2025-06-21 8:56 م
إدارة الموقع
2025-06-21 8:56 م
تفسير سورة الأعراف

تفسير سورة الأعراف ( الدرس السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر)

وفي هذه المقالة أيضا سنتابع معكم عرض ثلاثة دروس من سورة الأعراف وهذه الدروس تشمل الدرس السادس عشر والدرس السابع عشر إضافة إلى الدرس الثامن عشر والتاسع عشر من الأية 65 وحتى الآية 93

الدرس السادس عشر / سورة الأعراف

في هذه السورة سوف نعرض لكم قصة نبي الله هود -عليه السلام– والتي جاءت في الآيات (65-72)

في هذا الدرس نقف عند قصة النبي هود عليه السلام، والتي جاء ذكرها بعد قصة نوح -عليه السلام-، لأن قبيلة عاد من قوم نوح الذين نجوا معه بالسفينة، لكنهم تشعبوا، وتكاثروا، فعبدوا الأصنام، فأرسل الله إليهم هودا يدعوهم إلى ما دعا إليه من قبله، وهو توحيد الله، ويحذر مما حذروا منه، وملخص القصة كالتالي:

أولاً/ أهداف القصة:

لم ترد قصة من القصص في القرآن إلا ولها أهداف، ومغاز تحتاج إلى توضيح، ومنها قصة نبي الله هودا عليه السلام، وأهدافها:

  1. إبراز أهمية التحلي بالصبر في مواجهة الباطل.
  2. بيان عاقبة الغرور بالقوة الجسدية، وكيف كان المصير.
  3. إبراز القدوة في السلوك، وقوة الحجة التي تميز الرسول على قومه.
  4. بيان عاقبة الرسول، والمؤمنين، وهي النجاة، والفوز بالدنيا، والآخرة.

ثانياً/ نبذة مختصرة عن قوم عاد:

  • قبيلة عاد قوم هود من أقدم الأمم وجوداً، وآثاراً في الأرض، وهم على ما يظهر أقدم من إبراهيم، وهم بعد قوم نوح قال تعالى: (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) الأعراف (69).
  • وقد كانوا أصحاب أوثان يتخذونها أرباباً، ويعبدونها من دون الله مثل معبودات قوم نوح (صمود) (الهتار)، فبعث الله إليهم هوداً -عليه السلام-، وكان من قبيلة يقال لها: (الخلود) فدعاهم إلى عبادة الله وحده، والكف عن ظلم الناس، فأبوا ذلك، وكذبوه، وقالوا (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فصلت (15).
    1. نسب هود: هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. 
    2. مساكنهم: كانت مساكنهم باليمن (الأحقاف)، وهي جبال رمل الواقعة بين عمان، وحضرموت.
    3. قبيلة عاد: تنقسم إلى قسمين عاد الأولى، وهي قبيلة عربية، وعاد الثانية، هم سكان اليمن من قحطان، وسبأ، وبعد ما كذب عادٌ هوداً أمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنوات حتى جهدوا، فجهّزت عاد إلى مكة من أمثلهم سبعين رجلاً منهم، فدخلوا مكة فقال (قيل) -رئيسهم- (اللهم اسق عاداً ما كنت تسقهم)، فأنشأ الله سحابات ثلاثٍ: بيضاء، وحمراء، وسوداء ثم نادا مناد من السماء يا قيل: اختر لنفسك، ولقومك، فقال أخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء فجاءتهم منها ريح عقيم تدمر كل شيء، فأهلكهم الله بها، ونجا هوداً، والمؤمنين معه، فأتوا مكة، فعبدوا الله فيها، حتى ماتوا.
    4. (الكشاف) أورد الله ذكر هود في القرآن بسبعة مواضع.

ثالثاً/ التفسير والبيان:

  1. (65) (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً) وأرسلنا عاد (وهم عاد الأولى) أخاهم هوداً، وكانوا بالأحقاف باليمن، -والأحقاف الرمل الذي بين عمان، وحضرموت-، وكانوا عبدة الأصنام.
  2. (66) (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ) أي متمكنا في الحماقة، وخفة العقل، حيث هجرت دين قومك إلى دين آخر غير معروف.
  3. (69) (بَسْطَةً) قوة، وضخامة في الأجسام (فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ) فاذكروا نعمه الكثيرة عليكم بشكرها.
  4. (71) (وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ) نزل، ووجب عليكم من قبل ربكم عذابٌ، وسخطٌ (والرجس) هو العذاب من الارتجاج، وهو الاضطراب، (والغضب) السخط، أو اللعن، والطرد، وعبر عنه بالفعل الماضي، لتحقق وقوعه.
  5. (72) (وَقَطَعْنَا دَابِرَ…) استأصلناهم عن آخرهم بالريح العقيم، وهي ريح الدبور.

رابعاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

كلمة (سفه) وردت على ثلاثة أوجه تختلف فيها معانيها باختلاف سياق الآيات وهي:

  1. الوجه الأول/ بمعنى الخفة، والطيش قال تعالى: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِين) الأعراف (66).
  2. الوجه الثاني/ بمعنى الجهل قال تعالى: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُون) البقرة (13).
  3. الوجه الثالث/ بمعنى الخسارة قال تعالى: (إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ) البقرة (130).

خامساً/ وقفات مع آيات الدرس السادس عشر سورة الأعراف

حين نقف مع آيات  هذا الدرس، نجد أنها تتشابه -إن لم تتطابق- مع قصة نوح -عليه السلام-، فيتيقن الإنسان معها أن سلسلة الدعوة ماضية، وأن العثرات التي تواجهها نفس العثرات فإلى الوقفات :

  1. الوقفة الأولى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً…) المقولة التي قالها نوح من قبله، والذي كذب بها قومه، فأصابهم ما اصابهم، ثم استخلف الله عاداً من بعدهم، ولا يذكر هنا موطنهم، لكنه في سورة أخرى  ذكر أنهم كانوا بالأحقاف، -وهي الكثبان من الرمال على حدود اليمن ما بين اليمامة، وحضرموت-، وقد سلكوا الطريق التي سلكها قبلهم قوم نوح، فلم يتذكروا، ولم يتدبروا ما حل بمن سلكوا الطريق نفسها من العذاب بدليل إضافة النبي هود (أَفَلاَ تَتَّقُون) في خطابه لهم استنكاراً لقلة خوفهم من الله، ومن ذلك المصير المرهوب.
  2. الوقفة الثانية: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ…) هكذا أطلقوها جزافاً بلا تروٍ، ولا تدبر، ولا دليل (قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ…) لقد نفى عن نفسه السفاهة ببساطة، وصدق، كما نفى عن نفسه الضلالة كما كشف نوح من قبل عن مصدر رسالته، وهدفها، وكذلك نصحه لهم فيها، وأمانته في تبليغها، وقال لهم ذلك كله في مودة الناصح، وفي صدق الأمين.
  3. الوقفة الثالثة: (أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ…) ثم يزيد عليه ما يمليه، واقعهم، ودوافع استخلافهم في الأرض من بعد قوم نوح، وإعطائهم قوة في الأجسام، وضخامة فيها بحكم نشأتهم الجبلية، وكذلك إعطائهم السلطان، والسيطرة أن هذا الاستخلاف، وهذه القوة، والبسطة كانت تستوجب شكر النعمة، والحذر من البطَر، واتقاء مصير الغابرين.
  4. الوقفة الرابعة: (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ…) لكأنما كان يدعوهم إلى أمر منكر لا يطيقون الاستماع إليه، ولا يصبرون على النظر فيه (أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ…) إنه لمشهد بائس، لاستعباد الواقع المألوف للقلوب والعقول، وهذا الاستعباد الذي يسلب الإنسان خصائص الإنسانية الأصيلة، وهي حرية التدبر، والنظر، وحرية التفكير، والاعتقاد، ويدعه عبداً للعادة، والتقليد، وعبداً للعرف، والمألوف، وعبداً لما تعود عليه، هؤلاء العبيد من أمثاله يُغلق عليهم كل باب للمعرفة، وكل نافذة للنور.
  5. الوقفة الخامسة: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا…) كان الجواب حاسماً، وسريعاً في رد الرسول (ص) قال:(قد وقع عليكم من ربكم …) لقد بلغهم العاقبة التي أنبأ بها ربه، والتي قد حقت عليهم، فلم يعد عنها محيصاً. إنه العذاب الذي لا دافع له، وغضب الله المصاحب له، ثم جعل بعد هذا التعجيل لهم بالعذاب الذي استعجلوه يكشف لهم عن سخافة معتقداتهم، وتصوراتهم، (أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم…) إن ما تعبدون مع الله ليس شيئاً ذا حقيقة، إنها مجرد أسماء أطلقتموها أنتم، وآباؤكم من عند أنفسكم لم يشرعها الله، ولم يأذن بها، فما لها إذاً من سلطان، ولا لكم عليها من برهان.
  6. الوقفة السادسة: (فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِين) وفي ثقة المطمئن، وقوة المتمكن يواجه هودٌ قومه بالتحدي، ولن يطول الانتظار، ففي السياق (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا…) وهكذا طويت صفحة أخرى من صفحات المكذبين، وكان المصير البائس، كمصير قوم نوح.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات:

بعد القراءة، والتمعن في قصة هود -عليه السلام- مع قومه، وجدنا عبرا، وعظات أهمها:

  1. ضرورة التحلي بالصبر، بسبب معاناة الأنبياء الشديدة في دعوتهم أقوامهم.
  2. خيبة الآمال، وعدم التفوق نتيجة استمرار عناد قوم عاد، وثمود، وتمردهم، وإنكارهم دعوة نبيهم.
  3. النبي يكون عادة من جنس قومه، فهو بشر مثلهم، وهو أيضاً أحد رجال القبيلة، ومن اوسطهم نسباً، وأفضلهم حسباً.
  4. أن نتيجة التمرد، والعتو، والطغيان الانهيار، والدمار.
  5. نجا الله هوداً، والمؤمنين معه، لاستحقاقهم الرحمة، بسبب إيمانهم، وأهلك عادا بالاستئصال عبر الريح، الذي هو معجزة لهود -عليه السلام-.

الدرس السابع عشر/ سورة الأعراف

في هذه السورة سوف نعرض لكم قصة نبي الله صالح -عليه السلام- والتي جاءت من الآيات (73-79)

تتوالى القصص في هذه السورة، وتنقل لنا قصص الأمم الغابرة، وتطرق أهدافها في المسامع بدقة، فها هي قصة ثمود، ونبيهم صالح عليه السلام، برغم إنعام الله عليهم، واختلاف بيئتهم، ووجود الترف، والحضارة عن سابقيهم، وإقناعهم بالمعجزات إلا أنهم سلكوا طريق من قبلهم، بل وزادوا على سابقيهم تكبرا، وفسادا، وتماديا وصل بهم إلى المساس بالمعجزات، وسنعرض هنا المراد من القصة، والغرض.

أولاً/ أهداف القصة:

  1. إبراز الحضارة المادية لقوم ثمود.
  2. بيان الفئة المتكبرة على الإيمان، والمتمثلة بالسادة، والزعماء
  3. ذكر، وتوضيح المعجزات التي أجراها الله على يد النبي صالح -عليه السلام- وهي:
    1. خروج الناقة من الصخرة
    2. شرب الناقة كانت تشرب كل ما يشربه القوم في يوم
    3. كان سبب أهلاك القوم نحر الناقة.

ثانياً/ أضواء من التاريخ:

  1. سميت ثمود نسبة إلى ثمود بن عاثر بن ارم بن نوح، وهو أخو جديس بن عاثر، وكذلك قبيلة طسم كل هؤلاء من العرب العاربة، البائدة قبل إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وهم قوم صالح بعد عاد، ورثوا أرضهم، وديارهم، وكانت مساكنهم بالحِجر تمتد من الحجاز، والشام، إلى وادِ القرى، وما حوله.
  2. ومدائن صالح ظاهرة إلى اليوم تعرف ب (فج الناقة)، وحجر ثمود في الجنوب الشرقي من أرض مدين، -وهي مصافيه (دني وقرب) لخليج العقبة-، وقد كانوا ينادون عاداً بـ(إرم) إلى أن هلكوا، فنادوا ثمود إرم، قال ابن عمر (ض) لما نزل الرسول (ص) على تبوك نزل بهم في الحِجر عند بيوت ثمود فأسقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، وعجنوا منها، ونصبوا لها القدور، فأمرهم النبي (ص) فأهرقوا القدور، وعلقوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم، حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال: (إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم) رواه أحمد.
  3. أعطى الله قبيلة ثمود نعماً كثيرة، وكانت مثل قوم نوح، وعاد تدين بعبادة الأصنام يشركونها مع الله في العبادة، فأرسل إليهم صالحاً داعياً، وواعظا، ومذكراً إياهم بنعم الله، وآياته الدالة على توحيده، وإفراده بالعبادة دون سواه، فآمن به المستضعفون من قومه، وكفر به الملأ (السادة، والاشراف، والقادة) وطلب المستكبرون منه آية على صدقه، فأيده الله بالناقة، وقال لهم: (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُوم) الشعراء (155) + القمر (27-28) وأمرهم ألا يمسوها بسوء، لكنهم تنادوا، فعقروا الناقة، فأهلكهم الله، ونجا صالحاً، والذين آمنوا معه من العذاب، والهلاك.

ثالثاً/ التفسير والبيان:

  1. (73) (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا…) أي أرسلناه إليهم، وهي قبيلة من العرب تسمى عاد الثانية، وكانت مساكنهم في الحجر بين الحجاز، والشام إلى وادِ القرى، وما حولها في طريق الذهاب من المدينة إلى تبوك (نَاقَةُ اللّهِ) دابة خلقها الله من صخر، لا من أبوين (آيَةً) معجزة دالة على صدقة.
  2. (74) (وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ) جعل لكم مباءة فيها، أي منازل تسكنونها (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ) تنجرونها (بُيُوتًا) تسكنون فيها من النحت، وهو نجر الشيء الصلب (آلاء اللّهِ) نعمه، وإحساناته (وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين) العثو أشد الفساد.
  3. (77) (فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ) نحروها (وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) استكبروا عن الامتثال له، والعتو النبؤ أي الترفع عن الطاعة، والتكبر عن الحق علوا في الباطل، وتجاوز الحد في الاستكبار، فهو عات، وعتي.
  4. (78) (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أهلكهم الزلزال الشديد، والرجفان هو: الاضطراب الشديد، وجاء في آية (67) من سورة هود إهلاكهم بالصيحة من السماء التي زلزلت بها الأرض فكان إهلاكهم بها، وذكر في كل موضع واحد منها (جَاثِمِين) باركين على الركب، والمراد أنهم هامدون، صرعى، لا حراك لهم، وهم جاثمين على صدورهم.

رابعاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

كلمة (مس) التي جاءت من مسس، وردت مختلفة المعاني في القرآن على أربعة أوجه:

  1. الوجه الأول: بمعنى الإيذاء قال تعالى: (فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ) الأعراف (73).
  2. الوجه الثاني: بمعنى الإصابة قال تعالى: (مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء) الأعراف (95).
  3. الوجه الثالث: بمعنى الخبل، أو الصرع قال تعالى: (لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة (275).
  4. الوجه الرابع: بمعنى الجماع قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ) الأحزاب (49).

خامساً/ وقفات مع آيات الدرس السابع عشر سورة الأعراف

حين يقف المتأمل مع هذه الآيات التي تتكرر فيها مواقف المكذبين لرسل الله، وعواقبهم الوخيمة التي تتكرر تجعله يزداد إيمانا بوعد الله، وهو يرى مشاهدها تنجي الرسول، ومن معه، وتهلك الأقوام المكذبة، وتفنيهم، ولنا مع آيات هذا المقطع ست وقفات:

  1. الوقفة الأولى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا…) وهذه صفحة أخرى من صحائف قضية البشرية، وهي تمضي في خضَم التاريخ، إنها انتكاسة أخرى للجاهلية، ومشهد من مشاهد اللقاء بين الحق، والباطل، ومصرع جديد من مصارع المكذبين.
  2. الوقفة الثانية: ويريد بها تلك المعجزة التي صاحبت دعوة صالح، حين طلبها قومه، للتصديق به (قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً) ووجه البينة في الناقة أنها كانت ناقة غير عادية، أو أنها أخرجت لهم إخراجاً غير عادي، مما يجعلها بينة من ربهم، ومما يجعل نسبتها إلى الله ذات معنى، ويجعلها آية على صدق نبوته (فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ) إنها ناقة الله فذروها تأكل في أرض الله، وإلا، فهو النذير بسوء المصير.
  3. الوقفة الثالثة: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء…) لم يذكر السياق هنا أين كان موطن ثمود، ولكنه في سور أخرى ذكر أنهم كانوا في الحِجر، -وهي بين الحجاز-، والشام، ونلمح من تذكير صالح لهم أثر النعمة، والتمكين؛ كما نلمح طبيعة المكان الذي كانوا يعيشون فيه، فهو سهول، وجبال، وقد كانوا يتخذون من السهول القصور، وينحتون من الجبال البيوت:
    1. إنها حضارة عمرانية واضحة المعالم في هذا النص القصير، وصالح يذكرهم استخلاف الله لهم من بعد قوم عاد، وإن لم يكونوا في أرضهم ذاتها، فقد كانوا أصحاب الحضارة المثالية في التاريخ الحضاري.
  4. الوقفة الرابعة: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ…) يتضح من سياق الآية أنه سؤال للتهديد، والتخويف، ولاستنكار إيمانهم به، وللسخرية من تصديقهم له حين جاءهم بالرسالة من ربه، ولكن الضعاف لم يُعدّوا ضعافاً، لقد سكب الإيمان بالله القوة في قلوبهم، والثقة في نفوسهم، والاطمئنان في منطقهم. إنهم على يقين من أمرهم (قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُون) ومن ثَم أعلن الملأ موقفهم الصريح يحمل طابع التهديد (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُون) واتبعوا قولهم بفعلهم الشنيع، بالاعتداء على ناقة الله (فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ…).
  5. الوقفة الخامسة: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ…) أرسل الله الرجفة، والجثوم، جزاء مقابل العتو، والتبجح، فالرجفة يصاحبها الفزع، والجثوم هو: العجز عن الحراك.
  6. الوقفة السادسة: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي…) إنه الإشهاد على أمانة التبليغ، والنصح، والبراءة من المصير الذي جلبوه على أنفسهم بالعتو، والتكذيب.
    هكذا تطوى صفحة أخرى من صحائف المكذبين، ويحق النذير بعد التذكير على المستهزئين.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من القصة:

ترشدنا الآيات بعد الوقوف عليها، وتدبر آياتها إلى خمسة أحكام:

  1. الحكم الأول: وجوب شكر الله على نعمة الغنى -كثرة المال-، والغنى إذا لم يصحبه شكر يودي بصاحبه إلى الطغيان.
  2. الحكم الثاني: إباحة التوسع بالعمران، وغيرها، إذا قصد به الانتفاع، وليس التطاول على الناس.
  3. الحكم الثالث: وجوب التذكير بنعم الله على الناس، ليقابلوه بالشكر عليها.
  4. الحكم الرابع: وجوب دعوة الناس، لتعبيدهم لله وحده دون سواه؛ إما استجابوا، أو أقيمت عليهم الحجة.
  5. الحكم الخامس: تنوع العذاب، فاختلاف التعبيرات المتنوعة -الرجفة، والطاغية، والصيحة، والصاعقة- ليس تناقضاً بالتعبيرات، وإنما هي دلالة على تنوع العذاب.

الدرس الثامن عشر / سورة الأعراف

في هذه السورة سوف نعرض لكم قصة نبي الله لوط -عليه السلام- والتي جاءت من الآيات (80-84)

بعد إهلاك ثمود ـ قوم صالح عليه السلام ـ جاء السياق القرآني بقصة لوط -عليه السلام- حيث نحا القوم منحى آخر، وابتدعوا جريمة جديدة تتنافى مع الفطرة السليمة أضافة إلى ما اقترفه أسلافهم، بل زادوا بالغطرسة، والعتو بمحاولتهم الاعتداء على ضيوف النبي، وبإخراج الرسول، ومن معه، بل وابتلائه بأقرب الناس إليه، فإلى العرض:

أولاً/ أهداف القصة:

للقصة هدفان رئيسان أشارت إليهما الآيات، وهما:

  1. إبراز شناعة الشذوذ الجنسي، وعقوبة من يمارس ذلك في الدنيا، والآخرة.
  2. عرض أنموذج للشذوذ الجنسي (قوم لوط).

ثانياً/ أضواء من التاريخ:

  • لوط هو: لوط بن هاران بن أخو إبراهيم بن تارخ.
  • آمن بإبراهيم عليه السلام، وأهتدى بهديه كما قال تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) العنكبوت (26-29)، واتبعه إبراهيم في رحلاته، فكان معه فيما بين النهرين، ثم بمصر، ثم ببلاد الشام، حيث سكن في سدوم شرق الأردن، وكان أهل سدوم يعملون الخبائث دون حياء، ولا عفة، وعلى مرأى من الناس، ويقطعون الطريق على التجار، ويأخذون بضائعهم كما بينَّ القرآن على لسان لوط (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) العنكبوت (29).
  • وقد وعظهم لوط عليه السلام، ونصحهم، ونهاهم، وخوّفهم ببأس الله تعالى فلم يأبهوا له، ولم يرتدعوا، بل هددوه بالرجم، والإخراج من مناطقهم، فجاءهم العذاب. قال تعالى: (يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود) هود (76).

ثالثاً/ التفسير والبيان:

  1. (80) (وَلُوطًا) أي أرسلنا لوطاً، وهو ابن أخ إبراهيم عليهما السلام، وكان قد هاجر مع إبراهيم، من أرض بابل، إلى الشام، فنزل إبراهيم فلسطين، ونزل لوط الأردن، وابتعثه الله تعالى إلى أهل (سدوم، وما حولها من القرى)، -وهي من بلاد الشام-، وتبعد عن فلسطين مسيرة يوم، وليلة، وتسمى (المؤتفكات).
    لقد بعث الله إليهم لوطاً يدعوهم إلى عبادة الله تعالى، وينهاهم عن الفاحشة التي جاؤوا بها، ولم تكن معروفة في الناس قبلهم.
  2. (82) (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون) أي يتنزهون عن الإتيان من هذا المأتى.
  3. (83) (مِنَ الْغَابِرِين) الباقين في العذاب.
  4. (84) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا) أي، وأمطرنا عليهم نوعاً عجيباً من المطر، بينه الله تعالى بقوله: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيل) الحجر (74).

رابعاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

وردت كلمة (مطر) في القرآن الكريم بوجهين يتفقان مبنى، ويختلفان معنى:

  1. الوجه الأول- بمعنى العذاب مطر الحجارة.قال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين) الأعراف (84) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيل) الحجر (74).
  2. الوجه الثاني- بمعنى الغيث قال تعالى: (إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ) النساء (102) أي من غيث.

خامساً/ وقفات مع آيات الدرس الثامن عشر سورة الأعراف

أحداث جديدة في قصة هذه الآيات تجبرنا على الوقوف على بعض تفاصيلها، ليتكون لدينا الوعي الكامل تجاه هذه الجريمة الشنعاء، التي حاولت تغيير الفطرة البشرية، والعقوبات التي لحقت بهم كأنموذج للعظة، والعبرة، ومن تلك الوقفات:

  1. الوقفة الأولى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ…) تكشف لنا قصة قوم لوط عن لون خاص من انحراف الفطرة، إلى قضية أخرى غير قضية الألوهية، والتوحيد التي كانت مدار القصص السابقة، ولكنها في الواقع ليست بعيدة عن قضية الألوهية، والتوحيد.
    إن الاعتقاد الواحد يقود إلى الإسلام، لسننه، وشرعه، فقد شاءت إرادة الله أن يخلق البشر ذكوراً وإناثاً، وجعلهما شقين للنفس البشرية الواحدة؛ ليتكاملا، ويكون الامتداد عن طريق التناسل، وأن يكون النسل بالتقاء الذكر بالأنثى عن طريق الزواج، ولكن انحراف الفطرة يبدو واضحاً في قصة قوم لوط.
  2. الوقفة الثانية: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء…)  إن هذا الانحراف المشين الذي ابتدعه قوم لوط، والإسراف الذي يدفعهم به نبي الله لوط هو: الإسراف في تجاوز منهج الله المتمثل في الفطرة السوية. إن الإسراف في الطاقة التي وهبهم الله إياها، لأداء دورهم في امتداد البشرية، ونمو الحياة يريقونها، ويبعثرونها في غير موضع الإخصاب، إنها مجرد شهوة شاذة، فإذا تجاوزت لذة الفطرة الصادقة في تحقيق سنة الله الطبيعية، أصبحت شذوذاً، وانحرافاً، وفساداً فطرياً، وأخلاقياً، وهذا نقيض سنة الله الطبيعية.
  3. الوقفة الثالثة: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم…) يا للعجب! أوَمن يتطهر يخرج من القرية إخراجاً، ليبقى فيها الملوثون، المدنسون؟، ولكن لماذا العجب؟ وماذا تصنع الجاهلية؟ أليست تطارد الذين يتطهرون، لكيلا ينغمسون في الوحل التي تنغمس فيها المجتمعات الجاهلية، تحت مسميات التقدمية، ودعوى تحطيم الأغلال عن المرأة وغير المرأة؟
  4. الوقفة الرابعة: (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ…) إنها النجاة لمن تهددهم العصاة، كما أنها الفيصل بين القوم على أساس العقيدة، والمنهج؛ فامرأته، -وهي الصق الناس به- لم تنج من الهلاك؛ لأن صلتها كانت بالغابرين _ أي المهلكين_ من قومه في المنهج، والاعتقاد، وقد أمطِروا مطراً مهلكاً، مصاحباً للعواصف، وبنفس الوقت مغرقاً، وكأنه جاء لتطهير الأرض من ذلك الدنس الذي كانوا فيه، والوحل الذي عاشوا، وماتوا فيه.
    -على أية حال- لقد طويت صفحة من صحائف المكذبين، المجرمين.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من آيات الدرس الثامن عشر سورة الأعراف

أشارت آيات المقطع إلى أحكام يدركها المتأمل، ويستنبطها من الآيات، وهي تحريم اللواط، للأسباب الآتية:

  1. الضرر بالمفعول به (بالإيدز…وغيره).
  2. فساد خلق اللائط.
  3. إلحاق العار، والعيب بالطرفين.
  4. إفساد النساء بالإعراض عنهن من الرجال.
  5. إقلال النسل.

الدرس التاسع عشر/ سورة الأعراف

قصة نبي الله شعيب -عليه السلام- – الآيات من (85-93)

في هذا الدرس نعرض قصة شعيب -عليه السلام ـ رسول الله إلى قبيلة مدين، وخطيب الأنبياء ـ وهي ضمن سلسلة القصص التي ذكرتها سورة لأعراف، وكماهي دعوة رسل الله الناس جميعا إلى توحيد الله، ثم معالجة ما يدور في مجتمعاتهم من مشكلات، وانحرافات، تشير الآيات إلى أن شعيباً دعا قومه إلى الوحدانية، وإيفاء الكيل، وعدم بخس الناس أشياءهم، وعدم الصد عن سبيل الله، ولورود ذكر القصة هنا دلالات، وأهداف نلخصها بالآتي:

أولاً/ أهداف القصة:

للقصة هدفان اثنان لا ثالث لهما تريد الآيات إبرازهما، وإيصالهما للناس، وتمثلهما، وهما:

  1. تعظيم أمر الله، ويدخل فيه: الإقرار بالتوحيد، والنبوة.
  2. بيان الشفقة على خلق الله، ويدخل فيه: ترك النجس، وترك الإفساد، ويجمعهما ترك الإيذاء.

ثانياً/ أضواء من التاريخ:

هذه هي القصة الخامسة بعد قصص من سبق من الأنبياء، والرسل نسلط الأضواء فيها، لتتضح الرؤية، وتكتمل الصورة لدى القارئ، والمستمع نوجزها بـ:

  1. اسم النبي هو: شعيب بن ميكيل بن يشجر، وهو من أنبياء العرب، وقد ذكر في القرآن الكريم عشر مرات.
    كانت بعثته قبل زمن موسى -عليه السلام-، لأن الله تعالى بعد أن ذكر قصص الأنبياء الخمسة قال: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا…) الأعراف (103).
  2. أما مدين، أو (مديان) فهم من سلالة مدين ابن إبراهيم عليه السلام كانوا يسكنون مدينة (مدين) قرب معان جنوب شرق الأردن على طريق الحجاز، وكانوا يعبدون غير الله تعالى، ويبخسون المكيال، والميزان، ويقطعون الطريق،…إلخ.

ثالثاً/ التفسير والبيان:

  1. (85) (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) أي أرسلنا إلى مدين، -وهم قوم شعيب عليه السلام-، وكانوا أهل كفر، وبخس للمكيال، والميزان؛ فدعاهم إلى التوحيد، ونهاهم عن الخيانة فيما يكيلون، ويوزنون.
    فعن السدي، وعكرمة: أن شعيباً أُرسل إلى أمتين: أهل مدين الذين أهلكوا بالصيحة، وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة، وأنه لم يبعث نبياً لمدين إلا شعيب -عليه السلام-، واختار ابن كثير (أنهما أمة واحدة أخذتهم الرجفة، والصيحة، وعذاب يوم الظلة) أي السحابة كما أخبر بذلك تعالى (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين) الآية (91) من هذه السورة، وقال تعالى (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِين) هود (94) وقال تعالى (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم) الشعراء (189)، (فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ) أمر الله بإقامة العدل في التعاملات، وإيفاء الكيل، والوزن بالعدل، (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) أي ولا تنقصوهم حقوقهم بتطفيف الكيل، ونقصان الوزن في المبيعات؛ فإن ذلك خيانة.
  2. (86) (وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ) ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تخوّفون الآمنين بالقتل، أو تخفون الناس أن يأتوا شعيباً، وتقولون لهم إنه كذاب يريد أن يفتنكم عن دينكم، (وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا) تودون سبيل الله معوجة.
  3. (88) (أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِين) أي نعود إلى ملتكم، ولو كنا كارهين لها، والاستفهام للإنكار، أي لا نصير إليها في أي حال، فكلام شعيب في قوله (إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا…) مبنى على التغليب، أو أنه لم يكن في ملتهم من قبل، ونجاه الله منها.
  4. (89) (رَبَّنَا افْتَحْ) أقض، أو احكم بيننا، وبينهم بالحق من الفتح، -وأصله إزالة الإغلاق-، واستعمل في الحكم لما فيه من إزالة الإشكال في الأمر.
  5. (91) (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) والرجفة هي: الزلزلة الشديدة، واسناد الإهلاك إليها هنا جاء من الإسناد إلى السبب القريب، واسناده إلى الصيحة في _الآية (94) هود_ من الإسناد إلى السبب البعيد إذ هي (الصيحة) من أسباب الرجفة، وعلى اختيار ابن كثير يكون إهلاكهم بهما، وبعذاب الظلة كما سلف، (جَاثِمِين) باركين على الركب.
  6. (92) (كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا) كأنهم لم يقيموا في ديارهم ناعمي البال العيش.
  7. (93) (فَكَيْفَ آسَى) فكيف أحزن عليهم. بمعنى: أنكم لستم مستحقون، لأن يُحزن عليكم، والأسى هو الحزن، وحقيقته: إتباع الفائت بالغم.

رابعاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه:

كلمات كثيرة ذكرتها آيات القرآن في مواضع مختلفة لها رسم واحد، ومعان عدة، ومنها كلمة (خرج) وردت على ثلاثة أوجه:

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الإخراج، والطرد من المكان. قال تعالى: (لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا) الأعراف (88).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الأجر، والثواب. قال تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين) المؤمنين (72).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الجعل. قال تعالى (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) الكهف (94).

خامساً/ وقفات مع آيات الدرس التاسع عشر سورة الأعراف

الآيات من (85) إلى (93) توجز قصة قوم مدين، ونبي الله شعيبا، وفي هذه القصة خمس وقفات نقف عندها، لندرك أمرها، والمراد:

  1. الوقفة الأولى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا…) إنها قاعدة الدعوة التي لا تغيير فيها، ولا تبديل (قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ…) هذا النص القرآني يشير إلى بينة جاء بها شعيب، ليثبت دعواه أنه مرسل من عند الله، ولكنها لم تذكر في القصة، ثم أمرهم بعد توحيد الله بأمرين: إيفاء الكيل، والوزن (فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ…).
    ونهاهم عن أربعة: 1- بخس الناس أشياءهم 2- والإفساد في الأرض،3- وعدم القعود على الطريق، لتخويف الناس4- وعن الصد عن سبيل الله (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ
    وذكرهم بنعم الله عليهم (كثرة التعداد السكاني بعد أن كانوا قلة) (وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ).
  2. الوقفة الثانية: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ…) بتبجح سافر، وفي إصرار -على المعركة- لا يقبل المهادنة، والتعايش تفوه الملأ، إلا أن قوة العقيدة لا تتلعثم، ولا تتزعزع أمام التهديد، والوعيد فقد وقف شعيب -عليه السلام- عند النقطة التي لا يملك أن يتزحزح خطوة واحدة عنها ألا وهي: نقطة المسالمة، والتعايش، والتي مفادها أن يترك لمن شاء الدخول في العقيدة التي يشاء؛ ولكن شعيباً لن يتنازل عن الحق الذي جاء به، ويدعو إليه (قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِين قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا…).
  3. الوقفة الثالثة: (عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا…) وهنا نشهد ذلك المشهد الباهر، مشهد تجلي حقيقة الألوهية في نفس ولي الله، ونبيه شعيب.
    إن نبي الله يعرف مصدر القوة، وملجأ الأمان، ويعلم أن ربه هو الذي يفصل بالحق بين الإيمان، والطغيان؛ فيتوكل على ربه وحده في خوض المعركة المفروضة عليه، وعلى المؤمنين معه، والتي ليس منها إلا بفتح من ربه، ونصر.
  4. الوقفة الرابعة: (وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ…) إنها ملامح المعركة تتكرر، ولا تتغير، حيث يتوجه الطواغيت أولاً إلى الداعية، ليكف عن الدعوة، فإذا استعصم بإيمانه، وثقته بربه، واستمسك بأمانة التبليغ، وتبعاته، ولم يرهبه التخويف بما يملكه الطغاة من الوسائل، وغيرها؛ تحولوا إلى الذين اتبعوه، ليفتنوهم عن دينهم بالوعيد، والتهديد، ثم البطش، والعذاب.
  5. الوقفة الخامسة: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ…) بعد استخدام الطواغيت أساليبهم يأتي الرد العملي من الله سبحانه وتعالى بإهلاكهم، وتطوي صفحتهم، ثم يأتي التعقيب من شعيب -عليه السلام- (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي…) إنه من ملة، وهم ملة، فهو أمة، وهم أمة؛ أما صلة الأنسان، والأقوام، فلا اعتبار لها عند المفاصلة في الدين، ولا وزن لها في ميزان الله عندما تصدم بالإيمان بالله.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من القصة:

إن الذي نخلص إليه بعد عرض القصة، والتدقيق بمحتواها، هو: استنباط الأحكام التالية:

  1. الحكم الأول: وجوب البلاغ، وإن الداعية هو المعني بإيصال الهدف للمدعوين، وإقناعهم به بالأدلة العقلية، والنقلية، واستمالتهم، لتطبيقه ترغيباً، وترهيباً.
  2. الحكم الثاني: وجوب الصبر، والثبات، والتوكل على الله، يتوجب على جميع الدعاة إلى الله الصبر، والثبات، والتوكل عليه أمام تهديد أصحاب الباطل.
  3. الحكم الثالث: اللجوء إلى الله، بعد استنفاد الداعية إلى الله كل طاقاته، ووسائله، وأساليبه يلتجئ إلى الله، ويستنصره.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى