2025-06-16 10:33 م
إدارة الموقع
2025-06-16 10:33 م
نبضات المحبين

مواقف لاتُنسى

بقلم المحامي/ عبد العزيز أحمد علي

أردت أن أشارك تحت عنوان ” مواقف لا تُنسى “ أذكر فيها بعض المواقف التي عشتها مع أستاذنا الفاضل _رحمه الله_ فمن عرف أستاذنا وعاش معه، يدرك أن “حياته دعوة لله” في توجيهه ونصحه، في عمله وتعامله، في تميزه بمخالطته، وفي غضبه ومزحه، في نومه ومداعبة طفله.

ولست هنا بصدد عرض ما أكرمه الله به من صفات شخصية، أو دراسة وتحليل فقهه في الدعوة والتربية، لكني أستطيع أن أقول “بأنه صدق الله في التوجه والقصد فأكرمه الله بالتوفيق والقبول

ذكرت هذه الإطلالة البسيطة لتكون مقدمة تُقعّد* لموضوع العنوان، لأني أرى أن تلك المواقف كان لها أثراً عميقاً في نفس المتلقي، فكم أنارت من دروب، وكم فتحت من قلوب، لعلنا اليوم نستخلص منها العبرة، ونفهم معنى القدوة، وندرك اسلوب التربية وفقه الدعوة.

مواقف لاتُنسى

لقد أكرمني الله بأن أكون أحد طلاب أستاذنا الفاضل/ محمد على إسماعيل، وحظيت – كما حظي  أقراني – منه بالتعليم والتربية بل والرعاية، وقد خصني -عنهم-  بقدر من التوجيه والنصح والاهتمام، في محطات حياتي المختلفة، وقد تجدون من زملائي أيضا من يخبركم أنه كان يخصه بقدر من العطف والاهتمام ، فذاك شعور مشترك عند تلاميذه، فإنه من فقهه في  التربية لا يقف عند حد السؤال عن تلميذه وتعليمه فحسب، بل يجتهد في أن يكتشف مواهبه،  وينمي قدراته، يقوم سلوكك بالقدوة، يناقشك كصديق، ويوجهك كقائد، ويشاركك همك كأخ وفي، فله منا الشكر عرفاناً بجميل صنعه، أما الجزاء …فإنا عاجزون أن نوفِه بعض حقه علينا، فلا نملك إلا أن نقول: اللهم أجزه عنا خيراَ.

 (1) توجيهه ونصحه

الموقف الاول:

عندما كان أستاذنا الفاضل/ محمد علي إسماعيل مديراً لمدرسة السلام، وأنا أحد الطلاب فيها، كنا نُقيم احتفالات دورية بمناسبات دينية ووطنية مختلفة، وفي إحدى تلك المناسبات كنا نُجهز المكان لاستقبال الضيوف والأستاذ يوجهنا ويوزع الأعمال، فجلس على كرسي في نهاية صالة المدرسة يشرف على الترتيبات، فأتيته وأنا مبتهج لأبلغه بأن أحد الضيوف قد حضر، فقلت له “حضر إحدى الضيوف” !!

فتبسم وهز رأسه، وعندما هممت بالعودة لمواصلة العمل مع الزملاء، أشار إليً بيده اليمنى كي أجلس على الكرسي بجانبه، فلما جلست مال نحوي برأسه وقال لي بصوت خافت وهو يبتسم: “قل أحد الضيوف وليس إحدى

ثم أردف قائلاً: “لأن إحدى تستخدم للمؤنث وأحد للمذكر”، كنت حينها في الصف الخامس الابتدائي، وكان لهذا الموقف بالغ الأثر في نفسي، فلم يتركني على الخطأ، ولم يُفسد عليً فرحتي بالحفل، أتيته مبتهجاً وعدت مسروراً، واستفدت معلومة جديدة.

هذا الموقف شجعني على أن أنتهز كل فرصة لأتعلم منه موضوع جديد في اللغة العربية، وفي العام التالي حصلت على امتياز في مادة اللغة العربية، حيث كان الصف السادس حينها شهادة عامة.

وعندما كان يأتي إلى الصف الدراسي ليحل محل المدرس المتغيب لسبب ما، وقبل أن يشرع في الدرس يسأل الطلاب ماذا تريدون أن يكون موضوع الدرس؟ فكنا نطلب منه درساً من دروس النحو المقررة فيوافق ويقوم بشرحها لنا.

حينها أحببنا اللغة العربية، وكانت دروسها عندي من أجمل الحصص، حيث كنت أحصل فيها -بفضل الله- على درجة امتياز في مراحل الدراسة المختلفة، بما في ذلك مرحلة الدراسة الجامعية.

الموقف الثاني:

لاحظ أستاذنا الفاضل أن هناك تهاون من بعض المدرسين ذوي الجنسيات العربية في أداء الصلوات المكتوبة، وكان مُعتم لهذه القضية، رأينا ذلك من علامات الحزن على وجهه، فقلت في نفسي: لن يطول الأمر حتى يدعوا المدرسين للإجتماع، ويوجههم.

لكنه لم يفعل، بل حضر في اليوم التالي إلى طابور الصباح باكراً، وبدأ يلقي دروساً عن الصلاة في كل يوم درس عبر سلسلة متواصلة، بدأها بأهمية الصلاة وختمها بعقوبة تارك الصلاة؟

وكان كل يوم يأخذ أكثر من نصف وقت الطابور بشأن هذا الموضوع ولمدة أسبوع كامل!

وبحكم سكني بقرب المدرسة التي هي مجاورة للمسجد، رأيت جميع المعلمين بعد تلك الدروس يحضرون للصلاة جماعة في المسجد، حتى أولئك الذين كانوا يتهاونون بالصلاة، بل كانوا يشعلون “الفانوس” ويخرجون به من سكن المدرسة للمسجد لصلاة الفجر، كان الفضل في ذلك لما سمعوا من أستاذنا عن أهمية الصلاة فأصلح بفضل الله شأنهم، دون أن يوجه لأي منهم خطاب مباشر، فكان أجدر للاستماع وأنفع للإتباع.

عندما علم الأستاذ بذلك سُرّ كثيراً.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى