سورة آل عمران (من الدرس السابع والعشرين إلى الدرس التاسع والعشرين)

ونتابع معكم في مقالنا هذا دروس سورة آل عمران من الدرس السابع والعشرين إلى الدرس التاسع والعشرين والتي تتحدث عن ضياع اعمال الكافرين يوم القيامة و عدم الثقة بالكفار و تنظيم الجيش الإسلامي
الدرس السابع والعشرون من الآية (116-117) سورة آل عمران
بيّنت هذه الآيات ضياع أعمال الكافرين يوم القيامة
التفسير والبيان
- (116) (لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ) لن تدفع عنهم أو تجزي عنهم.
- (117) (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ) أي حال ما ينفقه الكفار في الدنيا قربة أو مفاخرة وسمعة في ضياعه وذهابه وقت الحاجه إليه في الآخرة من غير أن يعود عليهم بفائدة كحال زرع لقوم ظالمين أصابته ريح مهلكة فاستأصلته ولم ينتفع أصحابه منه بشيء وهو من التشبيه المركب (فِيهَا صِرٌّ) بكسر أوله: برد شديد أو سموم حارة مهلكة (حَرْثَ قَوْمٍ) زرعهم.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(ظلم) وردت على (7) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الذنب الكبير من غير الشك قال تعالى (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ…) (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ) (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِين) (لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين) (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الشرك قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم) (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِين) (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى النقص قال تعالى (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) (وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الضرر قال تعالى (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الجحود قال تعالى (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا) (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُون).
- الوجه السادس: وردت بمعنى السارق قال تعالى (قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين).
- الوجه السابع: وردت بمعنى القاتل قال تعالى (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا).
وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ…) إن أموالهم وأولادهم ليست بما تقهم من الله ولا تصلح فدية لهم من العذاب ولا تنجيهم من النار وهم أصحاب النار وكل ما ينفقونه من أموالهم فهو ذاهب هالك حتى ولو أنفقوه فيما يظنونه خيراً فلا خير إلا أن يكون موصولاً بالإيمان ونابعاً من الإيمان ولكن القرآن لا يعبر كما نعبر إنما برسم مشهداً حياً نابضاً بالحياة.
- الوقفة الثانية: (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) إننا ننظر فإذا نحن أمام حقل قد تهيأ للإخصاب فهو حرث ثم إذا العاصفة تهب إنها عاصفة باردة ثلجية محرقه تحرق هذا الحرث بما فيها من صِر واللفظة ذاتها مقذوفة يلقي بعنف فيصور معناه بجرسه النافذ وإذا الحرث كله مدمر خراب.
- الوقفة الثالثة: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ…) فهم الذين تنكبوا المنهج الذي يجمع مفردات الخير والبر فجعلها خطاً مستقيماً ثابتاً وأصلا له هدف مرسوم وله دوافع ومفهوم وله طريق ومعلوم فلا يترك للنزوة العارضة والرغبة الغامضة والفلتة التي لا ترجع إلى منهج ثابت مستقيم فكانوا هم الذين ظلموا أنفسهم وسببوا بذهاب أجورهم.
الأحكام المستنبطة من آيات الدرس السابع والعشرين سورة آل عمران
- الحكم الأول: الإيمان بأن سبب قبول الأعمال هو أن تكون خالصة لله وفق منهاج الله.
- الحكم الثاني: الإعتقاد بأن الدافع للعمل إذا كان لغير الله فهو غير مقبول وإن كان ظاهره الصلاح.
الدرس الثامن والعشرون من الآية (118-120) سورة آل عمران
حذرت هذه الآيات من الثقة بالكفار ووجوب أخذ الحيطة دائما معهم
التفسير والبيان
- (118) (لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً) أي لا تتخذوا أولياء واصفياء لكم من غير إخوانكم المؤمنين كاليهود والمنافقين وبطانة الرجل ووليجته: خاصته الذين يستبطنون أمره ويداخلونه تشبيها ببطانه الثوب للوجه الذي يلي البدن لقربه وهي ضد الظِهارة قال الرسول (ص) (ما بعث الله من نبي ولا استخلف خليفة إلا كان له بطانتان باطنة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانه تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله) رواه البخاري والنسائي (مختصر بن كثير)، (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً) أصل الألوِ: التقصير يقال ألا في الأمر يألُو ألوًا وألوًا إذا قصر فيه، والخبال: الشر والفساد أي لا يقصرون لكم عن جهد فيما يورثكم شرا وفساد أو لا يمنعونكم خبالاً أي أنهم يفعلون معكم ما يقدرون عليه من الفساد ولا يبغون شيئا منه عندهم، (وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ) أحبوا عنتكم ومشقتكم وشدة ضرركم من العنت وهو الوقوع في أمر شاق أو الإثم.
- (119) (خَلَوْاْ) خلا بعضهم إلى بعض حيث لا يراهم المؤمنون يقال خلا به وإليه ومعه خلواً وخلاءً وخَلوَةً سأله أن يجتمع به في خلوة ففعل وأخلاه معه أو مضوا وذهبوا إلى قيادتهم يقال خلا بمعنى ذهب ومنه (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) [آل عمران:137]، (عَضُّواْ عَلَيْكُمُ) أي لأجلكم والعض مصدر عضًّ وهو العض بالأسنان ، (الأَنَامِلَ) رؤوس الأصابع جمع أنملة، (مِنَ الْغَيْظِ) اشد القضب وعض الأنامل كناية عن شدة عضبهم وتحسرهم لما يرون من إئتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم وعجزهم عن أن يجدوا سبيلا إلى التشفي منهم.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(حبب) وردت على (4) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الإستحباب والإيثار وميل القلب قال تعالى (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ…) (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) بمعنى آثرت (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) يؤثرون (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) يؤثرونها ويختارونها (إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) آثروه عليه (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى المودة قال تعالى (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الإرادة قال تعالى (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الثواب قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ).
أسباب النزول
سبب نزول الآية (118) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً…) أخرج ابن جرير وابن اسحاق عن ابن عباس قال (كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود كما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله الآية المذكورة ينهاهم عن مباطنتهم خوفا من الفتنه عليهم)
وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: لم يجيئ التنوير والتحذير في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ) ليكون مقصور على فترة تاريخية معينة فهو حقيقة دائمة تواجه واقعا دائما كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود.
- الوقفة الثانية: (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً…) عندما يغفل المسلمون عن أمر ربهم وتحذيره لهم من اتخاذ بطانة من دونهم:
- يتخذون من أمثال هؤلاء مرجعاً في كل أمر
- يوادون من حاد الله ورسوله ويفتحون لهم صدورهم وقلوبهم ورغم التحذير من الله والتجارب في حياتنا لا نزال نفتح لهم صدورنا ونحسن الظن بهم وبذلك نلقي العنت الذي يوده أعدائنا ونلقي الخبال الذي يدسونه في صفوفنا.
- الوقفة الثالثة: إن الذين يجنبنا ويحصننا من كيد الأعداء من اليهود والنصارى والمنافقين هو الحذر والصبر والثبات والتقوى والتماسك والإعتصام بحبل الله.
- الوقفة الرابعة: إن تاريخ الأمة المسلمة يثبت بأنها متى استمسكت بعروة الله الوثقى وحدها بعد اتخاذ الاسباب إلا عزت وانتصرت ووقاها الله شر كيد الأعداء ومتى استمسكت بعروة أعدائها إلا كتب الله عليها الذل والهزيمة ومكن الله لأعدائها منها.
- الوقفة الخامسة: إن التحذيرات الواردة في الآيات تتضمن وقاية المسلمين والمجتمع المسلم من كيد اعدائهم ولم يأمرهم بمبادلة الحقد بالحقد والبغض وهذا من سماحة الإسلام الذي لا يضيق من وجود الآخر.
الأحكام المستنبطة من آيات الدرس الثامن والعشرون سورة آل عمران
- الحكم الأول: تحريم موالات الكافرين والمنافقين واتخاذهم بطانه ومرجعا للمسلمين.
- الحكم الثاني: وجوب مولات الله ورسوله والمؤمنين.
- الحكم الثالث: وجوب الصبر والثبات وتقوى الله الإعتصام بحبله في مواجهة كيد الأعداء.
- الحكم الرابع: وجوب اليقضه والحذر من كيد الاعداء على المستوى الفردي والجماعي.
