الدرس الثاني- موقف الشريعة من السحر – سورة البقرة الآيات [102-103]

موقف الشريعة من السحر ووروده في سورة البقرة، قال تعالى:{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون}{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُون}[البقرة:102-103].
الحكم الأول- حقيقة السحر
س/ هل للسحر حقيقة وتأثير في الواقع؟
جـ/ اختلف العلماء في أمر السحر على مذهبين:
- ذهب الجمهور من أهل السنة والجماعة إلى: أن السحر له حقيقة وتأثير
- ذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى: أن السحر ليس له حقيقة في الواقع وإنما هو خداع وتمويه وتضليل وأنه باب من أبواب الشعوذة وهو عندهم على أنواع:
- النوع الأول: التخييل والخداع كما يفعله بعض المشعوذين كذبح الطير.
- النوع الثاني: الكهانة والعرافة بطريق التواطؤ وذلك كما يفعله بعض العرافين والكهان حيث يوكلون من الشياطين بالاطلاع على اسرار الناس حتى إذا جاء أصحابها أخبروهم بها فيوهموهم أنهم يعلمون الغيب، وينقسم الغيب إلى قسمين:
- غيب جعل الله سبحانه أسباباً لكشفه؛ فباتخاذ الأسباب يكشف، مثل ما تكشفه العلوم الحديثة، وكان غيباً سابقاً.
غيب لم يجعل الله أسباباً لكشفه فلا يكشف، مثل خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان وخلق الحياة.
- غيب جعل الله سبحانه أسباباً لكشفه؛ فباتخاذ الأسباب يكشف، مثل ما تكشفه العلوم الحديثة، وكان غيباً سابقاً.
- النوع الثالث: النميمة والوشاية والإفساد من وجوه خفية ولطيفة، مثل قصة الساحرة التي خدعت الزوج وزوجته والقصة كالتالي: “يحكى أن أمراه أرادت إفساد ما بين زوجين، فجاءت إلى الزوجة فقالت لها: أن زوجك معرض عنك ويريد أن يتزوج عليك، وسأسحره لك حتى لا يرغب عنك ولا يريد سواك، ولكن عليك أن تأخذي من شعر حلقه بالموس ثلاث شعرات إذا نام وتعطينيها حتى أستطيع سحره، فاغترت المرأة بقولها وصدقتها، ثم ذهبت إلى الرجل وقالت له إن امرأتك قد أحبت رجلاً آخر وقد عزمت أن تذبحك بالموس عند النوم لتتخلص منك، وقد أشفقت عليك ولزمني نصحك فتيقظ لها هذه الليلة وتظاهر بالنوم لتعرف صدق كلامي، فلما جاء الليل تناوم الرجل في بيته فجاءت زوجته بالموس لتحلق بعض شعرات من حلقه، ففتح الرجل عينيه فرأها وقد أهوت بالموس إلى حلقه فلم يشك في أنها أرادت قتله فقام إليها وقتلها، فبلغ الخبر إلى أهلها فجاء أهلها وقتلوه، وهكذا كان الفساد بسبب الوشاية والنميمة”.
- النوع الرابع: الاحتيال وذلك بإطعام الإنسان بعض الأدوية المؤثرة على العقل فتخبطه.
- أدلة المعتزلة: استدل المعتزلة على أن السحر ليس حقيقة بما يلي:
- قال تعالى: […سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ…] [الأعراف:116].
- قال تعالى: […يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى…] [طه:66].
- قال تعالى: [وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى…] [طه:69].
- وقالوا لو كان للسحر حقيقة لبطل التصديق بمعجزات الأنبياء.
- أدلة الجمهور من العلماء على أن السحر له حقيقة وله تأثير بما يلي:
- قال تعالى: […سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيم] [الأعراف:116].
- قال تعالى: […فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ] [البقرة:102].
- قال تعالى: […وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ] [البقرة:102].
- قال تعالى: [وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد] [الفلق:4].
- الترجيح: يرجح المؤلف رأي الجمهور.
الحكم الثاني- تعلم السحر:
س/ هل يباح تعلم السحر وتعليمه؟
جـ/ اختلف العلماء في حكم تعلم السحر كالآتي:
- ذهب بعض العلماء إلى أن تعلم السحر مباح بدليل تعليم الملائكة السحر للناس قال تعالى: [وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ…] [البقرة:102].
- وذهب الجمهور إلى حرمة تعلم السحر أو تعليمه لأن القرآن الكريم قد ذكره في معرض الذم وبين أنه كفر فكيف يكون حلالاً، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم عده من السبع الموبقات [اجتبوا السبع الموبقات] قالوا وما هن يا رسول الله قال: [الشرك بالله والسحر…] رواه البخاري ومسلم.
- وقال بعض العلماء يجب تعلم السحر على المفتي حتى يفتي عن علم به.
- وبعض العلماء فرق بين تعلمه لمعرفته وتوضيح أضراره للناس فهذا يجوز تعلمه، وأما إذا قصد به تعظيم غير الله والإضرار بالناس فهذا حرام.
الحكم الثالث- قتل الساحر:
س/ هل يقتل الساحر؟
جـ/ اختلف العلماء في ذلك:
- فقال الإمام أبو حنيفة: أن الساحر يقتل إذا عُلِم أنه ساحر ولا يستثنى وأيده الإمام مالك.
- وقال أبو الشجاع: يطبق في الساحر [ذكراً + أنثى] حكم المرتد.
- وقال الإمام الشافعي: لا يكفر بسحره فإن قَتل بسحره عمداً يُقتل مثله.
- وقال الإمام أحمد: يكفر بسحره قَتل به أم لم يَقتل.
وقبول توبته لها روايتان: تقبل عند البعض؛ ولا تقبل عند البعض الآخر.