تفسير سورة الأنعام
تفسير سورة الأنعام .. الدرس الثاني

سنواصل معكم في هذه المقالة دروس وتفسير سورة الأنعام وذلك من الآية الـ 7 وحتى الآية الـ 11 وسنوضح لكم أيضا أهداف الدرس، وأسباب النزول، والكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه وغيرها.
أولاً – أهداف الدرس الثاني من سورة الأنعام
- إبراز بطلان ما يطلبونه المشركون من الرسول (ص) من كتاب مكتوب بأوراق أو ملك ينزل معه.
- بيان حقيقة استهزائهم بالرسول والرسالة.
ثانياً/ تفسير وبيان الآيات
- (7) (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ…) القرطاس ما يكتب فيه أي ولو نزلنا عليك مكتوباً من عندنا في قرطاس كما اقترحوا فرأوه ولمسوه بأيديهم لقالوا: ما هذا إلا سحر بين ظاهر، إمعان منهم في الجحود والعناد.
- (8) (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ…) أي هلا أنزل على محمد ملك نشاهده معه ويخبرنا أنه رسول من عند ربه فيكون معه نذيراً، (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ…) جواب عن اقتراحهم أي لو أنزلنا عليهم ملكاً في صورته الحقيقية وشاهدوه بأعينهم لزهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون، (ثُمَّ لاَ يُنظَرُون) أي لا يمهلون طرفة عين بعد انزاله الملك ومشاهدتهم له من النظر يقال نظرته وأنظرته يعني أخرته.
- (9) (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً…) ولو جعلنا النذير الذي اقترحوا انزله معه ملكاً لمثلناه رجلاً لعدم استطاعتهم معاينة الملك على صورته الأصلية وهذا على فرض عدم الهلاك لرؤيته، (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون) أي ولخلطنا عليهم بتمثيله رجلاً ما يخلطون على انفسهم بأن يقولوا له إنما أنت بشر مثلنا ولست بملك من اللبس وهو الخلط وأصله الستر بالثوب ، ومنه اللباس ويستعمل في المعاني فيقال: لبّس الحق بالباطل تلبسه ستره به ، ولبست عليه الأمر خلطه عليه وجعلته مشتبهاً حتى لا تعرف جهته.
- (10) (فَحَاقَ) أي احاط بالذين سخروا من الرسل العذاب الذين كانوا يستهزئون به حين يخوفهم الرسل إياه يقال: حاق به الأمر يحيق حيقاً وحَيُوقاً أحاط به كأحاق والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فِعلِه والسخرية: الإستهزاء والتهكم.
- (11) (عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين) آخرتهم ونهايتهم : مصدر كالعاقية وهي منتهى الشيء وما يصير إليه.
ثالثاً/ الكلمات التي وردت في القرآن لأكثر من وجه
(نظر) وردت على (4) أوجه
- الوجه الأول: وردت بمعنى الإنتظار والتأخير قال تعالى (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُون) وقال تعالى (مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً) وقال تعالى (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وقال تعالى حاكياً عن ابليس (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون) وقال تعالى حاكياً عن المنافقين (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ).
- الوجه الثاني: وردت بمعنى الرحمة قال تعالى (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
- الوجه الثالث: وردت بمعنى الإعتبار والتفكر في مخلوقات الله قال تعالى (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت…).
- الوجه الرابع: وردت بمعنى الرؤية قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة) وقال تعالى (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) وقال تعالى (وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُون).
رابعاً/ أسباب النزول الدرس الثاني من سورة الأنعام
- سبب نزول الآية (7) (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ…) قال الكلبي (إن مشركي مكة قالوا يا محمد والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسول الله فنزلت الآية.
- سبب نزول الآية (8) (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ…) روى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن اسحاق قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فقالوا له: لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله هذه الآية.
خامسا/ وقفات مع آيات الدرس الثاني سورة الأحزاب
- الوقفة الأولى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ…) ليس الذي يجعل المشركين يعرضون عن آيات الله أن البرهان على صدقها ضعيف أو غامض أو تختلف فيه العقول، إنما الذي يجعلهم يقفون هذا الموقف هو المكابرة الغليظة والعناد الصفيق وهو الإعراض مبنياً على الرفض والإنكار وعدم اعتبار البرهان أو النظر إليه أصلاً.
- الوقفة الثانية: (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ…) هذا الإقتراح الذي اقترحه المشركون ومن قبلهم والرد القرآني يثيران حقيقتين:
- الحقيقة الأولى: أن اولئك المشركين من العرب لم يكونوا يجحدون الله ولكنهم كانوا يردون على صدق الرسول والرسالة أنهما من عند الله ولكنه مطلب غير واقعي.
- الحقيقة الثانية: أن العرب كانوا يعرفون أن هناك ملائكة ولكنهم لا يعرفون طبيعتهم ولا طبيعة وظائفهم ولأن الهدف من إرسال الرسول من البشر ليطبق أحكام الرسالة عملياً يرون بأعينهم ذلك.
- الوقفة الثالثة: إن القرآن يوضح أن وظيفة الملائكة ليس تبليغ الرسالة إلى الناس مباشرة وإنما يبلغون الوحي من عند الله إلى رسله فقط ودور الرسل هو تبليغ الرسالة إلى الناس لأن الملك لو قام بتبليغ الرسالة مباشرة إلى الناس لابد أن يتمثل بشخصية رجل فيلتبس على الناس أمر فيحتاجون إلى دليل آخر لأثبات أنه ملك وليس بشر وأنه مرسل من عند الله.
- الوقفة الرابعة: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ…) إن هذه اللفتة بعد ذكر اعراض المشركين عناداً وتعنتاً وبعد بيان ما في اقتراحاتهم من عنت وجهالة وما في عدم الإستجابة لهذه المقترحات من رحمة الله وحلمه لترمي إلى غرضين ظاهرين.
- الأول: تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه مما يلقاه من عناد المعرضين.
- الثاني: لمس قلوب المكذبين المستهزئين من العرب بمصارع اسلافهم من المكذبين المستهزئين وتذكيرهم بهذه المصارع التي تنتظرهم، إن هم لجّوا في الإستهزاء والسخرية والتكذيب.
سادسا/ الأحكام المستنبطة من الآيات
- الحكم الأول: الإعتقاد ببطلان مطالب المشركين وأنها مطالب تعنتيه وعنادية.
- الحكم الثاني: بيان القرآن في الرد على مطالبهم هو الصواب المناسب للطلب.
- الحكم الثالث: الإيمان بأن الإستهزاء بالرسل اساليب قديمة وانزال العقوبة من الله بما يتناسب مع كل قوم وبما يتناسب مع استهزائهم ولابد من أخذ العبرة والإتعاظ.