2025-09-28 1:41 ص
إدارة الموقع
2025-09-28 1:41 ص
للعالمين رحمة

صلة الأرحام: جسر من الحب يبارك الحياة

تخيّل عالماً تُضيئه خيوطٌ رقيقة من الودِّ والرحمة تربط بين بيوت الناس، فتصبح الأُسر ساحات أمانٍ يتشارك فيها الجميع فرحهم وكربهم. هذه الخيوط هي صلة الأرحام ــ زيارات، سؤالٌ عن العائلة، إحسانٌ ومساعدة؛ وهي ليست مجرد عرفٍ اجتماعيّ، بل عبادة ومقصدٌ شرعيّ اختاره لنا ربُّ العالمين ورسوله ﷺ لخير الدنيا والآخرة.

ما هي صلة الأرحام

صلة الأرحام لغةً: ربط الرحم— أي صلة القرابة. وشرعًا: كل فعل يصلح علاقة القربى أو يدفع قطيعتها: زيارة، اتصال هاتفي، معاونة مادية ومعنوية، وإكرام الوالدين وأهل البيت مهما بعدت المسافات.

صلة الأرحام في القرآن والسنّة

القرآن الكريم جعل مراعاة الروابط العائلية جزءًا من التقوى حين قال تعالى:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ … وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (النساء: 1).

وأما السنة النبوية ففاضت بأحاديث تُثبت فضلَ الوصل ووعيدَ القطع، منها:

  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه». (حديث متواتر في كتب الصحاح).
  • عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه» — حديثٌ متفق عليه (البخاري ومسلم).
  • وفي تحذير بليغ: «الرَّحِمُ مُعلَّقَةٌ بالعرشِ تقولُ: مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ» — حديث محمود الثبوت في صحيح مسلم.

هذه النصوص الشرعية تظهر أن صلة الرحم ليست مجرد سلوك أخلاقي بل رابطُ علاقةٍ وثيق مع التقوى والبركة والوعيد على القطيعة.

أثر صلة الأرحام على النفوس وترابط المجتمع

في النفوس: صلة الأرحام تزرع الطمأنينة والدفء؛ فالمتصِل يشعر بأنه محبوبٌ ومُقدَّر، والمُستقبل للزيارة يتقلص خوفه من العزلة والهم. الزيارات والكلمات الطيبة تُخفف القلق وتُعيد بناء الثقة.

في الأسرة: تعزز التعاون بين الأجيال — كبار السنّ يحصلون على عونٍ ومعنًى، والأطفال يتعلمون قيمة الاحترام والمسؤولية.

في المجتمع: شبكةٌ من الرحمة تُقلّل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، فالعائلات المتماسكة تساعد بعضها عند الحاجة، وتقلّ مشكلات العزلة والفقر والجريمة المرتبطة بانهيار الروابط الاجتماعية.

ثواب من يصلُ رحِمَه وعقوبةُ القاطِع

  • ثوابٌ دنيويّ: وعد الرزق والبسط والطول في الأثر لمن يصل رحمه كما جاء في الحديث المتفق عليه.
  • ثوابٌ أخرويّ: صلة الرحم من علامات الإيمان، وهي من أسباب محبة الله وقربه.

وعيدٌ وتحذير: قطعُ الرحم مذموم بشدّة وفي الأمر أحاديث تحذر من عواقب القطيعة، ومن ذلك حديث «الرحم معلقة بالعرش…» الذي يبيّن أن القاطِع معرض لقطعٍ إلهيّ بالمعنى الأخروي والحرمان من البركات.

آدابٌ عملية لنطبقها ـ خطوات صغيرة بنتائج كبيرة

  1. ابدأ بالبسمة والكلمة الطيبة: زيارة قصيرة أو مكالمة هاتفية تُحدث فرقًا.
  2.  سجل تواريخ الميلاد والزواج: تذكّر المناسبات لتقديم تهنئة صادقة.
  3.  قدّم المساعدة العملية: إن احتاج قريبٌ إلى دعمٍ مادي أو رعاية، فكن حاضرًا بما تستطيع.
  4.  احترم المواقف والخصوصيات: الوصلة لا تعني التدخُّل؛ بل التقدير والاحترام.
  5.  علِّم الصغار الوصال: اجعل زيارة الأقارب نشاطًا عائليًا لتُرسخ في جيلٍ جديد قيمة الرحمة.

وفي النهاية صلة الأرحام استثمارٌ في الدنيا والآخرة؛ هي دعاءٍ عملي يردُّ المحبةُ فيه إلى فمِ ربِّنا بالبركات، ويمنعُ عن المجتمع أهوالَ العزلة والتفكك. فلنجعل من صِلَتنا بالأهل عادةً يومية: كلمة طيبة، زيارة سريعة، مساعدة عند الحاجة. بهذه الخطوات الصغيرة تنشأ مجتمعات كريمة، وتفيض بيوتٌ بالسكينة.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى