الدرس الخامس والستون – اللعان بين الزوجين – سورة النور الآيات [6-10]

في الدرس الخامس والستون من آيات الأحكام سيكون موضوعنا عن – اللعان بين الزوجين – والتي ورد ذكرها في سورة النور الآيات [6-10]، مادة [108-112] الأحوال الشخصية، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين}{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأ}{عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِين}{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِين}{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيم} [النور:6-10].
الحكم الأول- اللعان
س/ متى يجب اللعان؟
جـ/ إذا رمى الرجل زوجته بالزنى ولم تعترف بذلك ولم يرجع عن رميه، فقد شرع لهما اللعان ويجب اللعان في حالتين:
- الحالة الأولى- إذا رمى الزوج زوجته بالزنى كأن يقول لها: زنيت أو رأيتك تزنين وليس عنده أربعة شهود يشهدون بما رماها به، وإذا قال لها: يا زانية فالجمهور أنه يلاعن خلافاً لمالك.
- الحالة الثانية- أن ينفى حملها منه فيقول هذا الحمل ليس منة أو ينفي ولداً له منها.
الحكم الثاني- تصنيف اللعان
س/ هل اللعان يمين أم شهادة؟
جـ/ اختلف الفقهاء في تصنيف اللعان على مذهبين:
- المذهب الأول- أنه شهادة فيأخذ أحكام الشهادة وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، وأدلة الأحناف هي:
- استدل الأحناف على أن اللعان شهادة بقوله تعالى: [فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين] [النور:6] وقالوا الملاعن يقول في لعانه: أشهد بالله فدل على أنه شهادة.
- واستدلوا بحديث ابن عباس المتقدم في قصة هلال بن أمية وفيه: [فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول [الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت] أخرجه البخاري. الحديث وفيه لفظ الشهادة صراحة.
- وقالوا إن كلمات الزوج في اللعان قائمة مقام الشهود فتكون هذه شهادة الألفاظ.
- المذهب الثاني- أنه يمين وليس بشهادة فيأخذ أحكام اليمين وهو مذهب الجمهور (مالك والشافعي وأحمد)، وأدلة الجمهور:
- واستدل الجمهور بأن لفظ الشهادة قد يراد به اليمين بقوله تعالى: [إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ] المنافقون [1]، ثم قال تعالى: [اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِين] المجادلة [16] فسمي الشهادة يميناً.
- واستدلوا بقوله تعالى: [أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ] فقد قرن لفظ الجلالة [الله] بالشهادة فدل على أنه أراد بها اليمين وشهادة الإنسان لنفسه لا تقبل بخلاف يمينه.
- واستدلوا بما ورد في بعض روايات حديث ابن عباس من قوله صلى الله عليه وسلم: [لولا الأيمان لكان لي ولها شأن] رواه أبو داود وفي رواية [لولا ما مضى من كتاب الله عز وجل لكان لي ولها شأن] رواه البخاري.
والخلاصة هي:
- أن الأحناف يقولون:” الفاظ اللعان شهادة مؤكدات بالأيمان”
- والجمهور يقولون “أنها أيمان مؤكدة بالشهادة” فالأولون غلّبوا جانب الشهادة والآخرون غلّبوا جانب الأيمان.
الحكم الثالث- من يجوز لعانه
س/ هل يجوز اللعان من الكافر والمحدود قذفا؟
جـ/ بناء على اختلاف الفقهاء في [اللعان] أهو شهادة أم يمين، ترتب اختلافهم فيمن يجوز لعانه، وهو كالتالي:
- شرط الأحناف في الزوج الذي يصح لعانه: أن يكون أهلٌ لأداء الشهادة وكذلك الزوجة أن تكون أهلٌ لأداء الشهادة، وعندهم لا لعان بين كافرين ولا بين المختلفين ديناً ولا بين محدودين قذفا، واحتجوا بأن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله تعالى: [{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ] وجب ألا يلاعن إلا من تجوز شهادته فلا يصح اللعان إلا من زوجين مسلمين.
- وذهب الشافعي ومالك ورواية عن أحمد إلى كل من يصح يمينه يصح قذفه ولعانه: فيجوز لعان كل زوجين حرين أو عبدين مؤمنين أو كافرين فاسقين أو عادلين وحجتهم قوله تعالى: [{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ] نصٌ عام يتناول جميع الأزواج.
وقال ابن القيم رحمه الله [والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين اليمين والشهادة فهو شهادة مؤكدة بالقسم].
الحكم الرابع- اللعان، والحاكم
س/ هل يجوز اللعان بدون حضور الحاكم؟
جـ/ اتفق الفقهاء على أن اللعان لا يجوز إلا بحضرة الحاكم أو من ينوب الحاكم؛ لأنه إذا نكل أحدهما أو ثبت عليه الأمر وجب الحد وإقامة الحد من خصائص الحاكم.
الحكم الخامس/ كيفية اللعان
س/ كيف يتم اللعان، وما وطريقته؟
جـ/ وضحت الآيات الكريمة طريقة اللعان وكيفيته بشكل جلي قال تعالى: [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ…] وإذا كانت المرأة حاملة أو وجود ولد يريد الزوج نفيه فيذكر باللعان.
الحكم السادس- النكول عن اللعان
س/ هل النكول عن اللعان يوجب الحد؟
جـ/ أختلف الفقهاء فيما إذا نكل أحد الزوجين عن اللعان هل يجب عليه الحد؟ على مذهبين:
- المذهب الأول- مذهب الجمهور: (مالك والشافعي وأحمد) أن الزوج إذا نكل عن اللعان فعليه [حد القذف] وإذا نكلت الزوجة عن اللعان فعليها حد الزنى، أدلة الجمهور:
- استدل الجمهور على وجوب الحد بأدلة نلخصها فيما يلي:
- إن الله -تعالى- قال في أول السورة [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً] [النور:4] ثم عطف عليه حكم الأزواج وقال [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ] [النور:6] فكما أن مقتضى قذف الأجنبيات إما الإثبات بالشهود أو الجلد فكذلك قذف الزوجات الإثبات باللعان أو الجلد.
- قوله تعالى: [وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِين] [النور:8] فالمقصود بالعذاب إقامة حد الزنا.
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم لخولة زوج هلال بن أمية [الرجم أهون عليك من غضب الله] وقوله الرسول صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية [البينة أو حد في ظهرك].
- المذهب الثاني- مذهب أبي حنيفة: إذا نكل الزوج عن اللعان حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه، وإذا نكلت الزوجة حبست حتى تلاعن أو تقر بالزنى فيقام حينئذً الحد، وأدلة الحنفية:
- استدل أبو حنيفة رحمه الله بما يلي: بقوله تعالى: [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ] يفهم منه أن الواجب في قذف الزوجات [اللعان] لا الحد والآية هذه مخصصة لآية القذف فإذا امتنع الزوج فلا يجب على كلا الحالين سوى [اللعان] وبحال امتناع الزوج يحبس حتى يلاعن ومثله المرأة.
- إن المرأة إذا امتنعت لم تفعل شيئاً سوى أنها تركت اللعان وهذا الترك ليس بينة على الزاني فلا يجوز رجمها لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد احصان أو كفر بعد إيمان أو قتل نفس بغير نفس] أخرج في الصحيحين.
- النكول عن اللعان ليس بصريح في الإقرار فلا يجوز اثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا وغيره
الحكم السابع- في آيات اللـعان
إن آيات اللعان مخصصة لآية القذف.
الحكم الثامن- في المتلاعنين
س/ هل يفرق بين المتلاعنين؟
جـ/ إن الفرقة تقع على التأبيد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً] رواه الدارقطني مرفوعاً. وعن علي وابن مسعود قالا: [مضت السنة ألا يجتمع المتلاعنان] وتتم الفرقة بتمام لعانهما وتفريق الحاكم بينهما على الأرجح.
الحكم التاسع- إعادة الزوجة بعد اللعان
س/ إذا كذب الرجل نفسه بعد اللعان فهل يستطيع إرجاع زوجته؟
جـ/ إذا تلاعن الزوجان ثم كذب الرجل نفسه يحد حد القذف؛ أما بشأن إعادة زوجته فلا تحل له عند مالك والشافعي لأن الفرقة مؤبدة.
وقال أبو حنيفة إذا كذب الرجل نفسه وأراد الرجوع إلى زوجته فيعتبر خاطباً من الخطاب
والراجح أنها لا تحل له.
الحكم العاشر- ولد اللعان
س/ هل يلحق ولد اللعان بأمه؟
جـ/ إذا نفى الرجل الابن، وتم اللعان بنفيه له انتهى نسبه من أبيه وسقطت نفقته عنه وانتهى التوارث بينهما ولحق بأمه فهي ترثه وهو يرثها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم في ولد المتلاعنين: “إنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين جلدة” رواه أحمد.
وإذا كذّب الرجل الملاعن نفسه ثبت نسب الولد إليه.