الدرس الخامس والخمسون – تحريم دخول المشركين المسجد الحرام – سورة التوبة الآية [28].

في الدرس الخامس والخمسون من آيات الأحكام سيكون موضوعنا عن – تحريم دخول المشركين المسجد الحرام – والتي ورد ذكرها في سورة التوبة الآية [28]، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيم} [التوبة:28].
الحكم الأول- في لفظة المشركين
س/ ما المراد بالمشركين في الآية الكريمة؟
جـ/ ذهب جمهور المفسرين: إلى أن لفظ المشركين خاص بعباد الأوثان والأصنام؛ لأن لفظ المشرك يتناول من اتخذ مع الله إلهاً آخر، وأن أهل الكتاب وإن كانوا كفاراً إلا أن لفظ المشركين لا يتناولهم؛ لأنه خاص بمن عبد الأوثان والأصنام.
وقال بعض العلماء: إن لفظ المشركين يتناول جميع الكفار سواء منهم عباد الأوثان أو أهل الكتاب لقوله تعالى: [إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء] [النساء:116]، فأطلق لفظ الإشراك على الكفر وهذا الأرجح.
الحكم الثاني- هل أعيان المشركين نجسه؟
دل ظاهر قوله تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ] على نجاسة المشركين معنوية، وقد نقل صاحب الكشاف عن ابن عباس أن أعيان المشركين نجسة كالكلاب والخنازير تمسكاً بظاهر الآية، وروي عن الحسن البصري أنه قال: من صافحهم فليتوضأ، ولكن الفقهاء على خلاف ذلك فقد ذهبوا إلى أن أبدانهم طاهرة؛ لأنهم لو أسلموا كانت أجسامهم طاهرة بالإجماع، والآية لا تدل على نجاسة الظاهر وإنما تدل على نجاسة الباطن.
الترجيح رأي جمهور الفقهاء؛ لأن المسلم له أن يتعامل معهم؛ وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشرب من أواني المشركين ويصافح غير المسلمين والله أعلم.
الحكم الثالث- المشركين، والمسجد الحرام
س/ هل يمنع المشرك من دخول المسجد الحرام؟
جـ/ دل قوله تعالى: [فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ] على منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وقد اختلف العلماء في المراد من لفظ [المسجد الحرام] على أقوال عديدة:
- القول الأول- المراد خصوص المسجد الحرام أخذا بظاهر الآية، وهو مذهب الشافعية، دليل الشافعية: أحتج الشافعية بظاهر الآية [فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ] فقالوا الآية خاصة في المسجد الحرام عامة في الكفار.
- القول الثاني- المراد الحرام كله [مكة] وما حولها من الحرم، وهو قول عطاء وهو مذهب الحنابلة، دليل الحنابلة: فاستدلوا بأن لفظ [المسجد الحرام] قد يطلق ويراد به الحرام كله كما في قوله تعالى: [هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] الفتح [25]، وقوله تعالى: [لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ] الفتح [27].
- القول الثالث- المراد المساجد جميعاً، المسجد الحرام بالنص وبقية المساجد بالقياس، وهو مذهب المالكية، دليل المالكية: استدلوا بأن العلة وهي [النجاسة] موجودة في المشركين، والحرمة ثابتة لكل المساجد، فقاسوا جميع الكفار على المشركين وقاسوا جميع المساجد على المسجد الحرام.
- القول الرابع- النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة، وهو مذهب الحنفية، دليل الحنفية: استدلوا بما يلي:
- أولاً: قوله تعالى: [بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا]، فإن تقييد النهي بذلك يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد عامهم هذا.
- ثانياً: قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينادي بسورة براءة: [ولا يحج بعد هذا العام مشرك].
- ثالثاً: قوله تعالى: [وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً] فإن خشية الفقر إنما تكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة حيث كانوا يتاجرون في موسم الحج.
- رابعاً: اجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج.
الحكم الرابع- في الجزية
س/ ما الجزية وما هو مقدارها وممن تؤخذ؟
جـ/ الجزية: ما يدفعه أهل الكتاب للمسلمين لقاء حمايتهم ونصرتهم، سميت جزية؛ لأنها من الجزاء جزاء الكفار وعدم الدخول في الإسلام، أو جزاء الحماية والدفاع عنهم، وقد اختلف العلماء في الذين تؤخذ منهم الجزية:
- المشهور عند أحمد: أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى والمجوس وبه قال الشافعي.
- وقال الأوزاعي: تؤخذ من كل مشرك عابد وثن أو نار أو جاحد أو مكذب.
- وقال أبو حنيفة ومالك: الجزية تؤخذ من الكل إلا من عابدي الأوثان من العرب فقط، وأما مقدارها فعلى الموسر ثمانية وأربعين درهماً، وعلى المتوسط [24] درهماً، وعلى الفقير القادر على العمل اثني عشر درهماً في السنة، وهو قول أبي حنيفة وأحمد؛ وقال مالك: على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الفضة أربعين درهماً سواء في ذلك الغني والفقير، وقال الشافعي: على كل رأس دينار.
الراجح قول مالك.