2025-06-09 3:19 م
إدارة الموقع
2025-06-09 3:20 م
نبضات المحبين

أعرف الأستاذ منذ طفولتي

إعتماد عبدالباقي اليوسفي

في طفولتي كنتُ أسمع كثيراً عن الأستاذ محمد علي بين أفراد أسرتي (خاصة جدي وأبي)، كانوا دائماً يذكروه بالخير، ويتحدثون أنه رجل صالح ومؤمن يخاف الله، وكل الناس تحبه، مما زاد من تلهفي لمعرفته.

حتى شاءت الأقدار أن أتعرف عليه في إحدى المحاضرات التي كانت تقام كل خميس للنساء في مسجد النور الذي يتوسط قرية النُجيد عزلة بني يوسف، والذي لفت انتباهي هو حُسن تعامله مع الجميع؛ أطفال وكبار.. كان صوته واضح، ومحاضرته قيمة، وكان ذلك اليوم هو السابع والعشرون من رمضان من العام 1995م، حيث كان معتكف في المسجد.

مواقف من تعامله في طفولتي

مما أتذكره ذلك اليوم وفي أثناء المحاضرة والمسجد ممتلئ بالنساء وصلت والدته (وكانت كبيرة في السن) رآها تدخل من الباب، فقام من الكرسي وأتجه إليها وأمسك بيدها ومشيا حتى أجلسها بجانبه، كنا ننظر إليه باندهاش وإعجاب من توقيره لوالدته.

من المواقف أيضاً وأنا صغيرة في السن كنتُ كثيرة الحركة والشغب!!

بدأ الأستاذ في إلقاء المحاضرة، وبدأت بالشغب!! حاولت بعض النساء المنظمات للفعالية إسكاتي، ثم حاولن إقناعي بالجلوس دون فائدة!! فاضطررن إلى استخدام الضرب الخفيف معي، لكن كل تلك الأساليب لم تفلح معي!! في طفولتي كنت شقية ومشاغبة بعض الشيء.

تعالت الأصوات، وبدأت الأنظار تتجه نحوي مما أثار انتباه الأستاذ، حيث كنت قريبة من الكرسي الذي كان يجلس عليه!!

أمسكني بهدوء وقال لي: أنتِ شاطرة وهادئة؛ ثم أجلسني بجانبه، فتأثرت من كلامه، والتزمت الصمت حتى انتهاء المحاضرة، فكان في تعامله رحمة للأطفال.

هذا الموقف من الأستاذ فيه رحمة وحسن تعامل بعكس موقف آخر لشخص آخر، حيث حضر إلى قريتنا شيخ علم من خارج المنطقة لعمل محاضرة، وامتلئ المسجد بالنساء وامتلأ المكان المجاور له أيضاً والذي يسمى (الديوان)، مما استدعى عمل بث من مكان الشيخ في المسجد إلى ذلك الديوان.

كان مكاني قريب من ذلك الشيخ لأنني دائماً أسبق الى الجلوس في الصف الأول ومعروف عن طفولتي بأنني كثيرة الحركة وشقية كما يُقال.

أثناء إلقاءه المحاضرة قال: يجوز للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض!

فقلت على الفور: لا يجوز!

كررها ثلاث مرات، وأنا أرد عليه: لا يجوز!

سمعت ذلك من نساء القرية أما أنا فقد كنتُ صغيرة في السن لا أعرف شيء عن هذه الأمور !

ضاق الشيخ من كلامي وتصرفاتي فأخذني بيديه ورماني لخارج المسجد على مرأى ومسمع الجميع وعبر البث المباشر، مما أدى الى حالة من الضحك من كل النساء.

هذا الموقف جعلني أقارن بين تصرف هذا الشيخ وبين تصرف الأستاذ سابقاً والذي اتسم بالرحمة وحسن التعامل.

درس في الانضباط و الالتزام بالمواعيد

قبل حوالي خمس سنوات سافر الأستاذ إلينا في قرية النجيد بني يوسف، وكان سفره مفاجئ فقلنا نستغل الفرصة، وطلبنا منه محاضرة للنساء، فوافق وتم تحديد الموعد يوم عرفة، حيث لم يكن هناك وقت آخر غير هذا الموعد في جدول الأستاذ.

المكلفات بالتبليغ قمن بإبلاغ النساء بأن موعد المحاضرة سيكون الساعة الثامنة والنصف صباحاّ.

كان معروفاً عن الأستاذ بأنه يلتزم بالوقت دائماً وبدقة، حيث وصل لـ”لديوان” ولكنه وجد الباب مغلقاً بالقفل!

لسوء الحظ لم تحضر أي واحدة من المدعوات بالوقت المحدد!.

جلس بجانب باب المسجد الملتصق بالديوان ينتظر، وحين شاهدته إحدى جيران المسجد اتصلت على رقمي تستنكر عدم وجود أحد بينما الأستاذ ينتظر جنب المسجد!

قمت بالاتصال للجميع وأخبرتهن بضرورة الحضور فوراً، وعززنا بالمرور عليهن بيتاً بيتاً، فلم تأتي الساعة التاسعة إلا والمكان شبه ممتلئ .. كانت فرحتي كبيرة عندما النساء مازلن يتوافدن.

بعد إنتهاء المحاضرة اعتذرتُ للأستاذ على التأخير، وعدم كثرة الحضور، بسبب اقتراب العيد والجميع مشغولات بتجهيزات العيد.

فكان رده بجدية وحزم: أنا ما يهمني كثرة الحضور.. الذي يهمني الإلتزام بالوقت!

كان جوابه درس لي في الالتزام والانضباط في المواعيد.

شجعنا ودعمنا

حين قرر الأستاذ مغادرة القرية وارتحل مع أسرته إلى تعز المدينة ليسكن فيها، جعل بيته في القرية لتدريس الطالبات القرآن الكريم، والدروس العلمية، مرت السنوات وكبرنا والتحقنا بتلك الحلقات، واستمرينا لسنوات، واصبحت بيته بيتاً لنا حتى أن مفتاحه بقي معي لعدة سنوات، في ذلك البيت درسنا القرآن، وجعلناه إدارة للمنتدى ، حيث كانت تقام فيه المسابقات القرآنية، واحتفالات تكريم الحافظات في الموسم الأول والثاني.

أما في الموسم الثالث أخذنا رقم الأستاذ محمد علي من الأستاذ سلطان حمود، حاولت اتصل وكان في نفسي خوف لأني أول مرة أتواصل به، وله هيبه عندي.

بعد محاولات تجرأت واتصلت على رقمه.. رد عليّ وأنا ساكتة ما قدرت أتكلم من الخوف!

فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. من معي؟  وأنا ساكتة ما قدرت أتكلم .. فقال مرة ثاني من معي؟  فقلت له بإسمي

فقال تفضلي ابنتي ايش تشتي؟

حينها ابتعد الخوف مني، فقلت له مباشرة وبدون أي مقدمات: نحن حالياً نستعد لحفل في المنتدى لتكريم الفائزات في المسابقة القرآنية، ونريدك تكون ضيف الحفل.

فسأل عن موعد الحفل؟ قلت له: في يوم الاثنين ٢٧ ذي القعدة  ١٤٣٨هجرية

عندما سمعت موافقته على حضور الحفل فرحتُ وذهبت لإخبار البنات في فريق الإعداد بذلك، شعرن بالفرحة.

تزين الحفل بحضور الأستاذ، والشيخ نجيب عبدالرؤوف، ومجموعة من الآباء والوجاهات والمعلمين، وألقى الأستاذ كلمة، حيث أبدى إعجابه بالمنتدى وشكر القائمات عليه وكل الداعمين له.

كان أول حفل يقام منذ بدء الحرب على مستوى بني يوسف والعُزل المجاورة، وتم عرضه على قناة يمن شباب.

من ذلك اليوم بدأ “منتدى انت المبدع” بالتطور، وتوسعت فعاليات المسابقات القرآنية الى أن وصلت إلى جميع قرى عزلة بني يوسف وبعض قرى مديرية سامع.

استمر المنتدى بتنظيم احتفالات التكريم لحفاظ القرآن الكريم والأنشطة العلمية، واستمر الأستاذ بالحضور مع تقديم الدعم مادياً ومعنوياً، وكان يدعوا لي وللفريق، ويشكرنا ويشجعنا على الاستمرار، وعندما ينتقدنا البعض ويحاولوا تحطيم معنوياتنا كان الأستاذ يقف لهم بالمرصاد ويقول للمنتقدين: “جيبوا البدائل، أو اعملوا مثل ما يعمل القطاع النسوي”

رحمة الله عليه فقد كان لنا السند، والمشجع، والناصح الأمين.

وفي صباح يوم السبت 2 ديسمبر 2023 فُجعنا بمرض الأستاذ، وتمنيت في ذلك الوقت لو كان العمر يُعطى لأعطيته عمري.

في صباح يوم الاربعاء 6 ديسمبر وصلنا خبر وفاته كالصاعقة، وبكى عليه كل الناس صغاراً وكباراً نساء ورجالاً، رحل وترك في قلوبنا ألم يعتصر، ووجع لا يلتئم.

رحل وأثره باقٍ لم يرحل، نسئل الله أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى وأن يخلف على أولاده وعلينا بالخير، وأن يكونوا خير خلف لخير سلف.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى