الشيخ عبد الله سنان الجلال.. عالِم ملهم، ومربي حكيم

انه لمن الصعب اختزال ضوء نجم ساطع ” الشيخ عبد الله سنان ” في قوالب حبرية بدأ جولة رحلته منطلقا من قيعان الجهل، والجهل المركب في رحلة لا محدودة، يخطو، ويغذ السير بمشروع جهاد الظلمة في إنقاذ الأمة، وينافح أليال الجهل بسيف الكلمة، كي يشرق وجه الصبح، وتنقشع الغمّة.
سيرة الشيخ عبد الله سنان
حين نتكلم عن سيرة هذا الفذ، لا بد أن نقف قبلها إجلالا للمكانة العالية، والقدر الرفيع، ونستحضر قدراتنا كي نرسم خارطة الأسفار لضوء أمعن بالرحلة نحو الهدف الأسمى.
من نحن لنكتب؟ لن نكتب نحن، والحرف خجول أمام الهامات العظمى، وأيدينا تعجز إلا من رسم عبارات يلهمنا إياها الضوء القادم من وحي تجاربهم، تنقشها أيديناـ بعد التدقيق ـ على وجنات الصفحات، ونودعها صدر التاريخ، فتبدو شامخة فوق صراط السطر الممدود كخطيب يروي للعالم سيرة عالم فذ، ناضل من أجل بزوغ الفجر بهمة، و مضى يبني الصبح بتجسيد الكلمة، حتى أشرق نور العلم وتلكم أحلى نعمة.
يقضي الواجب أن ننقل عبر منصتنا لفضاءات الكون حقائق رحلة زادها الصبر، وقطارها العمل، وأجرها الأجر، وفارسها نجم بحجم الشيخ/ عبد الله سنان الجلال
لن نستطيع أن نوفي علماءنا الأجلاء حقهم عبر هذه السطور، لكن واجب الوقت يحتم علينا قياس مسافات الضوء الضارع في قلب مجرات التاريخ الممجوج بأحداث عظمى، ووقائع كبرى، وحكايات تاهت عن درب النور
لولاهم ما دلف النور إلى ليل ضمائرنا، ولضاع الحق، وما عرف الناس العدل، وما زلنا نجرع محنتنا ، غرقى يغتال سكون الليل سكينتنا، حمقى يثمل سيف الظالم من دمنا، لكنا بالعلم، وفضل العلماء دحرنا ظلمتنا، وعرفنا الحق، زرعنا العدل؛ فطابت دنيتنا
لقد توشح شيخنا الجليل سلاح العلم، ولبس ثياب الصبر، وسهر الليالي في سبيل التحصيل، وصارع الأحداث لأجل إيصال رسالته .
كلماته، وخطبه، ومواعظه لا زال جرس صوتها يرن في أذن التاريخ، ويحرك مشاعر طلابه، ومحبيه، ومعاصريه، رحل عن دنيانا، وكلنا عنها راحلون
رحمة الله تعالى تغشاه، وأسكنه فسيح جناته
نبذه تعريفية عن الشيخ عبد الله سنان
اسمه: عبدالله سنان سيف غالب الجلال.
لقبه: الجلال.
مولده، ونشأته: ولد الشيخ/ عبدالله سنان سيف الجلال من أبوين كريمين في أسرة كان لها شهرة التقوى، والصلاح، وكانت ولادته عام/ 1944م في الشمال الغربي من مدينة – تعز- مديرية/ جبل حبشي- عزلة /بني عيسى- قرية/ وادي البئر، نشأ في كنف والديه بالمدينة المنورة
أسرته، مكانتها، وعراقتها:
أسرة الجلال إحدى الأسر العريقة في محافظة تعز-مديرية جبل حبشي حيث عرفت بمناقبها الحميدة، ومكانتها المرموقة، والتي انحدرت منها أسرة شيخنا الجليل.
والده/ سنان سيف غالب الجلال: سكن المدينة المنورة، حيث كان يقضي معظم أوقاته في الحرم النبوي يعلّم الناس القرآن الكريم، وحفظه؛ عاش ما يقارب المائة عام؛ ثم توفي هناك، ودفن بالبقيع رحمة الله تغشاه.
والدته/ فاطمة حسن: عاشت مع والده في المدينة المنورة، مطيعة لزوجها، مهتمة بتربية أولادها، تعمل جاهدة لتحقيق حلمها بأن ترى أولادها متلألئين كالنجوم في سماء العلم، وتحقق لها ذلك، بقيت في عصمة والده، حتى توفاه الله، بعدها عادت إلى اليمن، وعاشت مع ابنها/ عبد الله في مدينة- تعز حتى وافتها المنية، ودفنت في جبل حبشي- قرية/ وادي البئر رحمة الله تغشاها.
إخوته: علي سنان سيف- شيخ القرية، البروفيسور/محمد سنان سيف رحمة الله عليهم أجمعين.
أبناؤه: الشيخ/ عبد الله سنان الجلال ثمانية أولاد، منهم ثلاثة ذكور: د/نبيل، ا/أكرم، ط/بدر؛ وخمس إناث: عفاف، وعائشة، وجهاد، وهدى، وهاجر كلهن يحملن شهادة البكالوريوس، وبتخصصات مختلفة، وهذا إن دل، فإنما يدل على متانة الجذور التعليمية للأسرة.
اقرأ أيضاً الشيخ سعيد بن سعيد تواضع الأتقياء، وهمة العظماء
مسيرته العلمية، والتعليمة
منذ نعومة أظفاره بدت عليه ملامح الذكاء، والفطنة، فكان يحفظ كل ما يسمع، مما لفت نظر أبويه إليه، فأرسلاه إلى (مِعلاَمة) القرية -مكان تلقي تعليم القرآن الكريم على أيدي الفقهاء قبل انتشار المدارس-، فشرع في حفظ القرآن الكريم مجيداً تلاوته، ومتقناً تجويده ، ثم سافر صغيرا إلى المملكة العربية السعودية برفقة والديه، وهناك في مدينة رسول الله- صلى الله عليه وسلم – التحق بحلقات مساجدها، متعلما، يختلف إلى علمائها، وينهل مما أفاء الله عليهم به من بحور العلوم المتلاطمة، يشده طموحه، ويقوده نهمه، ونشاطه ؛ وتنطلق به همته للوصول إلى مراتب علمائه، ومشايخه الذين نهل من سلسبيلهم العذب بالمدينة المنورة، فتتلمذ على أيدي أساتذتها، ومشايخها- وكانوا جهابذة في العلوم الشرعية، ولهم شهرة واسعة في -علم التفسير، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والإعراب.
لم يشبع تعليمه الذاتي نهمه لكنه سلك طريق التعليم النظامي بمراحله – الابتدائي، والإعدادي، والثانوي- في المدينة المنورة، وبإصرار، وهمة وثب نحو تعليمه الجامعي حتى تخرج من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحصل منها على شهادة (الليسانس) في أصول الدين عام/ 1399ه- 1979م، وكان من الأوائل المبرزين.
لقد نهل شيخنا الجليل الكثير من العلوم الدينية، وكان على اطلاع واسع في المذهب الشافعي، وغيره من المذاهب؛ بيد أن ذكاءه، واجتهاده، ومثابرته على البحث، والتحصيل الشرعي- الذي رافق نبوغه في العلوم الشرعية – جعله متميزاً على أقرانه في الفهم عن مشايخه، فأصبح مرجعاً لزملائه.
علماؤه الذين أخذ عنهم
لقد تعلم شيخنا على أيدي كثير من العلماء الأفذاذ، أمثال الشيخ/عمر محمد فلانة، والشيخ/ محمد مختار الشنقيطي، والشيخ/عبد الله طربوش، والشيخ/عثمان الذّوادي، وغيرهم الكثيرين.
مؤهلاته:
- حفظ القرآن الكريم صغيرا على يد والده.
- حصل على الشهادة الثانوية، من المعهد الثانوي- المدينة المنورة.
- حصل على الإجازة العالية(ليسانس)الجامعة الإسلامية- كلية الدعوة، وأصول الدين – المدينة المنورة.
- حاز على شهادة الماجستير من جامعة الإمام/ محمد بن سعود الإسلامية- الرياض.
حياته الاجتماعية:
ظهرت سماته الاجتماعية في أسرته، ومع أقرانه منذ طفولته ، وترعرعت معه يبنيها، وتبنيه؛ أتم نصف دينه بامرأة فاضلة، ذات حسب، ودين رافقته في حِلّه، وترحاله؛ فأنجبت له ثمانية أولاد -ثلاثة ذكور، وخمس إناث- أحسنا تربيتهم، وكرسا جهدهما في تأديبهم، فعُرفوا بالصلاح، والتّقى، وحفظ كتاب الله، كل هذا، وشيخنا يتنقل بين المساجد، والحلقات، والمجتمعات داعياً إلى الله، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر؛ ساعياً إلى مساعدة الفقراء، وذوي الحاجة، حاثاً على التكافل، والتآلف، والتراحم.
شهد له كل من عرفه بالخُلُق القويم، والطبع الرضي، والقلب المسامح، والصدر المنشرح؛ سهلا، ممتنعا، لينا في معاملته، صلبا في مواقفه، جاداً في دراسته، مرحا مع أسرته، نشيطا في دعوته.
كان شيخنا غنياً بالعلم، فقيراً إلى العلام؛ حضناً دافئاً للأصدقاء، والجلساء؛ وسيفاً بتاراً على لأعداء؛ يمتلك جرأة في قول الحق، وخوفاً من الحق، سعيدا بما تنجزه أمته، حزينا على ما أصاب قبلته؛ درّس الأجيال الأخلاق الحميدة، وجعلها خميرة فاعلة في الشباب، فكان حريصاً على أن يقوم المجتمع على أيدي شباب مسلم، واعٍ، يوصل إليهم الدين بأسلوب سهل، وشيّق، وطريقة جذابة، ونفس مرضية،
لقد أودع الله في قلبه رحمة كبيرة، كشفتها دموعه الغزيرة ، وتجلت في مشاعره اللطيفة، وجسّدها رفقه بالناس، كل ذلك في تواضع جم، وخُلُق حسن؛ حيثما حطت رحاله سما بتقواه، وخُلُقه .. فكان عابداً كما كان عالماً؛ لقد عاش زمن الصحوة الإسلامية، فدعا إلى الله بأسلوب سهل، جذاب، وكان الناس يتسارعون إلى دروسه كما لو أنها حديقة غناء يتفيؤون ظلالها، ويتناولون من ثمارها المتنوعة،
ميدانه الحقيقي
– عرف فضيلة الشيخ الميدان الحقيقي الذي يكون فيه الإنسان إنساناً ليكسب الفلاح في الدنيا، والآخرة، فنافس فيه، وترك للناس ما يتنافسون عليه؛ حين عرف أن ما يتنافس فيه غالبية البشر من مال، ومتاع، ومناصب زائلة، ما هو إلا زبد ما يلبث أن يذهب جفاء ولو علا، وطما حيناً من الدهر؛ أما ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض سُعداً في حياة صاحبه، وذخراً بعد مماته، لقد أدرك المعنى الحقيقي للبطولة في زمن التبست فيه المعاني، فيمم نحوه، وعمل به .
– لقد كان الشيخ داعية مؤهلاً، ومربياً متمكناً، ومعلماً بارعاً، تخرجت على يديه أجيال، وأجيال، فقد كان حريصاً على بذل علمه، يقيم حلقات الوعظ، والإرشاد، والتجويد؛ كل هذا في جاذبية خاصة تنبعث من حلاوة حديثه، وطيبة نفسه ، وأخلاقه القويمة، وسمعته الحسنة، هذه الصفات التي لا يحرص الكثيرون من الناس في زماننا على التحلي بها،
– كان شيخنا وجيهاً اجتماعياً بارزاً يساعد الناس في حل مشكلاتهم، فكانوا ينظرون إليه بإجلال، واحترام، وحب، وتقدير.
– كان شديد الاهتمام بمكتبته العامرة؛ لأنها رأس ماله الأساسي، وثروته الحقيقية؛ فكانت له صدقة جارية في حياته..
فن الخطابة، وكاريزما الإلقاء للشيخ عبد الله سنان
من الذكاء، والفطنة، والجرأة، والشغف، والنهم الشديد للتلقي، والمطالعة تشكلت شخصية الشيخ الخطابية، والدعوية، حيث بدأ يمارس هوايته بإلقاء المحاضرات، والمواعظ في مساجد المدينة المنورة، وشجعه مشايخه على ذلك كثيرا، فصقلت موهبته، وبزغ نجمه، وصار خطيباً مفوها يرود مساجد المدينة المنورة، بأسلوبه البديع، والجذاب؛ وما أن عاد إلى مسقط رأسه اليمن- تعز عاد محاضرا، وخطيبا بأكثر مساجدها حتى استقر خطيبا بجامع (شولق).
أعماله، ومناصبه التي تولاها:
- إماماً في مسجد القرشي .
- خطيبا في جامع شولق.
- عمل لدى وزارة التربية، والتعليم مدرساً في مدينة- تعز.
- عمل مديراً للجمعية العلمية في المركز الإسلامي.
- مديرا لمعهد طارق بن زياد- جبل حبشي.
- عيّن مديرا لمدرسة دار القرآن الكريم- جامعة الجند حالياً-، والمعهد العلمي في مدينة- تعز.
- مستشارا للتربية، والتعليم- محافظة- تعز.
- عضوا في جمعية علماء اليمن.
- عضوا مؤسسا لجمعية معاذ العلمية – تعز.
- عضوا في مكتب التوجيه، والارشاد- تعز.
- رئيسا لجمعية الأقصى- محافظة- تعز.
- داعية إلى الله، واعظا، ومرشدا، وموجها في المدينة المنورة ثم في مدينته تعز,
- مقدما في إذاعة تعز لبرنامج (من أعلام الإسلام) في حلقات أسبوعية .
- عضوا في هيئة التطوير التعاوني- جبل حبشي-تعز.
- خطيبا لمسجد (شولق)، وكثير من مساجد مدينة تعز.
- عضوا في الهيئة الإدارية للمجلس المحلي لمحافظة تعز.
- ساهم في تنفيذ كثير من المشاريع الخدمية، والتنموية في محافظة تعز.
- مندوبا شرعيا في مديرية/ جبل حبشي.
- مصلحا اجتماعيا ناجحا في حل الخلافات، وفض النزاعات.
- انتخب عضواً لمجلس النواب عن الدائرة() عام 1993م، ثم أعيد انتخابه لدورة أخرى عام 1997م.
وفاة الشيخ عبد الله سنان
بعد رحلة طويلة، عامرة بالتحصيل، والعطاء، باعثة للسعادة، دافعة للشقاء وعمر بلغ الثلاثة، والستين عاما وافته المنية بتاريخ16/5/1428م-2/6/ 2007م .
رحم الله شيخنا الجليل، وأسكنه فسيح جناته، وجعل علمه زاداً نفعه بالأولى، وحصاده بالأخرى ، وجعل خُلُقه الرفيع وسيلة تقرب منزلته من منزلة نبي الرحمة القائل: “ألا أخبركم بأحبكم إليّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قيل: بلى يارسول الله قال: أحاسنكم أخلاقاً..”.
شهادات تاريخية للشيخ عبد الله سنان
يروي أستاذ التاريخ/ خالد محمد الجلال: أن الوالد الشيخ/ عبد الله سنان الجلال نشأ صغيرا في رعاية والده في المدينة المنورة، حفظ القرآن، وهو في الطفولة في المدينة؛ تعلم، وتدرب على الخطابة في الطفولة من خلال المواعظ التي كان يلقيها بمساجد المدينة ..كان يحفظ القرآن حفظا متقنا .. كان يؤم الناس في مسجد القرشي في صلاة التراويح من بداية التسعينات، وربما قبلها. لا أذكر أبدا أنه نسي آية واحدة في صلاة التراويح، فقد كان يقرأ غيبا ؛ كان خطيبا في مسجد شولق لأكثر من ثلاثين سنة .. عمل عضوا في المجلس المحلي في تعز، ومديرا لدار القرآن الكريم، ثم كان ترشيحه لعضوية مجلس النواب عن الدائرة ثلاثين في مدينة تعز، وقد فاز لدورتين متتاليتين، حتى عام ٢٠٠٦م، ثم عاد بعدها ليعمل مستشارا في التربية، والتعليم .. كان عنده ذاكره قوية جدا لحفظ الأحاديث، وخاصة عند الاستدلال بها في خطبة الجمعة ..عاش في المدينة منذ الصغر، وحتى الانتهاء من دبلوم الدراسات العليا ، أو الماجستير ؛بعد رجوعه من السعودية كان يسكن في تعز، وكان لا يحب الزيارة للقرية إلا نادرا لديه خمس بنات. وثلاثة أولاد؛ رحل والدنا، وكان رحيله صعبا على أسرة الجلال خصوصا، وفاجعة بحق أبناء جبل حبشي، ومصيبة لمحافظة تعز، وخسارة بحق العالمين العربي، والإسلامي رحمة الله تعالى تغشاه
ومن الشهادات أيضا:
يروي لنا الأستاذ/ عبدالله يحي حسان- رئيس فرع نقابة المعلمين- جبل حبشي- قائلا: كان الشيخ/ عبدالله سنان خطيبا مفوها، طليق اللسان، جذاب الإلقاء، سريع البديهة، قوي الاستدلال بالقرآن، والسنة؛ كنا نقطع المسافات الطويلة سيرا على الأقدام حرصا منا على صلاة الجمعة في مسجد شولق- كل ذلك – سماعا لخطبة الشيخ/ عبد الله سنان. ويواصل الأستاذ حديثه كان الشيخ عمودا من أعمدة الدعوة في محافظة تعز، فهو محاضر فريد، يعطي وكأنه يشعر بالذي تريد، سمته التواضع، لم تبدُ عليه آثار التكلف، ولا تشعر بالملل من حديثه، عمل في قطاع التعليم مدرسا، ومديرا، وله إسهامات كثيرة في مجال التعليم، وبصماته واضحة بالرقي بالحياة الدعوية، والتعليمية؛ وأعمال الخير؛ كان لرحيله أثر كبير في نفوس أهله، وطلابه، ومحبيه، وللدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي كافة، وفي محافظة تعز على الخصوص رحمة الله عليه، وأسكنه فسيح جناته.
ومن الشهادات:
يقول د/ عبد الرحمن الجلال : أتكلم عن الشيخ، العلامة/ عبد الله سنان الجلال بحكم تربيتي على يده، ومعاصرتي له في القرية، والمدينة، لقد كان موسوعة كبيرة في العلم، ووجاهة لها ثقلها في المجتمع، ، مخلص لدينه، صادق بكلامه، يجيد فن التعامل مع الناس ما جعل له صدى، وقبولا عند المجتمع بمختلف تياراته، وانتماءاته، وله مناقب اجتماعية، وسياسية كثيرة؛ عاد من المملكة العربية السعودية عام 1970م- بعد فترة طويلة – مع زملائه الشيخ/ سعيد بن سعيد، والشيخ/ياسين سلطان، وكان له دور بارز في ترشيد المجتمع مع رفاقه ، توظف في وزارة التربية، والتعليم مدرسا في مدرسة الثورة الثانوية (التي هي اليوم مكتب التربية، والتعليم بالمحافظة) ؛ تخرج على يده الكثير من حفظة القرآن الكريم، والأدباء، والشعراء، والوزراء، والمسؤولين؛ كان خطيبا مفوها، قوي الحجة بالخطابة ساعده بذلك حفظه كتاب الله، كان مسجده يكتظ بمحبيه، وعشاق خطبه؛ لطلاقة لسانه أولا؛ و أنه أحد خطباء الحرم ثانيا، وهذه – كما يروي د/ عبد الرحمن أنها منزلة كبيرة عند اليمنيين، ؛ ثم أن برنامجه الأسبوعي بإذاعة تعز كان له مذاق خاص، وشوق متأجج، وشعبية ينتظرونه طوال الأسبوع مما أكسبه صدى، وقبولا بين الناس.
كان التعليم نادرا، وشحيحا في محافظة تعز، ونتيجة لذلك قاد الشيخ نشاطا تعليميا، وأيقظ نهضة تعليمية كبيرة يُعَلّم الناس، ويؤسس المدارس، ويحرض على ذلك في الريف، والمدينة، كما حارب البدع المنتشرة في تلك الفترة؛ انتخب في هيئة التطوير في ناحية(مديرية)جبل حبشي مما أسهم إسهاما غير عادي في صناعة النهضة بمديرية جبل حبشي، أبرزها شق طريق بطول350كم مما جعل اليوسفي- محافظ محافظة تعز- آنذاك- يظهر في مقابلة تلفزيونية مشيدا بذلك الجهد الجبار؛ فاز بالمجالس المحلية في المدينة، فكان بارزا، وفاعلا مع رفاقه ك/عبد الكريم شيبان، وغيره من الرفاق، وكان له دور في تأسيس جمعية معاذ العلمية، أحدث- كما يروي الدكتور/ عبد الرحمن – ثورة عارمة في الإصلاح الاجتماعي، وكذلك استمر بتأسيس، ودعم كثير من الأعمال الخيرية رحمة الله تعالى تغشاه، وأسكنه فسيح جناته.
ومن الشهادات:
أجل! لقد مات الشيخ/ أبو نبيل؛ ولكنه مات كما يموت الأبطال يد على الصدر الموجع، ويد ترفع راية الإسلام عالية خفاقة، فما رفع الأولى، حتى أسلم الروح، وما غاصت الثانية في الثرى، حتى أسلمت الراية لمن بعده من بنين بررة، وأخوة درب أخيار .. وإنا لله، وإنا إليه راجعون.
هكذا نختم الكتابة عن حياة نجم علمي، وهامة دعوية مليئة بالإشراقات، حافلة بالمواقف الشجاعة، حاملة بيدها سيف النور، لمحو الديجور، بذل حياته جهادا لإضاءة العقول الإنسانية بمصابيح الحروف رحمة الله تعالى تغشاه.