2025-06-18 2:12 ص
إدارة الموقع
2025-06-18 2:12 ص
تفسير سورة التوبة

تفسير سورة التوبة (من الدرس السادس عشر وحتى الحادي والعشرين)

في آخر دروس سورة التوبة من الآية 94 وحتى 129 لازالت تتحدث عن المنافقين وكيف اعتذروا في غزوة تبوك، كما وضحت صفات المؤمنين الحقيقية وفي الآخير تحدثت عن الثلاثة الذين تخلفوا عن فريضة الجهاد وكذلك عن السياسة الحربية في قتال الكفار وموقف المنافقون منه

الدرس السادس عشر من الآية (94-99) في سورة التوبة

وضحت هذه الآيات كيف اعتذر المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك وحلفهم الأيمان الكاذبة

أولاً/ أهداف الدرس السادس عشر من سورة التوبة

  1. كشف حقيقة المنافقين في كل موقف من مواقف الجهاد.
  2. بيان حقيقة الأعراب فمنهم المنافقون ومنهم المؤمنون.

ثانياً/ التفسير والبيان

  1. (94) (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) يعتذر المنافقون إليكم بعد عودتكم من الجهاد عن تخلفهم أعذار باطلة ويروى أنهم كانوا بضعة وثمانين رجلاً.
  2. (95) (لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ) لتتركوهم ولا تؤنبوهم ولتصفحوا عنهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) إنهم قذر أو نجس فلا تقربوهم واجتنبوهم جُعلوا نفس الرجس مبالغة في نجاسة أعمالهم.
  3. (97) (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) نزلت في أسد وغطفان، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أي أهل البادية اشد كفراً ونفاقاً من أهل الحضر الكفار والمنافقين لجفائهم وقسوة قلوبهم وتوحشهم ونشأتهم في معزل عن مخالطة العلماء بالدين والتعلم منهم وجهلهم بالقرآن والسنن (وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ) وأخلق بألا يعلموا فرائض الله وأوامره ونواهيه مشتق من الجدر وهو أصل الشجرة وكأنه ثابت ثبوت الجدر في قولك جدير وأجدر والمراد وصف جنس الأعراب بدليل قوله تعالى (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ).
  4. (98) (مَغْرَمًا) غرامة وخسارة لأنهم لا ينفقونه رجاء لثواب بل تقية ورياء من الغرام بمعنى الهلاك لأنه سببه (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) ينتظر بكم حروف الدهر ومصائبه التي يتبدل بها حالكم إلى أسوء والتربص: الانتظار، والدوائر: جمع دائرة وهي النائبة وكان المنافقون يعتذرون عن موالاة اليهود بقولهم: إننا نخشى أن تدور علينا دائرة من دوائر الدهر ودولة من دوله بأن ينقلب الأمر للكفار وتكون الدّولة لهم على المسلمين فنحتاج إليهم أو نخشى أن يدور علينا الزمن بمكروه كالجدب والقحط فلا يميروننا ولا يقرضوننا والدائرة النائبة من حوادث الدهر التي تحيط بالناس إحاطة الدائرة بما فيها وأصلها ما أحاط بالشيء ثم استعير لما ذكر وتطلق على الهزيمة (عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ) دعاء بنحو ما يتربصون به والسوء مصدر ساءه يسوءه سواء إذا فعل به ما يكرهه واستاءه والسّوء بالضم اسم منه وقيل المفتوح بمعنى الذم والمضموم بمعنى العذاب والضرر وإضافة دائرة إلى السوء من إضافة الموصوف بالصفة كما في رجل صدوق.
  5. (99) (وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ) دعواته واستغفاره للمنافقين.

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(عرض) وردت على (7) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى عفا وصفح قال تعالى (سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى السعة أو ما يقابل الطول قال تعالى (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الإبراز والإظهار قال تعالى (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ) وقال تعالى (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى السوق قال تعالى (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى المتاع الدنيوي قال تعالى (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا).
  6. الوجه السادس: وردت بمعنى العرض الذي لا يبقى قال تعالى (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا).
  7. الوجه السابع: وردت بمعنى السبب قال تعالى (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ).

رابعاً/ أسباب النزول

  1. سبب نزول الآيات (94-96) (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ…) روى ابن عباس أن هذه الآيات نزلت في الجد بن قيس ومتعب بن قشير وأصحابهما من المنافقين وكانوا ثمانين رجلاً أمر النبي (ص) المؤمنين لمّا رجعوا إلى المدينة بألا يجالسوهم ولا يكلموهم وقال قتادة ومقاتل إنها نزلت في عبدالله بن أبي فإنه حلف للنبي (ص) بعد عودته الا يتخلف عنه أبدا وطلب أن يرضى عنه فلم يفعل.
  2. سبب نزول الآية (97) (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا…) قال الواحدي نزلت في أعارب من أسد وغطفان ومن أعارب حاضري المدينة.
  3. سبب نزول الآية (99) (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ…) أخرج ابن جرير الطبري عن مجاهد أنها نزلت في بني مقّرن الذين نزلت فيهم (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ…) وأخرج عبد الرحمن بن معقل المزني قال: كنا عشرة ولد مقّرن فنزلت فينا هذه الآية.

خامساً/ وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: (لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ…) مادة آمن تدور حول عدة معان تقول آمن أي: أعتقد وصدق مثل قولنا (آمَنَ بِاللَّهِ) ويقال آمن بالشيء أي صدّقه وآمن بكذا أي صدق ما قيل والله هو القائل: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى) وقال إخوة ليوسف لأبيهم (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِين) أي لن تصدقنا، وآمن إذا تعدت بالباء فمعناها الإعتقاد وإذا تعدت باللام فمعناها التصديق وإذا تعدت بغير الباء وغير اللام فمعناها إعطاء الأمان (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف) هنا تعدت بنفسها وتجئ بمعنى الائتمان (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ…) وإن تعدت بالمفعول فمعناها القدرة على أداء الأمانات (وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ…) ومعناها هنا (لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ) لن نصدقكم.
  2. الوقفة الثانية: إن الله أعلم بدوافع الأعمال وكم من دافع للعمل يخفى حتى على صاحبه وهو يفعله والله أعلم به منه وكم من نتيجة لهذا العمل ولا يدري صاحبه وقوعها والله يعلمها دون صاحبها.
  3. الوقفة الثالثة: إن الرجس المذكور في الآية المقصود به رجس أرواحهم وأعمالهم والقاعدون في الجماعة المجاهدة وهم قادرون على الحركة الذين يقعد بهم إيثار السلامة عن الجهاد رجس ودنس قذر يؤذي المشاعر كالجثة المنتنة في وسط الأحياء تؤذي وتعدي.
  4. الوقفة الرابعة: إن المنافقين يطلبون ابتداء أن يعرض المؤمنين عن فعلهم صحفاً وعفواً ثم يتدرجون من هذا إلى طلب رضى المسلمين عنهم ليضموا السلامة في المجتمع المسلم بهذا الرضى ويضمون أن يظل المسلمون يعاملونهم بظاهر اسلامهم كما كانوا يعاملونهم ولا يجاهدونهم ويغلظوا عليهم كما أمرهم الله في هذه السورة أن يفعلوا محدداً بذلك العلاقات النهائية بين المسلمين والمنافقين فيهم.
  5. الوقفة الخامسة: التعبير القرآني بهذا العموم (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا…) يعطي وصفاً ثابتاً متعلقاً بالبدو والبداوة فالشأن في البدو أن يكونوا أشد كفراً ونفاقاً وأجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، والجدارة بعدم العلم بما أنزل الله على رسوله ناشئة من ظروف حياتهم وما تنشئة في طباعهم من جفوة ومن بعد عن المعرفة وعن الوقوف عند الحدود قال الرسول (ص) (من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان فتن).
  6. الوقفة السادسة: وإن من الأعراب من يضطر لأن ينفق من ماله في الزكاة وفي غزوات المسلمين تظاهراً بالإسلام ليستمتع بمزايا الحياة في المجتمع المسلم ومداراة للمسلمين وهم أصحاب السلطان اليوم في الجزيرة وهو يعد ما ينفقه غرامة وخسارة يؤديها كارهاً لا مساعدة لغزوات المجاهدين ولا حباً في انتصار الإسلام والمسلمين ولكنه ينظر متى تدور الدوائر على المسلمين ويتمنى ألا يعودوا من غزوة سالمين.
  7. الوقفة السابعة: لكن هنا فريق من الأعراب يؤمنون بالله واليوم الآخر إيماناً صادقاً يدفعهم للعمل الصادق الخالص لله ويعتبرون ما ينفقونه بالزكاة أو في الجهاد أنه تقرب إلى الله يبتغون به حسن مثوبته.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

دلت الآيات من (94-96) على الأحكام التالية:

  1. الحكم الأول: عدم تصديق المنافقين في اعتذارهم بعد إعلام الله بحقيقة أمرهم وأخبارهم.
  2. الحكم الثاني: الإعتقاد أن المستقبل خير شاهد وكفيل لإظهار كذب المنافقين.
  3. الحكم الثالث: الإعتقاد أن الله عالم بكل شيء يعلم السر وأخفى ويعلم ما في بواطن المنافقين من خبث ومكر ونفاق وكذب وكيد.
  4. الحكم الرابع: الإيمان بأن الجزاء على الأعمال ثابت يردع كل فاسق وعات وظالم.
  5. الحكم الخامس: الإعتقاد بأن المنافقين أرجاس وأنجاس رجساً معنوياً يقتضي الاحتراز منهم كما يقتضي الاحتراز عن الأرجاس الحسية خوفاً من التأثر بأعمالهم والميل إلى طبائعهم.
  6. الحكم السادس: يلزم الابتعاد عن كل ما يقتضي الاعتذار من الذنوب والمعاصي.
  7. الحكم السابع: لا ينفع رضا الناس مع سخط الله.
  8. الحكم الثامن: أن سخط الله على المنافقين وأمثالهم إنما هو بسبب فسقهم وخروجهم عن دائرة الطاعة الواجبة لله ولرسوله.

الدرس السابع عشر من الآية (100-106) في سورة التوبة

وفي هذه الآيات من سورة التوبة ذكر أصناف الناس في المدينة ما حولها وكيف قبول التوبة والأمر بالعمل الصالح

أولاً/ أهداف الدرس السابع عشر من سورة التوبة

  1. بيان أصناف الناس: السابقون من المهاجرين والأنصار والمنافقون وكذلك من خلط عمل صالحاً وآخر سيئاً.
  2. توضيح أن الصدقة طهره لأعمال المؤمنين من أي شائبة يشوبها.

