الاجتهاد

أولا/ تعريف الاجتهاد
جاء تعريف الاجتهاد في اللغة/ هو بذل الوسع في طلب الأمر وهو افتعال من الجهد أي (الطاقة) ومنه حديث معاذ رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال (كيف تقضي) فقال أقضي بما في كتاب الله قال (فإن لم يكن في كتاب الله) قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال اجتهد رأي وفي رواية ابي داوود (اجتهد رأي ولا آلو) قال (الحمد لله الذي وفق رسول الله صلى الله عليه وسلم) سنن الترمذي وسنن ابي داوود
وفي الاصطلاح/ الاجتهاد: هو بذل الفقيه الوسع في تحصيل بحكم شرعي ظني.
فهل هذا المعنى ينطبق على اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم والجواب عن هذا السؤال يتطلب الرجوع إلى النظر في الحوادث والوقائع التي ثبت فيها اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا/ الفرق بين الاجتهاد لرسول صلى الله عليه وسلم واجتهاد علماء الامة
إن اجتهاد علماء الأمة يعتمد على:
- النظر في النصوص من جهة العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والإبهام التبين والإجمال والتفصيل والناسخ والمنسوخ والظاهر وغير الظاهر والحقيقة والمجاز
- وجود أصل منصوص عليه فيه على جامعة غير معارضة وهذه العلة موجودة في محل غير منصوص عليه فيعمل غير المنصوص عليه في حكمه الشرعي بهذه العلة الجامعة وهو المعروف عندهم بالقياس
أما الإجماع وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي في أمر من الأمور فهو أصل لأدلة الاحكام في اجتهادات علماء الأمة يعتمد على دليل قد يظهر وقد يخفي.
ثالثا/ الاجتهاد عند الرسول صلى الله عليه وسلم
فلا يحتاج إلى النظر في النصوص من الجهات التي احتاج لها علماء أمته لأن النصوص جميعها بينة له من جميع هذه الجهات وغيرها
وأما ما يظهر في بعض اجتهاداته صلى الله عليه وسلم أنه من قبيل القياس فالحمل فيه لتقريب فهم الحادثة المسؤول عنها أو المخبر بها ولفتح باب الاجتهاد لعلماء أمته صلى الله عليه وسلم المؤهلين له لاستنباط الحكم بالنظر في النصوص.
حيث اختار الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولا إلى خلقه ختم به الرسالات الإلهية وكلفه بتبليغ شرعه إلى عباده من هنا يبرز سؤال هو: هل كان يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي يتلقى الوحي من الله تعالى، أم يجتهد فيما لم ينزل عليه به وحي، أو ليس له ذلك؟ اختلف العلماء في ذلك.
فقالت طائفة: لا يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم ان يحكم بالاجتهاد أي ان الله تعالى لم يأذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد في بيان احكام الحوادث التي لم ينزل عليه فيها وحي ولا تعبده الله به
أدلة المانعين لاجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم أدلة نقلية وعقلية
الأدلة النقلية:
- قال تعالى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ النجم (3-4)
- قال تعالى (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (15) يونس
- قال تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم) الاسراء (36)
الأدلة العقلية
- ان الاجتهاد العمل بالظن والرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة لذلك لأنه قادر على تحصيل اليقين
- لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم عاملا بالاجتهاد لما أخر الجواب على بعض الاحكام حتى نزل القران
- الامثلة: الظهار واللعان.
الطائفة الثانية: التي تقول بجواز اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم في الاحكام الشرعية والامور الدينية والحروب بالكتاب والسنة والمعقول وهم الجمهور
أدلتهم: أما أدلتهم من الكتاب فنورد منها ما يلي:
- قوله تعالى (وشاورهم في الامر) ال عمران (159)
- وقوله تعالى (يا أيها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فرده الى الله ورسوله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلا) (59) النساء
- قال تعالى (ولو ردوه الى الله والرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم (59) النساء
- قال تعالى (فإن جاؤك فاحكم بينهم او اعرض عنهم …. (42) المائدة
- قال تعالى (فاعتبروا يا أولي الابصار (2) الحشر.
أدلتهم من السنة
- عن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: «نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟»، قالت: نعم، فقال: «اقضوا الله الذي له، فإن الله أحق بالوفاء».
- إجابته صلى الله عليه وسلم عن عمر حين سأله أنه قبّل امرأته وهو صائم قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم) قلت لا بأس بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ففيم؟) رواه أبو داوود
- اجتهاده صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر قبل المعركة وبعدها
- سوقه صلى الله عليه وسلم الهدي في حجة الوداع
- صلاة التراويح في المسجد برمضان الليلة الأولى والثانية والثالثة فلم يخرج بالرابعة خشية أن تفرض عليهم
- ما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: (إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أذنا للخروج فقال (إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وأن النار لا يعذب بها إلا الله فان وجدتموهما فاقتلوهما) صحيح البخاري.
أظهر أدلتهم العقلية
إن العمل بالاجتهاد أشق من العمل بالنص قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (إن لك من الأجر على قدر نصيبك ونفقتك) فتح الباري.
أن النبي صلى الله عليه وسلم على علم تام بما فيه النصوص وملاحظة إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص لسلامة نظره وبعده على الحظ والإقرار عليه وهذا يرجح إثبات الحكم في الفرع ضرورة فلولم يقض به لكان تاركا لما ظنه حكم الله على بصيره منه وهو حرام بالأجماع.