الدرس الثاني والعشرون – الدين والرهن – سورة البقرة الآيات [282-283]

في الدرس الثاني والعشرون من آيات الأحكام موضوعنا سيكون عن – الدين والرهن – والذي وردت آياته في سورة البقرة [282-283]، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}{وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم} [البقرة: 282-283].
الحكم الأول- تأجيل القروض
س/ هل يجوز التأجيل في القروض؟
جـ/ اختلف الأئمة على مذهبين:
- المذهب الأول- مذهب المالكية يقولون بجواز التأجيل في القروض، دليلهم هذه الآية: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ…]، إذ لم يفصلوا بين القروض وسائر العقود في المداينات.
- المذهب الثاني- مذهب الشافعية وقالوا بعدم جواز تأجيل القروض، دليلهم أن الآية ليس فيها جواز التأجيل في سائر الديون وإنما فيها الأمر بالإشهاد إذا كان ديناً مؤجلاً.
الحكم الثاني- حقيقة الدين ومشروعية تأجيله
س/ ما حقيقة الدين ومشروعية تأجيل الديون؟
جـ/ مشروعية تأجيل الديون لقوله تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ…]، وحقيقة الدين: هو عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر في الذمة وتشمل الآية كلاً من بيع العين بالدين والدين بالعين فهذا جائز، أما بيع العين بالعين فهذا باطل [نهى رسول الله عن بيع الكالئ بالكالئ] رواه ابن إسحاق والبزار وهو ضعيف.
الحكم الثالث- التسليم المجهول
س/ هل يجوز الدين بموعد تسليم مجهول؟
جـ/ التسليم إلى أجل مجهول غير جائز وإنما لابد أن يكون الأجل معلوم كما في الآية [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى…] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم] أخرجه البخاري ومسلم.
الحكم الرابع- الكتابة والكاتب
س/ هل كتابة الكاتب فرض أو ندب؟
جـ/ أختلف العلماء في ذلك:
- منهم من قال بأنها فرض كفاية على الكاتب إذا قام بها البعض سقط على الباقين الإثم.
- ومنهم من قال بأنها فرض على الكاتب متى طلب منه وكان في حال فراغه لقوله تعالى: [وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ].
- ومنهم من قال إنها مندوبة والصحيح أنها أمر إرشاد.
القانون المدني اليمني رقم [16] لسنة [1983] – الباب الرابع القرض:
مادة [578] “القرض هو دفع المقرض مالاً مثلياً أو قيمياً جماداً أو حيواناً لا تتفاوت آحاده تفاوتاً عظيماً تختلف به القيمة كالحيوان بخلاف الدور والأراضي والجواهر التي تتفاوت قيمتها فلا يصح القرض بها ويلزم المقروض أن يرد للقارِض عوضاً مماثلاً معلقاً في ذمة المقرض.
الحكم الخامس- الكتابة، والإشهاد
س/ هل الكتابة والإشهاد واجبان؟
جـ/ ذهب جماعة إلى وجوب الكتابة والإشهاد على الديون المؤجلة والدليل قوله تعالى: [فَاكْتُبُوهُ] وقوله تعالى: [وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ] ثم نسخ الوجوب بقوله تعالى: [فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ].
- واختار الطبري أن كتابة الديون واجبة على أربابها بهذه الآية بيعاً كان أو قرضاً لئلا يقع فيه نسيان.
- وقال الجمهور الأمر بالكتابة والإشهاد للندب والدليل [فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ].
الحكم السادس- كيفية الكتابة
التزام العدل في الكتابة والإملاء وفي إملاء الولي عن السفيه والضعيف كما دلت نصوص الآية.
وهل نأخذ من الآية حكماً بالحجر على السفيه في التصرف من ماله؟
أجاز الجمهور ذلك، وقال أبو حنيفة يمنع السفيه من ماله مالم يبلغ خمساً وعشرين سنة فإذا بلغها دفع إليه ماله وإن لم يؤنس منه رشداً.
الحكم السابع- نصاب شهادة الأموال
س/ كم نصاب الشهادة في الأموال؟
جـ/ نصاب الشهادة رجلان أو رجل وامرأتان، وتجوز شهادة النساء مع الرجال عند المالكية في الأموال وتوابعها خاصة ولا تقبل في أحكام الأبدان مثل الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة.
وتجوز عند الحنفية في الأموال والطلاق والنكاح والرجعة.
رد الشهادة:
ترد الشهادة بسبب التهمة، وهي التي تجلب للمشهود له نفعاً أو تدفع عنه ضرراً وترد شهادة أحد الزوجين للآخر في رأي الجمهور ولا ترد في رأي الشافعية وقال أبو حنيفة إن شهادة الأجير غير جائزة لمستأجره في شيء وإن كان عدلاً استحساناً.
ولا يجوز في رأي الحنفية القضاء بشاهد ويمين المدعي لأنه لم يذكر في الآية إلا شهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين.
وأجاز الجمهور القضاء بشاهد ويمين في الأموال لا في الأبدان الدليل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: [أنه قضى بشاهد ويمين] رواه الجماعة إلا البخاري.
الحكم الثامن- حكم تحمل الشهادة، وأدائها
س/ متى تكون الشهادة واجبة ومتى تكون مندوبة؟
جـ/ وجوب تحمل الشهادة وأدائها عند الطلب أما إذا لم يطلب فيكون مندوباً له قال تعالى: [وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها] رواه مسلم.
- ورأي المالكية أن أداء الشهادة فرض وإن لم يسألها إذا خاف ضياع الحق قال تعالى: [وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ].
- وذهب الحنفية إلى أن أداء الشهادة في حقوق الله -تعالى- قبل سؤالها مطلوب أما في حقوق العباد فلا يشهد الشاهد قبل أن يستشهد.
دليلهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن] أخرجه البخاري.
وأوله المالكية وحملوه على شاهد الزور.
الحكم التاسع- في كتابة في المعاملات
س/ ما حكم الكتابة في المبايعات، والديون؟
جـ/ الكتابة مندوبة في المبايعات والديون المؤجلة ولا تطلب الكتابة في التجارة الحاضرة التي يتم فيها التبادل في الحال، وقال الشافعي البيوع ثلاثة: بيع بكتاب وشهود، وبيع برهان، وبيع بأمانة.
الحكم العاشر- الإشهاد على البيع
س/ هل الإشهاد على البيع واجب أم مندوب؟
جـ/ قال أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وجماعة من التابعين هو على الوجوب أخذاً بظاهر الآية [وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ].
وذهب الشعبي والحسن البصري إلى أن ذلك على الندب والإرشاد لا على الحتم والإيجاب وهذا قول مالك والشافعي وأهل الرأي.
الحكم الحادي عشر- في أداء الشهادة، والكتابة
أداء الشهادة وكتابة الكاتب يكونان بالحق والعدل، فلا يكتب كاتب مالم يمل عليه ولا يزيد الشاهد في شهادته ولا ينقص منها فالكاتب والشاهد يعصيان بالزيادة أو النقصان فلا يجوز الإضرار بهما ولا إضرارهما بالمشهود له أو عليه قال تعالى: [وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ…].
الحكم الثاني عشر- في الرهان
س/ ما حكم الرهن قال تعالى: [فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ]؟
جـ/ دلت الآية على مشروعية الرهن في السفر إذا لم يتوافر الإشهاد وكتابة الدين، وجاءت السنة مبينة جواز الرهن في الحضر.
مادة [962] [ما يصح بيعه يصح رهنه إلا الوقف والهدي والأضحية لا يجوز بيعها والنابت دون المنبت والعكس بعد القطع] القانون المدني اليمني
س/ ما الرهن؟
جـ/ هو احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفي الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الراهن.
مادة [955] [الرهن عقد يقدم به المدين أو غيره بإذنه عيناً مخصوصة إلى الدائن أو عدل يختاره الطرفان لحبسها لاستيفاء مال مخصوص] القانون المدني اليمني.
وقد اتفق الفقهاء على أن القبض شرط في الرهن واختلفوا في نوع الشرط:
- فقال الجمهور: القبض شرط لزوم للرهن فلا يلزم إلا بالقبض
- وقال المالكية: القبض شرط تمام الرهن وليس شرط صحة أو لزوم فإذا انعقد الرهن لزم بمجرد العقد ويُلزم الراهن على الإقباض ومتى قبض تم وكمل؛ والمعتمد لدى المالكية أن الرهن متى رجع إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن وهو قول أبي حنيفة أيضاً للآية [فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ].
- مادة [972] [إذا انعقد الرهن صحيحاً لزم الراهن تسليم المرهون وإذا تم القبض لزم الرهن في حق الراهن وحده وليس للمرتهن أن يطلب عيناً عوضاً عن الأخرى وتكون اليد في المرهون للمرتهن] القانون المدني اليمني.
- وقال الشافعي: إن رجوعه إلى الراهن مطلقاً لا يبطل حكم القبض المتقدم ويصح قبض المرتهن أو وكيله، وقال الجمهور يصح أيضاً قبض عدل [طرف ثالث محايد غير العاقد].
- ويجوز رهن المشاع عند الجمهور خلافاً لأبي حنيفة.
- ويجوز لدى المالكية خلافاً للجمهور رهن ما في الذمة [دين الرهن]
- وقال الجمهور لا يجوز رهن الدين في الذمة لأنه لا يتحقق إقباضه والقبض شرط في لزوم الرهن.
- ولا يجوز غلق الرهن وهو أن يشترط المرتهن أنه إذا لم يسلم الراهن المال بالوعد المحدد يكون الرهن ملك للمراهن قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [لا يغلق الرهن من صاحبه له غنمه وعليه غرمه] رواه الدار قطني والحاكم ورجاله ثقات.
- وقال الجمهور منفعة الرهن للراهن ونفقته عليه وأجاز الحنابلة انتفاع المرتهن بالرهن مقابل نفقته قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً وعلى الذي يركب ويشرب النفقة] رواه البخاري.