الدرس الثاني والستون – التقرب إلى الله بـ الهدي والأضاحي – سورة الحج الآيات [36-37]

في الدرس الثاني والستون من آيات الأحكام سيكون موضوعنا عن – التقرب إلى الله بـ الهدي والأضاحي – والتي ورد ذكرها في سورة الحج الآيات [36-37]، قال تعالى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِين} [الحج:36-37].
الحكم الأول- البُدن
س/ هل تطلق البُدن على الإبل والبقر؟
جـ/ اتفق العلماء على أن البدن اسم للواحد من الإبل ذكراً كان أم أنثى، فهي تطلق على الإبل باتفاق، وقد اشتهر في الشرع إطلاقها على البعير يهدى إلى الكعبة.
واختلفوا هل تطلق البدنة على البقرة باعتبار أنها تجزئ في الهدي والأضحية عن سبعة كالبعير على مذهبين:
- أولاً- مذهب الحنفية: أن البُدنة تطلق على البقرة كما تطلق على البعير، فهي من قبيل المشترك في المعنيين فمن نذر بدنة أجزأه بقرة فهي مثلها في اللفظ والحكم، وبهذا قال عطاء وسعيد بن المسيب واستدلوا بما يلي:
- روي عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال [كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل والبقرة فقال: وهل هي إلا من البدن؟] رواه مسلم.
- وعن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال [لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر].
- ثانياً- مذهب الشافعية: أما الشافعية فقالوا لا تطلق بالحقيقة إلا على الإبل، واطلاقها على البقر إنما يكون مجازاً فلو نذر بدنة لا تجزؤه بقره، وبهذا قال مجاهد ودليلهم: ما روي عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [تجزئ البدنة عن سبعة] ، قالوا وهذا يدل على ما قلنا لأن العطف يقتضي المغايرة والظاهر أن أسم البدنة حقيقة في الإبل لقوله تعالى: [فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ] [الحج:36]، فالإبل هي التي تنحر واقفة بخلاف البقر فإنها تذبح ذبحاً.
الحكم الثاني- أفضل الهدي
س/ ما الأفضل في الهدي والأضاحي؟
جـ/ أجمع العلماء على أن الهدي لا يكون إلا من النعم [الإبل – البقر – الغنم – الماعز]، وأن الذكر والأنثى سواء، واتفقوا على أن الأفضل: الإبل ثم البقر ثم الغنم وأقل ما يجزئ على الواحد شاة.
والبدن تجزئ عن سبعة وكذلك البقر، واختلفوا في الشخص الواحد هل يهدي سُبع بدنة أو سُبع بقرة أو يهدي شاة؟ والظاهر أن الاعتبار إنما يكون بما هو أنفع للفقراء وهذا هو الأصح ومما يدل على أن البدنة أو البقرة تجزئ عن سبعة، ما روي عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: [حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقر عن سبعة] رواه أحمد ومسلم.
الحكم الثالث- الأكل من لحوم الهدي؟
أمر الله -تعالى- بالأكل من لحوم الهدي فقال: [فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير] [الحج:27]، والظاهر يتناول هدي المتمتع وهدي التطوع وهدي الواجب [كفارة]، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على عدة أقوال وهي كما يلي:
- ذهب أبو حنيفة وأحمد إلى جواز الأكل من هدي التمتع وهدي القران وهدي التطوع، ولا يأكل من دم الجزاء.
- وقال مالك رحمه الله يأكل من هدي التمتع والقران والهدي الذي ساقه لفساد حجه أو لفوات الحج ومن الهدي كله، إلا فدية الأذى وجزاء الصيد وما نذره للمساكين.
- وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز الأكل من الهدي الواجب مثل دم الجزاء وجزاء الصيد وهدي التمتع والقران وإفساد الحج وكذلك ما كان نذراً، أما ما كان تطوعاً فله أن يأكل منه ويهدي ويتصدق.
ومبنى الخلاف بين الجمهور والإمام الشافعي في هدي التمتع أن الدم الواجب عندهم دم شكر فيباح له أن يأكل منه وعنده أنه دم جزاء فلا يباح الأكل منه، وقد استدل الشافعي على وجوب إطعام الفقراء من الهدايا بقوله تعالى: [فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ] وقوله تعالى: [فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير] [الحج:27]، وقال أبو حنيفة إن الإطعام مندوب لأنها دماء نسك فتتحقق القربة فيها بإراقة الدم أما إطعام الفقراء فهو باق على حكمه العام وهو الندب.
الحكم الرابع- وقت الذبح
س/ متى وقت الذبح؟
جـ/ اختلف العلماء في وقت ذبح الهدي:
- عند الشافعي: أن وقت ذبحه يوم النحر وأيام التشريق لقوله صلى الله عليه وسلم: [كل أيام التشريق نحر] رواه أحمد، فإن فات وقته ذبح الهدي الواجب قضاء وأثم بالتأخير
- وعند مالك وأحمد: أن وقت ذبح الهدي سواء كان واجباً أو تطوعاً أيام النحر، اليوم الأول والثاني والثالث ولا يصح في اليوم الرابع.
- ووافق الحنفية مذهب مالك واحمد بالنسبة لهدي التمتع والقران وأما النذر والكفارات والتطوع فيذبح في أي وقت كان.
- وحكي عن النخعي: أن وقت النحر أو الذبح يمتد من يوم النحر إلى آخر ذي الحجة.
وأما مكان الذبح سواء كان واجباً أو تطوعاً فهو الحرام، لقوله تعالى: [هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ] [المائدة:95] وقوله تعالى: [وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ] [البقرة:196] ومحله هو الحرام فيجوز أن يذبح في أي مكان في الحرام في مكة ومنى وغيرها في حدود الحرام لقوله صلى الله عليه وسلم: [كل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر] رواه أبو داؤود وابن ماجه.