الدرس الثالث والأربعون – حد الحرابة – سورة المائدة الآيات [33-34]

في الدرس الثالث والأربعون من آيات الأحكام سيكون عنوان موضوعنا – حد الحرابة – ووردت في سورة المائدة الآيات [33-34]، قال تعالى:{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم}{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}[المائدة:33-34].
مادة [306-309] قانون العقوبات اليمني.
الحكم الأول- المحارب
س/ من هو المحارب؟ الذي تجري عليه أحكام قطاع الطرق؟
جـ/ دلت الآية الكريمة على حكم المحاربة والإفساد في الأرض، وقد حكم الله -تعالى- على المحاربين: (بالقتل، أو الصلب، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض).
وقد اختلف الفقهاء فيمن يستحق اسم المحارب؟
- قال مالك: المحارب عندنا من حمل على الناس السلاح وأخافهم في مصر أو برية.
- وقال أبو حنيفة: المحارب الذي تجري عليه أحكام قطاع الطرق، من حمل السلاح في صحراء أو برية، وأما في المصر فلا يكون قاطعاً لأن المجني عليه يلحقه الغوث.
- وقال الشافعي: من كابر في المصر باللصوصية كان محارباً، سواء كان ذلك في المنازل أو الطرق أو ديار أهل البادية أو القرى فحكمها واحد.
- وقال ابن المنذر: الكتاب على العموم وليس لأحد أن يخرج من جملة الآية قوماً بغير حجة؛ لأن كلاً يقع عليه اسم المحارب، ولعل هذا القول هو الأرجح، لعموم الآية الكريمة وربما كانت هناك عصابة في البلد تخيف الناس في أموالهم وأرواحهم أكثر من قطاع الطرق في الصحراء.
مادة (12) الفقرة (3) + مادة (38) الفقرة (1+3+10) قانون العقوبات اليمني.
الحكم الثاني- في الآية [أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ…]
س/ هل الأحكام الواردة في الآية على التخيير؟
جـ/ قال بعض العلماء: الإمام مخير في الحكم على المحاربين، يحكم عليهم بأي من الأحكام التي أوجبها الله -تعالى- من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي؛ لظاهر الآية الكريمة [أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ] [المائدة:33] وهذا قول مجاهد والضحاك والنخعي وهو مذهب المالكية.
- قال ابن عباس: ما كان في القرآن بلفظ [أو] فصاحبه بالخيار.
- وقال قول من السلف: الآية تدل على ترتيب الأحكام وتوزيعها على الجنايات، (فمن قَتل وأخذ المال قُتل وصلب، ومن أقتصر على أخذ المال قطعت يداه ورجله من خلاف، ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالاً نفي من الأرض)، وهذا مذهب الشافعية والصاحبين من الحنفية، وهو مروي عن ابن عباس وأبو حنيفة يحمل الآية على التخيير، لكن لا في مطلق المحارب؛ بل في محارب خاص وهو: الذي قتل النفس وأخذ المال، فالإمام مخير في أمور أربعة:
- إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وقتلهم.
- إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبهم.
- وإن شاء صلبهم فقط دون قطع الأيدي والأرجل.
- وإن شاء قتلهم فقط حسب ما تقتضيه المصلحة.
ولابد عنده من إلحاق القتل أو الصلب إلى قطع الأيدي؛ لأن الجناية كانت بالقتل وأخذ المال، والقتل وحده عقوبته القتل، وأخذ المال وحده عقوبته القطع، ففيهما مع الإخافة والإزعاج، لا يعقل أن يكون القطع وحده، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة.
الحكم الثالث- عقوبة الصلب
س/ كيف تكون عقوبة الصلب؟
جـ/ يرى جمهور الفقهاء على أن الإمام مخير على ظاهر الآية، وأنه يجوز له صلب المجرم المحارب لقوله تعالى: [أَوْ يُصَلَّبُواْ].
وكيفية الصلب:
- أن يصلب حياً على الطريق العام يوماً واحداً أو ثلاثة أيام؛ -ليزجر الأشقياء- ثم يطعن حتى يموت، وهو مذهب المالكية والحنفية.
- وقال قوم لا ينبغي أن يصلب قبل القتل، فيقتل أولاً، ثم يصلى عليه، ثم يصلب، وهو مذهب الشافعية.
- وقال الإمام الشافعي: أكره أن يصلب، ثم يقتل وهو مصلوب؛ لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وقال الألوسي: والصلب قبل القتل بأن يصلبوا أحياء وتبعج بطونهم حتى يموتوا.