تفسير سورة الأنفال
الدرس الثاني (سورة الأنفال)
من الآية (9-16) الإمداد بالملائكة في معركة بدر وإلقاء النعاس وإنزال المطر

في الدرس الثاني من دروس تفسير سورة الأنفال نوضح لكم ما جاء في الآيات عن الإمداد بالملائكة في معركة بدر والقاء النعاس وإنزال المطر وتفسيرها
أولاً/ أهداف الدرس
تهدف الآيات في سورة الأنفال إلى الأتي:-
- إبراز دور الملائكة في معركة بدر.
- بيان تدخل القدرة الإلهية عندما يؤدي البشر كل الأسباب المطلوبة منهم.
ثانياً/ التفسير والبيان
- (11)( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ) يجعله غاشياً لكم كالغطاء من حيث إشتماله عليكم والنعاس: أول النوم قبل أن يثقل (أَمَنَةً مِّنْهُ) مصدر بمعنى الأمن وهو طمأنينة القلب وزوال الخوف، يزيل به عن قلوبكم الرعب ويقويكم بالاستراحة به عن القتال في الغد، (رِجْزَ الشَّيْطَانِ) أصل الرجز: الإضطراب ويطلق على كل ما تشتد مشقته على النفوس، رجز الشيطان: وسوسته لكم وتخويفه إياكم من العطش، (َلِيَرْبِطَ) يشد ويقوي باليقين والصبر.
- (12)( أَنِّي مَعَكُمْ) أي بالعون والنصر وقد بين الله ذلك بقوله (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ) أي الخوف والإنزعاج وأصله: الإنقطاع من امتلاء النفس بالخوف من المكروه، (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ) بيان لكيفية التثبيت والأعناق: الرؤوس والبنان: الأصابع جمع بنانه وسميت بناناً لأن بها إصلاح الأحوال التي بها يمكن أن يبين أي يقيم وقيل البنان هنا مطلق الأطراف لوقوعها في مقابلة الأعناق.
- (13)(شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ) خالفوا أمرهما والمشقة: المخالفة وأصلها المجانبة لأنهم صاروا في شق وجانب عن شق المؤمنين وجانبهم.
- (15)(زَحْفاً) زاحفين نحوكم أو يزحفون زحفاً لقتالكم والزحف: إنبعاث من جر الرجل كأنبعاث الصبي قبل أن يمشي او هو الدبيب في السير سمي به الحيش الكثيف المتوجه للعدو لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه جسم واحد يزحف ببطء وان كان سريع السير(فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَار) أي تديروا لهم ظهوركم منهزمين والمنهزم يولي ظهره من انهزامه منه والأدبار جمع دبر ويطلق على الظهر وهو المراد هنا (إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ) أي الا أن يكون في توليه منعطفاً عن موقفه الى موقف آخر أصلح للقتال فيه أو إلى قتال طائفة أخرى أهم من هؤلاء أو خادعاً للعدو بالغرة مريداً الكرة والحرب خدعة وأصل التحرف: الزوال عن جهة الإستواء الى جهة الحرف والطرف، (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ) أو إلا أن يكون في توليه منحازاً الى جماعة أخرى من الحيش ومنتبها اليها بالتعاون معها على القتال من التحيز وهو الإنضمام والفئة الجماعة من الناس (بَاء بِغَضَبٍ) رجع متلبساً به مستحقاً له.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن الكريم لأكثر من وجه
كلمة (نصر) وردت على (4) أوجه:
- الوجه الأول: وردت بمعنى الظفر قال تعالى (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى العون قال تعالى (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى المنع قال تعالى (وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُون).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الإنتقام قال تعالى (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ).
رابعاً/ أسباب النزول في سورة الأنفال
- سبب نزول الآية (9)(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ…) روى الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: نظر نبي الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فاستقبل القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه فأتاه ابو بكر فأخذ منه رداءه وألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله هذه الآية وأمدهم الله بالملائكة.
- وروى البخاري عن ابن عباس (ض) قال: قال: النبي (ص) يوم بدر (اللهم إني انشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شأت لم تعبد) فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك فخرج وهو يقول (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر) ((45) القمر)
أقرأ أيضاً الدرس العشرون (سورة الأحزاب)
خامساً/ وقفات مع الآيات في سورة الأنفال
دلت الآيات على أمور ثلاثة:
- تعدد النعم.
- تعليم كيفية القتال.
- عقاب مشاقة الله والرسول.
أولاً النعم المذكورة التي أراد الله التذكير بها في معركة بدر (سبع) وهي:
- النصر عند الإستغاثة.
- القاء النعاس أمنة منه.
- انزال المطر من السماء لتحقيق الطهارة الحسية والطهارة المعنوية بإذهاب وساوس الشيطان.
- الربط على القلوب.
- تثبيت الأقدام على الرمال.
- الإيحاء الى الملائكة أن الله مع المؤمنين فانصروهم وثبتوهم
- إلقاء الرعب والخوف في قلوب الكافرين
ثانياً تعلم كيفية القتال:
وتتمثل هذه التعليمات بالنقاط الآتية:
- ضرب الهامات والرؤوس المحمولة فوق الأعناق.
- تقطيع الأيدي والأرجل ذات البنان لأن الأصابع هي التي تمسك السيوف والرماح وسائر الأسلحة.
ثالثاً عقاب مشاقة الله ورسوله:
- الخزي.
- النكال.
- الهزيمة بالدنيا.
- العذاب الشديد في نار جهنم يوم القيامة.
سادساً/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- التكريم الذي كرم الله به أهل بدر لجهادهم وليس لذواتهم.
- وجوب دفن القتلى ولو كانوا من الأعداء فقد أمر الرسول (ص) بدفن قتلى المشركين السبعين يوم بدر في القليب
- ثبوت أن الموتى يسمعون: روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) ترك قتلى بدر ثلاثاً ثم قام عليهم فناداهم فقال: يا أبا جهل بن هشام ، يا أمية بن خلف ، يا عتبة بن ربيعة ، يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، فسمع عمر قول النبي (ص) فقال: يا رسول الله كيف يسمعون وأنى يجيبون وقد جيفوا قال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا .
- ثبوت أن الموت ليس عدم محض ولا فناء صرف وإنما هو إنقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وانتقال من دار الى دار .
- قال الرسول (ص) إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم أخرجه في صحيح الجامع.
- تحريم الفرار من القتال أمام العدو الا في حالتين:
-
- التحرف لقتال
- التحرز الى فئة
وكذلك إذا وضع الداعية في ثغرة من ثغرات العمل الإسلامي فلا يجوز له ترك الثغرة الا بعذر شرعي والعذر الشرعي تقرره الجماعة وليس الفرد.