نوافذ الفكر والدعوةالفكر والدعوة
أسرار العبادة وأهدافها

قبل أن نبدأ بدرس أسرار العبادة وأهدافها، يجب التذكير بأن غاية الإنسان ومهمته في الحياة، قد بينتها عقيدة الإسلام أوضح البنيان، فالإنسان لم يخلق عبثاً، ولم يترك سدى، وإنما خلق لغاية وحكمة. لم يخلق لنفسه، ولم يخلق ليكون عبداً لعنصر من عناصر الكون، ولم يخلق ليتمتع كما تتمتع الأنعام، ولم يخلق ليعيش هذه السنين التي تقصر أو تطول، ثم يبلعه التراب ويأكله الدود ويطويه العدم.
إنه خلق ليعرف الله ويعبده، ويكون خليفة في أرضه، خلق ليحمل الأمانة الكبرى في هذه الحياة القصيرة: أمانة التكليف والمسئولية، فيصهره الابتلاء وتصقله التكاليف، وبذلك ينضج ويعد لحياة أخرى هي حياة الخلود والبقاء والأبد الذي لا ينقطع.
أولاً/ تعريف العبادة
هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال الظاهرة والباطنة وتشمل النشاط الإنساني في جميع المجالات.
ثانياً/ أسرارها
- هي باب الاتصال بالله والقرب منه والأدلة على ذلك مايلي:
- قال تعالى (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه:14]
- وقال تعالى (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ (19)) العلق
- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء) رواه مسلم.
- وهي دليل التقوى، قال تعالى {يأيها الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:183] (١٨٣) +(37) الحج
- وهي راحة للنفس وسعادتها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (وجُعِلَتْ قُرَّة عَينِي في الصلاة) رواه النسائي بسند صحيح، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (أرحنا بها يا بلال) رواه أبو داوود بسند صحيح.
- وهي حياة القلوب، قال تعالى {يأيها الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون} [الأنفال:24]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) رواه البخاري.
- هي طهارة من كل دنس وغش وخبث، والأدلة على ذلك مايلي:
- قال تعالى وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون} [العنكبوت:45]
- وقال تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [التوبة:103]
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم (زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) أبو داوود بسند حسن
- إنها طهارة الظاهر بنظافة الثوب والمكان والبدن وأعظم من ذلك طهارة الباطن بترك المعاصي والآثام قال تعالى {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُون} [الأنعام:120]
- العبادة نور ينير عقولنا وقلوبنا، فتحل فيه الفراسة وتضفي علينا الحاسة السادسة لنرى بنور الله ونبصر به المكائد التي تحاك لنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الصلاة نور) رواه مسلم وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا) رواه البخاري
- العبادة رحمة من الله إلينا، قال تعالى {وَإِذَا قرئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الأعراف:204]، وقال تعالى (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) ١٠٧ الأنبياء وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرئ صلى قبل العصر أربعاً) رواه أبو داؤود بسند حسن.
- تكفر الخطايا والذنوب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟) قالوا بلى يا رسول الله قال (إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرباط فذالكم الرباط) رواه مسلم وغير ذلك من المكفرات.
- تكسبنا معية الله، ومعية الله لازمة وضرورة عند كل حال وترحال قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما في الحديث القدسي يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.) رواه مسلم ، وقال الله تعالى {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [التوبة:40]
- هي مفزع الخائفين وأمان الوجلين، كان النبي صلى الله عليه وسلم (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى) رواه أبو داود بسند حسن، وعن أبو موسى الأشعر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) رواه البخاري
- وهي توجه نشاط الإنسان في جميع مجالات الحياة، قال تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [الجمعة:10]