2025-09-09 12:53 ص
إدارة الموقع
2025-09-09 12:53 ص
تربية وتزكية

تحريم قتل النفس في الشريعة الإسلامية: حين تُصان الأرواح وتُقدّس الحياة

مكانة النفس البشرية في الإسلام: أمانة مقدّسة لا تُمسّ

 

تُعدّ النفس البشرية من أعظم النعم التي وهبها الله للإنسان، فهي ليست مجرد جسد ينبض، بل كيانٌ مُكرّم جعله الله موضعَ عنايته وأساسَ تكريمه لبني آدم، وفي ظل هذه المكانة الرفيعة، جاء تحريم قتل النفس في الشريعة الإسلامية تشريعًا ربانيًا يحفظ للإنسان حياته وكرامته، ويمنع التعدي على هذا الحق الإلهي الثمين.فالنفس في ميزان الشريعة جوهرٌ لا يُقدّر بثمن، وحفظها من أهم مقاصد الإسلام. ولهذا لم يكن قتل النفس مجرد خطأ أخلاقي، بل جريمة عظيمة تُعدّ عدوانًا على شرع الله وعداءً للمجتمع الإنساني.

النصوص الشرعية التي تؤكد تحريم قتل النفس 

جاءت آيات القرآن الكريم واضحة في تحريم قـتل النفس، ومنها قوله تعالى:
{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] وفي هذه الآية تأكيد على أن النفس محرّمة إلا في حالات نادرة بيّنها الشرع، كالقصاص العادل، وكل تجاوز لذلك يدخل في إطار الجريمة والظلم.

كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف بشاعة هذا الفعل بقوله:
“لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”
رواه النسائي وابن ماجه، وهو حديث يُظهر فداحة الجريمة، إذ يُقارن زوال الدنيا بقتل نفس مؤمنة.

والأشد من ذلك ما ورد في قوله تعالى:
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ…} [النساء: 93] فيه وعيدٌ شديد لمن يتجرأ على سفك الدماء بغير وجه حق.

قتل النفس والانتحار: جرم مزدوج في حق النفس والخالق

إن أحكام قتل النفس في الشريعة الإسلامية لم يقتصر على قتل الآخرين فحسب، بل شمل أيضًا قتل الإنسان لنفسه. فالانتحار محرّم شرعًا، ويُعدّ اعتداءً صارخًا على الروح التي لا يملكها العبد، بل هي وديعة أودعها الله بين جنبيه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وعيد من يقتل نفسه:
“من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا”
[رواه البخاري ومسلم]

لذلك، فإن من ضاقت به الدنيا، فعليه أن يتذكر أن الله هو الفارج والمخرج، وأن الصبر طريق النجاة، كما قال تعالى:
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]

النفس هبة إلهية ومسؤولية عظيمة

إن تحريـم قتل النفس في الشريعة الإسلامية ليس مجرد حكم تشريعي، بل هو مبدأ أخلاقي وروحي يعبّر عن عظمة النفس وعلوّ مكانتها عند الله. فالنفس ليست عبئًا يتخلّص منه الإنسان حين تشتد الأزمات، بل هي فرصةٌ للارتقاء، وميدانٌ للابتلاء، وجسرٌ نحو الجنة لمن صبر واحتسب.

والمؤمن الصادق هو من يُدرك قيمة الحياة، فيصون نفسه ونفوس الآخرين، ويوقن أن لكل بلاء نهاية، وأن الله لا يُضيّع أجر الصابرين. فلتكن نفوسنا عزيزة كما أرادها الله، محفوظةً كما أمر الشارع، ولنعمل جميعًا على نشر ثقافة تحريم وحرمة قتل النفس في الشريعة الإسلامية، حمايةً لأرواحنا، وتعظيمًا لقدسية الحياة، وامتثالًا لأوامر الله في أرضه.

فما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد الصبر إلا الثواب، ومن عظّم النفس فقد عظّم أمر الله، ومن استهان بها فقد خسر دنياه وآخرته.

 

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى