دور المساجد في تنوير المجتمع

المساجد لها أهمية عظيمة في نشر الإسلام وتوعية المسلمين واجتماعهم وتآلفهم وتفقّد حال من يحتاج إلى إعانة، حيث أنه مجمع الفضائل ومحل العبادة، وشهد الله لمن يعمره بالطاعة بالإيمان فقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ{التوبة: 18}.
أولا/ تعريف المساجد:
هي بيوت الله تعالى لعبادة المسلمين وخاصة الصلاة والموقوتة للأعمال العبادية
ثانيا/ المساجد في القرآن
ذكرت المساجد في عدد من سور القرآن الكريم وكان إجمالي ذكرها في (67) موضعا
ثالثا/ الألفاظ ذات الصلة:
١- الصوامع: هي الأديرة أو بيوت العبادة عند نساك ورهبان النصارى الذين يتخذونها في الأماكن النائية
الصلة بين الصوامع والمساجد
الصوامع والمساجد كلها أماكن التعبد لله سبحانه وتعالى ولكن الصوامع كما قال ابن عباس: هي المعابد الصغيرة للرهبان أما المساجد فيها أماكن التعبد للمسلمين اجمعين
2- الصلوات على الأرجح هي كنائس اليهود
الصلة بين الصلوات والمساجد كلها أماكن التعبد لله عزَّ وجل إلا أن المساجد أماكن التعبد لهذه الأمة والصلوات لما قبلها من اليهود والنصارى على الخلاف في ذلك
3- البيع هي أوسع من الصوامع وهي للنصارى
قال أبو العالية وقتادة والضحاك وغيرهم وقيل أنها كنائس اليهود
الصلة بين البيع والمساجد
البيع والمساجد كلها أماكن التعبد لله عزوجل؛ إلا أن المساجد أماكن التعبد لهذه الأمة، والبيع لما قبلها من اليهود أو النصارى على الخلاف في ذلك
رابعا/ حكمة إقامة المساجد وهي:
- إقامة المساجد لعبادة الله تعالى وحده وطاعته والتقرب إليه، قال تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18] النور(٣٦_٣٨) الحج(٤٠) الاعراف (٢٩) ال عمران (٩٦)
- إقامة المساجد لنشر الترابط الاجتماعي بين المسلمين لتكون مشعل هداية ومحل اجتماع المسلمين على هدف واحد وكلمة واحدة وشعيرة واحدة فيعلمون ويتدارسون وتتربى في المساجد أجيال من المؤمنين أحسن تربية وتنشأ أفضل نشأة ولهذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون المسجد أول بناء في الدولة الإسلامية
خامسا/ مساجد ذكرت في القرآن
ورد في القرآن ذكر عدد من المساجد على رأسها المسجدين: المسجد الحرام والمسجد الاقصى تصريحا، والمسجد النبوي ومسجد قباء ومسجد ضرار تلميحا، وتعلقت بهذه المساجد أحكام شرعية وردت في القرآن الكريم ونبينها لكم على النحو الاتي:
- المسجد الحرام: ورد ذكر المسجد الحرام منصوصا باسمه في (١٥) موضعا في القرآن الكريم، وورد باسم البيت مفرد ومضافا في مواضع أخرى ولكل موضع من هذه المواضيع أحكام على النحو التالي:
- أول بيت وضع للناس، قال تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين} [آل عمران:96] وقال الرسول ﷺ عن أول مسجد بني في الأرض بعد أن سأله أحد الصحابة (المسجد الحرام)، قال: قلت ثم أي؟ قال: (المسجد الاقصى) قلت كم كان بينهما؟، قال (أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فضله فإن الفضل فيه) أخرجه البخاري
- قبلة المسلمين: وذلك في ثلاثة مواضع في سورة البقرة، قال تعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون} [البقرة:144] +(١٤٩_١٥٠)، وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ قال : بينما النَّاسُ بقُباءَ في صلاةِ الصُّبحِ ، إذ جاءهم آتٍ فقال : إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أُنزِل عليه اللَّيلةَ قرآنٌ ، وقد أُمِر أن يستقبِلَ الكعبةَ فاستقبلوها ، وكانت وجوهُهم إلى الشَّامِ ، فاستداروا إلى الكعبةِ) أخرجه البخاري، ويؤخذ من قوله تعالى {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [البقرة:150] دليل على وجوب التوجه إلى القبلة في الصلاة وهو شرط من شروط صحة الصلاة
- تحريم القتال عنده نظرا لمكانة البيت الحرام ومنزلته، فقد نهى القرآن الكريم عن القتال عنده، قال تعالى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِين} [البقرة:191] _١٩٢)
- تحريم الصد عنه، قال تعالى {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون} [الأنفال:34] الفتح(٢٥) الحج(٢٥) المائدة(٢)
- حرمة دخول المشركين فيه، قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيم}[التوبة:28] وفي الصحيحين عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره (أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس (لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريانا) أخرجه البخاري ومسلم
- الحج إلى البيت الحرام هو مقصد المسلمين في فريضة الحج الركن الخامس وهي من أركان الإسلام، قال تعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين}[آل عمران:97] والحج عبادة زمانية ومكانية وإن مكانها البيت الحرام بمكة المكرمة وما حولها من البقاع المقدسة مثل الصفاء والمروة وعرفات ومنى ومزدلفة قال تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيم}[البقرة:158]+(198)
- بداية الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [الإسراء:1]
- المسجد الاقصى: هو ثاني مسجد بني على ظهر الأرض كما هو منصوص عليه في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام قال قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله، فإن الفضل فيه
- ويسمى المسجد الأقصى لبعده عن المسجد الحرام والمقصود بالبركة حوله، أن الله أجرى حوله الأنهار وأنبت الثمار أو لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة، وقد ذكر المسجد الأقصى في آية واحدة في القرآن الكريم صريحة وذكر غير صريح في مواضع متعددة، وجمهور المفسرين وضحوا أن الآية دليل صريح على أنه منتهى الإسراء برسول الله صلى الله عليه دخله بيده الشريف وصلى فيه بالأنبياء إماما ومنه كانت رحلة المعراج
- مسجد قباء: وهو من أشهر مساجد المدينة المنورة بعد المسجد النبوي وقد ذهب كثير من المفسرين وعلماء السيرة إلى أن مسجد قباء هو المقصود في قوله تعالى {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين} [التوبة:108]
- مسجد ضرار: اتخذه بعض المنافقين في المدينة للتفريق بين المسلمين، فجاء القرآن الكريم مبينا زيف صنيعهم وخبث نيتهم وسوء طويتهم ناهيا النبي صلى الله عليه عن الصلاة فيه، قال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون} [التوبة:107] -١٠٩)
سادسا: احكام المساجد
- النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مسجدا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري، وقال تعالى {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} [الكهف:21]
- الإعتكاف: وهي عبادة مشروعة تعني الإقامة في المسجد بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى زمنا معينا وفق شروط معينه وقد ذكر الاعتكاف في القرآن الكريم مرتين، قال تعالى (…. وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} [البقرة:187] روت عائشة(ض) قالت (كان النبي (ص) يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت اضرب له خباء فيصلي الصبح فيدخله ….) اخرجه البخاري ومسلم
- التزيين: قال تعالى {يَابَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} [الأعراف:31]
سابعا: عمارة المساجد وهدمها
قال تعالى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِين} [التوبة:18]
تنقسم عمارة المساجد إلى قسمين مادية ومعنوية
- العمارة المادية: فضلها قال الرسول صلى الله عليه (مَن بنى للهِ مسجِدًا ولو كمَفْحَصِ قَطاةٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّ) رواه مسلم والبناء إما تشييد بناء المساجد أو المشاركة في ذلك أو المحافظة على نظافته قال الرسول صلى الله عليه” المسجد بيت كل تقيّ وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط الى رضوان الله الى الجنة” رواه الطبراني وصححه الألباني
- العمارة المعنوية: وهي لتفعيل وظائف المسجد الست “دار عبادة، منبر دعوى، مدرسة علمية، محضن تربوي، مؤسسة ثقافيه، ومركز اجتماعي” وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل العمارة المعنوية من فضل صلاة الجماعة وغير ذلك
تخريب المساجد .. نهى القرآن الكريم عن ذلك، قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عذاب عَظِيم} [البقرة:114] الحج(٤٠)