دروس من سورة آل عمران (من الدرس الثالث والعشرين إلى الدرس السادس والعشرين)
الدرس التاسع والعشرون من الآية (121-129) سورة آل عمران
هذه الآيات وضحت للمسلمين كيفية تنظيم الجيوش لديهم
التفسير والبيان
- (121) (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) واذكر لهم وقت خروجك غدوة إلى غزوة أحد من حجرة عائشة، (تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ) تنزلهم وتهيئ لهم مواطن وأماكن للقتال يقال بوَّأته وبوأت له منزلا أنزلا أنزلته فيه، (مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) مواطن ومواقف له يوم أحد.
- (122) (إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ) هما حيان من الأنصار: بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي المعسكر، (أَن تَفْشَلاَ) الفشل الجبن والخور يقال يفشل فشلاً فهو فَشِلَ أي جبان ضعيف القلب، والظاهر أن ذلك كان مجرد حديث نفس عند رؤية إنخذال رأس النفاق والمنافقين عبدالله بن أبي مع أصحابه عن الرسول (ص) وكان الرسول(ص) يقول (اللهم لك اسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون) متفق عليه.
- (123) (وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) أي ضعفاء لقلة العدد والعُدد تقابلون هذه النعمة بامتثال أمر الله وطاعته وشكره على ما أنعم قال الرسول (ص) (بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا يبيع دينه بعرض من الدنيا) رواه مسلم وقال رجل للنبي (ص) يوم أحد أرئيت إن قتلت فأين أنا؟ قال في (الجنة) فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل) متفق عليه.
- (124-125) (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي في يوم بدر وقد أمد الله فيه المؤمنين بألف من الملائكة كما قال تعالى (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ) [الأنفال:9] ثم زاد عددهم إلى ثلاثة ألاف كما قال تعالى (أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ) أي يكفيكم ذلك ولذا قال تعالى (بَلَى) ثم صار خمسة ألاف لقوله تعالى (إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ) وقد صبروا واتقوا وأتاهم المشركون من مكة فوراً حين استنفرهم أبو سفيان لإنقاذ العير فكان المدد خمسة ألاف كما روى عن قتادة وقال الشعبي إن المدد لم يزد على ألف وقد بلغ المسلمين أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله (أَلَن يَكْفِيكُمْ) إلى قوله (مُسَوِّمِين) فبلغ كرز الهزيمة فرجع ولم يمدهم فلم يمد الله المسلمين بالخمسة الأف أيضا واختار ابن جرير أنهم وعدوا بالمدد بعد الألف ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بما زاد على ذلك ولا على أنهم لم يمدوا به ولا يثبت شيء من ذلك إلا بنص وإنما الجمع بين الآيات أن الله تعالى قال في الآية التي ذكر فيها المدد بألف بقوله (مُرْدِفِين) بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخرى مثلهم والظاهر أن الإمداد كان يوم بدر واختار هذا الرأي ابن جرير وعباد بن منصور عن الحسن وقال مجاهد وعكرمة والضحاك أن الإمداد كان بأحد وهو متعلق بقوله (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ…) ، (وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا) ويأتوكم أي المشركون من ساعتكم هذه والفور مصدر فارت القدر أي اشتد غليانها ثم استعير للسرعة ثم اطلق على الحالة التي لا بطء فيها وقد تحقق ذلك من المشركين حيث أتوا على عجل دون إبطاء لإنقاذ العير من المسلمين (مُسَوِّمِين) معلمين أنفسهم أو خيلهم بعلامات مخصوصة وقرئ بالفتح أي معلَّمين من جهته تعالى بعلامات القتال من التَّسويم وهو اظهار علامة الشيء.
- (127) (لِيَقْطَعَ طَرَفًا) أي وقد نصركم الله ببدر ليهلك طائفة، (مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ) بالقتل والأسر أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة أو يتوب عليهم إن اسلموا أو يعذبهم العذاب
- الشديد في الأخرة إن ماتوا مصرين على الكفر وليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مأمور بإنذارهم وجهادهم، فجملة (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وأصل الكبت الخزي والإذلال، (يَكْبِتَهُمْ) يخزيهم ويغمهم بالهزيمة.
الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(طوف) وردت على (7) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الطائفة قال تعالى (إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ…) (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى السعي قال تعالى (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) يسعى بين الصفا والمروى.
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الجولان قال تعالى (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الطواف حول البيت قال تعالى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ…).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى الخدمة قال تعالى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ).
- الوجه السادس: وردت بمعنى العذاب قال تعالى (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون).
- الوجه السابع: وردت بمعنى الوسواس قال تعالى (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون).
أسباب النزول
- سبب نزول الآية (وَإِذْ غَدَوْتَ…) أخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى عن المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن بن عوف أي خالي: أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا أي من قوله (وَإِذْ غَدَوْتَ…) إلى قوله تعالى (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا) وما بعد ذلك بمقدار ستين آية قال هم الذين طلبوا الأمان من المشركين.
- سبب نزول قوله تعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ…) روى أحمد ومسلم عن أنس عن النبي (ص) عندما كسرت رباعيته يوم أحد وشحب وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال (كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم) فأنزل الله الآية.
- وروى أحمد والبخاري عن ابن عمر قال سمعت الرسول (ص) يقول (اللهم العن فلانا اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن سهيل ابن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية) فنزلت الآية (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ…) الى آخرها فتيب عليهم كلهم وروى البخاري عن أبي هريرة نحوه.
- قال الحافظ بن حجر طريق الجمع بين الحديثين أنه (ص) دعا على المذكورين في صلاته بعد ما وقع له من الأمر المذكور يوم أحد فنزلت الآية في الأمرين معاً فيما وقع له وفيما نشأ عنه في الدعاء عليهم قال ولكن يشكل على ذلك ما وقع في مسلم من حديث أبي هريرة أنه (ص) كان يقول في الفجر اللهم العن رعلن وذكونا وعصيَّة حتى أنزل الله عليه (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) ووجه الإشكال أن الآية نزلت في قصة أحد وقصة رعل وذكوان بعدها ثم ظهرت لي علة الخبر وأن فيه ادراج من قول الزهري عمن بلغه وهو قوله حتى أنزل الله بأن هذه القصة حدثت بعد قصة أحد.
وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ…) تبرز حقيقتين: الحقيقة الأولى حضور الله معهم وسمعه وعلمه بكل ما كان ودار بينهم، الحقيقة الثانية: حركة الضعف والفشل التي راودت قلوب طائفتين من المسلمين بعد الحركة الخائنة التي قام بها رأس النفاق حين انفصل بثلث الجيش وعاد بهم والهدف من إيراد الحقيقتين المذكورتين لإستحياء القلوب وتوجيهها وتربيتها بالتعقيب على الأحداث.
- الوقفة الثانية: إن الهدف من عرض معركة بدر أثناء الحديث عن معركة أحد للموازنة والتأمل للأسباب والنتائج ومعرفة مواطن القوة ومواطن الضعف واسباب النصر واسباب الهزيمة ثم ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله لحكمة تتحقق من وراء النصر ومن وراء الهزيمة سواء.
- الوقفة الثالثة: إن من أهداف النصر في معركة بدر (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ) فينقص عددهم بالقتل وينقص من أرضهم بالفتح وينقص من سلطانهم بالقهر وينقص من أموالهم بالغنيمة وينقص من فاعليتهم في الأرض بالهزيمة.
- الوقفة الرابعة: خلاصة عن غزوة بدر: حدثت معركة بدر في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة بعد أن تعرض المسلمون لقافلة قريش التي يقودها أبو سفيان القادم من الشام التي تحمل أموال التجارة في وسط من قيام حالة الحرب بين المسلمين وبين مشركي قريش في مكة بقصد الحصار الاقتصادي تعويض المسلمين ما صادره من أموالهم وممتلكاتهم القرشيون في مكة وقد عز على المكيين هذا الحادث وأحسوا بالخطر على وجودهم وشعروا بقوة المؤمنين في المدينة فحشدوا قواهم من قبائل العرب ولم يتخلف من قريش إلا القليل النادر وكان عددهم (950) مقاتلاً فيهم الفرسان، فلما سمع بهم الرسول (ص) استشار أصحابه ثم خرج إليهم مسرعاً في ثلاثمائة وثلاثة وعشر رجلاً ولم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعير والباقون مشاة وليس معهم من العُدد ما يحتاجونه، وتقابل الجيشان في بدر (وهي بئر مكة والمدينة) كانت لرجل يسمى بدراً فسمي به الموضع وانجلت المعركة عن نصر مؤزر للمسلمين وكارثة كبرى على المشركين وكانت معركة حاسمة قررت مصير الفريقين وأحدث دوياً هائلاً بين العرب فسماها الله (يوم الفرقان) قال تعالى (ِأن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ…) [الأنفال:41] وأمد الله المؤمنين بالملائكة يقاتلون معهم وغنم المسلمون من أموال المشركين وأسروا منهم (70) وقتلوا منهم (70) وكان عدد شهداء المسلمين (14).
- الوقفة الخامسة: خلاصة عن غزوة أحد: اشتد غيض المشركين بعد معركة بدر على المسلمين وبدأ أبوا سفيان زعيم قريش يؤلب المشركين على رسول الله (ص) فجمعوا الأموال وجهزوا جيشاً نحو ثلاثة ألاف مقاتل فيهم سبعمائة دارع ومائتان فارس وعلى رأسهم صفوان بن أمية فستشار الرسول (ص) اصحابه فأشار الشيوخ ومعهم عبدالله بن أبي بالبقاء في المدينة والقتال في شوارعها وكان الرسول (ص) يكره الخروج وأشار الشباب ومعهم رجال لم يشهدوا بدراً بالقتال خارج المدينة وأقترح الرأي الثاني بأن يكون القتال خارج المدينة فخرج الرسول (ص) في (1000) رجلِ من اصحابه فيهم مائة دارع وفرسان فقط ونزل الشعب من جبل أحد على بعد (3) كم من المدينة يوم السبت 7 شوال في السنة الثالثة للهجرة وجعل ظهره وعسكره إلى أحد ورتب الجيش وجعل خمسين من الرماة وأمر عليهم عبدالله ابن جبير بسفح الجبل وقال لهم أنضحوا عنا بالنبل لا يأتون من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا وكان لواء الرسول (ص) مع مصعب بن عمير وعلى أحد الجناحين الزبير بن العوام وعلى الآخر المنذر بن عمرو وعلى ميمنة المشركين خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن ابي جهل ولواؤهم مع طلحة ابن أبي طلحه وعلى رماتهم (وكانوا مائة) عبدالله ابن أبي ربيعة، ورجع زعيم المنافقين مع ثلاثمائة من أصحابه قائلاً أيعصيني ويطيع الوالدان (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ) [آل عمران:167] وكاد بنو سلمة وبنو حارثة من الأنصار ألا يخرجوا إلى أحد ثم وفقهم الله فخرجوا وهو معنى قوله تعالى (إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا) فلم يبق بعد رجوع المنافقين مع النبي (ص) إلا (700) ولما التقاء الجمعان قامت هند بنت عتبه في نسوة يضربن بالدفوف ويمشين وراء الصفوف وأنهزم المشركون في أول الأمر وسقط لوائهم من يد طلحة فحمله ابنه وكاد النصر يتحقق للمسلمين لولا أن الرماة على ظهر الجبل خالفوا أمر النبي (ص) وانحدرون يجمعون الغنائم وفارقوا مكانهم ففطن خالد بن الوليد لمكان الضعف فبادر إليهم والتف على جيش المسلمين ووقعت الهزيمة وشاع بين المسلمين أن محمد قد قتل فتراجع المسلمون وهربوا وأصيب النبي (ص) بالحجارة حتى وقع لشقه فكسرت رباعيته وشيج رأسه وجرحت شفتاه ثم أخذوا الرسول (ص) (يدعوا المسلمين في أُخرهم ويقول (إلي عباد الله أنا رسول الله) (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ…) وكان يوم بلاء شديد على المسلمين واستشهد فيه منهم سبعون رجلاً وعدد قتلى المشركين اثنان وعشرون رجلاً.
الأحكام المستنبطة من آيات الدرس التاسع والعشرين سورة آل عمران
- الحكم الأول: وجوب الصبر والثبات عند لقاء العدو قال تعالى (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ…).
- الحكم الثاني: وجوب طاعة الله ورسوله في جميع الأحوال والظروف وفي اتخاذ الأسباب.
- الحكم الثالث: وجوب التوكل على الله بعد اتخاذ الأسباب.