الفقر في الإسلام: حقٌّ شرعيٌّ للتكافل لا منّة

الفقر في الإسلام قضية إنسانية ذات أبعاد أخلاقية ودينية، تعكس جوهر التشريع الإسلامي في بناء مجتمع متراحم ومتكافل، وفي ظل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها كثير من المسلمين اليوم، خصوصًا في المدن المتضررة، تبرز أهمية العودة إلى المبادئ الإسلامية في دعم الفقراء والمحتاجين، لا كمجرد عطف، بل كواجب شرعي منصوص عليه في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
منظور الفقر في الإسلام
ينظر الإسلام إلى الفقر كدعوةٍ صامتةٍ للتراحم والتكافل، إطارٍ يربط بين القلوب ويشيد جسور الأمان الاجتماعي. فالمولى سبحانه جعل من أموال الأغنياء مخزوناً رحيمًا لا ملكًا خاصًا مطلقًا، يمنح الفقير فيه حقًّا ثابتًا لا منّةً فيه، كما بيّن في كتابه الكريم: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [الذاريات: 19] هذه الآية العظيمة تذكرنا بأن المال في نظر الإسلام مُسْتَودَعٌ يخصّص منه زكاةً واجبةً للنفوس الضعيفة والمحتاجين، فتتحول الصدقات من أعمال رحمةٍ تلقائية إلى ركيزةٍ فقهيةٍ تُرسّخ مبدأ العدالة الاقتصادية. وعندما يجود الغني بماله، لا يُقدّم معروفًا فحسب، بل يفي بحقٍ شرعيٍ سواها من الحقوق، فيرتفع صَرْفُ البغضاء ويحلُّ محلَّهُ تبادل الثقة والأمل.
إن الفقر في هذا السياق يصبح امتحانًا إلهيًا لكل مسلم: للغني اختبارٌ في كمال إيمانه بإنكال بعضٍ من ماله لراحة أخيه، وللفقير امتحانٌ لصبره ورزانته، فتتجلى حكمة الإسلام في رسم خارطة إنسانية يتساوى فيها الجميع على قدر التضامن والرحمة، بعيدًا عن النظرة الفردية الضيقة. وفي هذا التصوّر العميق، تصير الصدقة والزكاة والأوقاف أدواتٍ فعّالةٍ لإعادة توازن المجتمع، وتنمو في النفوس روح الأخوّة التي يباهي بها الإسلام أمام الأمم.
كيف واجه النبي ﷺ الفقر في المجتمع الإسلامي الأول؟
لقد كان النبي ﷺ خير قدوة في التعامل مع الفقراء والمساكين، فقد كان يُجالسهم، ويأكل معهم، ويحثّ أصحابه على رعايتهم. قال رسول الله ﷺ: “من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته” [رواه البخاري].
وكان الصحابة يتنافسون في العطاء، حتى إن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تصدق بأموال عظيمة، وقصصهم في التكافل تمثل دستورًا عمليًا لنا اليوم.
التكافل الاجتماعي: فريضة وليس ترفًا
في مجتمع مثل مجتمعنا حيث الكرب متواصل، واحتياجات الناس تتزايد يومًا بعد يوم، فإن التكافل الاجتماعي ليس مجرد خيار أخلاقي، بل هو فريضة شرعية ومطلب حضاري.
قال النبي ﷺ: “أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله” [رواه أحمد]، وهذا الحديث يُرعب القلوب المؤمنة: كيف نغفل عن الجار والجائع والمحروم ونزعم أننا على صلة بالله؟.
مسؤوليتنا في زمن الأزمات
إن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مدينة تعز وسكانها، تتطلب من كل فرد أن يُراجع موقفه ويفكر:
- هل أخصص جزءًا من مالي للفقراء؟
- هل أبحث عن أسر مستورة لا تسأل الناس إلحافًا؟
- هل أنشر ثقافة التكافل في بيتي وأبنائي؟
هذه الأسئلة ليست ترفًا، بل هي واجب ديني وضمير إنساني.
لقد علّمنا الإسلام أن الفقر ليس ذنبًا، لكنه مسؤولية مشتركة. في كل بيت رزق زائد، وفي كل قلب مؤمن قدر من الرحمة، فلنكن عونًا لإخواننا، ولنُحيي سنة العطاء، حتى يفرج الله الكرب ويعم الخير، وأخرًا ” كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.”
اقرأ أيضاً الصحة النفسية للمسلم: سكينة الروح بين ظلمة القلق ونور الإيمان