2025-06-09 3:28 م
إدارة الموقع
2025-06-09 3:28 م
سيرة ومسيرة

[31]  الرحلة الدعوية من مكة إلى صعدة

سأحكي لكم في هذه الحلقة من برنامج سيرة ومسيرة أبرز أحداث الرحلة الدعوية من مكة المكرمة في السعودية إلى مدينة صعدة في اليمن وكانت كالتالي:

الرحلة من مكة إلى محافظة صعدة

كانت هذه الرحلة الدعوية في عام (1395هـ -1975م )، حيث كان الشيخ عبدالمجيد عزيز الزنداني رحمه الله رئيس مكتب التوجيه والإرشاد التابع لوزارة الأوقاف حينذاك، ووصل إلى مدرسة دار الحديث بمكة المكرمة وطلب من إدارة المدرسة أن  يلتقي بالطلاب اليمنيين الذين يدرسون في الدار، فقامت إدارة الدار بجمع الطلاب اليمنيين، وحين حضر الشيخ ألقى محاضرة وصف فيها حالة الجهل المنتشر في القبائل اليمنية الشمالية وطلب منا المشاركة في توعيتهم، ثم قامت إدارة الدار بتسجيل من يريد  يشارك في ذلك، فسجل بعض الطلاب أسماءهم وأنا أحدهم  في صيف عام 1975م، بعدها قمنا بترتيب السفر إلى صنعاء عبر الطيران فغادرنا مكة المكرمة بتاريخ 19/7/1395هـ الموافق 28/7/1975م ووصلنا صنعاء في اليوم التالي، ثم غادرناها متجهين إلى صعدة في يوم 6/8/1395هـ الموافق 6/8/1975م على متن سيارة تسمى “أنيت” مكشوفة وعددنا ستة، حيث كان يسوق السيارة الشيخ الزنداني، وكان يجلس بجانبه اثنين والبقية في الجزء المكشوف، حيث يمشي مسافة ثم يستبدل الإثنين الذين ركبا بجانبه اثنان آخرين من الجزء المكشوف، وهكذا استمر التناوب حتى وصلنا إلى وادي (آل ابي جبارة) في محافظة صعدة .

وفي أثناء السير كان  الشيخ الزنداني يحثنا على الصبر والمصابرة في سبيل الله والدعوة إليه، ولأول مرة نعايشه عن قُرب فوجدناه متواضعاً صبوراً لطيفاً حسن العشرة.

بقينا في قبيلة وادي ( آل ابي جبارة) حوالي سبعة أيام من 28 رجب إلى 4 شعبان الموافق 6- 11 أغسطس، حيث تم توزيع الأخ محمد ناجي الصهباني رحمه الله الذي سافرت أنا وهو إلى وادي لا أتذكر اسمه، وأنا أرسلوني إلى وادي (آل مقبل) وكانت المسافة بيني وبين الأخ محمد ناجي حوالي ست ساعات مشياً على الأقدام، ولا توجد طريق سيارة بيني وبينه، ولا يوجد تلفون يجعلنا نتواصل من خلاله.

عندما وصلت إلى (آل مقبل) سلموا لي ورقة يسمونها (هَجَر ) تعني ضمانة بسلامتي لأن الذي يحضر إلى المنطقة ولم يسلموا له هذه الورقة التي فيها تأمينه تعتبر حياته معرضة للخطر!!

وكان يوجد في المنطقة قريتان، قرية فيها مواطنون عاديون يسمون “قبائل” حيث يوجد فيها مسجد يُصلى فيه الفروض الخمسة بدون الجمعة، أما القرية الأخرى فيها أناس يسمون “السادة”، والمسجد في هذه  القرية يُصلى فيه الجمعة إضافة إلى الفروض.

وبعد وصولي للقرية الأولى أسكنني القبائل في بيت يتكون من ثلاثة طوابق، وكنت فيها وحدي لا يوجد ساكن غيري، أما صاحب المنزل فقد كان يسكن هو وأسرته في منزله الآخر بجواري، وكنت أصلي بأصحاب القرية في مسجد القرية، أما يوم الجمعة كنا نذهب جميعاً إلى المسجد الآخر في قرية السادة.

وفي أول جمعة من رمضان قمت بعد صلاة الجمعة في مسجد قرية السادة لألقي موعظة فانتفض السادة كلهم في وجهي وصاحوا بقوة ومنعوني من أن أخاطب الناس!! وقالوا ساخرين “لغلغي من الحجرية جاء ليعلمنا ويوعظنا!!”، فيما انتفضت القبائل كلهم يناصروني ووقفوا ضد التصرف السيء الذي قام به السادة لأنهم أعطوني الأمان.

حينها قالت لي القبائل: اذهب إلى البيت ونحن سنبقى معهم، وبقوا في شجار من بعد صلاة الجمعة حتى المغرب ثم انصرف كل فريق إلى منازلهم، وبعد هذا الموقف قررت القبائل أن نصلي الجمعة في مسجد قريتهم فكنت أخطب فيه الجمعة، ولم يذهب أحد من رجال القرية يوم الجمعة إلى مسجد السادة، حتى صلاة العيدين (الفطر والأضحى) صليناها في السائلة المقابلة للقرية، أما السادة فقد صلوا في السائلة المقابلة لقريتهم، وبقينا على هذا الحال حتى غادرت المنطقة.

واشتهر في المنطقة أن الأساتذة أعداء للسادة، والسادة أعداء للأساتذة!!

  • وأثناء بقائي في المنطقة وكذلك في المناسبات كنت أُعَلمُ الناس في المسجد، إلا أن لهجتي تختلف عن لهجتهم فكان بعضهم يقول لي: “يا أستاذ نحن لا ما نفهم كثيراً من كلامك!! إلا أننا (نرهب رهبة).
  • وأحياناً كان الشيخ محمد علي المؤيد رحمه الله يأتي الى عندي ثم يذهب إلى أماكن أخرى، وكان يناقش السادة ويجادلهم بالتي هي أحسن.
  • وكنت أحضر مناسباتهم في الأفراح والأتراح، وفي إحدى مناسبات الزفاف التي حضرتها كانوا يقومون بالبرع بأن يصطفوا صفين صف للرجال وآخر للنساء، الرجال متماسكون في صف والنساء متماسكات في صف ويقرب كل صف من الآخر ويبتعدون!! فبينت لهم أن اختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فانتهوا.
  • وكنت أعد الإدام بنفسي _نوع من الطعام_ وهم يحضرون لي الخبز، وكنت أعيش معهم معظم الوقت وبعض الأوقات أبقى لوحدي ولا يوجد عندي لا كتب ولا وسائل إعلام ولا تليفون.
  • وأما منازلهم فكانت مبنية من الطين مختلطاً من مخلفات البر أو الشعير يسمى التين، حيث كانت البيوت الطينية تتكون من طابق أو طابقين وقد تصل الى ثلاثة وأحياناً أربعة طوابق، ويسقفون الغرف بالأخشاب التي يقطعونها من الأشجار، ثم يضعون بين الأشجار قطعاً صغيرة يشقونها ويتم تقطيعها إلى قطع تسمى عندنا (فِلَق).
  • كانوا يحفظون بالحبوب التي يحصد بها في المزارع في الغرف، فيضعون طبقة من الحبوب وفوقه تراب ناعم، ثم يضعون طبقة أخرى من الحبوب وفوقها طبقة من تراب ناعم حتى يصل إلى صٌبة أو كومة من الحبوب وفوقه التراب، وعندما يريدون الأخذ منه يغرفون منه ثم ينخلونه فيذهب التراب وتبقى الحبوب، ثم يغسلونه بالماء لإزالة اثار التراب ويطحنونه ثم يستخدمونه للأكل.
  • وبعد أن مكثت سبعة أشهر في وادي (آل مقبل) غادرته إلى وادي (آل ابي جبارة) في 28/2/ 1396 هـ الموافق 28 /2/1976م، وهناك التقيت بزميلي الأستاذ محمد ناجي الصهباني رحمة الله عليه حيث سافرنا إلى مدينة صعدة لكي نسافر منها إلى صنعاء، لكن فوجئنا بأن الطريق بين صعدة وصنعاء مقطوعة!! والذي قطعها القبائل بسبب وجود خلاف بين قبيلتين، فبقينا ثمانية أيام ننتظر فتح الطريق، وكان جلوسنا عند بعض الزملاء الذين كانوا يُدَرِسون بصعدة خدمة إلزامية بعد الثانوية، ثم غادرناها متوجهين إلى صنعاء وفي منتصف الطريق أوقفونا من الساعة الثانية عشر ظهراً إلى الثانية عشر منتصف الليل في مكان ليس فيه شيء من الطعام أو الشراب!! ثم فتحوا الطريق ووصلنا صنعاء صباح يوم 7/3/1396هـ الموافق  7/3/1976 م وبقينا في صنعاء أربعة أيام ننتظر الطيران، ثم غادرنا صنعاء إلى السعودية يوم 11/3 هـ 11/3 م ، واتجهنا إلى مكة المكرمة و بقينا فيها ثلاثة أيام، حيث أدينا العمرة ثم غادرنا مكة المكرمة باتجاه المدينة المنورة يوم 14/3/هـ الموافق 14/3 م ووصلناها بنفس اليوم، وكان معنا بالسيارة “الضابط محمد مفتاح” ضابط في معسكر العمالقة وهو شخص لطيف حيث كان تعارفنا في السيارة أثناء السفر، وكان أيضاً معنا شخص آخر يسكن في المدينة المنورة قال لنا: أنتم ضيوفي يوم الجمعة، فوافقنا جميعاً وقام بتعريفنا بمكان البيت.
  • قبل يوم الجمعة “ولكن بعد ما افترقنا” اتفق معه الضابط محمد مفتاح مع المضيف بإلغاء العزومة بدون أن يبلغنا!! وفي يوم الجمعة نقلنا باص الجامعة مع الطلاب إلى المسجد النبوي لتأدية صلاة الجمعة هناك، وبعد الصلاة أخبرنا زملاءنا بأننا سنتأخر، فذهب الباص الذي ينقل الطلاب إلى الجامعة كعادته وذهبت أنا وزميلي محمد ناجي الصهباني رحمه الله إلى بيت المضيف الذي عزمنا ، لكننا تفاجأنا بعدم وجوده !!
  • وسألنا أولاده عنه فأفادونا أنه في مكان بعيد ولن يعود إلى البيت إلا في المساء!! فانصرفنا سريعاً واستأجرنا تكسي إلى الجامعة، حيث تناولنا الغداء في مطعم الجامعة حيث كان مازال الغداء متوفراً فيه، ’’تعقيب : كان الرجل أثناء السير يصف أصحاب الجامعة الإسلامية “بالمنافقين”!! وربما فكر بعد دعوتنا للعزومة أننا من “المنافقين” فألغى العزومة’’.
  • وبعد وصولنا المدينة المنورة واصلنا دراستنا في المعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية في الصف الأول الثانوي وقد أشرت إلى ذلك سابقاً في رحلتي التعلمية.

[32] مَرّ وهذا الأثر

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى