2025-06-17 12:20 م
إدارة الموقع
2025-06-17 12:20 م
كتابات

الداعية .. والفقه الطلوب

✍️ كاتب المقالة: عبدالجليل هزبر

الدعوة إلى الله مهمة عظيمة تحتاج إلى حكمة وبصيرة. غير أن غياب أربعة مفاهيم فقهية مركزية — فقه الواقع، فقه الأولويات، فقه الموازنات، وفقه المآلات — قد يحوِّل الداعية من مُصلح إلى مُفسد دون أن يشعر! فكيف تُبنى الدعوة على أساس متين يجمع بين العلم والبصيرة والواقعية؟

أساسيات الدعوة إلى الله في زمن التغيرات

في زمنٍ كثرت فيه التحديات وتغيرت أحوال الناس، لم يعد كافيًا أن يكون الداعية حافظًا للمتون أو مكثرًا من المواعظ، بل يجب أن يتسلّح بفقهٍ عميق يدرك به طبيعة العصر وتعقيداته. وهنا تبرز أربعة مفاهيم لا غنى عنها لأي داعية ناجح:

1- فقه الواقع: مفتاح فهم تعقيدات المجتمع

المشكلة:

  • إصدار أحكام دون دراسة الظروف الاجتماعية والسياسية.
  • اتهام المجتمع بالفسق بدلًا من فهم جذور المشكلات.
  • تشكيك الناس في مرونة الشريعة الإسلامية.

الحل:

  • تحليل الواقع بموضوعية قبل إطلاق الأحكام.
  • اتباع منهج التدرّج في تطبيق الواجبات والدعوة للتغيير.

2- فقه الأولويات: ترتيب الأهداف كـ”طبيب الحالات الحرجة”

المشكلة:

  • الانشغال بالمندوبات وإهمال الواجبات الكبرى.
  • تشتيت الناس في قضايا خلافية وفرعية.

الحل:

  • تطبيق قاعدة: «ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه».
  • معالجة الكبائر قبل الصغائر، كتحذير الناس من الربا قبل الغناء.

3- فقه الموازنات: ميزان دقيق بين الخسائر والمكاسب

قال ابن تيمية: «الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها».

المشكلة:

  • منع المباحات بسبب مفاسد وهمية.
  • التضحية بمصالح الأمة لأجل مكاسب فردية.

الحل:

  • اعتماد قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» عند الحاجة.
  • تقديم المصلحة العامة بعدل وإنصاف.

4- فقه المآلات: هل ستُطفئ دعوتك حريقًا أم تُشعله؟

المشكلة:

  • إصدار فتاوى تكفير عشوائية تُفجّر الفتن.
  • تحريم أمور نافعة بلا دليل، مثل اللقاحات.

الحل:

  • طرح سؤال دائم: «ماذا سيحدث لو فعلتُ هذا؟» قبل اتخاذ القرار.
  • استشراف العواقب الاجتماعية والدينية والسياسية لكل فتوى أو رأي.

الدعوة إلى الله على بصيرة

قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيۤ أَدْعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف: 108].

الداعية الناجح ليس من يُكثر الكلام، بل من يُحسن اختيار الوقت، والمكان، والأسلوب، حيث أن فقه الواقع يُمثل خريطته، وفقه الأولويات بوصلته، والموازنات ميزانه، والمآلات نافذته إلى المستقبل. بهذه الأركان، تبنى دعوة راشدة ومؤثرة، تُصلح ولا تُفسد.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى