القرآن بجناحي الحفظ والتدبر

{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب }، إن حفظ النص القرآني وحده غير كاف لإخراج الأمة، مما هي فيه من ظلمات بعضها فوق بعض، ما لم يقرن بالتدبر والعمل، لتقام الحجة بالمعجزة الخالدة، وهو سر القرآن الذي جعله الله صالحا لكل زمان ومكان .
القرآن بجناحي الحفظ والتدبر
إنها عظمة القرآن ويسره، فإن مجرد الحفظ ليس هو المطلوب من المسلم، لإقامة علاقته بالقرآن الكريم، فهناك واجبات كثيرة من الذكر والتدبر والعمل والبيان والبلاغ، وإبراز النموذج القرآني العملي في الدعوة والصبر والتضحية، فقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلا أن شواغل الحياة ومتاعها وكثرة وسائل الإغواء تلهي الخاصة فضلا عن العامة، وكلها تصب في مصلحة الشيطان، ولهذا فالمهمة أعظم والعدو لا يترك فرصة، وما لم يتسلح المسلم بكتاب ربه فقها وتدبرا، ويرتقي بروحه إلى العلياء بالتزكية والتطهير، فكل الشوائب في طريق السير إلى الله عائقا ليس بالسهل .
وللعلم فإن عدونا يفرح بِحَفَظَة النصوص غير القادرين على التدبر، ومن لا يظهر عليه أثر القرآن، ومما هيأ ورغب، التسابق في الكم على حساب الكيف، وهي معضلة تواجه جميع المؤسسات العاملة في مجال القرآن، سببها بالتفاخر بالأعداد والغرور وحب الظهور وضربات الشيطان، وطلب المدد، فَتُقْطَف الثمرة قبل نضجها، ومن استعجل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .
ولا شك أن صيحات المطالبة بالسير الصحيح تسمع من هنا وهنا، لكنها صيحات فرادى أحست بالخطر المؤثر على الأمة وتأخر الهدف المنشود من الصحوة العامة، وما لم يقم من أحس بالخطر حق القيام وتحمل مسؤوليته وجَهَد له وسعى سعيه الحثيث المثمر، فستكون معظلة أخرى .
وها نحن في اليمن نمر في امتحان صعب، من استدعاء الباطل وتغيير المفاهيم، وتعالى الجاهل وفرض الانحراف بقوة السلاح على صاحب الحكمة العاقل، وتصدر من انحرف بالأمة باسم القرآن، والقرآن في براءة تامة من كل تصرفات وادعاءات على الله ورسوله والأمة ما أنزل الله بها من سلطان .
كل هذا يحتم على الخيرين ومؤسسات القرآن العمل على تربية الناشئة بالتدبر والحفظ معا، ومراقبة السلوك أولا بأول، وهو ما يصنع الرجال حماة الدين والأوطان، أمام كل المغريات ووسائل الهدم المتعددة، والتي وصلت إلى الصغير والكبير والرجل والمرأة، إلا إن استخدمها بأدب الإسلام وقيمه، حينها يكون قد تدبر أمره وصاغ هدفه وأعجز عدوه، فحلت عليه بركة القرآن الكريم .
وما يطلب من متعلم القرآن هو ألا يقف عند دقة المخرج وجمال الصوت، وثناء الآخرين على حسن الأداء، بل عليه أن يكون في سره وجهره في ابتغاء مرضاة الله، والغوص في معانيه وتفسيره وناسخه ومنسوخه، والنظر للأمر وكأنه له وحده أمرا ونهيا، وعِبَر الأمم السابقة، بحسن الاستماع والإصغاء للتدبر والعمل، وإلا فالكوز مجخيا .
ولا تقليل من كل جهد يخدم القرآن تلاوة وحفظا وتدبرا، فلا ينفك بعضها عن البعض، لكن الخوف أن يطغى جانبا على آخر، فتكون الشخصية غير مكتملة الأركان، وبالتالي الضرر بالنتيجة المرجوة، يوم تأخذ ما ناسب النفس والهوى، وتترك ما أمر الشرع ونزل من أجله القرآن، هنا فقط يكون القرآن شفيعا لأصحابه .