2025-06-17 12:59 م
إدارة الموقع
2025-06-17 12:59 م
آيات الأحكام في القرآن

الربا… داء الأمم ومفسدة المجتمعات

 

في زحمة الحياة، وتقلّب الأحوال الاقتصادية، قد يغيب عن بعض الناس معنى “البركة”، تلك النفحة الربانية التي تُنمّي القليل وتُبارك في الكثير، والتي يطمس نورها داءٌ مهلك، وعادة ذميمة، حذّر الله منها في كتابه، ولعن رسول الله ﷺ آكلها ومُوكلها وكاتبها وشاهديها. إنه الربا، الخطر الذي يسري في أوصال الاقتصاد والمجتمع فيُفسده، ويقضي على روح الرحمة والعدالة.

 

مفهوم الربا في الإسلام 

الربا لغةً: الزيادة.

أما شرعًا: فهو “الزيادة في أشياء مخصوصة، لأسباب معينة، بشروط محددة، من غير عوض مقابل”، وهو نوعان رئيسيان:

  1.  ربا النسيئة: وهو الأكثر شيوعًا، ويقع في المعاملات التي يُؤخّر فيها السداد مقابل زيادة في المال.
  2.  ربا الفضل: وهو الزيادة في أحد البدلين المتماثلين في البيع دون تقابض في المجلس.

وقد ثبت تحريمه بنصوص قاطعة، لا لبس فيها ولا تأويل

أدلة تحريم الربا في القرآن والسنة

 

قال الله تعالى:[يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون]سورة آل عمران: 130

وقال جلّ جلاله: [الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس… ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرّم الربا] سورة البقرة: 275

وفي الحديث الشريف، قال النبي ﷺ:

“لعن الله آكل الربا، ومُوكله، وكاتبه، وشاهديه”، وقال: “هم سواء”رواه مسلم

 

الحكمة من تحريم الربا

 

إن تحريم الربا لم يأتِ عبثًا، بل لما له من آثار وخيمة، منها:

  • قتل روح التعاون والإحسان: حيث يتحوّل المال إلى وسيلة استغلال، بدل أن يكون أداة رحمة وتكافل.
  • زيادة الفقر والبطالة: فالديون الربوية ترهق الفقير وتُثري الغني بلا عمل ولا جهد.
  • إشاعة الجشع والطمع: إذ يغيب مفهوم “الربح المشروع” ويحضر الطمع المحرّم.
  • تهديد استقرار المجتمعات: فالربا يقضي على المبادئ الاقتصادية السليمة، ويُضعف البنية الأخلاقية في المعاملات.

الربا في واقعنا المعاصر

تعددت صور الربا في العصر الحديث، ودخلت في لبّ النظام المالي العالمي من خلال:

  1. الفوائد البنكية على القروض.
  2. بطاقات الائتمان التي تفرض فوائد متراكمة.
  3. بعض المعاملات في البورصات وأسواق المال.

وقد اجتهد علماء الأمة في بيان هذه الصور وتفصيلها، وبينوا البدائل الشرعية من التمويل الإسلامي، والمرابحة، والمشاركة وغيرها من صور المعاملات الحلال.

عقوبة الربا

 

جاء الوعيد في القرآن في أشد صوره، قال تعالى:

[فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله] سورة البقرة: 279.

فأي ذنب في الإسلام أُعلن فيه الحرب من الله ورسوله سوى الربا؟! .. بل جاء في الحديث أن النبي ﷺ رأى في رحلة الإسراء والمرىٰ آكل الربا “ينهش وجهه وصدره” كلما عاد كما كان، كرّره ملك العذاب، والعياذ بالله. حيث

البديل المشروع:

لم يُحرّم الله شيئًا إلا وجعل له بديلاً طيبًا، فهناك معاملات مشروعة كثيرة تغني عن الربا، منها:

  • المرابحة للآمر بالشراء
  • المشاركة والمضاربة
  • البيع بالتقسيط بدون زيادة مشروطة على التأخير
  • الوقف والتكافل

وهذه المعاملات، إذا ضُبطت بالضوابط الشرعية، تحقق مقاصد الشريعة في العدالة والرحمة والاستقرار.

إن الربا ليس مجرد “أرقام وفوائد” بل هو مرض يُميت الضمير، ويهدم قيم المجتمع. وإن الأمة التي تسير على نهج ربها، وتتجنب ما حذّرها منه، ستنعم بالبركة، والاستقرار، والنماء الحقيقي.

فلنُطهّر أموالنا من الربا، ولنستبدله بالحلال الطيب، إرضاءً لله، ورجاءً في بركته، وحذرًا من غضبه، قال تعالى [يمحق الله الربا ويُربي الصدقات]سورة البقرة: 276

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى