الدرس السادس والثلاثون – صلاة الخوف وحكم قصر الصلاة – سورة النساء الآيات [101-103]

في الدرس السادس والثلاثون من آيات الأحكام سيكون موضوعنا عن – صلاة الخوف وحكم قصر الصلاة – والتي ورد ذكرها في سورة النساء الآيات [101-103]، قال تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا}{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:101-103].
الحكم الأول- قصر الصلاة في السفر
س/ ما مشروعية قصر الصلاة في السفر؟
جـ/ دل قوله تعالى: [فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ]، على مشروعية قصر الصلاة في السفر لأن قوله تعالى: [وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ] معناه إذا سافرتم في البلاد ولم يشترط الله أن يكون السفر إلى الجهاد وإنما أطلق اللفظ ليكون عاماً لكل سفر، وقد استدل العلماء على مشروعية قصر الصلاة في السفر، ثم اختلفوا هل القصر واجب أم رخصة على مذهبين:
- المذهب الأول- أن القصر رخصة، فإن شاء قصر وإن شاء أتم، وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
- المذهب الثاني- أن القصر واجب، وأن الركعتين هما تمام صلاة المسافر، وهو مذهب أبي حنيفة.
وقال مالك: إن أتم في السفر بعيدا مادام في الوقت والقصر عنده سنة وليس واجباً.
دليل المذهب الأول: احتج الشافعية والحنابلة على عدم وجوب القصر بالأدلة الآتية:
- إن ظاهر قوله تعالى: [فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ] يشعر بعدم الوجوب؛ لأن رفع الجناح يدل على الإباحة لا على الوجوب.
- ما روي عن عائشة —رضي الله عنه- ا- – [أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، قالت: يا رسول الله قصرت وأتممت وصمت وافطرت، فقال: أحسنت يا عائشة ولم يعب عليها] ذكره الفخر الرازي في تفسيره.
- وقال إن عثمان -رضي الله عنه- كان يتم ويقصر.
- أن رخص السفر جاءت على التخيير كالصوم والقصر.
دليل المذهب الثاني: استدل الحنفية بالأدلة الآتية:
- ما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: “صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم”.
- أن الرسول صلى الله عليه وسلم التزم القصر في اسفاره كلها، فقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافراً صلى ركعتين حتى يرجع.
- عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: [حججت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي ركعتين حتى يرجع إلى المدينة، وأقام بمكة ثماني عشرة لا يصلي إلا ركعتين، وقال لأهل مكة صلوا أربعاً فإنا قوم سفر] رواه الترمذي.
- وقال ابن عمر -رضي الله عنه-(صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين وصحبت أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنه- م في السفر، فلم يزيدوا على ركعتين حتى قبضهم الله).
- وما روي عن عائشة —رضي الله عنه- ا- – الثابت في الصحيحين: [فرضت الصلاة ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر].
الحكم الثاني- في سفر القصر
س/ ما السفر الذي يبيح قصر الصلاة؟
جـ/ اختلف الفقهاء في السفر الذي يبيح قصر الصلاة:
- ذهب بعضهم إلى أنه لابد أن يكون سفر (طاعة) كالجهاد والحج…الخ، أو أن يكون مباحاً كالتجارة والتعليم…الخ وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
- وقال مالك: كل سفر مباح يجوز فيه قصر الصلاة، فقد روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين، فأمره أن يصلي ركعتين، وقال ابن كثير هذا حديث مرسل.
- وقال أبو حنيفة والثوري وداؤود: يكفي مطلق السفر سواء كان مباحاً أو محظوراً، حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل، وحجتهم في ذلك أن القصر فرض عين للسفر لحديث عائشة السالف الذكر.
وكذلك لم يخصص القرآن سفراً دون سفر فكان مطلق السفر مبيحاً للقصر حتى ولو كان سفر معصية.
ورجح المؤلف السفر في غير معصية وهو المبيح للقصر.
الحكم الثالث- مقدار سفر القصر
س/ ما مقدار السفر الذي تقصر به الصلاة؟
جـ/ ذهب أهل الظاهر إلى أن قليل السفر وكثيره سواء في جواز القصر، وذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى أن أقله يومان مسيرة ستة عشر فرسخاً، الفرسخ: 5.5 كيلوا (88) كم، وذهب الحنفية إلى أن أقله ثلاثة أيام مسيرة أربعة وعشرون فرسخاً (132) كم، وقال الأوزاعي أقله رحلة مسيرة يوم ثمانية فراسخ (44) كم.
أدلة كل فريق:
- دليل أهل الظاهر: استدلوا بعموم الآية الكريمة: [فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ…] [البقرة:184].
- دليل الجمهور على أن السفر اليسير الذي لا كلفة معه لا يبيح القصر لأن الله عقّب في آية الصيام والذي ذكر فيه السفر بقوله [فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ…] [البقرة:184] بقوله [يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ…] [البقرة:185]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان] رواه الشافعي.
- حجة أبي حنيفة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها] رواه مسلم، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام إلا معها ذو محرم] رواه البخاري.
ورجح المؤلف رأي الجمهور.
الحكم الرابع- بدء صلاة القصر
س/ متى يبدأ المسافر قصر الصلاة؟
جـ/ ذهب الجمهور على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية أو المدينة وحينئذ هو ضارب في الأرض، وقال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى والحارث بن ربيعة أنه يبدأ القصر من المنزل الذي يقيم فيه طالما وقد عزم السفر ويكون معنى الآية [وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ] أي إذا عزمتم على الضرب في الأرض.
الحكم الخامس- مدة الإقامة التي إذا نواها المسافر أتم الصلاة؟
فقال مالك والشافعي وأحمد: إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم الصلاة، وقال أبو حنيفة: إذا نوى إقامة خمسة عشرة ليلة أتم وإن كان أقل قصر، عملاً بقول عمر وابن عباس والمسافر يقصر أبداً حتى يرجع إلى وطنه أو ينزل وطناً له وإن بقي سنين.
الحكم السادس- كيف تصلي صلاة الخوف؟
ذهب الإمام أبو يوسف إلى أن ما اشتملت عليه الآية من الأحكام في صلاة الخوف كان خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم مع الجيش أخذ بظاهر قوله تعالى: [وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ…] [النساء:102]، وذهب الجمهور إلى أن صلاة الخوف مشروعة لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ولها ثلاث صيغ مذكورة في الفقه.