلغ بهذه الكلمة أن يؤدي تكاليف الإيمان وأن ينتهي إلى الجنة والرضوان بل لابد من التجربة الواقعية والإمتحان العملي والجهاد وملاقات البلاء ثم الصبر على تكاليف الجهاد وعلى معانات البلاء.
  7. الوقفة السابعة: (وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ…) وهكذا يواجههم السياق وجها لوجه مرة أخرى أمام الموت الذي واجهوه في المعركة وقد كانوا من قبل يتمنون لقاءه وبذلك يقدرون قيمة الكلمة وقيمة الأمنية وقيمة الوعد في ضوء الواقع الثقيل والجهاد الحقيقي والصبر والمعانات حتى يعلم الله منهم ذلك كله واقعاً كائناً في دنيا الناس.

 الأحكام المستنبطة من آيات الدرس الواحد والثلاثون سورة آل عمران

  1. الحكم الأول: وجوب تقوية الروح المعنوية للمجاهدين وجعلها عالية سامية لا تتئاثر ولا تهزم بالأحداث الجهادية.
  2. الحكم الثاني: الإعتقاد بتحقيق وعد الله للمؤمنين المجاهدين بأنهم الأعلون على الأعداء.
  3. الحكم الثالث: الإيمان بسنة التداول بين الناس يوم لك ويوم عليك ويبنى التداول بين الناس على توفر الاسباب الإيجابية أو السلبية.
  4. الحكم الرابع: وجوب الإعتقاد بأن الإبتلاء فيه تمحيص للمؤمنين ومحق للكافرين.
  5. الحكم الخامس: الإيمان بدخول الجنة مرهون بسلوك طريقة المجاهدين المخلصين.
  6. الحكم السادس: وجوب المعرفة بأن الظفر بشرف الشهادة في سبيل الله لا يكون بالأماني والتمنيات وإنما بالثبات والصبر والجهاد.

الدرس الثاني والثلاثون من الآية (144-148) سورة آل عمران

وهذه الآيات عاتبت بعض مسلمي أصحاب أحد

 التفسير والبيان

  1. (144) (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ) ورد اسم محمد بالقرآن أربع مرات وأحمد مرة واحدة إن الله جمع لرسوله بين مقامين مقام الإصطفاء ومقام المجاهدة فبالإصطفاء كان محمداً ومحموداً وبالمجاهدة كان حامد وأحمداً قال الرسول (ص) (أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة) رواه أحمد ومسلم، (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ) الموت والقتل مؤداهما واحد وهو ذهاب الحياة إلا أن الذهاب في الحياة مرة يكون بنقض البنية وهو القتل وأما الموت هو أن تذهب الحياة بدون نقض البنية، (انقَلَبْتُمْ… وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ) أي يرجع فهل هذا الرجوع رجوع عن المعركة أو رجوع عن أصل التشريع وأصل الديانة وأصل الرسالة التي جاء بها محمد (ص) فيكون الإنقلاب على التشريع هو من قبل المنافقين والرجوع عن المعركة من قبل بعض الصحابة الذين فروا، (وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين) لأن الشكر إنما يؤديه العبد على نعمة وهذه النعمة تمحيص وتعليم وبيان مكانة الرسول (ص).
  2. (145) (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ) على فرض أن النفس تدفع نفسها إلى موارد التهلكة فما لها أن تموت إلا بأذن الله سواء أوردتها موارد الهلكة بقصد إهلاكها بالإنتحار أو غيره أو بغير قصد إهلاكها كالجهاد في سبيل الله والكتاب المؤجل يطلق مرة على زمن العمر كله ومرة يطلق على النهاية منه وهي الموت.
  3. (146) (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ…) وكأي المقصود منها التكثير، (رِبِّيُّونَ) أناس فقهاء فاهمون سبل الحرب أو أتباعا يقاتلون ومنهجهم إلهي مثل الربانيين، (وَهَنُوا) الوهن بداية الضعف وهو محله القلب وينضح على الجوارح ضعفاً، (اسْتَكَانُواْ) طلبوا كوناً أي وجود و كأنهم بلغوا من الوهن ومن الضعف مبلغاً يطلبون فيه أن يكون لهم مجرد وجود وقيل من الإستكانة وهي الذلة والضعف قال الرسول (ص) (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) رواه الطبراني في الأوسط والكبير والبيهقي والضياء المقدسي وصححه السيوطي، (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين) إن الله يجازي المؤمن بالدنيا بنعم الحياة ويشترك بهذا مع الكافر لكن الجزاء الأخروي خاص بالمؤمن ومن هذا الجزاء محبه الله للمؤمنين.
  4. (147) (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ…) ربنا أنت متوالينا في أمورنا أنت الذي ربيتنا، (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) فكأنه لا شيء يصيبنا إلا بذنب ارتكبناه وسبب ارتكاب الذنب الغفلة، (وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) لأن كل معصية تكون تجاوز عما أحله الله لك وزيادة غير مشروعة مثل الغنائم أحلها الله والغلول تجاوز عما أحله الله فيكون اسرافاً قال عمر بن الخطاب (ض) (إنكم تنتصرون على عدوكم بطاعة الله ومعصيتهم له فإذا استويتم أنتم وهم في المعصية غلبوكم بعتادهم وعددهم).
  5. (148) (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا…) فقال في الدنيا ثواب الدنيا لأنه نصيبها قليل وزائل إما أن يزول عنك النعيم أو تزول عنه أنت وأما الآخرة قال: (وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ) لأن نعيمها كثير ودائم.

 الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه

(موت) وردت على (6) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى ذهاب الروح والأجل قال تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون) (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ) (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الموتة الأولى قبل وجود الإنسان قال تعالى (وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ…) (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى إخراج النطفة من الحيوان المنوي قال تعالى (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ…).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى الضلال قال تعالى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ…) (وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلاَ الأَمْوَاتُ…) (إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى…).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى الأرض اليابس قبل نزول المطر عليها قال تعالى (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء…) (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا…).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى ذهاب الروح عقوبة قبل استيفاء الأجل والرزق قال تعالى (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ…) (وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ…).

 أسباب النزول

سبب نزول الآية (144) (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ…) أخرج ابن المنذر عن عمر (ض) قال (نفرنا عن رسول الله (ص) يوم أحد فصعدت الجبل فسمعت اليهود تقول قتل محمد فقلت لا اسمع أحد يقول قتل محمد إلا ضربت عنقه فنظرت فإذا رسول الله (ص) والناس يتراجعون فنزلت الآية وتوجد روايات أخرى.

 وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ…) قدر الله في اعداد الجيل او الأمة المسلمة لقيادة البشرية يمضي في طريقة بشتى الأسباب والوسائل وشتى الملابسات والوقائع عن طريق (أ) النصر (ب) عن طريق الهزيمة (ج) عن طريق مواجهتها بالحقائق البعيدة عن العواطف والأحلام:
    1. حقيقة نتائج معركة أحد
    2. حقيقة بشرية الرسول (ص) وأنه سينتقل إلى الله
    3. حقيقة خلود هذا المنهاج وأنه مستقل عن حامليه
  2. الوقفة الثانية: (وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين) الشاكرون المذكورون في (144) هم الذين يشكرون الله على منحهم هذا المنهاج وهداهم على اتباعه والشاكرين المذكورين في الآية (145) (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين) هم الذين يشكرون الله على نعمة التكريم الإلهي للإنسان.
  3. الوقفة الثالثة: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ…) لقد كانت الهزيمة في أحد هي أول هزيمة تصدم المسلمين الذين نصرهم الله ببدر وهم ضعاف قليلون فكأنما وقر في نفوسهم أن النصر في كل موقعة هو السنة الكونية فلما أن صدمتهم أحد فوجئوا بالإبتلاء كأنهم لا ينتظرونه ولهذا طال الحديث حول هذه الواقعة في القرآن الكريم واستطرد السياق يأخذ المسلمين بالتأسية كارة وبالإستنكار تارة وبالتقريع تارة وبالمثل تارة تربية لنفوسهم وتصحيح لتصورهم واعداد لهم فالطريق أمامهم طويل والتجارب أمامهم شاقة والتكاليف عليهم باهظة والأمر الذي يندبون له عظيم.
  4. الوقفة الرابعة: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ…): أنهم لم يطلبوا نعمة ولا ثراء بل لم يطلبوا ثواباً ولا جزاء في الدنيا لقد كانوا أكثر ادباً مع الله وهم يتوجهون إليه بطلب غفران الذنوب وتثبيت الاقدام والنصر على الكفار فأعطاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

 الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: إن الرسل ليست بباقية في أقوامها أبداً وإنما يجب التمسك بما أتت به الرسل وإن فقدوا بموت أو قتل.
  2. الحكم الثاني: إن محمد بشر كسائر الأنبياء أدى دوره الذي من أجله ارسل والواجب على أمته القيام برسالته ليوصلوها للعالمين.
  3. الحكم الثالث: دلت الآية (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ…) على الحض على الجهاد وعلى أن الموت لابد منه وأن كل انسان يموت بأجله والقتيل يموت بأجله.
  4. الحكم الرابع: من قصر رغبته وعمله على الدنيا دون الآخرة آتاه الله منها فاقسم له ومن جعل رغبته في الآخرة آتاه الله الدنيا والآخرة.
  5. الحكم الخامس: دلت الآية (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ…) على غاية التجرد والموضوعية والعدالة وانصاف الحقائق على أن العمل الصالح والجهاد في سبيل الله والصبر والثبات ليس مقصور على أمة محمد فقط فكثير من أتباع الأنبياء السابقين كانت لهم مواقف رائعة وبطولات خارقة.
  6. الحكم السادس: وجوب التوجه إلى الله بالدعاء وأفضله (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين) وفي صحيح مسلم أن النبي (ص) كان يدعو بهذا الدعاء (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني).

دروس من سورة آل عمران (من الدرس السابع والعشرين إلى الدرس التاسع والعشرين)

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى