الإشارات الكونية والعلمية في سورة نوح

جاءت الإشارات القرآنية لتبيان عدد من الحقائق الكونية الغائبة عن الناس، وقد وردت بتعبيرات دقيقة، شاملة، جامعة، مفصلة، ومجملة تستحث حدس الإنسان بالتوجه نحو هذه الإشارات، وتقوده إلى إعمال العقل، والفكر، حيث أن تلك الإشارات محيط تستقي منه المعرفة الإنسانية كل ما غاب عن علمها عبر الزمان، والمكان، وتبقى هذه الإشارات الرافد الحقيقي للمعرفة الإنسانية، وبصيص النور الذي يقود الإنسان إلى اكتشاف، ومعرفة، وإدراك ما غاب عن إدراكه، وقد وردت مفرقة بين سور القرآن الكريم حسب مقتضى السياق_الأخبار والأحداث_ فهناك آيات كونية عديدة تضمنتها عدة سور، ففي سورة نوح إشارات يمكن إيجازها فيما يلي:
أبرز الإشارات العلمية، والكونية في سورة نوح:
وردت في هذه السورة عدد من الإشارات الكونية والعلمية أبرزها مايلي:
- التأكيد على مرحلية الحياة الدنيا مهما طالت، وعلى حتمية الآخرة مهما بَعٌدت.
- الإشارة إلى ضرورة تنوع أساليب الدعوة، وطرقها بما يتناسب مع الظروف النفسية للمدعوين وحسب الظروف المتاحة للداعين، وذلك من القواعد الأساسية في علم النفس الحديث.
- تقرير أن الله تعالى هو الذي ينزل المطر بعلمه وحكمته وقدرته، وهو الرازق_ذو القوة المتين الذي يمد خلقه بالمال، والبنين، ويحيل الأرض القاحلة إلى جنات تجري من بينها الأنهار إذا أراد ذلك.
- الإشارة إلى خلق الناس في أطوار متتالية، وهو ما أكدته العلوم المكتسبة.
- التأكيد على أن الله_تعالى_خلق سبع سماوات طباقًا، ولولا هذا التأكيد ما استطاع الإنسان معرفة ذلك قط، وهو المحبوس في حدود السماء الدنيا.
- التعريف العلمي الدقيق بين الضياء، والنور، وذلك بوصف القمر بأنه نور، ووصف الشمس بأنها سراج، والتصريح بأن القمر نور في السماوات السبع، ويشير إلى شفافية تلك السماوات، وتطابقها حول مركز واحد يشمل الأرض، والقمر.
- الإشارة إلى إثبات الخلق من الأرض، ثم إعادتهم فيها ومن بعده إخراجهم منها.
- وصف تمهيد سطح الأرض يجعله في معظمه كالبساط، وذلك بتكوين السهول المنبسطة، وبشق الفجاج، والسبل بين سلاسل الجبال، والهضاب الأرضية التي تُسَوى على مستوى سطح البحر بالتدريج، حتى تتحول إلى تلك السهول، وذلك بواسطة مختلف عمليات التعرية.
- الإشارة إلى واقعية طوفان نوح_عليه السلام_ الذي تؤكده الدراسات الحديثة.
من الدلالات العلمية للآيتين 13 و 14 من سورة نوع
قال تعالى: { ما لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)} [نوح: ١٣].
أولًا: في قوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}
الرجاء، والرجو من الأمل، وهو ظن يقتضي حصول ما فيه الخير، والمسرة، وهو هنا بمعنى الخوف؛ لأن الرجاء، والخوف يتلازمان.
الوقار: هو السكون، والجلال، والحلم، والعظمة؛ وهو التعظيم، والتبجيل، والخشية. وعلى ذلك، فمن معاني قوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}، ما لكم لا تعظمون الله_سبحانه، وتعالى_ حق تعظيمه، ولا تخافون من بأسه، ونقمته.
ثانيًا: في قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}
الطور لغة: الحد، (والطور) التارة، أو المرة، وعلى ذلك (الأطوار) هي التارات، أو المرات. جاء قوم إلى عمر بن الخطاب_رضي الله عنه_ فقالوا: (إن قومًا زعموا أن العزل هو الموءودة الصغرى، فقال علي بن أبي طالب_رضي الله عنه_: (لا تكون موءودة حتى تمر على التارات السبع؛ تكون سلالة من طين، ثم تكون نطفة، ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظامًا، ثم تكون لحمًا، ثم تكون خلقًا آخر”. وأيضًا: (أطوار أخلاط على حالات شتى). يشمل لفظ (أطوار) _في الآية الكريمة التي نحن بصددها_ مراحل الخلق المتدرجة التي يمر بها جنين الإنسان من النطفة الأمشاج، إلى العلقة، إلى المضغة، إلى خلق العظام، ثم كسوتها لحمًا، حتى إنشائه خلقًا آخر، كما ورد ذكر ذلك في سورتي الحج، والمؤمنون.
خلق الإنسان من طين والشفرة الوراثية
الخلق من الطين: شهادة للخالق، الحكيم، العليم بالألوهية، والربوبية، والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه؛ وذلك لأن جسد الإنسان يتكون من تريليونات الخلايا التي تتنوع بتنوع وظائفها.
وخلق الإنسان من طين: تركيب الخلية الحية بالإضافة إلى الشفرة الوراثية المبدعة، والمركزة في داخل النواة، والموزعة في هيئة الجينات المرتبة على الصبغيات مكونة ما يعرف بالشبكة الصبغية، فإن للخلية الحية من المكونات ما يلي:
- جدار الخلية.
- السائل الخلوي أو الهيولي.
- الحبيبات.
- الريبوسومات، وهي عضويات منتشرة في السائل الخلوي.
- النوية، وهي تجمع الجزيئات والحمض النووي.
- جهاز جولجي، وهو تكتلات غشائية تقوم بإفراز العصائر.
- جسيمات حالّة، وهي خزانات غشائية.
- المتقدرات، وهي مطويات غشائية.
- فجوات الخلية على هيئة أكياس غشائية.
- الفجوات المنقبضة، تقوم بطرد الماء الزائد عن حاجة الخلية.
- شبكة هيولية داخلية على هيئة غشائية دقيقة.
- غشاء النواة.
- النواة، وتحتوي على الصبغيات والنوية.
- الأنبيبات الدقيقة، وهي أنابيب شعيرية دقيقة جدًا.
- الشعيرات الدقيقة، وهي خيوط شعرية دقيقة.
- المركزات، وهي جسيمات أنبوبية فائقة الدقة.
هذا هو البناء المذهل العظيم للخلية الحية.