
إنه محمد علي إسماعيل.. من عرفه، تذكر كل الصفات والألقاب والمنجزات فلم يجدها حاضرة إلّا من خلاله فهو القدوة الحاضرة، كما وصفه الأستاذ محمد عبده هزبر ويكمل حديثه قائلا:
القدوة الحاضرة
لم يكن موعدنا الأخير به، لكنه اللقاء الاستراتيجي الذي خطط له، وعمل على المضي في تحقيقه، فهو إذا قرر أمرا حققه وهيأ أسبابه، إنه محمد علي إسماعيل، من عرفه تذكر كل الصفات والألقاب والمنجزات، فلم يجدها حاضرة إلا من خلاله، لما يحمل من روح وثابة وهمة عالية وقدرة فائقة، لا أعلم شيئا عن نشأته وحياته الأولى، لكن اسمه سبق شخصه إلى عبر محمد شائف طربوش الذي كان لسانه رطبا بذكره، حتى وقعت بين يديه، فكان الذي تنطبق منجزاته على ما ترى وتسمع، إنها الروح صاحبة الإنجاز، والرجل الذي قيل.
كان الموعد السبت الثامنة والنصف، لكنه آثار العزلة من الثلث الأخير من الليل، وما عند الله خير وأبقى، فانتقل إلى الصفوة، وهو من صفوة الصفوة الكرام، فطاف عليه كل محب يلتمس الرجاء بطواف الوداع، وهو في سكينة تامة كما عهدناه رخاء وشدة، سكينة بين يدي كريم رحيم ودود، وأي ود أكبر من لقاء الرب بعد طول عمر وحُسن ختام، فكل عمل متعد نفعه لم يدخره، بل أسداه للناس معروفا خاصة وعامة، قولا وفعلا، خدمة ونصيحة، مشورة وموقفا، وما فاح العبير إلا لذلك النفير الذي جمع كل إلهام فهز أركان الحياة بالسعادة، منذ إشعاع النهضة في بني يوسف المواسط، وبأذان صلاة الجماعة من مسجد النور، فكان النور على نور كمشكاة فيها مصباح .
مِثلُ محمد علي إسماعيل يُحسد حيا وميتا، حياة لاستفراغ الجهد والوسع، فقد أحيا موات القلوب وحرك الجوارح وقَوَّمَ السلوك، وتمثل القيم سلوكا عمليا، وعلاقات ناطقة بالسيرة والسريرة، وميتا لما له من قبول ورضىً عند الله والناس، لتلك المشاعر التي أحست بالغبن تجاه النسمة التي حان قطافها كسنبلة مليئة متدنية قريبة.
لم يكن مجرد عالم أو فقيه، وأستاذ وأب ومربي أولاد، لكنه جمع بين الشيئين معا، وما لم يكن بالحسبان، إنه القائد الناجح، والمدير القدوة، مؤسس المشاريع النافعة المثمرة، حتى أصبح مهوى الأفئدة ومأوى الحاجة، إنه نعم المربي الذي جمع بين العلم والقيادة، والفقه والإدارة، والتخطيط والتنفيذ والتوجيه والمتابعة، وسبغ هذا كله بالخشية والتقوى، والعزم والإصرار، يختصر الكلام ويعيد العبارة، قريب الدمعة لما يرى من ضياع وحسرة، وقد يكون الوحيد .
محمد علي إسماعيل صاحب الإرادة الفولاذية التي لا تنكسر مهما كانت العاصفة، ولا تيأس مهما كانت عوامل الإحباط، ولا تلين مهما كانت مغريات التهديد والترغيب، إنه المشروع الناجح بعد ذهاب الأمل، وبداية التفاؤل مع كثرة رسائل الإحباط، رزقه الله ما لم يرزق غيره من الهيبة والوجاهة والقبول، لسر بينه وبين الله، لا يعلمه إلا هو، لهذا السر أعلن الله له القبول في الأرض، نعم العبد إنه أواب، وكأنه أعطي المفاتيح وبأيها فتح، انفتح!
كيف نقول مر وهذا الأثر، وعن أي مرور نتحدث، وقد سد الأفق بمعطيات حميدة وأعمال جليلة، ومواقف جبارة، فأثره مع الصغير ظاهر، ومع الكبير باهر، في البيت أب وفي المسجد واعظ، في الشارع ومكان العمل قدوة، في المؤسسة والجامعة مرجع، في القرية والمدينة حلَّالْ المشاكل، إنه بحق ملك الانضباط والدقة، والتكليف والمتابعة، والابتسامة الصادقة والضحكة المؤنسة، وصاحب السؤال المعبر عن الهدف المنشود.
لم يكن يحلم إلا بقيام دولة يطمئن فيها الغني على حقه والفقير على رزقه، يتساوى فيها الضعيف والقوي أمام القانون، يأمن الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، إنه الحب للدين والوطن والأمة ليقوم كل بعمله، حلم حاول وحاول وكرَّس جهده ليحققه، في كل مجال عمل فيه وفي أي مستوى كان، وكل مهمة قام بها، بهذا نعلم قيمة علم الإدارة التي أدار الأستاذ الحياة فيها بعلمه، ومحمد علي إسماعيل من القلة القليلة التي فهمت الحياة، فإدارة الوقت القصير فيه فائدة حتى بغرس الفسائل وإن قامت الساعة اللحظة!
محمد علي إسماعيل من مواليد بني يوسف المواسط1949 م، والكل يعلم تضاريس النشأة في المنطقة، وكيفية التغلب على أوجاعها، ولد فيها، فتعلم الصبر والمصابرة والعزم والإصرار، وهي سمة بارزة في أهلها إلا ما ندر، كما أنه مر على الفصول الأربعة لعقود بصيفها وخريفها وربيعها وشتائها، حتى خبر الحياة والناس، ولما حان وقت العلم والتعلم؛ استخدم حواسه ومواهبه خير استخدام، وصاحب الفطرة السليمة لن تخطئه الحواس ما دام العبور آمن، وحبل الله متين والله المعين.
اليوم لا نقول لك وداعا، فالوداع لمن لم يُحَسِّنُ الله ختامه ولم يصلح حاله، نحن وحدنا من يحتاج إلى الوداع، للبضاعة المزجاة والسوق الراكدة والنفس المتعلقة، والشياطين العاملة، نحن من لم يدرك ما أدركته أنت حتى كنت بهذا الحضور المهيب بجنازة مشهودة بالملائكة، فأين نحن ومن نحن حتى يسمع دعانا ويلبى طلبنا؟
لكنا مع هذا نقف وعلينا الأوزار ضاغطة، بين يدي الله راجين الرحمة والمغفرة لفقيد اليمن كلها وليس تعز وحدها، رحمه الله ورفع قدره، وعظم الله أجر الأولاد ذكورا وإناثا، وعمداء الأسرة وسادة العشيرة، ورفقاء الدرب في طريق الإصلاح من عرف العمل على بصيرة.