ثانياً/ التفسير والبيان

  1. (101) (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ…) شروع في ذكر أنواع المتخلفين عن غزوة تبوك أي ومن الأعراب الذين حول المدينة كبعض أناس من قبائل سليم وأشجع وغفار ومزينة وجهينة ومن أهل المدينة منافقون (مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ) مرنوا عليه وتمهروا فيه (لاَ تَعْلَمُهُمْ) لعراقتهم في النفاق والتقية مع كمال فطنتك وصدف فراستك (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) لا يخفى علينا ما في اسرارهم (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ) في الدنيا بالفضيحة وعذاب القبر (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم) في الآخرة.
  2. (102) (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ) أي ومن المتخلفين قوماً آخرون اعترفوا بذنوبهم وهي تخلفهم عن الغزو عن صحبة رسول الله (ص) فيه وإيثارهم الدعة (خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا) وهو جهادهم في سبيل الله قبل هذه الغزوة وندموا وتابوا إلى الله منه وكانوا عشرة أو أقل منهم: أبوا لبابة بن عبد المنذر ولما بلغهم ما نزل بالمتخلفين أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد وحلفوا الا يحلهم إلا رسول الله (ص) فأعرض عنهم حتى نزلت الآية فحل وثاقهم إذ قبل الله توبتهم كما يفيده قوله تعالى (عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) فإن الترجي في حقه تعالى إطماع وهو أكرم الأكرمين وكما أطلقهم طلبوا منه (ص) أن يأخذ أموالهم صدقة طهرة لهم وكفارة عن ذنوبهم فنزل (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً).
  3. (103) (وَتُزَكِّيهِم بِهَا) تنمي بها حسناتهم وأموالهم (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) ادع لهم واستغفر لهم (سَكَنٌ لَّهُمْ) طمأنينة أو رحمة لهم.
  4. (106) (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللّهِ) أي ومن المتخلفين قوم موقوف أمرهم إلى أن يظهر أمر الله فيهم وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية تخلفوا عن الغزوة كسلاً مع قدرتهم باللحاق به عليه الصلاة والسلام فلم يتيسر لهم فلما قدم النبي (ص) وكان قد نزل في المتخلفين قالوا لا عذر لنا إلا الخطيئة ولم يتعذروا فأمر الرسول (ص) باجتنابهم إلى أن نزلت الآية
  5. (117) (لَقَد تَّابَ الله…) وكانت مدة وقفهم خمسين ليلة فلما تمتعوا بالراحة فيها مع تعب إخوانهم في السفر عوقبوا بهجرهم ووقفهم تلك المدة.

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(سبق) وردت على (3) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى المتقدم على غيره قال تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ…) وقال تعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى وجبت قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى…) وقال تعالى (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الفوات قال تعالى (أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُون).

رابعا/ أسباب النزول

  1. سبب نزول الآية (100) (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ…) الصحيح عند الرازي أن (السابقون) هم السابقون بالنصرة والهجرة فقد نزلت فيهم.
  2. سبب نزول الآية (101) (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ) نزلت في مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار الذين كانوا يعيشون حول المدينة ومن الأفراد عبدالله بن أبي والجد بن قيس ومتعب بن قشير والجلاس بن سويد وأبي عامر الراهب.
  3. سبب نزول الآية (102) (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ) نزلت في أبي لبابة وخمسة معه ثم أن أبى لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وقالوا لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله (ص) هو الذين يطلقنا وبقي ثلاثة نفر لم يوثقوا أنفسهم فرجع رسول الله (ص) من غزوه فقال من هؤلاء الموّثقون بالسواري فقال: رجل هذا أبو لبابة وأصحابه تخلفوا فعاهدوا الله الا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فقال: لا أطلقهم حتى أؤمر بإطلاقهم فأنزل الله الآية فلما نزلت أطلقهم وعذرهم وبقي الثلاثة الذين لم يوّثقوا أنفسهم لم يذكروا بشيء وهم الذين قال الله فيهم (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللّهِ…) الآية (106) فجعل أناس يقولون هلكوا إذا لم ينزل عذرهم فأنزل الله (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ…) وهم مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكعب بن مالك.
  4. سبب نزول الآية (103) (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً…) أخرج بن جرير عن ابن عباس (ض) أن هؤلاء الذين أطلقهم رسول الله (ص) من سواري المسجد لما اعترفوا بذنوبهم وتاب الله عليهم وهم أبو لبابة وأصحابه جاؤوا بأموالهم فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي كانت سبباً في تخلفنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً فأنزل الله الآية فأخذ الرسول (ص) من أموالهم الثلث وقال جماعة من الفقهاء هي الزكاة المفروضة.

خامساً/ وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: أن السابقين من المهاجرين هم الذين هاجروا قبل غزوة بدر وكذلك الأنصار الذين ناصروا الرسول قبل بدر أيضاً أما الذين اتبعوهم بإحسان (الذين يعنيهم هذا النص وهو يتحدث عما كان واقعاً أبان غزوة تبوك) فهم الذين اتبعوا طريقهم وآمنوا إيمانهم وابلوا بلاءهم بعد ذلك وارتقوا إلى مستواهم الإيماني وإن بقت للسابقين سابقتهم ليسبقهم في فترة الشدة قبل بدر وهي اشد الفترات.
  2. الوقفة الثانية: إن الفئات الثلاث: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان هي التي ألّفت القاعدة الصلبة للمجتمع المسلم في الجزيرة بعد الفتح وكانت هي التي تمسك هذا المجتمع كله في كل شدة وفي كل رخاء.
  3. الوقفة الثالثة: إن فئات الذين تخلفوا عن غزوة تبوك هم:
    1. الفئة الأولى فئة منافقي المدينة
    2. الفئة الثانية فئة منافقي الأعراب وهاتان الفئتان هما اللتان تتعمد التخلف عن الجهاد بصفة عامة عمداً لأنهم لا يؤمنون به واعتذارهم كاذب.
    3. الفئة الثالثة فئة أبي لبابة وصاحبيه الذين ربطوا انفسهم إلى سواري المسجد ندماً وحسرة حتى فك لهم رسول الله بعد توبة الله عليهم .
    4. الفئة الرابعة هي فئة مرارة بن الربيع وصاحبيه وهؤلاء الذين صدقوا بأن تخلفهم كان دون عذر فتمت مقاطعتهم لمدة خمسين ليلة تأديباً لهم ثم تاب الله عليهم.
  4. الوقفة الرابعة: إن السبق قد يكون بالإيمان وقد يكون بالزمان وقد يكون في المكان وسبق الإيمان قد يتجاوز الزمان والمكان قال الرسول (ص) (نحن الآخرون الأولون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوُتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذين اختلفوا فيه فهدانا الله له فاليهود غداً والنصارى بعد غد) الحديث صحيح.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: فرضية أخذ الصدقات وهي الزكاة الواجبة لتطهير النفوس وتزكيتها وتنمية الأموال والبركة فيها وأن صلاة الرسول (ص) شفاعة وطمأنينة.
  2. الحكم الثاني: قبول الله توبة التائبين بحق أي التوبة الصحيحة وقبول الصدقات الصادرة عن خلوص النية والإقامة عليها.
  3. الحكم الثالث: كل إنسان مجزي بعمله إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً والعمل مشهود عند الله ورسوله والمؤمنين.

الدرس الثامن عشر من الآية (107-110) في سورة التوبة

في هذه الآيا من سورة التوبة كشفت حقيقة وسبب بناء مسجد ضرار ومسجد التقوى وكيف تصرف النبي مع هذا الحدث

أولاً/ أهداف الدرس الثامن عشر من سورة التوبة

  1. كشف حقيقة بناء مسجد ضرار بأن بناءه للتآمر على الرسول وأصحابه.
  2. بيان أن المسجد الحقيقي هو الذي أسس على التقوى من أول يوم.

ثانياً/ التفسير والبيان

  1. (107) (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا) منصوب على الذم أي وأذموا الذين اتخذوا أو مبتدأ بتقدير مضاف خبره.
  2. (108) (لاَ تَقُمْ) أي ومسجد الذين اتخذوا لا تقم فيه (ضِرَارًا) مفعول به وكذا ما بعده، هؤلاء الذين اتخذوه إثنى عشر رجلاً من كبار المنافقين كانوا يصلون بمسجد قباء فقال لهم أبوا عامر الراهب ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فأتي بجند من الروم فأخرج محمد وأصحابه فلما بنوه رغبوا إليه صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه فوعدهم أن يصلي إذا عاد من تبوك إن شاء الله تعالى فأوحى الله خبرهم وأعلمه بتآمرهم فلما عاد فأمر بحرقه فحرق والضرار طلب المضارة ومحاولته ومن ثم سمي مسجد ضراراً (وَكُفْرًا) تقوية للكفر الذي يضمرونه (وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهم أهل قباء حسداً لهم على اجتماعهم وطمعاً في اختلاف كلمتهم (وَإِرْصَادًا) انتظاراً واعداد (لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ) من قبل بناء المسجد وهو أبوا عامر الراهب الذي سماه الرسول (ص) أبى عامر الفاسق.
    (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ) أسس بنيان دينه على تقوى الله وطاعته وطلب رضوانه خير أم من أسس بنيان دينه على ضلال وكفر ونفاق؟ والشّفا: الجرف والشفير والجرف البئر التي لم تطوى أو الهوة أو المكان الذي يجرفه الماء ويذهب به وهار البناء إذا سقط وهو نعت لجرف وقد مثل بناء الدين على الباطل بالبناء على شفا جرف هار (فَانْهَارَ بِهِ) أي سقط الجرف بالبنيان مع المباني (فِي نَارِ جَهَنَّمَ).
  3. (110) (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ…) أي لا يزال ما بنوه سبب ريبة وشك في الدين لأنه حين يبنى إنما يبنى لتفريق كلمة المؤمنين وتشتيت وحدتهم وليتمكنوا فيه من اظهار ما في قلوبهم من كفر وضلال وليدبروا فيه الكيد للمسلمين وحين هدم رسخ ما في قلوبهم من الشر وتضاعفت آثاره ومفاسده (إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) إلا أن تتمزق قلوبهم والمراد أنهم لا يزالون كذلك ما داموا أحياء.

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(ضرر) وردت على (5) أوجه ووردت في القرآن الكريم في (74) آية

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى طلب المضارة ومحاولته قال تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا) وقال تعالى (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُون أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّون).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الضراء البلاء والشدة قال تعالى (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء) وقال تعالى (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) وقال تعالى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الأهوال قال تعالى (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى المرض قال تعالى عن أيوب (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ).
  5. الوجه الخامس: وردت بمعنى الجوع قال تعالى (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ).

رابعاً/ وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: أن أبا عامر الراهب وهو من الخزرج وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب وكان له شرف كبير في الخزرج فلما قدم الرسول (ص) المدينة أنتهى ذلك الشرف والمكانة فحقد على الرسول (ص) فبارزه بالعداوة والمحاربة ومن ابرز محاربته للرسول (ص):
    1. تأليب قريش على حرب الرسول (ص) في أحد وحث أصحابه على القتال.
    2. حفر الحفائر بين الصفين في أحد فوقع في إحداهما الرسول (ص).
    3. ذاهبه إلى هرقل الروم ليستنصره على الرسول (ص).
    4. أمره لأصحابه من المنافقين ببناء مسجد ضرار وليكون معقلاً لجنود الروم الذين وعده بهم هرقل لمحاربة الرسول (ص).
  2. الوقفة الثانية: هذا المسجد ما يزال يتخذ في صور شتى تلائم مع تطور الوسائل والأساليب الخبيثة التي يتخذها أعداء هذا الدين في صور:
    1. نشاط ظاهره للإسلام وباطنه للإضرار بالإسلام أو تشويهه وتمييعه.
    2. وتتخذ في صور أوضاع ترفع لافتة الدين عليها للتمترس وراءها وهي ترمي هذا الدين وتتخذ في صور تشكيلات وتنظيمات وكتب وبحوث وفضائيات تتحدث عن الإسلام لتضليل عامة الناس.
  3. الوقفة الثالثة: ومن أجل مساجد ضرار الكثير يتحتم كشفها وإنزال اللافتات الخادعة عنها وبيان حقيقتها للناس وما تخفيه ورائها ولنا اسوة في كشف مسجد الضرار على عهد الرسول (ص) بذلك البيان القوي الصريح (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا…).
  4. الوقفة الرابعة: والتعبير القرآني الفريد يرسم هنا صورة حافلة بالحركة تنبئ عن مصير كل مسجد ضرار يقام إلى جوار مسجد التقوى ويراد به ما أريد بمسجد الضرار وتكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تخفي ورائها نية خبثة وتطمئن العاملين المتطهرين من كل كيد يراد بهم مهما لبس أصحابه مسوح المصلحين.
  5. الوقفة الخامسة: إن القرآن الكريم يرسم مشهداً يقارن فيه بين دعوة ودعاة الحق وميادينه الراسخة التي تقوم على أساس التقوى فتثبت وتقاوم وتدحر الباطل بمؤسساته ورجاله وتنتصر في النهاية وتبرز. وبين دعوة ودعات الباطل وميادينه التي تقوم على الكيد والخداع فليس له أساس ثابت بل مبني على شفا جرف هار فانهار به إلى نار جهنم.

خامساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: تحريم التظاهر بأي شعيرة من شعائر الإسلام لتحقيق أغراض شخصية.
  2. الحكم الثاني: ترغيب الإسلام بالنظافة المعنوية إضافة إلى النظافة الحسية.
  3. الحكم الثالث: وجوب كشف المنافقين وتسترهم بمظاهر إسلامية لتحقيق أغراضهم الخبيثة.

الدرس التاسع عشر من الآية (111-117) في سورة التوبة

وهذه الآيات ذكرت صفات المؤمنين الصادقين وعن النهي عن الاستغفار للمنافقين والكافرين

أولاً/ أهداف الدرس التاسع عشر من سورة التوبة

  1. تقرير طبيعة البيعة الإسلامية مع الله على الجهاد في سبيله وطبيعة هذا الجهاد وحدوده والواجب حياله.
  2. إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين: الله سبحانه هو المشتري والمؤمن هو البائع.
  3. الذين باعوا هذه البيعة هم صفوة مختاره ذات صفات متميزة: التائبون العابدون …
  4. إن هذه البيعة مع الله تقطع العلاقة بين المؤمنين والكافرين ولو كانت توجد قرابة نسب بينهم (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ…).
  5. إن ولاء المؤمن لله ولرسوله وللمؤمنين وعلى أساس هذا الولاء تقوم كل الرابط.
  6. إن المؤمن الذي باع نفسه وماله لله لا يحق له أن يتردد في تنفيذ التكاليف التي كلفه الله بها وإذا حدث تردد فيعتبر تقصير واخلال منه في تنفيذ العقد الذي بينه وبين خالقه والذي يجب عليه المبادرة للتوبة والاستغفار.
  7. إن أنواع الجهاد تستوعب كل جهود المؤمنين فإذا تخصصت كل مجموعة في نوع من أنواع الجهاد فلا حرج في ذلك.

ثانياً/ التفسير والبيان

  1. (112) (السَّائِحُونَ) الصائمون سموا سائحين بتركهم الملاذ كالسائحين وقيل الغزاة المجاهدون (وَالْحَافِظُونَ) لحدود الله ونواهيه.
  2. (113) (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ…) نزلت حين أراد النبي (ص) أن يستغفر لعمه أبي طالب بعد موته فنهاه الله عن ذلك.
  3. (114) (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيم) خاشع متضرع في الدعاء أو كثير التأوه من خوف الله قال أبو عبيده، الأوه: المتأوه فرقاً بأعلى صفة المتضرع يقيناً ولزوماً للطاعة وأصل التأوه: قول الرجل: أوّه أو أوه أي أتوجع و(حَلِيم) صبور على الأذى صفوح عن الجناية يقابلها بالإحسان والعطف.
  4. (117) (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ…) أي غفر الله للمؤمنين بسبب صبرهم على شدائد هذه الغزوة ما عساه قد فرط منهم من الزلات وضم ذكر النبي (ص) إلى ذكرهم تنبيهاً على عظم منزلتهم في الدين وأنهم بلغوا الرتبة التي لأجلها ضم ذكره (ص) إلى ذكرهم والعسرة ضد اليسرة فهي الشدة والضيق (يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ) تميل عن الخروج مع الرسول (ص) لما فيه من الشدة والمشقة والزيغ الميل (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ) تأكيد للتوبة والعفو.

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(عبد) وردت على (4) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى العابد الخاضع لله سبحانه وتعالى المؤدي لجميع أنواع العبادة قال تعالى (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ…)أأ] عماتتتتتبببب.
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى اعبدوه وحده قال تعالى (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى الطاعة قال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ…) وقال تعالى (أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى المماليك قال تعالى (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ…).

رابعاً/ أسباب النزول

  1. سبب نزول الآية (111) (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ…) نزلت هذه الآية لما بايع الأنصار (وكانوا سبعين رجلاً) رسول الله (ص) في بيعة العقبة الثانية وكان أصغرهم سناً عقبة بن عمرو أخرج ابن جرير عن عبدالله بن رواحه قال لرسول الله (ص) اشترط لربك ولنفسك ما شئت قال (اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم) قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال (الجنة) قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت الآية.
  2. سبب نزول الآية (113) (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ…) أخرج احمد والشيخان وابن أبي شيبة وابن جرير وغيرهم من طريق سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه الرسول (ص) وعنده أبو جهل وعبد الله ابن أبي أمية فقال: أي عم قل (لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله) فقال أبو جهل وعبدالله يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى آخر شيء كلمهم به: هو على ملة عبد المطلب فقال النبي (ص) (لأستغفرن لك مالم أنه عنك) فنزلت الآية وأنزل في أبي طالب أيضاً (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) وقد وردت روايات بأن سبب النزول أبو طالب أو أم النبي (ص) أو رجل مسلم يستغفر لأبوية وهما كافرين.
  3. سبب نزول الآية (117) (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ…) روى البخاري وغيره عن كعب بن مالك قال: لم أتخلف عن النبي (ص) في غزوة غزاها الا بادرت حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة وآذن الناس بالرحيل فأنزل الله توبتنا بالآية قال وفينا ينزل أيضاً (اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين).

خامساً/ وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: إن الآية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى…) تكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين بالله وعن حقيقة البيعة التي أعطوها (بإسلامهم) طول الحياة فمن بايع هذه البيعة ووفى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف (المؤمن) وينال الثمن الجنة كما وعد الله في كتبه، وتتمثل فيه حقيقة الإيمان وإلا فهي دعوى تحتاج إلى التصديق والتحقيق والدليل.
  2. الوقفة الثانية: إن الجهاد في سبيل الله بيعة معقودة بعنق كل مؤمن منذ كانت الرسل ومنذ كان دين الله ولكن الجهاد في سبيل الله ليس مجرد اندفاعاً إلى القتال إنما هو قمة تقوم على قاعدة من الإيمان المتمثل في مشاعر وشعائر وأخلاق وأعمال، والمؤمنون الذين عقد معهم البيعة والذين تتمثل فيهم حقيقة الإيمان هم قوم يتصفون بالصفات الآتية (التَّائِبُونَ…).
  3. الوقفة الثالثة: والمؤمنون الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة أمة وحدهم والعقيدة في الله بينهم هي وشيجة الارتباط والتجمع الوحيدة وتكون العلاقة بينهم وبين غيرهم ليست علاقات مصيرية وإنما هي علاقات مصالح مشتركه أو تبادل مصالح لا ترقى إلى الارتباط المصيري الذي يترتب عليه كل الحقوق والواجبات المتبادلة (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ…).
  4. الوقفة الرابعة: وكما كانت طبيعة البيعة تقتضي الوفاء بها في كل الظروف والأحوال ما عدا الطرف الذي تقدره الجماعة المتخلف عن المبادرة للجهاد في سبيل الله أمراً مستنكراً عظيماً يستوجب غضب الله وعقوبته إذا لم تكن المبادرة بالتوبة والاستغفار (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) وقصة غزوة تبوك التي هي غزوة العسرة والذين تخلفوا عنها طويلا.

سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

  • الحكم الأول: وجوب الوفاء بالبيعة مع الله وتسخير النفس والمال المباع في سبيل الله دون تردد ولا تباطؤ.
  • الحكم الثاني: وجوب الاتصاف بالصفات العشر المذكورة بالآية حتى تتحقق صفة الجهاد وصفة الإيمان الكامل بالمؤمن.
  • الحكم الثالث: تحريم الدعاء لمن مات كافراً بالمغفرة والرحمة أو بوصفه بذلك كقولهم المغفور له والمرحوم فلان كما يفعل البعض.
  • الحكم الرابع: تحريم موالاة الكافرين والمنافقين حيهم وميتهم.
  • الحكم الخامس: عدم الاقتداء بإبراهيم بالاستغفار للمشركين لأن إبراهيم عندما وعد بالاستغفار لأبيه كان مرتبط بوعد أب أبراهيم له بالإيمان فلما تبين لإبراهيم عدم وفاء أبيه بوعده لم يستغفر له.
    الحكم السادس: يحكم على الإنسان بظاهر حاله عند الموت فإن مات على الإيمان حكم له به وإن مات على الكفر حكم له به والله أعلم بباطن حاله.
  • الحكم السابع: لا عقوبة إلا بنص ولا مؤاخذة إلا بعد بيان لقوله تعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا…).
  • الحكم الثامن: تدل الآية (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا…) على أن المعاصي سبباً للضلالة والهلاك وطريق إلى ترك الرشاد والهدى.
  • الحكم التاسع: الإعتقاد بأن النصر من الله وحده لا من الأقارب أو الأباعد

الدرس العشرون من الآية (118-122) في سورة التوبة

في هذه الآيات من سورة التوبة ذكرت حال الثلاثة المخلفين وعن فريضة الجهاد على الجميع

أولا/ أهداف الدرس العشرون من سورة التوبة

  1. إبراز توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا.
  2. بيان حقيقة شمولية الجهاد بأنواعه المختلفة المباشرة واللوجستية.

ثانياً/ التفسير والبيان

  1. (118) (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ…) وتاب على الثلاثة الذين سبق ذكرهم في تفسير الآية (106) (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللّهِ…) الذين تخلفوا عن الغزو الى تبوك (بِمَا رَحُبَتْ) مع رحبها أي سعتها وأما الرحب بالفتح فهو المكان المتسع.
  2. (120) (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ) المراد بالنفي هنا النهي أي ليس لهم أن يتخلفوا عن رسول الله (ص) في الجهاد (وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ) أي لا يجعلون أنفسهم راغبة عما ألقى فيه نفسه والباء للتعدية أو لا يرغبون عن نفسه بأنفسهم أي بسبب صونها والباء للسببية وهو متضمن أمرهم بأن يصحبوه في البأساء والضراء ويكابدون معه الشدائد والأهوال برغبة ونشاط وأن يلقوا أنفسهم في الشدائد بما تلقاه نفسه الكريمة (وَلاَ مَخْمَصَةٌ) مجاعة شديدة تظهر خمص البطن وضموره.
  3. (122) (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً) أي ما ينبغي للمؤمنين ولا يجوز أن ينفروا جميعاً للجهاد ويتركوا النبي (ص) وحده في حالة عدم خروجه بنفسه للجهاد وعدم النفير العام بل يجب أن ينقسموا إلى قسمين طائفة تبقى معه لتعلم العلم والفقه في الدين والتلقي من مشكات النبوة وطائفة تنفر للجهاد فالماكثون يحفظون ما تجدد من الأحكام فإذا قدم الغزاة من غزواتهم علموهم ما تجدد في غيبتهم فالتفقه والإنذار إنما هو عمل الطائفة الماكثة وفي هذا التقسيم رعاية المصلحة في الجانبين.

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(كفر) وردت على (4) أوجه

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى الإنكار والجحود قال تعالى (وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى كفر النعمة قال تعالى (وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون…).
  3. الوجه الثالث: وردت بمعنى البراءة قال تعالى (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ).
  4. الوجه الرابع: وردت بمعنى الزراع قال تعالى (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ).

رابعاً/ وقفات مع الآيات

  1. الوقفة الأولى: إن الله وصف الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد بصفات ثلاث:
    1. الصفة الأولى (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ)
    2. الصفة الثانية (وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ)
    3. الصفة الثالثة (وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ)
  2. الوقفة الثانية: إن الله أمر المؤمنين أن يكونوا في الدنيا مع الصادقين في إيمانهم وعهودهم يكونون في الآخرة مع الصادقين في الجنة.
  3. الوقفة الثالثة: إن أهل المدينة هم الذين يمثلون القاعدة الصلبة لهذا الدين في مجتمع الجزيرة كله وكذلك القبائل الضاربة من حول المدينة وقد اسلمت وباتت تألف الحزام الخارجي للقاعدة فهؤلاء وهؤلاء ليس لهم أن يتخلفوا عن رسول الله (ص) وليس لهم أن يؤثروا أنفسهم عن نفسه.
  4. الوقفة الرابعة: وإذا كان لا يحق لأهل المدينة أن يرغبوا بأنفسهم عن نفس رسول الله (ص) فكذلك المؤمن الداعية في كل زمان ومكان لا يحق له أن يرغب بنفسه عن مثل ما تعرضت له نفس رسول الله (ص) في سبيل هذه الدعوة وهو يزعم أنه صاحب دعوة وأنه يتأسى فيها برسول الله (ص).
  5. الوقفة الخامسة: إن الله يمنح المجاهد من الأجر العظيم على كل شيء يلقاه في الجهاد في سبيل الله من نصب أو ظمأ أو جوع وكل موطئ قدم يغيظ الكفار وعلى كل نيل من العدو يكتب للمجاهد عملً صالح ويحسب به من المحسنين الذين لا يضيع الله لهم أجراً.
  6. الوقفة السادسة: عند ما كثر المسلمون واتسعت رقعة الأرض التي يسيطر عليها المسلمون لابد أن توزع في الجهاد وفي عمارة الأرض وفي التجارة وفي غيرها من شئون الحياة التي تقوم بها الأمة الناشئة والتي تمثل النواة الأولى لدولة الإسلام (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً).
  7. الوقفة السابعة: إن الفقه الإسلامي وليد حركة المسلمين بالإسلام في المجتمعات التي كانوا يعيشون بها فقد وجد الدين أولاً ثم وجد الفقه وليس العكس لأن الدينونة لله وحده هو الذي أنشأ المجتمع المسلم والمجتمع المسلم أنشأ الفقه الإسلامي.

خامساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: وجوب الصدق في الإرادة القول والعمل وتحريم الكذب إلا في الحرب أو اصلاح ذات البين.
  2. الحكم الثاني: إن كل ما يتعرض له المجاهد من مكابدة ومتاعب في السفر يثاب عليه ثواباً جزيلاً.
  3. الحكم الثالث: تستحق الغنيمة بمجرد الاستيلاء على أراضي الكفار.
  4. الحكم الرابع: إن الآية (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ…) مقيدة بالآية (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً…).
  5. الحكم الخامس: إن المؤمن يثاب على النية الصادقة كما يثاب على العمل قال الرسول (ص) (إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض) رواه مسلم.
  6. الحكم السادس: إن الجهاد العسكري فرض كفاية على الأمة بمجموعها فعندما يعين الأمير مجموعة للجهاد يسقط الآثم على الآخرين.
  7. الحكم السابع: وجوب طلب العلم قال الرسول (ص) (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه البيهقي.

الدرس الحادي والعشرون من الآية (123-129) في سورة التوبة

ذكرت هذه الآيات السياسة الحربية في قتال الكفار وموقف المنافقون منه

أولاً/ أهداف الدرس الحادي والعشرين من سورة التوبة

  1. بيان بأن قتال من يشكل خطورة على المجتمع المسلم لقربه منهم أهم من قتال البعيد.
  2. فضح المنافقين من خلال المواقف العملية.
  3. توضيح حرص رسول الله (ص) على أمته.

ثانياً/ التفسير والبيان

  1. (123) (قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم…) لما أمروا بقتال المشركين كافة أرشدهم الله إلى الطريقة الأصلح وهو أن يبدوا بقتال الأقرب فالأقرب حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد لعدم تصور القتال دفعة واحدة لهذا قاتل الرسول (ص) أولاً قومه ثم انتقل إلى قتال سائر العرب ثم إلى قتال أهل الكتاب وهم قريضه والنضير وخيبر وفَدَك ثم أنتقل إلى غزو الروم والشام وتم فتحه في زمن الصحابة ثم إنهم انتقلوا إلى العراق ثم إلى سائر الأمصار ويعتبر قتال الأقرب حتى لا يتقوى بما ينال منه على الأبعد (غِلْظَةً) شدة وشجاعة وحمية وصبر.
  2. (125) (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) شك (فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا) نفاق وكفراً مضموماً إلى رجسهم (إِلَى رِجْسِهِمْ) لأنهم كلما جحدوا سورة أو آية أو استهزأوا بها ازدادوا فيما هم فيه وأصل الرجس: الشيء المستقذر وما هم فيه أقذر شيء.
  3. (126) (يُفْتَنُونَ) يبتلون بالشدائد.
  4. (127) (لاَّ يَفْقَهُون) لا يتدبرون أو لا يفقهون لسوء استعدادهم والفقه هو المقصود من العلم.
  5. (128) (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم لكونه بعضاً منكم يقال: عز عليه أي صعب وشق والعنت المشقة يقال: آلمه عنوة أي شاقه.
  6. (129) (حَسْبِيَ اللّهُ) كافيني الله ومعيني.

ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه

(سور) وردت على وجهين

  1. الوجه الأول: وردت بمعنى قطعة من القرآن قال تعالى (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا) وقال تعالى (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) وقال تعالى (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا…).
  2. الوجه الثاني: وردت بمعنى الحاجز قال تعالى (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ)
    وأصل السورة في اللغة ترفع من منزلة إلى منزلة كسور البناء.

رابعاً/ وقفات مع الآيات

الوقفة الأولى: إن الجهاد العسكري في الإسلام من أبرز أهدافه لضمان حرية الإعتقاد وتحرير الإنسان من عبودية العباد والتي تقيمه السلطات الزمانية من خلال قوانين وقواعد تخضع فيها شعوبها لتقديسها والالتزام بها والسلطات الدينية من خلال تحريف نصوص الكتب السماوية وليّها بما يجعل الأتباع منقادين لهم باسم الدين، والآية (قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم…) تبين التدرج في الجهاد يبدأ بالأقرب ثم الأبعد.

الوقفة الثانية: إن تأثير القرآن في القلوب السليمة الحية يزيدها إيماناً بالله وبرسوله وبالمنهاج الذي جاء به فيزدادون تمسكاً بدينهم ويستقيمون على منهج ربهم وتأثيره في القلوب المريضة زيادة الشك والريبة والابتعاد عن منهج الله كمثل غذاء فيه القيمة الغذائية مرتفعة فيأكله من سلم جسمه من الأمراض فيزده نشاطاً وحيوية ويأكله من في جسمه مرض فيزده مرضاً إلى مرضه.

الوقفة الثالثة: إن المواقف والأحداث تكشف حقيقة المنافقين الذين يتسترون ويتظاهرون بوقوفهم مع الحق ولكن سرعان ما تنكشف الحقيقة عند وقوع الأحداث وما أحداث كل غزوة إلا واحدة من هذه الأحداث التي عرت كثيراً من القيادات والأنظمة التي كانت تتظاهر أنها مع المقاومة.

الوقفة الرابعة: إن الآية (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ…) تكشف نوعاً آخر من حقيقة النفاق الكامن في قلوب المنافقين وهو هروبهم من القرآن خشية فضحهم أو إلزامهم بتكاليف لا يؤمنون بثوابها ولا بعقابها لهم في الدنيا والآخرة.

الوقفة الخامسة: إن الآيتين الأخيرتين في السورة تتحدث إحداهما عن الصلة بين الرسول (ص) وقومه وعن حرصه عليهم ورحمته بهم ومناسبتها حاضرة في التكاليف التي كلفتها الأمة المسلمة في مناصرة الرسول (ص) ودعوته وقتال أعدائه واحتمال العسرة والضيق والآية الثانية توجيه للرسول (ص) أن يعتمد على ربه وحده حين يتولى عنه من يتولى فهو وليه وناصره وكافيه ويقتدون به ووراثته في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله في كل زمان ومكان.

خامساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات

  1. الحكم الأول: التدرج في الجهاد يبدأ بالأقرب فالأقرب من الأعداء ولهذا بدأ الرسول (ص) بالعرب ثم قصد الروم والشام.
  2. الحكم الثاني: الرفق في الدعوة والتربية، والغلظة في القتال لمن يستحق القتال من أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
  3. الحكم الثالث: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو مذهب أكثر السلف والخلف.
  4. الحكم الرابع: المنافقون المستهزئون بالقرآن يموتون على كفرهم إن لم يتوبوا مما يدل على مداومة الكفر.
  5. الحكم الخامس: إن الله صرف المنافقين عن الإيمان وصدهم عنه في مذهب أهل السنة لصرف نفوسهم عنه.
  6. الحكم السادس: وجوب الإيمان بصفات الرسول (ص) المذكورة بالآية:
    1. أنه من القوم الذي أرسل إليهم وفيهم
    2. وحرصه على اهتداء الناس إلى الله
    3. رؤوف رحيم بهم.
  7. الحكم السابع: الإعتقاد الجازم بأن الله وحده هو الذين يلتجئ إليه عباده في الدعاء والعبادة والاستغاثة والخضوع والتذلل.

من دروس سورة التوبة

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى