الثقافة تبني المجتمع

تعبر الثقافة عن مجموع الأفكار والقيم والعادات وطبيعة العلاقات وحتى الروابط العاطفية بين أفراد جماعة بشرية معينة، وبهذا المعنى فإن الثقافة هي موجود مكتسب وليس فطري في الفرد، وهذا ما يجعلها قابلة للتغيير بكسب قيم ومعارف جديدة والتنازل عن أخرى حسب الجو العام السائد الذي تعكسه طبيعة البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع من جهة، وحسب درجة علاقة الفرد بهذه الجماعة “المجتمع” وتوجهاته وتطلعاته وتأثره ببيئته من جهة أخرى. وفي صورة مقاربة فإن الهوية هي الأخرى مركب اجتماعي معياري مكتسب، قابل للنمو والتطور والتغيير بناء على مجموعة من المحددات ووفق سياقات معينة زمانية ومكانية، فالهوية هي شعور وجداني يحدد ارتباط الفرد بوطنه ومجتمعه وجماعته من خلال محددات ثقافية مؤثرة
أولا: تعريف الثقافة
هو ذلك الكل المركب من المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والأعراف وكل ما اكتسبه الإنسان باعتباره عنصرا في مجتمع ما، وقد تستخدم كلمة ثقافة لتمييز ميادين ذهنية ومادية مختلفة فيقال: ثقافة اقتصادية أو ثقافة سياسية أو ..
ثانيا: عناصر الثقافة ونلخصها في الآتي:
- التفكير والتصورات والخيالات والمبنية على معطيات يستعملها الأفراد، تصور الإنسان للحياة: إما غاية أو طريق موصلة للآخرة .
- منظومات المعايير من القيم الدينية والاخلاقية والجمالية التي يستخدمها الناس للحكم على السلوك الفردي أو الجماعي .
- منظومة التعبير عن التصورات بالوسائل المختلفة ” الأمثلة ” : المحاضرات والحوارات والخطب والمقالات .
- منظومة العمل الذي يمارسه بناءا عن تصوره في جميع مجالاته التعليمية والدعوية والإعلامية والاجتماعية والصحية ….
ثالثا : مستويات الثقافة
- الثقافة العليا ثقافة النخبة وهي: المتعلقة بالنظم والقوانيين والفسفات والفكر ولها ضوابط محددة في الشرع والقانون.
- الثقافة الشعبية هي: المفردات التي يتعامل معها كافة الناس بتلقائية.
رابعا : وظائف الثقافة:
( تكوين الشخصية المستقلة والمتميزة على المستويات المختلفة والمجتمع و الأمة ) ووظائفها على النحو التالي:
- تمكين الأفراد من الاستفادة من المعلومات والمعارف الموجودة في بيئتهم وعصرهم.
- تمكين الأفراد والجماعات من التواصل فيما بينهم بالوسائل المتنوعة.
- تمكين الأفراد من الإبداع والبحث الدائم وهذا يتطلب: التنمية الثقافية المستمرة .
- تمكين الأفراد من تحقيق ذواتهم لأن الثقافة الإيجابية تنمي عند الإنسان الاعتزاز بذاته بعد الاعتزاز بربه ورسوله ودينه وأمته.
خامسا : الأزمة الثقافية لدينا وتتمثل بالآتي:
مظاهر الأزمة الثقافية:
- ضغط الثقافة الغربية على بقية الثقافات فنحن نتأثر بها قولا وعملا.
- الجهل بثقافتنا الإسلامية فكثير من المسلمين يجهلون ثقافتهم الإسلامية بسبب ضعف التوعية بها.
- أسلوب التأليف في التراث الإسلامي قديم لا يتناسب مع العصر وهذا يسبب خلالا كبيرا في ثقافة المجتمع.
- المد الحضاري لدى الغرب والقصور الحضاري لدى المسلمين مما جعل الثقافة الغربية ثقافة عالمية.
- لم نستفيد من الغرب تكنلوجيا وإنما أخذنا من ثقافتهم لأنها تتشر مع المنتجات الصناعية وهذا دليل الضعف الثقافي لدى أبناء الأمة العربية والإسلامية .
- لجوء بعض المثقفين إلى التلفيق بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية فلكل أمة ثقافتها تميزها عن غيرها مع وجود بعض المشتركات .
- لجوء كثير من الخيرين للبحث عن حلول للأزمة من الماضي، وهذه الحلول لا تجدي، فلكل عصر ثقافته.
- ضعف فاعلية ثقافتنا في تجسير الفجوة بين أفكارنا وسلوكنا، والسبب عدم مواكبة العلماء للمستجدات.
- تحولت الأفكار النهضوية التي انبعثت لأكثر من قرن إلى أفكار حداثية وهي (نقل تجارب الآخرين لحل مشاكلنا بدل من إبتداع أفكار جديدة لحلها مما سبب انتشار التقليد ).
- ضعف فاعلية الدمج بين الثنائيات مثل ثنائيات المدن والقرى والفقر والغناء والأمية والقراءة والمدارس الشرعية والمدارس المدنية والذين لا يعرفون عن الواقع شيئا والذين لا يعرفون عن التراث أي شيء والمتخصصين في العلوم التطبيقية والمتخصصين في العلوم الإنسانية.
- ضعف انتشار القيم والعقائد الصحيحة بسبب انتشار البدع والخرافات والاساطير وادعاء معرفة الغيب في العالم الإسلامي فتشوه العقل المسلم.
سادسا : ثقافة البناء
ملامح ثقافة البناء تتمثل بالاتي :
- ثقافة مبدعة، فالإبداع والابتكار هو الذي يواكب تطور الحياة ويقودها إلى الأمام .
- ثقافة عملية ليست ثقافة معزولة عن الواقع .
- ثقافة مشدودة نحو الهدف الأكبر (تحقيق عبودية الله ) ولتحقيق هذا الهدف فلابد من الآتي:
- تعليم الناس الأساسيات من أحكام دينهم ومعاملاتهم وشؤون حياتهم.
- تحسين ظروف العيش للفرد المسلم، لأن الفقير يبقى يصارع البقاء ولا يلتفت لأي شيء.
- إبداع الصيغ والأطر العلمية التي تستطيع استيعاب كثير من طاقات المسلمين.
- تنقية ثقافة الشعوب الإسلامية من الخرافات والانحرافات.
- ربط المسلم بأهداف طويلة المدى ومتوسطة المدى وقصيرة المدى لكي يوجه نشاطه نحوها.
- ثقافة دمج الثنائيات القابلة للدمج فلابد من وضع أصول للدمج مثل دمج ثقافة القرى بالمدن وثقافة النخبة بالعامة وثقافة المتخصصين بغيرهم ولكن هناك ثنائيات غير قابلة للدمج مثل: الكفر بالإيمان، والحلال بالحرام، والنصر بالهزيمة، المثال على قوة الدمج (ماليزيا ) مع اختلاف أعراقهم ولغاتهم فإنهم وصلوا إلى القناعة بالتعايش، المثال على ضعف الدمج (راوندا) في إفريقيا، فالحرب فيها طاحنة والتخلف في أعلى صوره، ولتحقيق دمج الثنائيات القابلة للدمج فلابد من الأمور التالية:
- الاعتراف بالخصوصيات وتقدير الظروف.
- تأسيس الأرضية المشتركة وبيان أوجه التشابه بين الثنائيات، قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير}[فاطر:32]
- تحقيق فاعلية الثقافة حتى يتم الدمج، لأن الثقافة القوية والفاعلة هي القادرة على الدمج.
- إبراز المشترك بين الثنائيات حتى تتغلب على الخصوصيات ويبقى التركيز عليها، ولا يتحقق إبراز المشتركات على الخصوصيات الثنائية الا من خلال مثقفين اكفاء
سابعا: الثقافة والتربية
تمثل الثقافة المنبع الذي تنهل منه التربية كل مقوماتها الأساسية بدأ من الأهداف وانتهاءا بالوسائل والأساليب.
- تعريف التربية: هي تعاهد الجوانب المختلفة للإنسان بالتنمية والاصلاح على وجه التدرج.
- وتتمثل أهمية التربية بالآتي:
- الجمع بين الفردية والجماعية من خلال ارتباطه الأسري والاجتماعي.
- تلبية الحاجات شرط لنجاح التربية مثل:
- الشعور بالكرامة والتقدير من قبل الاسرة والمجتمع
- التوجيه المستمر لما يسعد الإنسان في الدنيا والاخرة
- حاجاته للشعور بالانتماء والهوية
- الشعور بالأمن والاطمئنان على النفس والأهل والمال والعرض .
- ممارسة الانشطة التربوية والإجابة على التساؤلات التي تطرح من المستهدفين بالتربية.
- تهيئة الجو للتعلم، وهذا يتطلب وعي عند الجميع، وبهذا تقوم بخلق الوعي الإيجابي.
- تحديد أساليب ووسائل التربية لتواكب العصر، فلكل عصر أساليبه ووسائله .
- التربية الذاتية المستمرة قال تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم )، لأن الفرد له دور فاعل في تربية ذاته وتهذيب سلوكه .