الدرس العاشر- مشروعية القتال في الإسلام – سورة البقرة الآيات [190-194]

في الدرس العاشر من آيات الأحكام سنتناول حكم – مشروعية القتال في الإسلام – والتي ورد ذكرها في سورة البقرة الآيات [190-194]، قال تعالى:{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين}{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِين}{فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِين}{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِين}[البقرة:190-194].
الحكم الأول- فرض الجهاد
س/ متى فرض الجهاد على المسلمين؟
جـ/ لم يختلف العلماء في أن القتال قبل الهجرة كان محظوراً على المسلمين، قال تعالى: [فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ] [المائدة:13]، وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال أن عبدالرحمن ابن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله كنا في عزّ ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة فقال صلى الله عليه وسلم: [إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا] سنن النسائي، فلما حوله الله إلى المدينة أُمر بالقتال فكفوا فأنزل الله تعالى: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلا] [النساء:77].
الحكمة من الكف عن القتال في مكة نلخصها فيما يلي:
- أن المسلمين كانوا قلة في مكة.
- كانت الغاية تدريب نفوس المسلمين على الصبر
- البيئة العربية كانت بيئة نخوة، ونجدة وكان تدريب المسلمين على تحمل الأذى والإلتزام والانضباط.
- كان المسلمون يعيشون في مكة مع أسرهم وفيهم مشركون مما يسبب لهم حرجا شديدا ومشقة كبيرة.
الحكم الثاني- اول آيات تشريع القتال
س/ ما أول الآيات نزولاً في تشريع القتال؟
جـ/ اختلف السلف في أول آيات نزلت في القتال:
- روي عن الربيع بن أنس وغيره أن أول آية نزلت قوله تعالى: [وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين] [البقرة:190].
- وروي عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر وابن عباس وسعيد بن جبير أن أول آية نزلت في القتال هي قوله تعالى: [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير] [الحج:39].
- وقال “أبو بكر بن العربي” الصحيح أن أول آية نزلت [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا…] [الحج:39]، ثم [وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ…] [البقرة:190]، فكان القتال إذناً ثم صار فرضاً.
الحكم الثالث- القتال في الحرم
س/ هل يباح القتال في الحرم؟
جـ/ فيها قولان:
- القول الأول: لا يجوز القتال في المسجد الحرم إلا إذا قوتل المسلمون ابتداءً، الدليل قوله تعالى: [وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ] [البقرة:191]، وما ورد في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقوله: [يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم عادت حراماً إلى يوم القيامة] رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عباس وهذا قول أبي حنيفة ومجاهد.
- القول الثاني: أن الآية السابقة منسوخة بقوله تعالى: [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ] [التوبة:5]، قاله قتاده.
الحكم الرابع- حول كلمة العدوان
س/ ما المراد بالعدوان في الآية الكريمة؟
جـ/ اختلف العلماء في هذا على أقوال:
- القول الأول: المراد بالعدوان: المَثلة والغلو وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا قدرة لهم على القتال وقتل الرهبان وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة، الدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [اغزوا باسم الله في سبيل الله فاقتلوا من كفر بالله، اغزوا والا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع] رواه مسلم.
- القول الثاني: المراد بالعدوان: النهي عن البدء بالقتال قاله مقاتل.
- القول الثالث: المراد بالنهي عن قتال من لم يقاتل قاله سعيد بن جبير وأبو العالية.
الحالات الاستثنائية بالحرب:
آراء العلماء في الحالات الاستثنائية بالحرب، وهي ست حالات:
- الأولى- النساء: إن قاتلن قتلن قال تعالى: [وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ…] [البقرة:190]
- الثاني- الصبيان: لا يقتلون للنهي الثابت
- الثالث- الرهبان: لا يقتلون
- الرابع- المرضى المزمنين: لا يقتلون إلا إذا حدث منهم أذية
- الخامس- الشيوخ: منهم من قال بقتلهم إذا كان الكفار يستفيدون من أراءهم ومن قال لا يقتلون
- السادس- الأجراء والفلاحين: عدم قتلهم إذا لم يحدث منهم أذى.