تفسير سورة الأنفال
الدرس الرابع (سورة الأنفال)
من الآية (26-33) النهي عن خيانة الله ورسوله ومكانة التقوى

في الآيات الـ26 وحتى الـ 33 من سورة الأنفال تحدثت عن نهي خيانة الله ورسوله ووضحت مكانة التقوى للمؤمن، سوف نعرفكم أكثر على أهداف الدرس وتفسيره في بقية السطور
أولاً/ أهداف الدرس
- تذكير الله للمؤمنين بوضعهم وهم يخافون ان يتخطفهم الناس وبنعمته عليهم بالتأييد والنصر.
- إبراز خطورة خيانة الله ورسوله.
- بيان حقيقة التقوى ومكانتها.
- توضيح أنواع كيد المشركين ومؤامراتهم.
ثانياً/ التفسير والبيان لهذه الآيات من سورة الأنفال
- (27) (وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ) الإعراب: فيه وجهان
الأول: أن يكون مجزوماً بالعطف على قوله تعالى (لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ) والواو واو المعية وتخونوا منصوب بواو المعية.
الثاني: أن يكون منصوباً ب أن المضمرة بعده على جواب النهي بالواو لقول الشاعر لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك اذا فعلت عظيم، (لاَ تَخُونُواْ) الخيانة في الأصل: النقص وإخلاف المرتجى ثم استعملت في الإخلال والنقص والغدر وإخفاء الشيء الذي هو ضد الأمانة والوفاء وفيه معنى النقصان
(أَمَانَاتِكُمْ) ما اؤتمنتم عليه من الدين وغيره من التكاليف الشرعية
والأمانة: كل حق يجب أداؤه الى الغير. - (28) (فِتْنَةٌ) إختبار وابتلاء بما يشق على النفس فعله أو تركه وهي تكون في الإعتقاد والأقوال والأفعال والأشياء فيمتحن الله المؤمن والكافر على السواء.
(وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم) فلا تضيعوه بمراعاة مصالح الأموال والأولاد - (29) (إَن تَتَّقُواْ اللّهَ) التقوى: هي امتثال المأمورات واجتناب المنهيات وسميت بذلك لأنها تقي العبد من النار.
فرقاناً: نصراً ونجاة تنجون مما تخافون وسمي بذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله ومنه سمي يوم بدر بقوله يوم الفرقان لأنه فصل بين الحق والباطل، أو يجعل لكم بياناً وظهوراً يشهر أمركم ويبث صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض ورأى بعض العلماء أنه العلم الصحيح والحكم الراجح، أو نور البصيرة والهداية الذي يفرق بين الحق والباطل، وقد أطلق اللفظ على التوراة والانجيل والقرآن وغلب على الكتاب الأخير، قال تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)، والخلاصة: أن الفرقان: هو الفارق الفاصل بين الحق والباطل وهذا تفسير أعم مما ذكر ويستلزم ما ذكر فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك نواهيه ووفق لمعرفة الحق من الباطل فكان ذلك سبب نصرته ونجاته في الدنيا وسعادته في الآخرة وإثابته الثواب الجزيل. - (30) (وَيَمْكُرُ اللّهُ) يرد مكرهم أو بمجازاتهم عليه وإسناد أمثال هذا الى الله من باب المشاكلة. واذكر يا محمد اذا اجتمع أهل مكة للمشاورة في شأنك بدار الندوة والتذكير للرسول (ص) بمكر قريش ليشكر نعمة الله عليه في خلاصه من مكرهم وتدبيرهم، والمكر: التدبير الخفي لإيصال المكروه الى آخر من حيث لا يشعر (لِيُثْبِتُوكَ) يوثقوك بالوثاق ويحبسوك بالقيد حتى لا تقدر على الحركة، (أَوْ يَقْتُلُوكَ) كلهم قتله رجل واحد، (أَوْ يُخْرِجُوكَ) يطردوك من مكة.
(وَيَمْكُرُونَ) بك ، (وَيَمْكُرُ اللّهُ) بهم بتدبير أمرك بأن أوحي اليك ما دبروه ضدك وأمرك بالخروج. (وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين) أعلمهم به وأفضل المدبرين - (31) (آيَاتُنَا) القرآن (قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا) قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الرومان ويحدث بها أهل مكة. (إِنْ) ما ، (هَـذَا) القرآن (إِلاَّ أَسَاطِيرُ) أكاذيب (جمع أسطورة) وهي: القصص والأحاديث التي سطرت في الكتب القديمة الأولى بدون تمحيص ولا نظام.
- (32) (إِن كَانَ هَـذَا) الذي يقرؤه محمد، (هُوَ الْحَقَّ) المنزل
(أَلِيم) مؤلم على إنكاره (قاله النضر بن الحارث وغيره استهزاء وايهاماً أنه على بصيرة وجزم ببطلانه. - (33) (لِيُعَذِّبَهُمْ) بما سألوه (وَأَنتَ فِيهِمْ) لأن العذاب إذا نزل عم ولم تعذب أمة الا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها.
(وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون) حيث يقولون في طوافهم غفرانك.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
(قتل) وردت على (5) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى ازهاق الروح قال تعالى (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ…).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى القتال قال تعالى (فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ…).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى اللعن قال تعالى (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّر) وقال تعالى (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُود).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى العذاب قال تعالى (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً).
- الوجه الخامس: وردت بمعنى القصاص قال تعالى (فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ).
رابعاً/ أسباب النزول
- سبب نزول الآية (27) (لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ) نزلت في أبي لبابة ابن عبد المنذر واسمه مروان بن عبد المنذر سألوه بنو قريظة (يوم قريظة) ما هذا الأمر فأشار الى حلقه يقول: الذبح فنزلت الآية. قال أبو لبابة ما زالت قدماي حين علمت أني خنت الله ورسوله.
- سبب نزول الآية (30) (وَإِذْ يَمْكُرُ) هذه الآية نزلت على الرسول (ص) في المدينة تذكره بتآمر قريش في مكة قبل الهجرة عندما اجتمعوا في دار الندوة للتآمر عليه بطرح ثلاثة آراء أو مقترحات بحبسه أو إخراجه أو قتله من قبل مجموعة من الشباب كل شاب من قبيلة من قبائل قريش فأجتمعوا على هذا الرأي الأخير فنزل جبريل يخبره بمكرهم وأذن له بالهجرة.
- سبب نزول الآية (32) (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ) أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ) قال: نزلت في النضر بن الحارث لما قال إن هذا إلا أساطير الأولين قال له النبي (ص): ويلك انه كلام رب العالمين فقال: اللهم ان كان هذا هو الحق…)
- سبب نزول الآية (33) (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) روى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال أبو جهل بن هشام (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) فنزلت هذه الآية.
خامساً وقفات مع الآيات
- الوقفة الأولى: إن الأموال والأولاد فتنة واختبار يمتحن الله به عباده المؤمنين فإن كان كسب المال حلال وإنفاقه فيما ينفع الإنسان بالدنيا والأخرة نجا صاحبة من إثمه وطغيانه وكان سبباً لسعادة في الدنيا والآخرة.
وإن ربى الوالد أولادة تربية إسلامية وأطعمهم الحلال والطيب كانوا عوناً له في الدنيا وسبباً لإسعاده في الآخرة قال الرسول (ص) (إذا مات ابن آدم انقطع عمله…)، وإن كان العكس من كل ذلك عرض نفسه للشقاء في الدنيا والإثم والعقاب بالآخرة. - الوقفة الثانية: ذكرته الآية (29) (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ) ثلاث أنواع من الجزاء على التقوى: وهي كالتالي:
- النوع الأول: (يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) وهو يشمل جميع الفروق الحاصلة بين المؤمنين وبين الكافرين
- أولا/ الاختصاصات للمؤمنين:
- يخص الله المؤمنين بالهداية والمعرفة
- يشرح الله صدورهم
- يخصهم الله بالعلو والفتح والنصر والظفر والأجر العظيم
- ثانيا/ يخص الله الكفار بمايلي
- الضلال والجهلز
- ضيق الصدور.
- يحرمهم الله مما خص به المؤمنين.
- النوع الثاني: (وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)
النوع الثالث: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) وفي الجملة تكون التقوى نوراً في الدنيا والآخرة وسبباً للسعادة فيهما وتحقيق الآمال جميعها والنجاة من كل سوء وشر لذا قال تعالى (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُوْلِي الأَلْبَاب) [البقرة:197]
- الوقفة الثالثة: ودلت الآية (30) (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) على أن حادث الهجرة كان معجزة ربانية لمحمة (ص) بتخليصه من مؤامرة اعدائه.
- الوقفة الرابعة: أن وجود المصلحين في وسط المجتمع واستغفار افراده وقاية من العذاب الشامل المستأصل.
سادساً الأحكام المستنبطة من الآيات في سورة الأنفال
- تحريم الخيانة المتعمدة مطلقاً وايجاب الأمانة وهي أداء التكاليف الشرعية والأعمال التي ائتمن الله عليها العباد مثل الواجبات والحدود وأما الخيانة فهي الإخلال بالواجبات والتقصير في أدائها وإفشاء الأسرار وعدم الواجبات ورد الأمانة والودائع وتضييع الحقوق العامة والخاصة.
- وجوب تربية البنين والبنات تربية إسلامية بتوليد القناعة لديهم بحب الفضيلة وكره الرذيلة وتقويم السلوك.
- وجوب تحصيل المال بالطرق المشروعة وإنفاقه بما ينفع الإنسان بالدنيا والآخرة.
- تحريم تحصيل المال بطرق غير مشروعة وإنفاقه بمعصية الله أو انفاقه بما لا ينتفع به الإنسان أو الإسراف فيه.