وقفة مع سورة الناس

سورة الناس، هي سورة مكية، وقيل مدنية، من المفصل. عدد آياتها 6 وترتيبها 114 وهي الأخيرة بين سور المصحف في الجزء الثلاثين، نزلت بعد سورة الفلق، وهي السورة الحادية والعشرون وفقًا لترتيب النزول «عند من يُرجِّح أنها مكية»، سُمّيت بأسماء عدة، منها: سورة «قلْ أعوذ بربّ النّاس»، و«سورةُ الْمعوّذةِ الثّانية»، ومع سورة الفلق تسمّيان «بالْمعوّذتيْن» أو «المشقشقتين» أو «المقشقشتين»، وتسميتُها في المصاحف وكتب التفسير «سُورَةُ النَّاسِ».
ولا يوجد اختلاف تقريبًا في القراءات العشر للسورة، إلا في إمالة كلمة «الناسِ» في رواية حفص الدوري عن أبي عمرو بن العلاء، وكذلك قراءة ورش عن نافع لـ «قُلْ أَعُوذُ» بنقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة قبلها وحذف الهمزة وكذلك بالسكت على ما قبل الهمزة في (قل أعوذ) في رواية خلف عن حمزة باختلاف عنه.
تتحدث السورة عن أمر الله للنبي محمد بأن يتعوذ بالله رب الناس من شر الوسواس، ووردت العديد من الأحاديث النبوية في فضلها، فكان النبي يقرأ هاتين المعوذتين إذا آوى إلى فراشه وينفث يديه ويمسح بهما ما أقبل وأدبر من بدنه، ويأمر بقراءتهما دُبُرَ كل صلاة، كما حثَّ النبي على قراءتهما ثلاثًا في الصباح والمساء مع سورة الإخلاص.
أولا: عدو الإنسان
حدد الله العدو الحقيقي للإنسان عبر سورة الناس وهو الشيطان من الجن ويلحق به الشيطان من الإنس.
- فقد قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} [فاطر:6]
- وقال تعالى أيضا: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} الإسراء (53)
- وقال تعالى: {فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى}طه 117
- وقال تعالى حاكيا عن عمّن أضله الشيطان {لقد أظلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا} الفرقان (29)
ثانيا: هدف الشيطان
- قال تعالى حاكيا عن الشيطان يقسم معلنا هدفه {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين} [ص:82] {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين} [ص:83]
- وقال تعالى {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف 17
- وقال تعالى حاكيا عنه وهو يتبرأ من أتباعه يوم القيامة {وقال الشيطان لمّا قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق، ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي؛ إنّي كفرت بما أشركتموني من قبل، إنّ الظالمين لهم عذاب أليم} إبراهيم 22
ثالثا: وسائله لتحقيق هدفه
وتشتمل فيما ما يلي:
- الوسوسة وهي: الإلقاء الخفي في النّفس إمّا بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألقي إليه؛ وإمّا بغير صوت. كما يوسوس الشيطان للإنسان، وتفيد كلمة “وسوس ” التكرار والاستمرار، وتكثر الوسوسة عند الغفلة عن ذكر الله، قال تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين} الزخرف 36
- الخناس: المتواري المختفي ثم يعاود الرجوع، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم – (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس) رواه البخاري
- الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس
وتتمثل وسوسة الشيطان في المداخل الآتية:-
- الظن السيئ: الدليل حديث حفصة الذي ورد في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (ان الشيطان يجري بابن ادم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا أو قال – شيئا)
- صرف المصلي عن صلاته: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل لا يدري كم صلى) رواه البخاري
- إثارة الشبهات. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق الله فمن وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري ومسلم وفي الصحيح فقالوا يا رسول الله- إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم على أحدنا ان يتكلم به – قال (أوقد وجدتموه؟) قالوا نعم. قال (ذلك صريح الإيمان رغما للشيطان حسب ما نطق به القرآن في قوله {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}، وفي الصحيحين أن أصحاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – قالوا يا رسول الله: إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، قال (الحمدلله الذي رد كيده الى الوسوسة)
- أن يشغل القلب وينسيه عما يريد أن يفعله قال الله تعالى {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} [الكهف:63]
- تزيين الباطل للإنسان، قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون} [الأنعام:112] {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُون} [الأنعام:113]
- دفع الإنسان إلى المعاصي بصور مترحة قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه كان لكم عدوا مبين} 168 البقرةوقال الله تعالى {يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ ، اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [النور:21]
- يعقد على الإنسان عقد عند نومه ليغفله عن صلاته. عن أبي هريرة (ض) ان رسول الله (ص) قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد.. فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت العقد كلها فأصبح نشيطا طيب النفس.. وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) رواه البخاري
- أن يبول في أذن العبد حتى ينام عن صلاته. قال رسول الله -ص-عندما ذكر عنده رجل نام ليلة حتى أصبح (قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) رواه البخاري
- إثارة العداوة والبغضاء بين الناس قال الله تعالى {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء:53]
- يشارك الإنسان في كثير من حياته بالمأكل والمشرب والمنام والجماع.
تبدأ خطوات الشيطان بالخطرة تليها الفكرة ثم الشهوة ثم الإرادة ثم العزم ثم الفعل ثم العادة
أنواع المعاصي:
- الكفر بالله والشرك به والكبائر وصغائر الذنوب
- شغل العبد بالمباحات
- شغل وقته بالتوافه، قال الله تعالى {واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} 64 الإسراء ومعناة استفزز: استزل واستخف
رابعا: كيف نحمي أنفسنا من شره
قال الرسول (ص) (أن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) رواه أحمد
الإيمان جنة والذكر عدة والإستعادة سلاح ونتخذ الآتي:
- الإستعاذة بالله قال تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} فصلت 36
- قراءة سورتي الفلق والناس قال الرسول – ص- (إن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا حين يمسي وثلاث حين يصبح كفته من كل شيء)
- قراءة آية الكرسي عن أبي هريرة – ض- قال (وكلني رسول الله – ص – بحفظ زكاة رمضان فأتى آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله – ص- فذكر الحديث إلى أن قال.. فقال ” إذا أويت الى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ” فقال النبي -ص- (صدقك وهو كذوب ذاك شيطان) رواه البخاري
- قراءة سورة البقرة قال الرسول -ص- (لا تجعلوا بيوتكم قبورا وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله شيطان) رواه البخاري
- خاتمة سورة البقرة قال الرسول – ص- (من قرأ الأيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) رواه البخاري
- أول سورة حم المؤمن إلى قوله {إليه المصير} مع آية الكرسي قال رسول الله -ص- (من قرأ حم المؤمن إلى (إليه المصير) وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح) رواه الترمذي
- ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة قال الرسول (ص) من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك) رواه البخاري ومسلم
- كثرة ذكر الله فقد روى الترمذي من حديث الحارث الأشعري أن النبي – ص- قال ( إن الله أوحى إلى يحيى ابن زكريا بخمس كلمات : والخامسة وأمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ….) رواه المنذري بالترغيب والترهيب وإسناده صحيح
- الوضوء فقد ورد في الأثر (إن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء) رواه الترمذي
- إمساك فضول النظر وفضول الكلام وفضول الطعام
-
- قال تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون} [النور:30] – 31
- وقال الرسول- ص – (وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وقال حسن صحيح
- وقال النبي – ص – (ردا على الرجل الذي مدح رجلا (فما يدريك فلعله تكلم بما لا يعنيه..) ابن أبي الدنيا
- قول التي هي أحسن قال الله تعالى {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم آن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) الإسراء 53