الدرس السادس والخمسون – مصارف الزكاة – سورة التوبة الآية [60].

في الدرس السادس والخمسون من آيات الأحكام سيكون موضوعنا عن – مصارف الزكاة – والتي ورد ذكرها في سورة التوبة الآية [60]، قال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [التوبة:60].
الحكم الأول- مصارف الزكاة
يدل قوله تعالى: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم] على أن مصارف الصدقات ثمانية أصناف والمراد من لفظ الصدقات هنا: هو الزكاة الواجبة بدليل اثباته تعالى هذه الصدقات بلام التمليك للأصناف الثمانية، والصدقات المملوكة لهم ليست إلا الزكاة الواجبة، والحصر المستفاد من (إنما) في هؤلاء الثمانية يصح لو حملنا هذه الصدقات على الزكاة الواجبة.
الحكم الثاني- أخذ الزكاة، وتوزيعها
دلت الآية على أن هذه الزكاة تتولى أخذها وتوزيعها الدولة، بدليل تعيين نصيب أسهم للعاملين فيها، وبدليل آخر قوله تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا] [التوبة:103]، ولكن هناك دليل آخر قال تعالى: [وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم] الذاريات [19]، وهذه الآية تجيز دفع حق السائل والمحروم مباشرة دون واسطة.
الحكم الثالث- صرف الزكاة
س/ هل تصرف الزكاة للأصناف الثمانية أم يجوز صرفها لبعضهم؟
جـ/ الإمام الشافعي يوجب صرفها إلى جميع الأصناف واستدل بقوله تعالى: [إنما] تفيد الحصر لجميع الأصناف وبلام التمليك.
وأجاز الأئمة الثلاثة صرفها إلى صنف واحد، وإلى شخص واحد من كل صنف؛ لأن الآية للتخيير في هذه الأصناف دون غيرهم بدليل قوله تعالى: [وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ] [البقرة:271] وأيضا (ال) في الجمع المعروف هنا مجاز في الجنس أي جنس الصدقة لجنس الفقير وجنس الفقير يتحقق بواحد.
الحكم الرابع- الفقراء، والمساكين
س/ من هم الفقراء ومن هم المساكين؟
جـ/ اختلف الفقهاء فيمن هو أسوأ حالاً:
- قالت الشافعية والحنابلة: الفقير أسوأ حالاً من المسكين فهو المعدم الذي لا يملك شيئا وأما المسكين فهو من يملك أقل من حاجته قال تعالى: [أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ] [الكهف:79].
- قال الحنفية والمالكية: أن المسكين أسوأ حالاً قال تعالى: [أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة] البلد [16].
الحكم الخامس- العاملون عليها
س/ من هم العاملون عليها؟
جـ/ هم السعاة والجباة الذين تكلفهم الدولة بتحصيل الزكاة، روى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال: ” استعمل رسول الله رجلاً من الأسد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللّتَبيّة فلما جاء حاسبه”.
الحكم السادس- المؤلفة قلوبهم
س/ من هم المؤلفة قلوبهم؟
جـ/ هم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يتألفون بدفع سهم من الزكاة إليهم؛ لضعف يقينهم وهم نوعان: مسلمون وكفار، أما المسلمون فيعطون ليتقوى إسلامهم، وأما الكفار فيعطون من الزكاة ترغيباً في الإسلام وهذا في مذهب الحنابلة والمالكية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: [أعطى المؤلفة قلوبهم من المسلمين والمشركين] نيل الإوطار.
س/ هل بقي سهم المؤلفة قلوبهم؟
جـ/ قال الجمهور: حكم المؤلفة قلوبهم باق لم ينسخ فيعطون عند الحاجةـ ويحمل ترك عمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- إعطائهم على عدم الحاجة إلى إعطائهم في خلافتهم، لا يسقط سهمهم.
والخلاصة أن هذا السهم حق للدولة تفعل به ما تراه محققاً للمصلحة.
الحكم السابع- وفي الرقاب
فك الرقاب كما قال ابن عباس وابن عمر أن فيه محذوفاً، والمراد به عند أكثر العلماء: المكاتبين المسلمين الذين لا يجدون وفاء ما يؤدون لأسيادهم ولو مع القوة والكسب قال تعالى: [وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ]، بعد قوله تعالى: [وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا…]، وقال المالكية: يشترى بسهمهم رقيق فيعتقون، وقال بعض العلماء كابن حبيب المالكي: يفدى من هذا السهم الأسارى، ويؤخذ بهذا القول اليوم لإنهاء الرق في العالم.
الحكم الثامن: الغارمون
س/ من هم الغارمون؟
جـ/ هم المديونون الذين تراكم عليهم الدين، ولا وفاء عندهم به سواء استدان المدين في رأي (الشافعية والحنابلة) لنفسه أو لغيره، فإن استدان لنفسه لا يعطى إلا إذا كان فقيراً، وإن استدان لإصلاح ذات البين يعطى وإن كان ميسوراً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسه لعامل عليها أو رجل أشتراها بماله أو غارم أو غازً في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني] رواه أحمد وأبو داؤود ابن ماجه وصححه الحاكم.
- وقال الحنفية الغارم: من لزمه دين ولا يملك نصاباً فاضلاً عن دينه.
- وقال المالكية الغارم: من قدحه الدين للناس في غير سفهً ولا فساد وهو غير قادر على سداده لفقره.
- وقال الجمهور: يقضى من الزكاة دين الميت؛ لأنه من الغارمين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [أنا أولى بكل مؤمن من نفسه: من ترك مالاً فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي] رواه الشيخان.
الحكم التاسع: وفي سبيل الله
س/ من المقصودون في قوله تعالى “وفي سبيل الله”؟
جـ/ وهم في راي الجمهور: الغزاة المجاهدون الذين لا حق لهم في ديوان الجند، يعطون ما ينفقون في غزوهم سواء كانوا أغنياء أو فقراء وفسره الكسائي بجميع القرب فيدخل فيه جميع وجوه الخير لأن قوله تعالى: [وَفِي سَبِيلِ اللّهِ] عام.
الحكم العاشر: ابن السبيل
س/ من المقصود بابن السبيل؟
جـ/ المسافر المنقطع في أثناء الطريق عن بلده أو النازحين.
الحكم الحادي عشر-الزكاة لمن تلزمه النفقة
س/ هل تجوز الزكاة لمن تلزمه النفقة.
جـ/ لا يجوز إعطاء الزكاة من تلزمه نفقته، وهم: (الوالدان والأولاد والزوجة) إلا إذا اعطتهم الدولة زكاة رب الأسرة، فيجوز ذلك.
الحكم الثاني عشر- نقل الزكاة
س/ هل يجوز نقل الزكاة لفقراء بلد آخر؟
جـ/ للعلماء رأيان:
- الأول- ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز نقل الزكاة من البلد الذي فيه المال إلى بلد آخر.
- الثاني- قال به ابن القاسم وسحنون وهو إباحة نقلها إلى بلد آخر لضرورة أو حاجة شديدة، وأيد هذا ابن العربي.