2025-06-18 11:16 م
إدارة الموقع
2025-06-18 11:16 م
الإيمان والإسلامالإيمان والإسلام

الإيمان الإيجابي المؤثر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد :- فإن الحديث عن الإيمان يطول بنا كثيراً ِلأن الله ذكر الإيمان ومشتقاته في القرآن الكريم في(812) موضعا، وذكر الإيمان مع أركانه ومستلزماته في (4230) موضعا، وذكر القرآن مواصفات الأيمان (54) صفة في القرآن الكريم ولكن حسبنا أن نقف مع بعض المواصفات ونربطها في واقع الحياة ونوجز ذلك في الآتي :

أولاً: مفهوم الإيمان:

الناس أمام الإيمان اربعة اصناف

  1. الصنف الاول: هو من يعتقد في القلب وينطق باللسان ويعمل بالجوارح هذا يعتبر مؤمنا كامل الايمان
  2.  الصنف الثاني: هو من يعتقد في القلب ويجحد باللسان والا يعمل بالجوارح وهذا يعتبر جاحد، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }النمل14.
  3.  الصنف الثالث: هو من يجحد في القلب وينطق باللسان ولا يعمل بالجوارح وهذا يعتبر منافق،
  4. الصنف الرابع: هو من يعتقد في القلب وينطق باللسان ولا يعمل بالجوارح وهذا يعتبر فاسق.

ثانيا: مراتب الإيـمان وتتمثل في الآتي:

  1. المرتبة الاولى: الإيمان الذي لا يوجه سلوك الفرد وانما يكون سلوكه نابع من البيئة التي يعيش فيها
  2. المرتبة الثانية: الإيمان يوجه بعض السلوك السهل ولا يستطيع يوجه بقية سلوكه وهذا يعتبر ضعيف ايضاً
  3. المرتبة الثالثة: الإيمان يوجه سلوك صاحبه فقط ولا يتجاوز ذلك وهذا ضعيف ايضاً, قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم
  4. المرتبة الرابعة: الإيمان يوجه سلوك صاحبه ويوجه سلوك الأخرين وهذا هو الايمان الايجابي المؤثر قال تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالعروف وينهون عن المنكر …) التوبة (71).

  ثالثا: المواصفات التي سنتناولها هي مواصفات الإيمان الإيجابي المؤثر

  • الصفة الأولى: قوة التأثير.  
  • الصفة الثانية: التعالي عن الشهوات.
  • الصفة الثالثة: التعالي عن الشبهات.                           
  • الصفة الرابعة: التعالي عن الصغائر.
  • الصفة الخامسة: التعالي عن الخوف من غير الله.

 الصفة الأولى: قوة التأثر

 فإن المؤمن لا بد أن يكون له تأثيراً إيجابياً على الغير فقد ضرب الله مثالين في القرآن الكريم لقوة تأثير المؤمن على غيره من الناس .

  1.  المثال الأول: قال تعالى { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} النور35،
    • فمثل نور الله في المؤمن كمشكاة .
    • المشكاة هي الكوة (طاقة) التي لا تنفذ  الى الخارج  يقابلها جسم المؤمن والمصباح في المثال يقابلها  إيمان المؤمن والزجاجة في المثال يقابلها قلب المؤمن.
    • فتوضيح ذلك يكون بحسب المعادلة التالية:
    • إذا كان هناك نور قوي + زجاج نقي = إضاءة قوية.
    • وإذا كان النور ضعيفاً + زجاج ملوث = إضاءة ضعيفة .
    • وكذلك إذا كان إيمان المؤمن قوياً وقلبه نقياً يكون التأثير قوياً أيضاً وإذا كان إيمان المؤمن ضعيفا وقلبه يوجد فيه أمراض فيكون تأثيره ضعيفاً ويتمثل التأثير في تجسيد المؤمن لمبادئ وقيم وأخلاق الإسلام في سلوكه فيرى الناس القيم والأخلاق الإسلامية متجسدتاً
    • في سلوكه فهذا يقتدي بصدقه وهذا يقتدي بأمانته وهذا بصبره .
  2. وأما المثال الثاني: قال تعالى: { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا…} الرعد:17
    1. (أنزل من السماء ماء) في هذا الجزء من الآية مشبه ومشبه به ووجه شبه.
    2. أما المشبه فهو الوحي وأما المشبه به فهو الماء وأما وجه الشبه النزول (فسالت أودية بقدرها) وفي هذا الجزء من الآية أيضاً مشبه وهي القلوب ومشبه به وهي الوديان وأما وجه الشبه فهو الاستيعاب ويكون هذا بحسب المعادلة التالية:
    3. وديان واسعة تستوعب من مياه الأمطار كثيراً وتنتج كثيراً من الزروع والثمار فيلتف الناس حولها كثيراً .
    4. وإذا كانت وديان ضيقة فتستوعب من مياه الأمطار قليلاً فتنتج من الزروع والثمار قليلاً فيلتف الناس حولهاً قليلاً وكذلك المؤمن إذا استوعب من الوحي كثيراًُ ينتج كثيراً مما ينفع الناس من المحاضرات والكتب والمقالات في الصحف والمجلات والأشرطة والفضائيات ووسائل التواصل فكل من قرأ له أو سمعه أو شاهده في فضائيات ينتفع فيتأثر .
    5. وأما المؤمن الذي يستوعب قليلاً من الوحي فينتج قليلاً وبالتالي يكون النفع قليلاً فيلتف الناس حوله قليلاً.

الصفة الثانية: التعالي عن الشهوات:

  1. وأما التعالي عن الشهوات هو معرفة المؤمن لوظيفة متع الحياة وتوظيفها بصورة صحيحة  ووضيفتها أنها معينات للمؤمنين على أداء دورهم في هذه الحياة :
  2. وما هو دور المؤمنين هو عبادة الله قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56}مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ  {57}إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{ 58}الذاريات، وتنقسم العبادة إلى قسمين:
    1.  القسم الأول: العبادة الشعائرية:  وهي الصلاة والصيام والزكاة والحج وتلاوة القرآن والدعوة إلى الله والذكر والدعاء وأدلتها واضحة في القرآن والسنة.
    2. القسم الثاني : العبادة الوظيفية : وهي المتعلقة بوظيفة الإنسان في هذه الحياة، قال تعالى :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }هود61، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعاً فيأكل منه طيراً او انساناً او بهيمة الا كان له بهي صدقة ) رواه البخاري ومسلم  , وهذه العبادة لها ثوابان في الدنيا والأخرة , قال تعالى ( من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا ) النساء(134). بشرط ان يكون الدافع لا داءها التعبد لله، ومن أمثلـة هذه العبادات:
      • أداء الوظيفة الحكومية وفي القطاع الخاص
      •  الزراعة
      •   التجارة
      •  الصناعة …الخ

وعندما كلفنا الله بعبادته هيئا لنا معينات تعيننا على أداء دورنا لأننا بشر نحتاج إلى معينات، أما الملائكة فلا يحتاجون إلى معينات، وهذه المعينات هي متع الحياة من طعام وشراب ومسكن وملبس ومنكح ومركب … .

فأما العبادة الشعائرية فقد حدد الله ثوابها في الآخرة فقط وقد يوجد لها بعض الثمار العاجلة فليست هي ثمن للعبادة وإنما هي بمثابة الجائزة من الله وقد وضح ذلك رسول الله للأنصار أثناء بيعة العقبة عندما سألوه وما لنا فقال الجنة فقط.

وعندما التبس هذا الأمر على الصحابة رضوان الله عليهم بأن جعلوا الغنائم حقاً لهم مقابل جهادهم  فنزل القرآن ليصحح هذا المفهوم لديهم ويعرفهم أن ما حصلوا عليه من الغنائم فهو فضل من الله ويعتبر بمثابة الجائزة، وليس حقاً لهم اكتسبوه من جراء الجهاد فإن أجر جهادهم في الجنة ، أما ما يحصل عليه المؤمن في الدنيا لا يساوي ثمن جهاده، لأن اجر الجهاد عظيم ليس له ثمن في الدنيا.

وقد صحح هذا الفهم القرآن الكريم في موقفين ، وصحح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفهم في مواقف :

  1. الموقف الأول: في بدر عندما حدث خلاف بين الشباب والشيوخ من الصحابة الكرام حول الأنفال فنزل قوله تعالى :{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }الأنفال.
  2. الموقف الثاني: في غزوة أحد قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران152.
  3. الموقف الثالث: الذي صححه الرسول r في غزوة حنين عندما ندب الأنصار سعد بن عبادة ليخبر الرسول r بأن الأنصار وجدوا في أنفسهم لما وزعت الغنائم ولم يكن للأنصار نصيب فوضح لهم رسول الله r فأقنعهم ولم يعطهم شيئاً من المال ومن هذا المنطلق فإن أي داعية من الدعاة لا بد أن يكون لديه فهماً دقيقاً لهذا فلا يضغط بعمله الدعوي على أحد ولا يعتبر ما  قد يحصل عليه من منفعة آنية ثمرة من ثمار دعوته ولا يعتبره حقاً بل هو فضل من الله إن جاء بطريقة شرعية  فلا يمتنع عن أخذه وإن لم يأت فلا يندم على حرمانه منه.

فنحن نعمل في سبيل الله، إما تعبدنا لله في بناء الحياة فهذا قد حدد الله له ثمرة في الدنيا وثواباً في الآخرة لمن نوى بعمله التعبد لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً..} النساء:134.

فالزارع يزرع وهو ينوي نية التعبد والله كلفه بذلك فينال ثواب الدنيا (الثمرة) وثواب الآخرة (الأجر عند الله) وكذلك التاجر والموظف والطالب وغيرهم.

ويترتب على هذه النية إن الإنسان عندما يعمل يستشعر رقابة الله عليه أكثر من استشعاره رقابة البشر فيكون أكثر جدية واخلاصا في عمله وأيضاً يستحي أن يعصي الله في ميدان العبادة بأي نوع من أنواع المعاصي كالغش والنصب والخداع فاذا كان دافع الانسان لهذا العمل ان يحصل على الراتب او الثمرة او الناتج فقط فهذا قد يحصل على ثواب الدنيا فقط, قال تعالى (.. فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق}[البقرة:200] وما اذا كان الدافع لهذه العبادة  التعبد لله فيحصل على ثواب الدنيا والاخرة, قال تعالى {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار}{أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب}[البقرة:202

والذي كلفنا بعبادته بقسميها هيأ لنا معينات نستعين بها على أداء دورنا من طعام وشراب ومسكن وملبس ومركب ومنكح وجعل لهذه المعينات ثمرتان:

ثمرة في الدنيا وهي (المتعة) وثمرة في الآخرة وهي (الثواب) قال الرسول صلى الله عليه وسلم (.. وفي بضع أحدكم صدقة…) إذا نوينا بها الاستعانة على أداء دورنا، ولكن قد تتحول هذه المتع من معينات إلى معيقات من خلال الأمور التالية :

  • الأمر الأول: إذا انشغلنا بالتمتع بها عن أداء دورنا كمثل عامل أعطيته أجره وهيأت له المعينات من طعام وشراب وغيره ثم كلفته بعمل محدد وذهبت عنه وعدت إليه لترى ماذا عمل ولكنه أخذ الأجر وتمتع بالمعينات وبقي منشغلاً بها فسائلته ماذا فعلت فرد عليك قائلاً أنا الآن مكيف بالمعينات التي أعطيتني إياها فاتركني أكمل كيفي ، فكيف سيكون موقفك منه …!!! ؟؟
  • الأمر الثاني: إذا انشغل بالبحث عنها وترك دوره الذي من أجله وجد في هذه الحياة فمثله كمثل طالب ذهب بمنحة علمية إلى أي دولة من الدول وأوصل وثائقه إلى الجامعة الموفد إليها وتركها بعد ذلك .وذهب يشتغل حتى انتهى وقت المنحة ثم طلب منه  أن يغادر البلد الموفد إليها ففوجئ بذلك ولم يكن قد درس فعاد ولم يحقق هدفه فكذلك الإنسان الذي ينشغل بالبحث عن المتع وترك دوره أو همشه فيطلب للعمل في سبيل لله  فيقول أنا مشغول أنا مشغول، فيأتيه ملك الموت فيقول له غادر الحياة فيقول أنا مشغول فلا يسمح له بالبقاء فيقول كما حكى الله عنه  {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{ 100} } المؤمنون، فالمتع هي نعم الله على الإنسان لكي يهيئ له أداء دوره في هذه الحياة فإذا تحول هو خادما لها يصبح هو عبد ، والمتع المعبودة قال الرسول r ( تعس عبد الدينار و الدرهم والقطيفة والخميصة , إن أعطي رضي , وإن لم يعطى لم يرضى) رواه البخاري، ويكون مثله كمثل من يحمل ( المتور او الحمار ) على ظهره فيتحول الراكب مركوب والمركوب راكباً .
  • الأمر الثالث: أن يساوم بها على المبادئ والقيم فيتنازل عن مبادئه أو بعضها لأشخاص أو جهات مقابل ما يحصل من مصلحة منهم ويغضب الله سبحانه الرازق الحقيقي بسبب تنازله عن مبادئه وقيمه، فلا بد أن يعتقد المؤمن أن الرازق هو الله وحده سبحانه وتعالى، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }الذاريات 58  وإنما شاءت إرادة الله أن يودع أرزاق عباده عند بعضهم البعض وحدد أساليب وطرق لتحصيلها محددة في كتابه وسنة نبيه مثل البيع والشراء والتجارة والزراعة، والإرث والهبة  والوصية والوظيفة، فالذي يتوهم بأن مصلحته أو رزقه بيد أحد من المخلوقات أو جهة من الجهات أو حزب من الأحزاب مثله كمثل شخص أرسل لقريبه مبلغاً من المال، واتصل به بأنه قد أرسل له مبلغاً من المال بواسطة احد المصارف، فذهب إلى المصرف وأخذ المبلغ واتصل لصاحبه وقال له منحني الصيرفي مبلغاً من المال قدره كذا، وأشكره شكراًً جزيلاً وأما أنت فلست بحاجتك ، فماذا يكون الموقف …؟! وكذا الإنسان الذي يتقرب إلى المخلوقين ويترك الخالق الرازق .قال تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم}[التكاثر:8]
  • الأمر الرابع: أن يأخذ المتع من حرام أو يستمتع بها في الحرام قال الرسول r: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه فيما عمل به ) رواه البيهقي وابن حبان .

الصفات الثالثة: التعالي عن الشبهات:-

 والشبهة: هي ما التبس فيها وجه الحق من وجه الباطل أو ما التبس فيها الحلال من الحرام قال الرسول r ((إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه )) متفق عليه , فكل ما قوى الإيمان ضعفت  الشبهات .. وكلما ضعف الإيمان قويت الشبهات ، فالعلاقة عكسية بين قوة الإيمان و ضعف الشبهات، وضعف الإيمان وقوة الشبهات، قال تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29.

فالفرقان هو الوضوح الكامل لدى المتقي بين الحق والباطل أو الحلال والحرام.

المثال: لو أن أحداً من الناس سافر من بلده إلى بلد آخر فإذا كان يعرف الطريق معرفة كاملة من بلد المغادرة إلى بلد الوصول فيتوجه ثابت الخطى واثق لا يتردد فإذا لقي شخصا وسأله إلى أين أنت متجها فأجابه إلى منطقة كذا فقال له إنك أخطأت الطريق فلا يؤثر فيه هذا التشكيك ويمضي نحو وجهته وأما إذا كان لا يعرف الطريق فإن التشكيك سيؤثر في سيره نحو وجهته وسيتردد ويضطرب ويبقى في حيرة , قال تعالى (إن الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) الاعراف (101 – 102 ) .

الصفات الرابعة: التعالي عن الصغائر:-

 فكل إنسان له محيطات أربعة يعيش في وسطها:-

  1. المحيط الأسري.
  2. المحيط الاجتماعي.
  3. محيط العمل.
  4. محيط الزملاء.

والصغائر هي تفاصيل سلوك الفرد فأحياناً تتعارض بعض السلوكيات لفرد مع سلوك فرد آخر من الأمور البسيطة فمتى تجاوزها وتعالى عليها الإنسان أكرمه الله بمحبته ومحبة الناس واحترامهم له ومهبته بينهم، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }الفرقان63، وقال تعالى {  وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }الفرقان72، وقال تعالى:{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }القصص55.

وأما إذا التفت الإنسان إلى هذه الصغائر ودخل في مماحكة مع من يعيشون معه عاقبه الله بإهدار وقته وجهده وماله دون فائدة تذكر، وسبب له العداوة والبغضاء والاستهانة في المحيط الذي يعيش فيه، قال تعالى: {..فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }المائدة14، حتى بعد موته تبقى البغضاء وحتى يوم القيامة .

الصفة الخامسة: التعالي عن الخوف من غير الله:

إن الخوف هو اضطراب نفسي داخلي ينتج عنه سلوك خارجي والخوف إما أن يكون فطرياً وهو خوف الإنسان من كل ما يؤذيه ويزعج استقراره فيستعد لمقاومته ويحذر منه فهذا خوف طبيعي وأما أن يكون خوفاً يمنع المؤمن من تنفيذ أمر الله له أو يدفعه لمعصية الله فهذا هو الخوف المذموم الذي يجب على المؤمن الترفع عنه

ومسببات الخوف هو أن يخاف الإنسان ممن هو أقوى منه.

أنواع القوى التي يمنحها الله الناس بصورة متفاوتة وليست متساوية:-

  1. قوة البدن
  2. قوة المال
  3. قوة العلم
  4. قوة الذكاء
  5. قوة السلطان

وقد شاءت إرادة الله أن يمنح الناس هذه القوى بصورة متفاوتة لأهداف ثلاثة:

  1. الهدف الأول: أن الحياة لا تسير إلا بهذا التنوع.
  2. الهدف الثاني: أن الله يبتلي من منحه هذه القوة هل سيسخرها لطاعة الله وينتفع بها هو وأسرته وينفع الناس من حوله أو سيسخرها لإشباع أنانيته فيعصي الله بها ويؤذي الناس من حوله.
  3. الهدف الثالث: يبتلى الله الناس الذين يعيشون في محيط من منحه الله هذه القوى أو بعضها هل سيخافون منه أو أنهم سيخافون من الله فقط.

فالمؤمن القوي الإيمان يقارن بين قوة المخلوق والتي يشوبها عيوب أربعة :

  1. العيب الأول: أنها ممنوحة وليست ذاتية وقوة المانح اقوى من قوة الممنوح.
  2. العيب الثاني: فهي محدودة المكان.
  3. العيب الثالث: فهي محدودة الزمان.
  4. العيب الرابع: فهي محدودة المقدار.

وبين قوة الله المطلقة التي لا حدود لها ، فيخاف المؤمن قوة الله المطلقة ولا يخاف من قوة المخلوق المحدودة.

سنة الله التي لا تتحول ولا تتبدل

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى